Skip to main content

وصف الجنّة في الإسلام

أّطنبَ القرآن في آياته، ونبي الإسلام في أحاديثه، في وصف جمال الجنّة ونعيمها بشكل حِسِّي خالص ومشوّقٍ جداً، لدرجةٍ تساعد الإنسان على أّن يتخيّل نفسه في الجنّة يستمتع بأنهارها وثمارها ويتلذّذُ بنسائها وغلمانها. ولم يكتف المحدِّثين وعلماء التّفسير والرّواة بالتَّفاصيل الكثيرة جداً في القرآن والحديث، بل زادوا في تفاسيرهم شروحات كثيرة في وصف الجنّةِ مما يرغِّبُ الإنسان بقوَّةٍ في الاجتهاد والسِّعي المتواصل ليكون من سكانها ويتلذّذ بخيراتها.

وهكذا تَرْخَصُ الحياة الدنيا في عيون الكثيرين أمام الصورة الجذّابة والمغرية لدار النّعيم، لدرجة أنَّ عدداً متزايداً من الشباب المسلمين لديهم الاستعداد للموت والشهادة، لأن أجرهم عند الله عظيماً: حيث وفرة الخمر والَّلبن والعسل وماء الكوثر والحوريات والغلمان وغيرها من الخيرات الجزيلة التي لا حصر لها.

والغريب في الأمر كله، أن الدِّقة في ذكر هذه الأوصاف، والتفاصيل الكثيرة عن جمال وروعة الجنة وموجوداتها في القرآن والسُّنة تتناقض بشكلٍ صارخٍ ومباشر مع حديث قُدُسِيٍّ معروفٍ رواه أبو هريرة عن النبي محمد قال فيه: "قال الله: أعددتُ لعابدي الصّالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ، فاقْرَأوا أن شئتُم: (فلا تعلَمُ نفسٌ مّا أخْفِيَ لَهُم من قُرَّةِ أعْيُنٍ". ويفيد هذا الحديث أن ما أعده الله لعباده الصّالحين لا يمكن وصفه، حيث لم تَرَهُ عيونهم، ولم تسمع عنه آذانهم ولا خطر على قلوبهم. ومع ذلك فأن الصفات الحسيّة الكثيرة التي ذكرها القرآن، جعلت المسلمين يسمعون بما أعده الله لهم، وجعلت عقولهم وقلوبهم تفكر وتشتهي هذه الخيرات والملذّات، بحيث يستحيل عدم تصور هذا النعيم عند السّماع به أو القراءة عنه. ويجب الإشارة هنا إلى حقيقة معروفه وهي أن هذا الحديث النبوي مأخوذٌ أصلاً من الإنجيل المقدس، فقد ورد في رسالة كورنثوس الأولى 9:2 قول الوحي المقدس: "ما لم تَرَ عينٌ، ولم تَسْمَعْ أذنٌ، ولم يخطر على بال إنسانٍ: ما أعَدَّهُ اللهُ للَّذين يحبّونَهُ". وعند مقارنة ما قاله الله في الإنجيل المقدس عن أمجاد السَّماء الروحية لا يقارَن أبداً بملذات جنة القرآن الجسدية: جنة الطعام والشراب والجنس بلا انقطاع.

أشرنا إلى حقيقة إسهاب القرآن والنبي محمد في وصف الجنة، ونذكر من هذه الصفات ما يلي:


1. خُلود الجنَّة:

تكرّر ذكر خلود الجنّة في خمسين آية موزعة على أربعة وثلاثين سورة في القرآن، فالجنة ستبقى إلى ما شاء الله، وخلود الجنة إلى أبد الدهور يعني خلود من فيها، وقد تكررت عبارة "وهم فيها خالدون" و "خالدين فيها" و "خالدين فيها أبداً" و "أصحاب الجنة خالدون فيها" 36 مرّة. (راجع: البقرة 25:2،85؛ آل عمران 15:3، 107، 136، 198؛ النساء 13:، 57، 122؛المائدة 85:5، 119؛ والأعراف4:7؛ والتوبة22:9،72،89،100؛ ويونس 26:10؛ وهود 23:11،108؛ وإبراهيم 23:14؛ والكهف 108:18؛ وطه 76:20؛ والمؤمنون 11:23؛ والفرقان 16:25،76؛ والعنكبوت 58:29؛ ولقمان9:31؛ والزمر 73:39؛ والزخرف 71:43؛ والأحقاف 14:46؛ والفتح 5:48؛ والحديد 12:57؛ والمجادلة 22:58؛ والتغابن 9:64؛ والطلاق 11:65؛ والبينة 8:98). إِنَّ خلود الصّالحين في الجنّة يعني "وما هم منها بِمُخْرَجون" (الحجر 48:15) وذلك لأنَّ: الآخرة هي دار القرار" (غافر 39:40) حيث لا يموتوا أبداً "أَفَما نحنُ بِمَيِّتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذّبين" (الصّافات 58:37-59) و"لا يذوقونَ فيها الموت إلّى الموتَةَ الأولى ووقّاهم عذاب الجحيم" (الدّخان 56:44) أي أنَّ المسلمين الصّالحين "فيما اشتهت أنفسهم خالدون" (الأنبياء 102:21) والّذي تشتهيه أنفسهم "ما له من نفاذ" (سورة ص 54:38) بل هو "نعيم مقيم" (التوبة 21:9) حيث أنَّ "جنّة الخلد الّتي وُعِدَ المتَّقونَ كانت لهم جزاءً ومصيراً" (الفرقان 15:25).

كون الحياة على هذه الأرض فانية، وحياة الجنّة خالدة، يدفع الإنسان إلى التسّاؤل: لماذا يشرّع القرآن للمسلمين أن يشتهوا ويتلذّذوا بموجودات هذه الحياة الفانية إِن كانت الجنَّة وملذّاتها الباقية أَبداً في انتظارهم؟. فالقرآن يدعو المسلمين أن يأكلوا ويشربوا ما شاء لهم من الطيّبات، وإلى تعدّد الزوجات، حيث لا روحيات ولا قداسة في الإسلام، بل نكاح واستمتاع لدرجة اعتبر فيها النّبيُّ محمد الزّواج نصف الدّين؟!. وشتَّان ما بين حياة العفّة والقناعة والقداسة، من حياة الشبع من الجنس والبنون والمال والطّعام؟!!.


2. أبواب الجنَّة:

جاء في سورة الزّمر 73:39 قوله: "وسيق الّذين اتَّقوا رَبَّهُم إِلى الجنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاءُوها وفُتِحَت أبوابها وقالَ لَهُم خَزَنّتُها سلامٌ عليكم طِبتُم فادخُلوها خالدين". قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية أنَّ عدد أبواب الجنّة ثمانية، وقد استدلّ على ذلك من الأحاديث الصّحيحة الّتي ذكرها البخاري ومسلم وأحمد، حيث يستشهد بجملة من هذه الأحاديث، ومنها: (قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "من أنفق زوجين من ماله في سبيل اللهِ تعالى دعي من أبواب الجنّة كلها. وللجنّة ثمانية أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دعيَ من باب الصّلاة، ومن دعيَ من باب الصّدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الرّيان". فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله ما على أحدٍ من ضرورةٍ دُعيَ من أيّها دعيَ فهل يُدعى أحد منها كلِّها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "نعم وأرجو أن تكون منهم"). وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحدٍ يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها يشاء") وذلك لأن مفتاح الجنة كما قال النبي محمد هو: "لا إله إلا الله". وذكر ابن كثير سعة أبواب الجنّة مستشهداً بأحاديث النّبي محمد الّذي قال: "إِنَّ ما بينَ مصراعين في الجنّة مسيرة أربعين سنةً".

نجد هنا أنَّ أبواب الجنّة هي ثمانية، وإنّها أبواب واسعة جداً بحيث يحتاج الإنسان إلى مسيرة أربعين سنة ليصل ما بين مصراعي الباب الواحد، وإنَّ النّاس يدخلون من الأبواب بحسب أعمالهم، فالإنسان المعروف بكثرة صلاته، يدخل من باب الصّلاة، والمتصدّق من باب الصدقة. ولكنّ النّبي قال أيضاً أنَّ المؤمن قد يدخل من جميع الأبواب الثمانية، ولم يوضِّح كيف يتم ذلك، فهل سيدخل من الباب الأول، ثم يخرج منه ويعود ويدخل من الباب الثّاني، وهكذا حتى يدخل من جميع الأبواب؟! وإن كانت هذه هي الحال، فما الحكمة من الدّخول والخروج؟ ثم عاد النّبي وقال أنَّ الّذي ينطق الشّهادتين يدخل من الباب الّذي يريده، وهذا يعني أنَّ حرّاس الأبواب من الملائكة لن يدعوه للدّخول من باب معيّن، بل يكون الاختيار له، فهل يمكن أن يكون هذا؟! وللجّواب على هذا السّؤال نقرأ في سورة ص 49:38-50 "وإِنَّ للمتَّقين لَحُسْنَ مآبٍ جنَّاتٌ عدنٍ مفتَّحةًَ لهم الأبواب". فأبواب الجنَّة مفتوحة في وجه الأتقياء يدخلونها كما يريدون.

والقول بوجود أبواب للجنّة ليست أصيلة في قرآن المسلمين، بل لدينا مراجع كثيرة في الكتاب المقدّس عن أبواب السّماء حيث سيسكن الله مع النّاس، ويخبرنا الله في وحيه أنَّ أبواب السّماء تبلغ اثنا عشر باباً وأنَّهُ "لن يدخلها شيءٌ دنسِ ولا ما يصنعُ رًجساً وكذباً، إِلا المكتوبين في سفر حياة الحمل" (رؤ 12:21-27).


 

3. درجات الجنّة ومنازلها:

جاء في سورة النساء 95:4-96 قوله: "فَضّل اللهُ المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجَةًً وكُلاً وعد الله الحُسنى وفضّل اللهُ المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً. درجات منه ومغفرة ورحمةً وكان الله غفوراً رحيماً". وفي سورة الأنفال 4:8 "أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجاتٌ عند رَبِّهم ومغفرةٌ ورزق كريمٌ". وفي سورة التوبة 20:9 الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظمُ درجةٍ عند الله وأولئك هم الفائزون. وهكذا تتفاوت درجات ومنازل المسلمين في الجنة، وذلك بحسب أعمالهم وجهادهم،

وفي حديث عن أبي سعيدٍ الخدري أنًّ رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم قال: "إِنَّ في الجنَّة مائة درجة أعدَّها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض" (رواه مسلم). وعن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رمى بسهمٍ فله أجرَهُ درجةً" فقال رجلٌ: يا رسول الله، وما الدَّرَجة؟ فقال: "أما إنها بعتبة أمك. ما بينَ الدرجتين مائة عام" (رواه أحمد واقتبسه ابن كثير في تفسير النساء 96:4). وأورد ابن كثير في تفسير سورة الحاقة 21:69-22 "في جنة عالية قطوفها دانية" حديثاً للنبي محمد رداً على سؤال عن تزاور أهل لبعضهم البعض، قال فيه " نعم إنّهُ ليُهبط أهل الدّرجة العُليا إلى أهل الدرجة السفلى فيُحيّوهم ويسلمون عليهم. ولا يستطيع أهل الدّرجة السُفلى أن يصعدون إلى الأعلين تقصر بهم أعمالهم".

نجد هنا أنَّ ابن كثير قد استعان بأحاديث النبي ليفسر مفهوم الدرجات في الجنة، حيث أعلمنا أنها مائة درجة، بحيث تبعد كل درجة عن الأخرى كبعد السماء عن الأرض، ثم قال أن بين الدرجتين مائة عام. فهل نفهم من حديثه أن المسافة بين السماء والأرض هي مائة عام؟ علماً أن عبارة مائة عام تدل على زمنٍ وليست على مسافة؟ ثم هل سيقضي المجاهدين من المسلمين الأبدية منعزلين بعضهم عن بعض، بحيث تفصل بينهم المسافات الشاسعة جداً؟ وما الحكمة من هذا الفصل؟ بل هي حكمة الله، كما يقول القرآن، الذي يفاضل بين المؤمنين بحسب أعمالهم. وفي حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ أهل الجنة ليتراءون أهل الغرفِ فوقهم كما تتراءون الكوكب الغائر في الأفق من المشرق إلى المغرب لتفاضل ما بينهم" قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: "بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدَّقوا المرسلين" فشتّان ما بين مكانة المسلم العادي، ومكانة غيره من سكان الدّرجات العُلى وغرف الجنات العاليات؟! (وقال الضحاك في قوله " لهم درجاتٌ عند ربَّهم" أهل الجنّة بعضهم فوق بعض، فيرى الّذي هو فوق فضلَهُ على الّذي هو أسفل منه، ولا يرى الّذي هو أسفل منه أَنَّهُ فُضِّلَ عليه أَحد). أي أنَّ ساكن الدرجة الدّنيا يعيش مخدوعاً لا يعلم أنَّ الله فضَّل غيره عليه وأعطاهم درجات عليا!؟ وهكذا فإنَّ الله الّذي قال عنه القرآن بأنَّه "خير الماكرين" (آل عمران 54:3 والأنفال 30:8) لن يغيّر من طبعه الماكر في إيهام سكّان الدّرجات الدّنيا في الجنّة بما هو ليس حق.

ومن الآيات القرآنيّة الأخرى الّتي تؤكّد على فكرة تعدّد المنازل والدّرجات في جنّة المسلمين. نقرأ ما جاء في سورة الإسراء 21:17 "أُنظر كيف فَضَّلنا بعضهُم على بعضٍ وَلِلآخِرَةُ أكثرُ درجاتٍ وأكبرُ تفضيلاً" وما جاء في سورة طه 75:20 " ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحاتِ فأُلئكَ لهم الدرجاتُ العُلى" بل توجد جنتَّان "ومن دونهما جنتان"(الرحممن62:55) ويقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية أنه "توجد جنتان من ذهب للمقرّبين وجنتان من ورق لأصحاب اليمن". ثم يناقض نفسه ويورد حديث للنبي يقول فيه أنهما جنتان من ذهب وجنتان من فضة، ويؤكد ابن كثير أن الجنتان المذكورة في الرحمن 62:55 هما دون اللتين قبلهما في المرتبة والفضيلة والمنزلة أما القرطبي فيقول في تفسيره لهذه الآية: "ومن دونهما جنتان" لأتْباعِهِ لِقُصورِ منزلتهم عن منزلته، إحداهما للحور العين والأخرى للولدان المخلدين، ليتميز بهما الذكور عن الإناث". وهكذا فالطبقية والتمييز الجنسي موجود في جنة المسلمين. نقرأ أيضاً في سورة المطففين 18:83 قوله "كَلا إن كتاب الأبرار لفي عِلِّيين". وفي تفسير ابن كثير أشار إلى اختلاف الرواة في تفسير معنى عِلِّيين، وبما قالوه: السماء السابعة والجنة وساق العرش اليمنى وعند سدرة المنتهى. ومهما يكن معناها، فإنَّ الآية تؤكد حقيقة تفاوت درجات المؤمنين في جنة المسلمين (انظر أيضاً الفرقان 76:25 والواقعة 11:56). وأعلى درجة في الجنة هي الوسيلة، وهي قرب عرش الله وهي مسكن النبي محمد في الجنة. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "إذا صليتُم علىَّ فسلوا الله لي الوسيلة" قيل يا رسول الله وما الوسيلة؟ قال: "أعلى درجة في الجنّة لا ينالها إلا رجلٌ واحد وأرجو أن أكون أنا هو". فالنبي محمد يريد الوسيلة لنفسه دون سواه من الرسل والأنبياء والمؤمنين، فهي أعلى منزلة في الجنة، وفي محط طموح نبي المسلمين. وفي حديث آخر في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي يقول "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علَيَّ فإنهُ من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله. وأرجوأن أكون هو، فمَنْ سأل الله لي الوسيلة حلَّت عليه الشفاعة يوم القيامة". ولا يزال المسلمون حتى اليوم يُصَلّون على النبيَّ، ويطلبون من الله أن يعطيه الوسيلة، ولا نعرف هل سمع الله لصلواتهم وأعطى محمد الوسيلة أم لا؟‍‍‍‍‍‍‍


4. حائط الجنة وترابها وأشجارها:

يورد القرآن حواراً يقول أنه سيجري بين أصحاب الجنة وأصحاب النار يدور حول صحة وعد الله بخصوص الجنة والنار، ثم يصف السور أو الحائط الذي يفصل بين الجنة والنار، فيقول في سورة الأعراف 46:7 "وبينهما حجابٌ وعلى الأعراف رجالٌ يعرفونَ كُلاً بسيما هُم". ويتوسع القرآن في وصف هذا السور كما نقرأ في سورة الحديد 13:57"يومَ يقولُ المنافقونَ والمنافقاتُ للَّذينَ آمنوا أنظرونا نقتبِسْ من نوركمُ قيلَ ارجعوا ورائكمُ فالتْمَسوا نوراً فضربَ بينهم لسورٍ له بابٌ باطِنُهُ فيهِ الرّحمَةُ وظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العذابُ". فالحجاب هو الحاجز المانع من وصول أهل النار إلى الجنة، وهو الأعراف. وفي تفسير ابن كثير يقول أن الأعراف سور كعرف الديك، وكل مرتفعٍ من الأراضِ عند العرب يسمى عرفاً. وفي رواية عن ابن عباس: الأعراف جمع تل بين الجنة والنار حُبس عليه ناس من أهل الذنوب بين الجنة والنار. ثم يورد ابن كثير روايات كثيرة حول هويّة وقصّة أصحاب الأعراف، ومما قاله:

هم قوم اسْتَوَتُ حسناتهم مع سيئاتهم، فوقفوا على السور بين الجنة والنار حتى يقضي الله فيهم.

هم قوم خرجوا عصاة بغير إذن آبائهم فقتلوا في سبيل الله.

سمي الأعراف أعرافاً لأن أصحابه يعرفون الناس، أي أن أصحاب الأعراف هم رجال علم.

هم قوم صالحون فقهاء علماء.

هم رجال من الملائكة يعرفون أهل الجنة وأهل النار.

هم آخِرُ من يفصل الله بينهم من العباد الذين أخرجتهم حسناتهم من النار.

وهكذا نجد أنه رغم وجود سور بين الجنة والنار، إلا أنه يوجد باب في ذلك السور، وسيتمكن أناس من الخروج من النار ودخول الجنة، وسيكون هنالك أشخاص، أطلق عليهم المفسرون لقب أصحاب الأعراف ولكنهم اختلفوا في تحديد هويتهم.

أمّا تراب الجنة، وإن كنا لا نجد له وصفاً في القرآن، فإن ذلك لم يَفُت على النبي محمد الَّذي قال في وصف حائط الجنة وترابها: "أن حائط الجنة لبنة من فِضَّةٍ ولبنة من ذهبٍ ترابها زعفران وطينها مسك" وسئل النبي محمد عن تربة الجنّةِ فقال: "درمكة بيضاء مسك خالص" (رواه مسلم). وهكذا سيسير المسلم في جنّته على ترابٍ من المسك والزعفران، يستنشق الرائحة الزكية، فلا غبار يزعجه، ولا رمالٍ أو كثبان صحراوية. وهذا الوصف لتراب الجنة يروق، بل ويفرِّح قلب العربي البدوي الذي كان يسكن صحراء الجزيرة العربية القاحلة، حيث الرمال الحارقة والجفاف الدائم، فمكة كانت "وادٍ غير ذي زرعٍ" (إبراهيم 14:37) ولا بد أن المسلمين تهلَّلوا بسماع أوصاف الجنة الموعودة من نبيِّهم، لأنهم عرفوا قسوة الصَّحراء.

وستعج الجنة بكل أنواع الأشجار الحرجية والمثمرة. وقد مر معنا أن الجنة تعني الروضة أو البستان الذي فيه نخيلٌ وعنب، ويقول الجلالان أن الجنّات هي حدائق ذات أشجار ومساكن. وقال القرطبي: "سُمِّيت الجنات لأنها تَجِّنُّ من فيها، أي تستره بشجرها". وتمتاز أشجار الجنة المثمرة بأن "قُطوفها دانية" (الحاقة 23:69) بحيث يتمكن المؤمن من قطف ثمارها وهو على سريره، فالمؤمنون سيكونون في "روضةٍ يُحْبِرونَ" (الروم 15:30) أي سيتنعمون بهذه الرياض التي تزخر بالأشجار. وفي حديث معروف للنبي قال فيه: "إن في الجنّةِ لشجرةً يسيرُ الراكِبُ في ظِلِّها مائة سنة لا يَقْطعُها". (رواه مسلم والبخاري وأحمد وغيرهم). وقد ذكر ابن كثير هذا الحديث في سياق تفسيره لما جاء في سورة الواقعة 27:56-30) "وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين. في سدرٍ مَخضودٍ. وطلحِ منضودٍ وظلٍّ ممدودٍ" والسدر قليل الثمر كثير الشوك، أما في الجنة فستتغير الصورة تماماً، ففي حديث ذكره ابن كثير عن سليم بن عامر قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: إن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم، قال: أقبلَ أعرابيٌ يوماً فقال: يا رسول الله ذكرَ الله في الجنة شجرة تؤذي صاحبها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وما هي"؟ قال السدر فإن له شوكاً مؤذياً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أليس الله تعالى يقول "في سدر مخضود" خضد الله شَوكَهُ فجعل مكان كل شوكةٍ ثمرة، فإنها لتنبت ثمراً تفتق الثمرة منها عن اثنين وسبعين لوناً من طعام، ما فيها لونٌ يشبه الآخر". أمّا الطلح فهو أيضاً شجرٌ كثير الشوك، ولكنه سيصبح في الجنّة "منضود" أي متراكم الثمر بطعمٍ أحلى من العسل. فبدلاً من الشجر الهزيل والبائس والقليل والكثير الشوك في الصّحراء، سينعم المسلم بشجر ظليل كثيف وكثير ومبهج كثير الثّمر المتنّوع واللّذيذ.


5. أنهار الجنّة وعيونها:

تكرّرت عبارة "جناتٍ تجري تحتها الأنهار" حوالي اثنتين وأربعين مرّة في القرآن "42"، وفي ذلك جَزْمٌ وتأْكيدٌ على وجود أنهار عديدة في الجنّةِ الموعودةِ في القرآن، مع عدم ذكر عددها. بل ذَكر أربعة أنواع منها في سورة محمد 15:47 "مثلُ الجنَّةِ الّتي وُعِدَ المتَّقونَ فيها أنهارٌ من ماءٍ غيرِ آسنٍ وأنهارٌ من لَبَن لم يتغيَّر طعمُهُ وأنهارٌ من خمرٍ لذَّةٍ للشَّاربينَ وأنهارٌ من عَسَلٍ مُصفّى ولهم فيها من كُلِّ الثَّمراتِ ومغفرةٌ من رَبِّهم". وهكذا يعلن القرآن عن وجود أنهار ماء ولبن وخمر وعسل في الجنَّة:

أنهار من ماءٍ غير أسنٍ: يتوفّر الماء بكثرة في الجنّة، فهي روضةٌ غنّاء، لا صحراء قاحلة،لأنَّ فيها "ماء مسكوب" (الواقعة 31:56) أي كثير يجري في أنهار عديدة في الجنّة. وهو ماءٌ غير آسن.أي لا تتغيّر رائحته بل يبقى صافياً لا قدر فيه. وذكر القرآن نهر الكوثر كأحد أنهار المياه في الجنّة، وهو النّهر الّذي سيكون للنّبي محمد نفسه دون بقيّة خلق الله، كما جاء في سورة الكوثر 1:108 "إنَّا أعطيناك الكوثر". وقد وردت أحاديث كثيرة جدّاً تتحدّث عن نهر الكوثر وروعته، منها واحد عن أنس بن مالك قال: سُئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الكوثر فقال: "هو نهرٌ اعطانيهِ اللهُ عَزَّ وجلَّ في الجنَّة ترابُهُ المسكْ ماؤُهُ أبيضُ من اللَّبَنِ وأحلى من العسل ترده طيرٌ أعناقها مثلُ أعناق الجُزُرِ" قال أبو بكر يا رسول الله إنّها لناعمةٌ فقال "أَكَلَتُها أَنعَمُ مِنْها". (مسند أحمد). وقال ابن عُمر لما نزلت "إنَّا أعطيناك الكوثر" فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "هو نهر في الجنّة حافّتاه من ذهبٍ يجري على جنادل الدُّرِّ والياقوت شرابُهُ أحلى من العسلِ وأشدُّ بياضاً من اللّبن وأبردُ من الثّلجِ وأطيبُ من ريحٍ المسكِ" (مسند أحمد وأخرجه أيضاً التّرمذي وابن ماجه والدّرامي). فما أكرم الله الّذي أعطى نبيّه محمداً دون غيره من الرُّسل والأنبياء والنّاس، ولا نعرف إن كان النّبي محمد سيشارك مياه هذا النّهر الخالد مع غيره من المسلمين.

أنهار من لبنٍ لم يتغيّر طعْمُهُ: وهذا اللّبن كما يقول ابن كثير في غاية البياض والحلاوة الدّسومه، وفي حديث مرفوعٍ "لم يخرج من ضروح الماشية". كان اللّبن وما يزال الغذاء الرّئيسي لبدو الصّحاري القاحلة، فهو بالتّالي عزيز عليهم لأنًّ فيه الحياة. لذلك كان لا بدَّ من وضع نهر من اللّبن في الجنّة، ليطمئنَّ قلب المسلم أنّه لا جوع في الجنّة، بل إنًّ اللّبن الحلو والدّسم يجري في نهر لا ينضب.

وأنهار من خمرٍ لَذّةٍ للشّاربين: سيتلذّذ المسلمون بشرب الخمر في الجنّة، وستجري أنهار الخمر إلى أبد الآبدين، ليشربوا منها مكثّرين، مع أنّها في الأرض مشروب الملاعين والكافرين، فقد جاء في المائدة 90:5 "يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمرُ والميسِرُ والأنصابُ والأزلامُ رجسٌ من عمل الشّيطانِ فاجتنبوهُ لعلّكم تفلحون". لذلك لا يشربها المسلمون، بل أنّهم يَحْرِقون محلات بيعها، وَيُعاقبون المتاجرين بها من المهرّبين. أمَّا في الجنّة فستتغيّر الأحوال تماماً، وما كان محرَّماً سيصبح حقاً شرعيّاً وجائزاً من الله. فالمؤمن الّذي صبر وترفّع عن ملذّات الدنيا الزائلة، سيكون نصيبه ملذّات الجنَّة الخالدة، ومنها خمر الجنّة، الّذي يختلف تماماً عن خمر الأرض، كما جاء في القرآن وأحاديث نبي الإسلام، فهي خمر بلا طعم كريهٍ أو رائحة مزعجة، بل هي حسنةُ المنظر والطّعم والرّائحة والفعل، كما قال ابن كثير. وجاء وصف خمرة الجنّة في عدد من آيات القرآن، مثل قوله في سورة الصّافات 45:37-47 "يطافُ عليهم بكأسٍ من معينٍ. بيضاءَ لذّةً لِلشاربين. لا فيها غولٌ ولا عنها يُنْزفون" أي أن غلمان الجنة سيطوفون على المؤمنين بكاسات الخمر التي أحضروها من الأنهار الجارية في الجنة إلى الأبد، فهي خمر باقية، بيضاء، أي لونها مشرق حسن بهي، كما يقول ابن كثير، "لا كخمر الدنيا في منظرها البشع الرديء من حمرة أو سواد أو اصفرار". وسيتلذذ شاربوها لأن طعمها طيب كَلونِها، ولن يصاب شاربها بالصداع أو وجع البطن، كذلك لن يَسكرَ صاحبها فلن يذهب عقله. وفي سورة الطوّر 23:52 "يتنازعون فيها كأساً لا لغوٌ فيها ولا تأْثيم" أي أن من يشرب خمر الجنة لن يتكلم بكلامٍ باطلٍ أو آثم أو فاحش، لأن الله، كما ذكر ابن كثير في قوله اقتبسه عن قتاده، قد نَزَّه خمر الآخرةِ عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها، فنفى عنها صداع الرأس ووجع البطن وإزالة العقل بالكليّة". وقد تكرر نفس المعنى في الحديث عن الخمر في سورة الواقعة18:56-19 "بأكواب وأباريقَ وكأْسٍ من معينٍ، لا يُصَدَّعونَ عنها ولا يُنزفون". وعند تفسيره لهاتين الآيتين، أورد ابن كثير قولاً لابن عباس جاء فيه: "في الخمر أربع خصالٍ: السكر، والصداع، والقيء، والبول، فذكر الله تعالى خمر الجنّة ونزَّهها عن هذه الخصال". وأكد القرآن نفس المعنى في سورة المطفِّفين 25:83-26 "يُسقون من رحيقٍ مختومٍ.ختامُهُ مسكٌ وفي ذلك فليتنافَسِ المُتنافسون" والرحيق، حسب أقوال مفسري القرآن، هو من أسماء خمر الجنة، وختام شرب خمر الجنة مسك رائع لا شكْرٌ فاضح.

في حديث عن حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي محمد قال: "إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحراللبن وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار بعد" (رواه الترمذي). وهنا حدّد النبي منابع انهار الجنة من البحر، وقد أشرنا إلى حديث الفردوس الذي يناقض هذه الرواية في تحديد منابع أنهار الجنة. وأضاف النبي محمد أنهاراً أخرى في الجنة. ففي حديث لأبي هُرَيرة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سَيْحانُ وجيَحْانُ، والفُراتُ والنّيلُ، كلٌّ من أنهار الجنة" (رواه مسلم).

وأنهار من عسل مصفّى: يقول ابن كثير: "وهو في غاية الصفاء وحسن اللّون والطّعم والرّيح. وفي حديثٍ مرفوعٍ "لم يخرج من بطون النّحل". فالعسل النّادر الوجود والغالي الثّمن في الصّحراء، سيصبح أنهاراً في الجنّة.

وفي الجنّة عيونٌ كثيرة إلى جانب أنهارها العديدة، وقد ذكرها القرآن في عددٍ من آياته. في سورة الحِجر45:15 "إن المتَّقينَ في جَنّاتٍ عيونِ" (انظر أيضاً الدخان 52:44 والذاريات 15:51 والمرسَلات 41:77)، وهذه العيون أعدّها الله ليشرب منها أهل الجنة، كما ذكر في سورة الإنسان 5:76-6 "إنَّ الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجُها كافوراً. عيناً يشربُ بها عبادُ الله يفجِّرونها تفجيراً". وكافور، كما قال ابن عباس والفراء في تفسير القرطبي هي عين ماءٍ في الجنة. مع أنَّ القرطبي نفسه كتب قائلاً: "وقيل كالكافور في بياضه وطيب رائحته وبرده، لأنَّ الكافور لا يُشرب". فهل العين تدعى "كافور" أم أنَّ ماءها مثل الكافور، ومهما كان الجواب، فالمحصلة واحدة في حديث القرآن عن عيون للشّرب في الجنّة. وتجدر هنا الإشارة إلى قول القرآن في سورة الغاشية 12:88 "فيها عَيْنٌ جارية". والمعنى الظّاهر لهذا النّص هو وجود عين واحدة في النّص، ولكن مفسّري القرآن وجدوا مخرجاً بالقول أنَّ الحديث هُنا يدور حول جنس العيون وليس عددها، أمّا في سورة الرّحمن، فقد ذكر القرآن أربعة عيون من عيون الجنّة، في الآية 50 "فيهِما عينانِ تجريان" أي في الجنّتين المذكورتين في الآية 46 "ولمن خافَ مقامَ ربُّه جنّتان". واقتبس ابن كثير هنا قول الحسن البصري في أنَّ إحداهما يقال لها تسنيم، والأخرى السّلسبيل. وهذا يتّفق مع قول القرآن في سورة الإنسان 18:76 "عيناً فيها تُسمّى سَلْسَبيلاً" وفي سورة المطفّفين 27:83-28 "ومَزَاجُهُ من تسنيمٍ. عيناً يَشربُ بها المقرّبون". والعينان الثّانيتان اللّتان ذكرتهما سورة الرّحمن في الآية 66 "عينانِ نضّاختان" لم يذكر المفسّرون لها أسماء. والّذي يهمّنا هُنا ليس غموض آيات القرآن في تحديد عدد العيون في الجنّة، بل إعلانهُ عن وجودها هناك.

يموت الكثيرون من العطش أثناء سفرهم أو ضياعهم بين رمال الصحراء القاحلة، وقليلة وصغيرة هي الواحات التي تروي عطشهم وتظِّلَلهم بأشجارها، لذلك عرف محمد بحكمته ضرورة الإسهاب في ذكر أنهار الجنة وعيونها المتفجرة بالماء وأنواع الخمر واللبن والعَسَل، فلا جفاف هناك، بل نعيم مقيم، وكان في ذلك ترغيب عظيم لاعتناق دين الإسلام من أجل الفوز بجنَّته الغنّاء.


 

6. صفات أهل الجنّة:

يتغيّر أهل الجنّة إلى حالِ لا مثيل له في الحياة الدنيا، فالإنسان مهما كان جمال طلعته في الأرض، إلا أنه يبقى ناقصاً وعرضةً للجوع والعطش والتعب والإرهاق والمرض. وتتقدّم به الأيام ويذوي جماله وتبطل شهوته وتتغضن بشرته ويتساقط شعره ويضعف بَصَرَهُ وتنتهي حياته بالموت.وفي الجزيرة العربيّة، حيث قسوة الحياة تحت شمس الصّحراء الملتهبة، لا بدّ وأنّ هذه المظاهر الإنسانيّة كانت حادّة في حدوثها، لذلك كان لا بدّ من عكس الصّورة في الجنّة الموعودة للمؤمنين، ولذلك استنزلت الآيات النّاطقة بصفات الكمال لأهل الجنّة، فهم أوّلاً "فيها خالدون" (البقرة 25:2 و217؛ آل عمران 107:3؛ الأعراف 42:7؛ هود 23:11؛ الأنبياء102:21 ؛ آل عمران 15:3 و136 و198؛ النّساء 57:4 وغيرها العشرات من الآيات) أي "لا يذوقون الموتَ إلا الموتَةَ الأُولى ووقاهُم عذابَ الجحيم" (الدّخان 56:44). وهم "أصْحابُ اليمينِ" (الواقعة 8:56و27و38و90و91 والمدثر39:74) وفسر ابن كثير معنى "أصحاب اليمين" بذكر حديث للنبي محمد رواه معاذ بن جبل أن رسول الله تلا هذه الآية "وأصحابُ اليمين ما أصحاب اليمين… وأصحاب الشّمال ما أصحاب الشّمال" قبض بيده قبضتين فقال (هذه للجنّة ولا أبالي وهذه للنّار ولا أبالي). لذلك قال عنهم" أصحابُ الجنةِ هُمُ الفائِزون"(الحشر 20:59). وهم "المقربون" (الواقعة11:56) و"مكرَّمون" (المعارج 35:70)، وهذا التكريم من الله الذي أدخلهم الجنة بسلام "ادخلوها بسلام آمنين" (الحِجر 46:15) فالجنة دار سلام وأمان حيث لا حرب أو اضطراب، وهكذا "لا يَمَسُّهُم فيها نَصَبٌ وما هم منها بِمُخرَجين" (الحجر48:15) كما جاء في الحديث (يقال يا أهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبداً، وأن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تقيموا فلا تظعنوا أبداً). والذي ينال هذا النعيم ينسى أحقاد الماضي "ونَزَعنا ما في صدورِهِم من غِلٍ" (الأعراف 43:7 والحجر47:15) ويصبح له الحق أن يقول عنه القرآن "إن الأبرار لفي نعيم" (الأنفطار13:82 والمطفِّفين 22:83). ووصف أهل الجنة بالأبرار يعتبر تشريفاً عظيماً لهم، مع أننا نفشل في إيجاد وسيلة وكيفية التبرير في قرآن المسلمين.

إلى جانب الصفات الوجودية والمعنوية لأهل الجنة، فإننا نقرأ في القرآن عن صفاتهم الجسدية، فيقول عنهم في سورة القيامة 22:75 "وجوهُ يومئذٍ ناضرةٌ" أي حسنةٌ بهية مشرقة مسرورة، وهذا المقام كقولِهِ "تعرف في وجوههم نضرة النعيم" (المطففين 24:83) و "لَقّاهُم نضرةً وسروراً" (الإنسان 11:76) لأنَّهُ "لا يَرْهَقُ وجوهَهُم قَتَرٌ ولا ذلَّةٌ" (يونس 26:10) فلا قَتام أو سواد على وجوههم، بل "وجوهٌ يومئذٍ مُسْفِرَةٌ. ضاحكةٌ مستبشرة" (عيسى 38:8-39) أي أن فرحهم بملذات الجنّةِ ونعيمها يظهر جليّاً على وجوههم، مثل قوله في سورة الانشقاق9:84 " وينقَلِبُ إلى أهلِهِ مسروراً" أي فرحاً بما ناله في جنّة النعيم. ووصف النبي محمد، جمال أهل الجنة في أحاديث كثيرة، ومما قاله في حديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول زُمرةٍ يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر. والَّذين يلونَهُم على أشَدِّ كوكبٍ دُرِّيٍّ، في السَّماءِ، إضاءَ‏ةً. لا يبولون ولا يتغوَّطونَ ولا يمتخطونَ ولا يَتْفلِونَ. أمشاطُهُم الذّهَبُ. ورشْحُهُم المسك. ومجامِرُهُم الألُوّة. وأزواجُهُم الحورُ العين. أخلاقهم على خُلُقِ رَجُلٍ واحدٍ. على صورة أبيهم آدم سِتّون ذراعاً، في السّماء"(رواه مسلم) وهكذا فإن وجوه أهل الجنّة تشع بالضوء، وطول الواحد منهم ستون ذراعاً. وقال النبي محمد أيضاً: "يدخلُ الجنّةُ أقوامٌ أفئدتُهُم مثل أفئدة الطّير" أي أن قلوبهم رقيقة مرهفة الحسْ، لا غليظة كقلوب سكان الصحراء القاحلة، حيث لا ترحمهم الطبيعة، ولا هم يرحمون الأعداء من أصحاب ديانات أخرى أو مواقف لا تتفق مع نظرتهم للحياة.


7. بيوت الجنّة وفراشِها:

يخبرنا القرآن أن المؤمنين الأتقياء لهم الجنّة خالدين فيها، ثم يبيّن لنا أن الجنّة ليست مجرد روضة أو بستان بالمفهوم المتعارف عليه، بل يوجد فيها قصور ومساكن وبيوت وخيام سيعيش داخلها المؤمنون أثناء حياتهم الخالدة في الجنّة، ووصف القرآن منازل المؤمنين في الجنّة في سورة التوبة 72:9 قائلاً: "وَعَد الله المؤمنينَ والمؤمناتِ جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهارُ خالدين فيها ومساكِنَ طيِّبة في جنّاتٍ عدنٍ ورضوان من الله اكبرُ ذلك هو الفوزُ العظيم" فهي مساكن طيّبة، أي حسنة البناء طيّبة القرار. ووصف القُرطبي هذه المساكن بقوله: "إنَّها قصور من الزبرجد والدُّر والياقوت يفوح طيبها من مسيرة خمسمائة عام". وهكذا سينال المسلم التّقي في الجنّة قصراً مصنوعاً من الأحجار الكريمة، بدلاً من الخيام الخشنة في الصّحراء، أو بيوت الطّين في مكّة القديمة، أو بيوت الباطون المسلّح في القرن العشرين، بل قصور الزبرجد والدّر والياقوت، وهو وصف يأخذ بلباب السّامعين. وأطلق القرآن على مساكن المؤمنين في الجنّة اسم الغرف، ومفردها غُرفة، وهي العليّة المشرفة. وجاء ذلك في سورة العنكبوت 58:29 "والَّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لَنُبوَّئنَّهُمْ من الجنّةِ غُرَفاً" وفي سورة سبأ 37:34 "وهم في الغُرُفات آمنون" ففي غرف الجنّة، أي قصورها المعدة للمؤمنين يتوفر الأمان الدائم من الموت والعذاب والأمراض والأحزان، بل ومن الحروب والغزو والنهب والسَّلب والدَّمار، لأن هذه حالة بيوت الدنيا وخيامها وقصورها. ولكن القرآن يضيف إعلاناً آخر حول هذه الغرف في قوله في سورة الزُّمرَ 20:39 "لكنَّ الّذين اتقوا ربَّهُم لَهُم غُرَفٌ من فوقها غرفٌ مَبْنيّةٌ" فالغرف على مستويات مختلفة، لأن "الجنّة درجاتٍ يعلو بعضها بعضاً" كما أمد النبي محمد ومفسّري القرآن من بعده.

إضافة إلى المساكن والقصور والغرف، ذكر القرآن وجود خيام في الجنّة، في سورة الرحمن 72:55 "حورٌ مقصوراتٌ في الخيام"، وهكذا فالحور العين مستورات في خيام الجنّة، وقد وصف النبي محمد خيام الجنّة في حديثٍ معروف قال فيه: "إنَّ للمؤمن في الجنّة لخيمةً من لُؤلُؤةٍ واحدةٍ مجوّفةٍ. طولها سِتّون ميلاً، للمؤمن فيها أهلٌ يطوفُ عليهم المؤمن فلا يرى بعضُهم بعضاً" وفي رواية أخرى: "إن في الجنّة خيمةٌ من لؤلؤة مجوّفة عرضها ستون ميلاً في كل زاوية منها أهلٌ ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن" (رواهما مسلم والبخاري) فالخيمة ليست من وبر الإبل أو صوف الغنم، بل من اللؤلؤ الباهر الثَّمين. كذلك وصف النبي غرف الجنّة، ومما قاله: "إن أهل الجنّة ليتراءَوْنَ الغرفة في الجنّةَ كما تراءَوْن الكوكب في السَّماء" (رواه مسلم) وقال أيضاً "إنَّ في الجنّة لغرفاً يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها" فقام إعرابي فقال: يا رسول الله لمن هي؟ فقال: "لمن طيّب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلّى بالليل والنّاس نيام" فغرف الجنّة كالبلّور في جمالها وشفافيَّتها. كذلك وصف النبي أحد قصور الجنّة فقال: "إنَّ في الجنّة قصراً يقال له عَدَنٍ حوله البروج والمروجله خمسة آلاف بابٍ عند كل بابٍ خمسة آلافِ حبرة لا يدخله ـ أولا يسكنه ـ إلا نبيٌّ أو صدِّيق أو شهيد أو إمام عدل". بل إن الجنّة كلها بناء قائم كما قال النبي في جوابه لسؤالٍ طرحه عليه بعض صحابته حيث قال: "لبنةُ ذهب ولبنةُ فضّة، وملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزّعفران. من يدخلها ينعم ولا ييأس ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه". فالجنّة جوهرة، وقصورها جواهر، وسكانها شباب دائم.

ولم يتوقف القرآن أو النبي عند ذكر مساكن الجنّة، بل وردت في القرآن مجموعة من الآيات تصف فراش هذه المساكن، كذلك تحدث النبي محمد عن أثاث بيوت الجنة، كما كتب حجة الإسلام الغزالي: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: "ومساكن طيّبةٍ في جَنَّاتِ عَدْنٍ" قال: "قصورٌ من لؤلؤ، في كلِّ قصرٍ سبعون داراً من ياقوتٍ أحمر، في كل دارٍ سبعون بيتاً من زمرّد أخضر، في كلِّ بيتٍ سرير، على كل سرير سبعون فراشاً من كل لون، على كل فراشٍ زوجة من الحور العين، في كل بيتٍ سبعون مائدةً، على كل مائدة سبعون لوناً من الطعام، في كل بيتٍ سبعون وصيفِة، ويعطي المؤمن في كل غداة ـ يعني من القوة ـ ما يأتي على ذلك أجمع". لدينا في هذا الحديث قصوراً وبيوتاً ودوراً، أما أثاثها فهي الأسرة والفراش وموائد الطعام. وعلى الفراش تستلقي الحواري في انتظار مضاجعة الحبيب الذي لديه قوةً ربانية هائلة ليأكل ويمارس الجنس بلا حدود. وأكثر ما يلفت النَّظر في هذا الحديث هو ذكر الوصيفات، مما يعني أنه حتى في جنَّة النَّعيم يوجد إماءٌ وجواري لخدمة المؤمن من المسلمين.

يتكون أثاث مساكن الجنة بشكل خاص من السُّرر والفراش والأكواب وصحاف الذهب، وهي الحاجات المطلوبة لأهم أعمال الأتقياء في الجنّة: أي تناول الطّعام والشّراب وممارسة الجنس "دَحَماً دَحَماً" أي بقوة وثبات كما قال النّبي محمد. نقرأ في سورة الحجر 47:15 " أنَّ المتقين على سُرُرٍ متقابلين" وظاهر معنى النّص أنَّ جميع الأتقياء سيستمتعون بالتّمدّد على سُرر غرف الجنّة، ولكن ابن كثير في تفسيره حَصَرَهُم في عشرة أشخاص هم: "أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة، والزُّبير وعبد الرحمان بن عوف، وسعد بن أبي وقّاص وسعيد ابن زيد وعبدالله بن مسعود". ولكنّه لمّا فسّر نفس العبارة في سورة الصّافات 44:37 "على سُرُر متقابلين" جعلها تتحدّث عن جميع أتقياء الجنّة الّذين ينظر بعضهم إلى بعض وليس إلى قفا بعض. ووصف هذه السُرر أنّها "مصفوفةٍ" (الطّور 20:52) أي وجوه المتّكئين عليها بعضها إلى بعض، كما فسّرها ابن كثير، الذي أورد هنا حديثاً للنبي محمد قال "أن الرَّجُل ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنة ما يتجول عنه ولا يُملَّهُ، يأتيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه". وفي رواية عن ثابت قال: "بلغنا أن الرجل ليتكئ في الجنّة سبعين سنة عنده من أزواجه وخدمِهِ، وما أعطاه الله من الكرامة والنَّعيم، فأذا حانت منه نظرةً فإذا أزواج له لم يكن رآهنَّ قبل ذلك، فيقلن قد آن لك أن تجعل لنا منك نصيباً". وهكذا يتنعم المؤمن مستلقياً على السرير أربعين أو سبعين سنة، له ما يشتهي من الطعام والنساء والخدم. بل إن نساءه يتزايدن باستمرار دون معرفته. فالله يريد له نعيم فوق نعيم. كذلك فإن أسرَّةِ الجنَّة "موضونة" (الواقعة 15:56)أي منسوجة ومضفورة بالذهب واللآلئ. وهي سرر "مرفوعة" (الغاشية 13:88) أي عالية ناعمة كثيرة الفرش ومرتفعة السُّمك. (نظر الواقعة 34:56). ووصف الفرش الذي على السرر والأرائك قائلاً "متكئين على فُرُشٍ بطائنها من إسْتبَرْقٍ" (الرحمن54:55) أي الديباج المزين بالذّهب. وعلى الأسرة أيضاً "رفرف خُضرٍ وعبقريٍ حسان" (الرحمن 76:55) وهنا أورد ابن كثير عدة معاني للرفرف والعبقري نظراً لعدم اتفاق الرواة والمحدِّثين على المعنى، ومما قاله: الرَّفرف: المحابس المتدلي أو الوسائد أو رياض الجنّة.

العبقري: الزرابي أو الديباج أو بُسُط أهل الجنَّة أو المرافق أو ثياب أهل الجنَّة أو الطنافس المحملة إلى الرَّقة أو الثوب الموَّشى… الخ.

إضافة إلى السُرُرْ، استخدم القرآن كلمة "أرائك" حيث يتكئ الأتقياء في الجنَّة (أنظر يس 56:36 والإنسان 13:76 والمطففين 23:83و35) وفسر ابن كثير كلمة أرائك بالسُّرر تحت الحجال، وأحدها أريكة، وهو السَّرير في الحجلة أو الفرش فيها.

ومن فرش الجنَّة أيضاً ذكر القرآن في سورة الغاشية 14:88-16 "وأكواب موضوعَةٌ. ونمارِقُ مصفوفَةٌ وزرابي مبثوثَةٌ". والنمارق هي الوسائد، والزرابي هي البسط المفروشة. أما الأكواب فهي أواني الشرب المصفوفة لمن أرادها من أصحابها ليشرب من أنهار الخمر واللبن والعسل. وإلى جانب الأكواب توجد "صحافٌ من ذهب" (الزخرف 71:43) و"أباريق" (الواقعة 18:56) و"آنيةٍ من فِضَّة" (الإنسان 15:76) و"قوارير" (الإنسان 15:76و16). وكلّها آنية من الذهب والفّضة والحجارة الكريمة، وقد تعدّدت الرّوايات في وصف جمالها وذكر عددها وأحجامها، وهي لخدمة أهل الجنّة وإشباعهم.


8. ملابس أهل الجنّة:

منع النّبي محمد المسلمين من لبس الحرير، ومنع الرّجال خاصّةً من لبس الذهب، وورد في الصّحاح أحاديث كثيرة للنّبي بهذا المعنى، ومنها قوله: "من لبس الحرير في الدّنيا لم يلبسه في الآخرة" وقال "هي لهم في الدّنيا، ولكم في الآخرة". وعن البراءِ بن عازب قال: "أمرَنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بسبعٍ ونهانا عن سبع أمرنا باتّباع الجنائز وعيادة المريض وإجابة الدّاعي ونصر المظلوم وإبرار القسم وردّ السّلام وتشميتِ العاطس ونهانا عن آنية الفضّة وخاتم الّذهب والحرير والدِّيباج والقسِّيِّ والإسْتَبْرَق" أي أنَّ النّبي منع المسلمين من لبس خواتم الذّهب ومن ارتداء ملابس الحرير أو حتّى المخطّطة بالحرير أو ما غَلُظَ من الحرير. وفي هذا الحديث نجد أنَّ المنع شاملاً للمسلمين من الرّجال والنّساء. ولكن في سنن التّرمذي وأيضاً في سُنن النّسائي نقرأ عن أبي موسى الأشعري أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "حُرِّمَ لباسُ الحرير والذّهب على ذكور أمّتي وأُحِّلَ لإناثَهم" (وقال أنّه حديث حَسَنٌ صحيح). أي أنًّ لبس الذّهب والحرير حلال للنّساء، وهذا يناقض حديثاً للنّبي ورد في صحيح مسلم والبخاري وكذلك أخرجه النّسائي وأبو داود ومالك وابن ماجه. جاء فيه عن خليفة بن كعبٍ أبي ذبيانَ قال: "سمعت عبدالله بن الزُّبير يخطُبُ يقول: ألا لا تُلبسوا نساءَكم الحرير فإنّي سمعتُ عمر بن الخطّاب يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم "لا تلبسوا الحرير فإنًّه من لبسَه في الدُّنيا لم يلْبِسْهُ في الآخرة" وأيضاً "الذّهب والفضّة والحرير والدّيباج هي لهم في الدّنيا ولكم في الآخرة" (رواه البخاري).

ولا يوجد لدينا تعليل منطقي لمنع لبس الذّهب والحرير، فهي من خيرات الله للنّاس خلقها ليستخدمونها، ولكن يبدو أنًّ طفولة الحِرمان والشّقاء الّتي عاشها نبّي الإسلام، وكذلك لكون اتباع النّبي الأوائل كانوا على الأغلب من الفقراء والعبيد، فكان لا بدّ من إيجاد أحاديث تعدهم بالحرير والذّهب في الجنّة، وبالتّالي جعلها محرّمة في الحياة الدّنيا. مع ضرورة الإشارة هنا إلا أنَّ المسلمين لم يهتّموا بوضع التّواريخ عندما وضَعوا ما يسمّى بعلم الحديث.

في جنَّة النَّعيم والملذّات، سيلبس أتقياء المسلمين أبهى وأجمل الملابس المرصعة بالؤلؤ والجواهر وسيضعون في أيديهم أساور وخواتم الذهب، نقرأ في سورة الكهف31:18 "يُحلّونَ فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خُضراً من سُنْدُسٍ وإستبرقٍ" وفي الحج 23:22 "يحلّون فيها من أساورَ من ذهبٍ ولؤلؤاً ولباسُهُم فيها حريرٌ" (انظر فاطر 33:35 والدخان 53:44 والإنسان12:76) وهكذا سيتزين الأتقياء بِحِلِيٍ من أساور الذهب ويلبسون الحرير بأنواعه الرفيع كالقمصان أو الغليظ كالديباج اللامع البرّاق. ولكنه في سورة الإنسان 21:76 يقول "عالِيهمُ ثيابُ سُنْدُسٍ خُضْرٍ وإستبرَقٌ وحُلُّوا أساورَ من فضةٍ" أي أن الأساور من فضة، وليس من ذهب كما قال في جميع المواضع الأخرى، وللخروج من المأزق قال المفسرون إن أساور الذَّهب للمقرَّبين وأساور الفضَّةِ للأبرار، وبذلك زادوا المشكلة بدلاً من حَلِّها، لأنهم عززوا هُنا فكرة التمييز بين النّاس في الجنة، وكذلك أشاروا إلى أن الأبرار ليسوا من المقرّبين.

وقال النبي محمد عن ملابس أهل الجنة وزينتهم "مسورونَ بالذهبِ والفضَّةِ مكللة بالدر، وعليهم أكاليل من درٍ وياقوت متواصلة، وعليهم تاج كتاج الملوك، شباب جرد مرد مكحولون". ومما قاله أيضاً "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء" وقال كعب الأحبار: إن في الجنةِ ملكاً لو شئت أن أسميه لسميته يصوغ لأهل الجنة الحلي منذ خلقه الله إلى يوم القيامة لو أبرز قلب منها ـ أي سوارٍ منها ـ لرد شعاع الشمس كما ترد الشمس نور القمر". فما أكثر زينة أهل الجنّة لدرجة جعل المسلمون ملاكاً في الجنة يصوغها لهم. وأضاف قائلاً: "إن عليهم التيجان إن أدنى لؤلؤة فيها تضيء ما بين المشرق والمغرب". وقال عن نساء الجنة "على كل زوجة سَبْعون حِلَّه"، أي أن الواحدة منهن تلبس سبعين قطعة من زينة الجنة، فيا له من نعيم.


9. طعام وشراب أهل الجنّة:

تمتلئ جنة المسلمين بالطَّعام والشَّراب، فهي لَيْسَت الصحراء العربيّة القاحلة، بل جنة الله الزّاخرة بألوان الشّراب والطّعامِ "مما يشتهون" (الطور 22:52 والمرسلات 42:77)، فلا مجاعة أو شُحٌّ، بل هناك شبعٌ ووفرة بلا حدود، وذلك لأن "أكلها دائمٌ" الرعد(35:13) و"لَهمُ رزقُهُم فيها بُكرة وَعشِيّاً" (مريم 62:19) حيث أنهم "كلما رُزِقوا منها من ثمرةٍ رزقاً قالوا هذا الذي رُزِقنا من قَبْلُ" (البقرة 26:2) فرِزق الجنة متتابع التدفق على المؤمنين، فكما قال الله لآدم عندما وضعه في الجنةِ "إنَّ لك ألا تجوع فيها ولا تَعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تَضْحى" (طه 118:20-119) هكذا سيكون حال جميع أهلا لجنة الموعودة. "جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس في صلاة الكسوف، وفيه قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً من مقامك هذا، ثم رأيناك تكعكعت، فقال "إني رأيتُ الجنة ـ أو أريتالجنة ـ فتناولت منها عُنقوداً، ولو أخذتُه لأكلتم منه ما بَقِيتِ الدنيا". وعن عتبة بن عبد السلمي أنَّ إعرابياً سأل النبي عن الجنةِ، فقال: فيها عنبٌ؟ قال(نعم) قال: فما عِظمَ العنقود؟ قال "مسيرة شهرٍ للغراب الأ بقع ولا يفترُ" (رواه أحمد). وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" يأكُلُ أهل الجنةِ فيها ويشربون، ولا يتغوَّطونَ ولا يَتمخَطونَ ولا يبولون ولكن طعامُهُم ذاك جشاءٌ كَرَشحِ المسكِ. يلهمونَ التسبيحَ والحمد. كما يُلهمون النَّفس" (رواه مسلم) وما يأكله أهل الجنة يكون باختيارهم، فمهما طلبوا وجدوا، وأحضره لهم الخدم كما أرادوا "يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشرابٍ" (ص 51:38). وتكرر ذكر فاكهة الجنة الكثيرة. ليطمئن بال المؤمنين من الشَّبع في الجنة. "لكم فيها فاكهةٌ كثيرة منها تأكلون" (الزخرف 73:43 . أنظر أيضاً الواقعة 32:56 والدخان 55:44 ويس 57:36 والمرسلات42:77 والواقعة20:56 والرحمن 52:55). وذكر القرآن بعض أنواع هذه الفواكه "فيها فاكهة ونخلٌ ورمان" ( الرحمن 68:55) و"أعناباً" (النبأ32:78). وسيأكل أهل الجنة أيضاً أنواعاً من اللحوم "وأمددناهُم بفاكهةٍ ولحمٍ مما يشتهون" (الطور22:52)، وذكر لحم الطير بشكل خاص "ولحم طيرٍ مما تشتهون" (الواقعة 21:56). قال ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّكَ لتنظر إلى الطيرِ فتشتهيهِ فيخرُ بين يديك مشوياً". وَرُوِيَ عن النبي أحاديث أخرى عن طيور الجنّة وجمالها ونعومتها ولذة طعمها، وكيف تعود إلى الحياة بعد أكْلِها.

إلى جانب الطعام الكثير، سَيَتوفر لأهل الجنة أنواع الشراب اللّذيذ، من خمر ولبن وعسلٍ وماء، وهو ليس مثل شراب الأرض، بل "شراباً طهوراً" (الإنسان 21:76)، أي سيعملُ على تطهير المؤمنين من أنواع الحسد والحقد والغل والأذى وسائر الأخلاق الرَّديئة. وأكثر أنواع الشّراب التي ذكرها القرآن هي الخمر، فالمؤمنون سيشربون من "كأسٍ مِنْ معين" (الواقعة 18:56)، أي خمرٍ جارية من نبعٍ لا ينقطع. و"يُسقون من رحيقٍ مختوم" (المطففين 25:83) والرحيق، كما يقول مفسرو القرآن، هو من أسماء الخمر. كذلك "ويُسقونَ فيها كأساً كان مزاجه زنجبيلاً" (الإنسان 17:76) ويقول الجلالان في تفسير هذه الآية: "ماؤها كالزَّنجبيل الذي تستلذ به العرب"، وتوسع القرطبي في تفسيره قائلاً: "كانت العرب تستلذ من الشراب ما يمزجُ بالزَّنجبيل لطيب رائحته، لأنّهُ يحذو اللسان، ويهضم المأكول، فَرَغِبوا في نعيم الآخرة، بما اعتقدوه نهاية النِّعمة والطيب". نجد هنا أن كُلاً من الجلالين والقرطبي يعترفون بأن الصور الحسية عن شراب الجنة اللذيذ كانت وسيلة لإغراء الناس باعتناق الإسلام. ويخبرنا القرآن حول خمر الجنَّةِ بأن "مِزاجُهُ من تسنيم. عيناً يشر بها المُقرَّبون" (المطففين 27:83-28)، أي أن شراب المقربين من أهل الجنة سيكون من عين تسنيم، وهو أشرف شراب أهل الجنّة كما يقول ابن كثير. لذلك يقول القرآن مشجعاً "كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون" (الطور 19:52).


10. حور العين ونساء الجنَّة:

اعترف النبي محمد في أحاديثه الكثيرة بمحبته وولعه بالنساء، فقد كان رجلاً مزواجاً. ولذلك احتلت النساء مكاناً بارزاً في حياته، كما في حياة أتباعِهِ من الصحابة. ولمعرفته بمدى تأثير شهوة الجنس على الرّجال، فإنه اجتهد في وصف جمال نساء الجنّة، وهو بذلك دغدغ مشاعر وشهوات الرّجال بقوة. فمل أسهل أن يَضْعَف الرجل الذي تحكمه شهوته أمام جمال امرأة جذّابة، فيذهب عقله ويلتهب، بل ويتَحْرقُ شوقاً لمضاجعتها، وهذا بالضبط ما قاله محمد. لذلك جاءت أوصاف القرآن لحوريات الجنّةِ في غاية الإثارة. ومن أجل زيادة الترغيب، استرسل النبي محمد في الحديث عنهنَّ بما يلجم اللسان ويصعق العقل وَيُجْمِحُ الخيال. وهكذا احتل وصف الحوريات مكاناً كبيراً في الحديث عن جنّة النعيم، لدرجة يمكن وصفها بجنة الجنس الدائم والإحليل القائم.

ذُكرت نساء الجنة في القرآن أولاً في سورة البقرة 25:2 "ولهم فيها أزواجٌ مطهرَةٌ" وتكرر هذا القول في آل عمران 15:3 "وأزواجٌ مطهرةٌ" وفي النساء 57:4 "لهم فيها أزواجٌ مطهرةٌ". وأورد ابن كثير في تفسيره أقوال ابن عباس ومجاهد وقتادة في تفسير كلمة مطهرة، فيقول: "مطهرة من القذر والأذى. ومن الحيضِ والغائط والبول والنخام والبزاق والمنى والولد. ومطهره من الأذى والمأثم، فَلا حيض ولا كلف". وهذه أوصاف كمالٍ لأنثى يعشقها الرّجال، لأنها تخلو من كل أنواع الوسخ. وتمتاز هذه الزوجات أيضاً بأنَّهُن "قاصرات الطرف عينٌ، كأنَهُنَ بيضُ مكنونٌ " (الصافات 48:37و49. أنظر أيضاً ص 52:38 والرحمن 56:55) أي قصرن طرفهنُّ على أزواجهن، فلا يَنْظُرْنَ إلى غيرهم من الرجال، فهن حسان الأعين عفيفات لا ينظرن إلى غير أزواجهن. وهذه الصَّفة تروق جداً لكل رجلٍ لا يثق بزوجته ويخاف منها الخيانة، خصوصاً الرجال الجِلاف وغير الدَّمثين وناقصي الرجولة، وما أكثر أمثال هؤلاء الرجال. لذلك فإن أمثالهم يجدون عزاءً في هذه الأقوال المغرية عن نساء الجنّة المُخْلِصات. اللواتي "لم يطمثهنَّ إنسٌ قبلهم ولا جانٌ" (الرحمن 56:55و74) أي أن تلك النساء لم تمارس الجنس مع أي رجلٍ من الإنس أو الجان، فهن مخلوقات ومهيئات بالتمام لأزواجهن. وهذه صفة محببة جداً على قلوب الرجال، لأن الواحد منهم يريد الزوجة خالصة له دون أن تنكشف على الآخرين، حتى ولو كانوا أزواجاً سابقين لها وافترقت عنهم بالموت أو بالطلاق.

واكثر اسمٍ متداول بين المسلمين عن زوجات الجنة هو الحوريات ، حيث وصفهن القرآن بأنهن حور عين كما جاء في أربع آياتٍ في القرآن: في الدخان54:44 "وزوَّجناهِمُ بحورٍ عينٍ" والطور 20:52 "وزوجناهمُ بحورٍ عينٍ" والواقعة 22:56-23 "وحورٌ عينٌ. كأمثالِ اللؤلؤ المكنون" والرحمن 72:55 "حورٌ مقصوراتٌ في الخيام". والحور العين هي الشديدة سواد العين وشديدة بياض العين. وقد جاء وصف باهر لجمال حور العين، عن أنس ابن مالك عن النبي محمد قال فيه: "ولو أنَّ امرأةً من أهل الجنّة اطَّلَعَت إلى أهل الأرضِ لأضاءت ما بينهما ولملأتهُ ريحاً وَلَنَصيفُها على رأسِها خيرٌ من الدُّنيا وما فيها "(رواه البخاري). ويقول الشيخ محمد الغزالي: "الحور العين هنَّ بنات آدم بعد صوغهن في قوالب أخرى تجعل العجائز شوابٌّ والدميمة وسيمة! أو هنَّ خلقٌ آخر يبدعه الله في صور فتياتٍ ساحرات العيون يستمتع بهنَّ أهل الجنة". وهكذا حدد الشيخ الغزالي دور الحور فقط للاستمتاع بهن، وهذه المتعة الجنسية الدائمة هي أقصى غاية يرجوها المسلم من إيمانه بدين محمد، فهي متعة تفوق الخَيال، ولا مثيل لها في الأساطير. وفي تفسير القرطبي لقول القرآن في سورة الرحمن 72:55 "حورٌ مقصوراتٌ في الخيام" أورد حديثاً رواه أنس قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: مررت ليلة أسْريَ بي في الجنةِ بنهرٍ حافَتاهُ قباب المرجان فنوديت منه السلام عليك يا رسول الله. فقلت: يا جبريل من هؤلاء قال: هؤلاء جوارٍ من الحور العين استأذنَّ ربهنّ في أن يسلمنَ عليكَ فأذن لَهُنَّ فقلن: نحن الخالداتِ فلا نموت أبدأً ونحن الناعمات فلا نبؤس أبداً ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً أزواج رجال كرام" ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم "حورٌ مقصورات في الخيام" أي محبوساتٍ حبس صيانة وتكرمة". فالحور كما وصفهن النبي هنا خالدات، فلا يمتن ولا تتقدم بهن الأيام، وهن ناعمات، أي ذوات أجساد أنثوية غاية في الإغراء، وهن راضيات، فلا يتذمرن على نصيبهن من الرجال، فالمهم هو متعة الرجل، لأن هذه هي غاية الله من خلق الحوريات. نلاحظ هنا وصف الحوريات أيضاً بأنهن "مقصورات في الخيام" أي محبوسات ومستورات في خيامهن ولا يحق لهن الطواف في حقول الجنّة وطرقاتها، فهذا الحق للرجال فقط. وهكذا سيبقى دور المرأة في الجنة كدورها في الأرض: الجنس ومتعة الرجال. فالزوجة "كأمثال اللؤلؤ المكنون" فهن في صفاء الدر الذي لم تمسه الأيدي، بل يقبعن في بيوتهن ليمتعن أزواجهن بهنَّ.

وجميع نساء الجنّة متساوياتٍ في الأعمار والجمال، لقول القرآن أنهن "أتراباً" (ص 52:38 والواقعة37:56 والنبأ 33:78). ويتفق معظم مفسري القرآن على أن كلمة "أتراباً" تعني في سن واحدة وهو ثلاث وثلاثين سنة، أي أنهن على ميلاد واحد. وهنَّ أيضاً "عُرُباً"، وقد اختلف المفسرون في هذه الكلمة، ومما قالوه: كلامُهنَّ عربي، والمرأة الغنجه، أو حسنات الكلام، أو المتحببات إلى أزواجهنَّ، فالعروب تبين محبتها لزوجها بشكل غنجٍ وحسن كلام. وقيل: أنها الحسنة التبعل لتكون ألذ استمتاعاً. ويصف القرآن نواهد الحوريات بكلمة "كواعب"، أي أنَّ نواهدهن لم يتدلَّين، فالحورة ناهد مثل العذارى، مما يزيد متعة ولذة الجماع. ويقول القرآن أيضاً في وصف زوجات الجنّة بقوله: "كأنهّنَّ الياقوتَ والمرجان" (الرحمن58:55). عن أبي سعيد الخدرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى "كأنهن الياقوت والمرجان" قال: "تنظر إلى وجهها في خدرها أصفى من المرآةِ وإن أدنى لؤلؤه عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب وإنه يكون عليها سبعون ثوباً ينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك" (رواه البخاري ومسلم) فيا له من جمالٍ يسحر الألباب، ويفقد المسلم الصواب.

عن الحسن قال: أتت عجوز فقالت يا رسول الله أدع الله تعالى أن يدخلني الجنّة فقال: "يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز" قال فولَّت تبكي قال: "أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز إن الله تعالى يقول "إنَّا أنشأناهُنَّ إنشاءً، فجعلناهُنَّ أبكاراً".وقد أورد ابن كثير هذا الحديث في تفسيره لما جاء في سورة الواقعة 35:56-37 الذي أورده النبي في حديثه، وتفسير النص هو أن جميع النساء من عجائز أو صغار السّن سيرجعن أبكاراً في الجنة، فالمرأة الثيب تعود عذراء لتمتع زوجها بها بلا انقطاع. عن أنس بن مالك قال: "هن العجائز العمش الرمص كنَّ في الدنيا عمشاً رمصاً". ويضيف القرطبي في تفسيره: وقال المسيب بن شريك: قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "إنَّا أنشأناهنَّ إنشاءً" قال: "هنَّ عجائزَ الدنيا أنشأهنَّ الله خلقاً جديداً كلما أتاهُنَّ أزواجهنَّ وجدوهِنَّ أبكاراً. فلما سمعت عائشة ذلك قالت: واوَجعاه! فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ليس هُناك وجع". وعن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "إنَّ أهل الجنة كلما جامعوا نساءهم عدن أبكاراً". وقال ابن عباسٍ: "إن الرجل من أهل الجنة ليعانق الحوراء سبعين سنة، لا يملها ولا تمله. كلما أتاها وجدها بكراً، وكلّما رجع إليها عادت إليه شهوته، فيجامعها بقوة سبعين رجلاً، لا يكون بينهما مني، يأتي من غير مني منه ولا منها" فلا يوجد أعزب في الجنة، كما روى البخاري عن النبي محمد، بل جنس بلا انقطاع لجميع العباد، وهذا تماماً ما جاء في يسن55:36 "إنَّ أصحابَ الجنّةِ اليومَ في شغلٍ فاكهون" أي أنهم فرحون يتمتعون في إفتضاض الأبكار، كما قال معظم المفسرين.

لم يذكر القرآن نصيب كل رجل من حوريات الجنّة، بل جاء ذكر عددهن في الحديث: عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "... وإن له من الحور العين اثنتين وسبعين زوجةً سوى أزواجه من الدنيا" (رواه أحمد). وأورد ابن كثير في تفسيره لآية "حورٌ مقصورات في الخيام" عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية وصنعاء". ويدل هذا الحديث على أن عدد الحوريات لا يتوقف عندأربعين أو اثنتين وسبعين حورية، فهذا العدد نصيب صاحب أدنى درجة في الجنّة، وبالتالي كم يكون نصيب أصحاب الدرجات العليا؟!.

ومع أن جميع آيات القرآن وأحاديث النبي تربط بين النساء وممارسة الجنس في الجنّة، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لواحدٍ من صحابة النبي الذي قال: " يا رسول الله أيباضع أهل الجنّة؟ قال: "يعطى الرجل منهم من القوة في اليوم الواحد أفضل من سبعين منكم". وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يعطى المؤمن في الجنّة قوة كذا وكذا في النساء، قلت: يا رسول الله ويطبق ذلك؟ قال: يعطى قوة مائة" (رواه أبو داود والترمذي). وعن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله هل نصل إلى نسائنا في الجنّة؟ قال: "إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء" رواه ابن كثير في تفسير الواقعة 35:56. أيضاً عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال له.أنطأ في الجنّة؟ قال "نعم، والذي نفسي بيده دحماً دحماً، فإذا قام عنها رجعت مطهّرة بكراً". وأحاديث النبي تطول في وصف لذة جماع النساء في جنة المسلمين، ولذا نكتفي بما ذكرناه لنبين حقيقة هذه الجنّة التي جعلها النبي محمد مكاناً لممارسة الجنس بلهفةٍ لا نظير لها، إلى جانب شرب الخمر وغيره من الشراب.


11. وِلدان الجنّةِ وغلمانها:

يتابع القرآن وصف نعيم وملذات أهل الجنّة، وذلك بإخبارنا عن وجود عدد هائل من الخدام المميزين الذين سيخدمون كل رجل من المسلمين الذين سيفوزون بجنة النعيم. وهؤلاء الأرقاء، كما يقول الجلالان، هم غلمان أو أحداث صغار السن وصفهم القرآن في قوله في سورة الطور 24:52 "ويطوف عليهم غلمانٌ لهم كأنهُمُ لُؤلؤٌ مكنون " وفي الواقعة17:56 "يطوف عليهم ولدان مخلَّدون" وفي الإنسان 19:76 "ويطوف عليهم ولدان مخلَّدون إذا رأيتهم حسبتهم لُؤلؤاً منثوراً". لذلك فإن إتمام سرور ونعيم أهل الجنّة، كما يقول القرطبي، لا يتم إلا باحتفاف الخدم والولدان بالإنسان. أي أن نعيم الجنة في رأي المسلمين، لا يكتمل إلا بوجود هؤلاء الأولاد في خدمة أهل الجنّة من الرجال، ومع أن القرآن حدد خدمة هؤلاء الأولاد بجلب كؤوس الشراب المختلف ليناولها للرجال. إلا أن بعض الرواة والمفسرين وسعوا خدمتهم بحيث تشتمل على الجنس، أي أن اللواط الذي كان محرماً على أهل الدنيا، سيصبح حلالاً في الجنة، لكي يستطيع الرجال مضاجعة الأولاد الذين ووضعهم الله من أجل إتمام لذّة المتَّقين. كيف لا وصفات هؤلاء الأولاد في غاية الحسن والجمال. فهم أولاً غلمان أو وِلدان مخلَّدون: فهم شباب صغار السن على صفة واحدة وفي سن واحدة على مر الأزمنة، أي باقون على ما هم عليه من الشباب والغضاضة والحسن، لا يكبرون ولا يشيبون ولا يتغيرون ولا يهرمون ولا يموتون. وهم ثانياً مثل اللؤلؤ المكنون، في غاية الحسن والبياض وصفاء اللون مثل اللؤلؤ المصون في الصَّدف في حسنهم وبهائهم ونظافتهم وحسن ملابسهم. وهم ثالثاً كاللؤلؤ المنثور، فهم كالدرر المتناثرة، يذهبون ويجيئون في حركة سريعة لخدمة سادتهم من رجال الجنّة. عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "ما مِنْ أحدٍ من أهل الجنّة إلا يسعى عليه ألف غلام كلَّ غلامٍ على عملٍ ليس عليه صاحبه" ( أورده القرطبي في تفسير الطور 24:52). ويحتار العقل في التفكير بألف نوعٍ من الخدمة يحتاج إليها كل رجلٍ من رجال الجنّة، ويقوم هؤلاء الغلمان بالقيام بهذه الخدمات وهم سعداء بذلك، فَعَن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أدنى أهل الجنّة منزلة من ينادي الخادم من خدمه فيجيبه ألفٌ كلهم لَبيِّكَ لبيِّكْ" (رواه القرطبي في تفسيره). وقيل عنهم مسوّرونَّ ومقرّطون،أي يلبسون الأساور في أيديهم والأقراط في آذانهم لأن ذلك يليق بهم كونهم صغار السِّن. وقد اختلف المفسرون والرواة المسلمين في تحديد هوية هؤلاء الأولاد، ومما قالوه:

هم الأطفال من أولاد المسلمين الذين سبقوهم إلى الجنّة.

هم من أخْدَمَهُمُ الله تعالى إياهُم من أولاد غيرهم.

هم غلمان خلقوا في الجنّة لخدمة أهل الجنّة من غير ولادة.

هم أولاد المشركين الذين ماتوا صغاراً بدون ذنوب أو حسنات، وهم خدم أهل الجنة.

هم ولدان المسلمين الذين يموتون صغاراً ولا حسنة لهم ولا سيئة.

يحتار العقل أمام هذه التعاليم الإسلامية عن وجود أولادٍ لخدمة أهل الجنّة، فهل يعقل مثل هذا الكلام، وكيف يمكن لعاقل أن يقبل بمثل هذا الوصف لجنةٍ خدامها أطفال؟ وما الحكمة من مثل هذه الخدمة في جنّةٍ تخلو من العوز والاحتياج؟ ثم أيُّ تَقِيٍ يمكن أن يقبل فكرة تحليل الشّذوذ في جنة الله؟! وحول هذا السؤال بالتَّحديد نشرت مجلة "حريتي" المصرية بتاريخ 19/4/1992م وعلى صفحتين كاملتين(24و25) حواراً ساخناً بين الكاتب الإسلامي الكبير الشيخ جلال كِشِّك ولجنة الفتوى في الأزهر، وكان موضوع الحوار هو الممارسات الجنسية في الجنة، حيث أكد الشيخ كشِّك أن المسلمين في الجنّة سوف يكونون في حالة انتصاب دائم، أمّا فقهاء الأزهر فلم ينفوا قول الشيخ ولم يؤكدوه، وإن أبدوا بعض الشكوك في موضوع الديمومة. وأكد الشيخ كشِّك أن غلمان الجنة سوف يكونون "مقرطين ومُسوَّرين" أي أنَّهُم سيلبسون الأساور والأقراط، وسيكونون من حظ ونصيب ذكور الجنة ليستمتعوا بهم كما يشاؤون ؟! ويقول الشيخ كِشِّك أيضاً أنه "من الخطأ تقييم الحياة الأخرى بمقاييس وأحكام هذه الحياة التي نعيشها، فهذه دار العمل الصالح والطالح" وأنَّ "كل المحرمات في هذه الأرض تسقط في الآخرة". وقد أورد كشك هذه الأقوال في سياق حديثه عن ممارسة الجنس في غلمان الجنّة. فالمسلم لن يتمتع فقط بالحوريات بل أيضاً بالغلمان، فجمالهم الأخّاذ ورقتهم ونعومتهم تشكل مصدراً لشهوتهم، ولا إثم على الرجل في مضاجعتهم في دار الخلود. فإن كانت هذه صورة جنة المسلمين، فلماذا نلوم المنحرفين؟ ثم ألا تكفي الحوريات لإشباع شهوة رجال الجنة؟ وهل سيجدون وقتاً لشكر ربهم على هذا النعيم؟!


 

12. كلام أهل الجنّة وأمنياتهم:

رأينا إطناباً في وصف جمال الجنّة وأنهارها وشرابها وطعامها ونسائها وولدانها، وهذه الأوصاف والمسّرات تجعلنا نعتقد أن القرآن يزخرُ بصلواتِ الحمد والتسبيح والتمجيد التي سيرفعها أهل الجنة لله بسبب ما هم فيه من نعيم، ولأن الله يستحق ذلك من المتّقين، ولكننا نصاب بخيبةٍ كبيرةٍ عندما نكتشِفُ أنَّ الجملة الوحيدة التي تحتوي على دعاءٍ سيرفع لله في الجنّة هي ما جاء في سورة النساء 10:10 "دعواهُم فيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وتحيَّتهُم فيها سلامٌ وآخِر دعواهمُ أنَّ الحمدُ للهِ رَبَّ العالمين" وجملةُ حمدٍ لله، ولكنها لا تخاطب الله مباشرةً في سورة الزُّمر 74:39 "وقالوا الحمدُ للهِ الذي صَدَقَنا وعَدهُ وأوْرثَنا الأرضَ نتبوَّأ مِنَ الجنّةِ حيثُ نشاءُ فَنَعْمَ أجرُ العامِلين". لذلك يحق لنا أن نتساءَل:

ما هو سِرُّ هذا الصمت؟

فهل هو هذا ما يستحقه الله من المؤمنين الأتقياء؟

أم أنَّ صلواتهم في الجنة أقدس وأجّل من إعلانِها في القرآن؟

أم أنَّ السبب الحقيقي هو حقيقة جنّة المسلمين كما وصفها القرآن، فهي جنّة الملذات والمسَرات والشهوات والطعام والشراب والجنس مع الحوريات الفاتنات، وبالتالي لن يجد الأتقياء وهم في هذا النعيم أيَّ وقت فائضٍ لديهم ليرفعوا ترنيمة شكر أو تسبيحه أو صلاة أو حتى دعاء لرب العالمين. ونُصدَم عندما نقرأ تفاسير المسلمين للدُّعاء اليتيم الذي سيقوله الأتقياء في الجنّة، وذلك عندما نجدهم يقولون في تفاسيرهم أنَّ "دعواهم فيها سبحانكَّ اللهُمَّ" يرتفع من حناجرهم عندما يريدون طعاماً أو عندما يمر طيراً فيشتهونَهُ. ومع أنَّ النبي محمد قال في أحاديثه "إنَّ أهل الجنّة يلهمون التسبيح والتحميد كما تُلهمونَ النَفَسَ (رواه مسلم وأحمد) إلاّ أنَّهُ لم يخبرنا بمضمون التكبير والتسبيح والحمد.

ولكن أهل الجنّة سيتبادلون الكلام فيما بين أنفسهم، وكذلك سيتحدّثون مع أهل النّار؟!.وقد سجل لنا القرآن حوار أهل الجنّة مع أهل النّار في سورة الأعراف 50:7 حيث يقول: "ونادى أصحابُ النّارِ أصحابَ الجنّة أن أفيضوا علينا من الماءِ أو مِمَا رزقكُمُ اللهُ قالوا إن اللهَ حَرَّمَها على الكافرين". وفي سورة المدّثر39:74-42 "إلاّ أصحاب اليمين. في جَنّاتٍ يتساءَلون. عن المجرمين. ما سَلًكَكُم في سَقَر" ولا نفهم كيف سيتم مثل هذا الحوار بين أهل الجنّة والنّار؟ كذلك سجل لنا القرآن الحوار بين أهل الجنة أنفسهم،وكيف تساءلوا عن ماضيهم في الأرض، ومحاولة الشياطين والجن ضلالهم، وكيف أطاعوا الله وأعطاهم الجنة التي بها ينعمون، فيقول في سورة الصّافات 50:37-60 "فأقبلَ بعضهم على بعضٍ يتساءلون.قال قائلٌ منهم إنىّ كانَ لي قرينٌ. يقول أئِنَّكَ لِمَنَ المصَدِّقين. أئِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً ائنَّا لَمَدينون. قال هل أنتم مُطَّلِعونَ. فاطّلَعَ فرآهُ في سواءِ الجحيم. قال تاللهِ إن كِدْتَ لَتُرْدينِ. ولولا نعمة ربي لكنتُ مِنَ المُحْضَرينَ. أفما نحنُ بميِّتينَ إلا مَوتَتنا الأولى وما نحنُ بمُعَذّبينَ. إنَّ هذا لَهُمَ الفوزُ العظيمُ" وفي الطور 25:52-28 "وأقبَلَ بعضُهُم على بعضٍ يتساءَلونَ. قالوا إنّا كُنّا قَبْلُ في أهلنا مشفقينً. فَمَنَّ اللهُ علينا ووقانا عذابَ السَّموم. إنّا كُنّا مِنْ قَبلُ ندعوهُ إنَّهُ هو البَرُّ الرَّحيمُ". وذكر القرآن أيضاً كلام أهل الجنة في طلب الطعام "متّكئين فيها يَدْعونَ فيها بفاكهةٍ كثيرةٍ وشراب" (ص 51:38 أنظر أيضاً الدخان 55:44 ويس 57:36). كذلك لن يسمع أي نوع من الكلام الباطل في الجنة، فليس هناك من يتحدث بكلامٍ لا ضرورة له، ولا يسمع أهل الجنة كلام كذبٍ أو كلام إثمٍ بل تحية السلام من بعضهم البعض ومن رب العالمين. فنقرأ في الواقعة25:56-26 "لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً إلا قيلاً سلاماً سَلاماً" وفي النبأ 35:78 "لا يسمعون فيها لغواً ولا كَذّاباً" (أنظر أيضاً الغاشية 11:88 ومريم 62:19) وفي إبراهيم 23:14 "تحيّتُهُم فيها سلامٌ". ولكن القرآن أخبرنا أنَّ أهل الجنّة سيسمعون كلام أهل النار كما رأينا في سورة الأعراف 50:7، وبالتالي فأهل الجنّة سيسمعونَ لغواً، إلا إذا كان كلام أهل النّار حسناً؟!

إضافةً إلى الكلام المنطوق، يخبرنا القرآن أنَّ أهل الجنّة ستكون لهم أمنياتهم الخاصَّة بهم، ولا نعرف بالضبط إن كانوا سيعرفون هذه الأمنيات إلى الله أم لا، ولكننا نعلم من آيات القرآن أنَّهم سينالون ما يشتهون، كما نقرأ في سورة النمل 31:16 "لهم فيها ما يشاؤون" وفصّلت 31:41 "ولكم فيها ما تشتهي أنفُسكُم ولكم فيها ما تدَّعون (أنظر أيضاً الفرقان 16:25 وسورة ق 35:50). وما قاله المفسرون عن شهوات أهل الجنة يدور بالكامل حول الطعام والشراب والنساء والجنس، ولا نقرأ عن أمنيةٍ لأحدهم في قضاء وقت في حضرة الله للتسبيح والتمّجيد.


13. رؤية أهل الجنَّة لله:

إنَّ أقدس وأعظمَ وأجلَّ أمنية لدى المؤمن الحقيقي هي رؤية الله. وفي البحث في سور القرآن، لا نجد هذه الأمنية بين جملةِ ما يشتهيه أتقياء جنة الإسلام، ومع ذلك يخبرنا القرآن في آيتين فقط أن المؤمنين سيرون الله يوم القيامة، وأن الله سيلقي عليهم السَّلام، كما جاء في سورة القيامة 22:75-23 "وجوهٌ يومئذٍ ناضِرةٌ إلى ربها ناظرةٌ" والأحزاب44:33 "تَحِيَّتهُمُ يوم يلقونَهُ سلامٌ". وأكد نبي المسلمين في أحاديثه على رؤية الله يوم القيامة، ففي تفسير ابن كثير لما جاء في سورة يونس26:10 "لِلَّذين أحسنوا الحُسنى وزيادةٌ ولا يَرْهَقُ وجوههم قَتَرٌ ولا ذِلَّةٌ أولئكَ أصحابُ الجنَّةِ هم فيها خالدون"، أورد حديثاً عن أبي موسى الأشعري قال: أنه سمع رسول الله: "إن الله يبعث يوم القيامةِ منادياً ينادي يا أهل الجنةِ ـ بصوتٍ يسمع أولهم وآخرهم ـ إن الله وعدكم الحسنى وزيادة، فالحسنى الجنة والزِّيادة النّظر إلى وجه الرحمن عز وجل". وفي حديث طويل رواه مسلم وأحمد وغيرهم أن النبي تلا هذه الآية "للَذين أحسنوا الحُسنى وزيادة" وقال: "إذا دخل أهل الجنّة الجنة وأهل النار النّار نادى منادٍ يا أهل الجنّة إنَّ لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكُموهُ فيقولون وما هو ألم يثقل موازيننا؟ ألم يبيّض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرّنُا من النار ـ قال ـ فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليهِ فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحبُ إليهم من النظر إليه ولا أقَرَّ لأعينهم" فالمسلم التقي سيرى الله، كما قال النبي محمد في صحيح البخاري "إنَّكُم سترون ربكم عياناً"، ولكن النبي لم يخبرنا كم ستطول مدة هذه الرؤية؟ وهل ستتكرر أم لا؟ وكيف سيستطيع الناس رؤية خالقهم، أي في أية صورة أو شكل؟ مع أننا نقرأ في صحيح البخاري حديثاً قُدسياً طويلاً عن أبي هريرة جاء فيه. "قال أناسٌ: يا رسولَ الله، هل نرى ربنّا يومَ القيامةِ؟ فقال: "هل تُضارون في الشّمسِ ليسَ دونَها سحابٌ؟ قالوا: لا يا رسولَ الله، قال: هل تضارون في القمر ليلةَ البدرِ، ليس دونَهُ سحابٌ؟ قالوا: لا، يا رسول الله، قال: فإنكَّمُ ترونَهُ يوْمَ القيامةِ كذلك... فيأتيهِمُ اللهُ في الصورة التي يعرفون..." ولكننا لا نقرا عن صورة الله هذه التي ذكرها النبي لا في القرآن ولا في الحديث.


خُلاصة:

قال النبي محمد: "ألا هل من مشمّر للجنّة فإن الجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة نور يتلألأ، وريحانةٌ تهتز، وقصرٌ مشيد، ونهرٌ مطرد، وثمرةٌ نضيجة، وزوجةٌ حسناء جميلة، وحلل كثيرة، ومقام في أبد في دار سليمة، وفاكهةٍ وخضرة، وحبرة ونعمة، في محلة عالية بهيّة" قالوا: نعم يا رسول الله نحن المشمّرون لها، قال: "قولوا إن شاء الله" قال القوم: إن شاء الله. وصف النبي في هذا الحديث جنة المسلمين بالضبط، حيث ذكر القصور والأنهار والثمار والنساء والملابس والزينات والملذات بعبارات موجزة ومعبّرة، وهذه الجنّة هي التي شَمَّرَ لها المسلمون، ومن أجلها يسعون، وإلى رؤيتها يتطلعون، وفي سبيلها يموتون. والحقيقة أن هذه الصور الحسية المذهلة التي يقدمها لنا القرآن والنبي محمد كفيله بأن تلهب أشواق المسلمين في دخول الجنّة بأي ثمن. ولذلك يحق لنا أن نسألهم: هل حقاً تصدقون مثل هذا الكلام الذي أبسط ما يمكن وصفه بالأسطورة أو حكاية من ألف ليلة وليلة؟!. وهل جنّة الله حقاً للطعام والشراب واللباس والجنس؟! أم أن عظمة الله يجب أن تقودنا إلى التفكير في القداسة والطهارة والمجد والبر؟.

صحيح أن الله أعد لنا كما قال الرسول العظيم بولس قبل محمد ب 6 قرون "ما لم تَرَ عينٌ، ولم تسمع أذُنٌ، ولم يخطرْ على بالِ إنسانٍ" لذلك هل نترك خيالنا يسبح في عالم الشهوات الجسدية بقيادة من الشيطان، أم نجعل عقولنا وأرواحنا تقودنا إلى أن نفكر ونشتاق ونتطلع إلى رؤية مجد الله، وإلى أن تتحقق لنا وعوده في أن نرى ونسمع بكل ما أعده لنا من المجد الأبدي.

 

وهنا نتذكر أقوال المسلمين وإفترائاتهم على بعض مقاطع الكتاب المقدس الروحية كنشيد الأنشاد ويتناسوا جنتهم القذرة وصفاتها ونكاحهم فيها بحورها وغلمانها كما ورد في قرآن محمد وأحاديثه

 

هذه هي جنة المسلمين في فحشها ونجاستها وفي ممارسة الغرائز الحيوانية الجنسية فيها في محضر الله القدوس مع حور العين وغلمان الجنة ونساء الأرض. فإن كان المسلم لا يستطيع أن يسلم باليد على امرأة في الجامع لأنهم يقولون أنه بيت الله. فكيف سيجامع الحور والنساء والعلمان في الجنة وفي محضر الله القدوس؟

وهل النساء المسلمات تقبل أن تكون فقط للمتعة الجنسية؟ وهل ترضى أن تكون واحدة من نساء الرجل في الدنيا وفي الآخرى أن تكون سيدة على الحور العين… تصورا الإنسانة المسلمة وهي ترى زوجها ينكح الحور العين الواحدة بعد الأخرى… 40 … 72 أو أكثر… وبعدها يأتي دور الغلمان والزوجات الأخريات من مخلفات أرثه الأرض وأخيراً يأتي دورها لتُنكح من رجلها… ومن جديد تبدأ دورة جديدة من الحور والغلمان إلى ما لا نهاية … هذه هي جنة الدعارة والنجاسة الخاصة بالمسلمين التي يتخيلوها ويحلمون بها ليلاً ونهاراً بكل ما فيها من قذارات جنسية ألهبت رجال الإسلام على مدى العصور وحركتهم في كل أعمالهم, جهادهم, وأصوامهم, وزكاتهم, وحجهم وصلواتهم… لقد انطلت عليهم خدعة الشيطان الكبرى بالوعد المزيف من رسوله محمد.

والحقيقة هي أنهم لن يروا جنة ولا نكاح ولا حوريات بل سينتظرهم نار بحيرة النار جهنم لأنهم رفضوا طريق الله للخلاص بيسوع المسيح ربهم وسيدهم, رضوا ربوبيته أم رفضوها.

فتوبوا يا أهل الإسلام قبل فوات الأوان وأرجعوا إلى الله الذي أحبكم ولا تنقادوا إلى خدعة الشيطان عدو الرب يسوع المسيح وصليبه وقيامته بل آمنوا بمن هو الطريق والحق والحياة والذي وعد بالحياة الأبدية في سماء الله لكل المؤمنين به فهل تؤمنوا بالمسيح الحقيقي وتنالوا الحياة الابدية أم ترفضوه وتختاروا الهلاك.

  • عدد الزيارات: 214318