Skip to main content

البرهان على ألوهية المسيح - يقول المسيح أيضاً عن نفسه بمعنى روحي أنه نور للنفوس

الصفحة 3 من 7: يقول المسيح أيضاً عن نفسه بمعنى روحي أنه نور للنفوس

(6) يقول المسيح أيضاً عن نفسه بمعنى روحي أنه نور للنفوس ولذلك قال في (يوحنا 8: 12) "أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة." ويقول أيضاً في (يوحنا 12: 46) "أنا قد جئت نوراً إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة" ولكي نفهم ذلك جيداً لنرجع إلى شهادة يوحنا نفسه التي ألهمه إياها الروح القدس إذ قال في (يوحنا 1: 4و9) "وفيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس … كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتياً إلى العالم" وقد قال أشعياء النبي موافقاً على هذا الكلام "الرب يكون لك نوراً أبدياً" (أشعياء 6: 20). هذه الكلمات قالها وكتبها النبي أشعياء قبل مجيء المسيح بأجيال عديدة وقد عرفها أتقياء اليهود المعاصرون لهذا الزمن –فما ذكرناه من أقوال المسيح عن نفسه أنه نور العالم يظهر لنا حقيقة مقامه الأسمى وذاته العلية.
(7) أظهر المسيح ذلك أيضاً بطريقة غامضة نوعاً ما إذ قال لليهود في (يوحنا 8: 23) "أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم." ولكي لا نشك في هذا الكلام قال في (يوحنا 8: 42) "لأني خرجت من قبل الله وأتيت." وقال لتلاميذه في يوحنا 16: 27و28) "لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني وآمنتم أني من عند الله خرجت –خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم وأيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب."
وقد عرف يوحنا المعمدان هذه الحقيقة وكان يعّلم قائلاً "الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع والذي من الأرض هو أرضي ومن الأرض يتكلم الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع وما رآه وسمعه به يشهد" (يوحنا 3: 31و32). ومع أن هذه الكلمات وحدها لا تثبت ألوهية يسوع المسيح إلا أنها تبرهن أنه جاء من السماء ومن عند الله وأنه ليس كغيره من الأنبياء كموسى وداود وإيليا ويوحنا المعمدان- هذه العبارة مقتطفة من تعاليم كثيرة حولها لإثبات لاهوت المسيح ولا يمكنا فهمها إلا إذا كنا نفهم التعاليم الأخرى الخاصة بذلك وعندئذ يتضح لنا تماماً معنى قوله "أن المسيح جاء من عند الله" أو كما يقول المسلمون أنه روح.
(8) يعلمنا يسوع المسيح أن محبتنا له عنوان الولادة الروحية الجديدة وهي ضرورية لدخول الملكوت بدليل قوله في (يوحنا 3:3) "إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" ولما قال له اليهود "لنا آب واحد وهو الله" قال لهم المسيح "لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني" (يوحنا 8: 42). بذلك أظهر المسيح أن بغضهم له دليل على أنهم أولاد إبليس وليسوا بأولاد الله كما أعلن لتلاميذه أنه بسبب إيمانهم به ومحبتهم له أصبحوا مقبولين لدى الله ومحبوبين في عينيه وقد قال المسيح في (يوحنا 15: 23) "الذي يبغضني يبغض أبي أيضاً" وكل هذه الآيات إنما تظهر الصلة التي تربطه بالله ويجدر بنا هنا أن نلاحظ أنه يثبت بنوته بقوله أن الله آب له.
(9) ويوضح المسيح أكثر مما مضى أنه لم يكن كائناً سابقاً فقط بل أنه كان قبل خلق العالم مع الله أبيه وهو يستعمل لنفسه اصطلاحاً لا يصح لغيره البتة. ولفهم تلك الحقيقة التي بيّنها نذكر بعض الآيات من الإنجيل. قال لليهود "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح" (يوحنا 8: 56) فاندهش اليهود في ذلك الوقت ولم يفهموا أنه هو المسيا الذي وعد الله به إبراهيم خليله وقد رآه بعين الإيمان فقال له اليهود هازئين "ليس لك خمسون سنة بعد أفرأيت إبراهيم (يوحنا 8: 57) فقال لهم المسيح "الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" ومعنى الفعل "يكون إبراهيم" أي قبل تكوينه في الوجود ومعنى "كائن" هنا أن المسيح يبين أزليته وأنه غير متغير وهذا واضح من قوله "أنا كائن" ولم يقل أنا كنت أو جئت إلى الوجود وقال ميخا النبي في ذلك "أما أنت يا بيت لحم أفراته وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (ميخا 5: 2) وقد اختار الله لذاته هذا اللقب في التوراة لما ظهر لموسى في وسط العليقة المشتعلة بلهيب النار وأمره أن يذهب إلى مصر إلى فرعون ويخرج شعب إسرائيل ولما سأله موسى عن اسمه كان جواب الله لموسى "اهيه الذي اهيه وقال هكذا تقول لبني إسرائيل اهيه أرسلني إليكم" (خروج 3: 14). إن الكائنات بأكملها تنقسم إلى ثلاثة أقسام من حيث زمانها ماض وحاضر ومستقبل وجميعها عرضة للتغير والتبديل وأما الواحد الأبدي فليس له ماض ولا مستقبل بل حاضر أبدي- ولما قال يسوع المسيح عن نفسه "أنا كائن" أثبت ألوهيته بكل صراحة وهذا واضح ليس فقط من معنى كلماته ولكن من الرموز الكثيرة التي وردت في الكتاب المقدس وقد فهم اليهود ذلك ولم يؤمنوا بكلامه وحسبوه مجدفاً "فرفعوا حجارة ليرجموه" (يوحنا 8: 59). إنه من الأهمية بمكان أن نفهم ذلك لأنه يدلنا على مقدار فهم اليهود لكلامه أيامئذ ولسنا بمخطئين إذا قلنا أن أقواله كانت برهاناً قاطعاً على صحة ألوهيته ولقد اجتهد بعض المسلمين أن يشرحوا قوله هذا بأن أرواح البشر كلها كانت موجودة من وقت الخليقة قبل مجيئها لهذا العالم ولو سلمنا جدلاً بصحة هذه الآراء مع عدم وجود الأدلة المثبتة لذلك فالصعوبة واقفة لنا بالمرصاد فأنه لو سلمنا أن جميع الأرواح خُلقت معاً فلا يكون أحدها متقدماً عن الآخر وبالتالي إذا كانت هذه الأرواح قد وُجدت قبل أن تتجسد وتولد بأمد قصير واعتبرنا يسوع المسيح إنساناً كسائر البشر، فكيف يكون المسيح كائناً قبل إبراهيم وهو من نسله بحسب الجسد فهو القائل "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن"؟ ذلك مما يجعلنا نعتقد أن المسيح ليس كسائر البشر وهذا برهان ساطع على صحة طبيعته الإلهية ومما يزيد البرهان صراحة قوله وهو يصلي قبل صلبه "والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يوحنا 17: 5). إذ لا يمكن لبشر أن يقول قولاً كهذا لأنه لم يكن أحد ما كائناً قبل كون العالم لأن خلق الإنسان حصل بعد تكّون العالم فلا يتجاسر أكبر الرسل ولا أعظم الأنبياء أن يقول عن نفسه أنه كائن قبل الخليقة وله نصيب في مجد الله الذي كان قبل كون العالم. اقرأ (تكوين 1و2) ولكن في الإنجيل أظهر المسيح حقاً أنه كائن قبل العالم وفي هذا دليل كاف على إثبات لاهوته الذي ادعاه لنفسه.

قد أثبت المسيح ألوهيته أيضاً لما له من السلطة على السماء والأرض
الصفحة
  • عدد الزيارات: 41419