التدليس وأنواعه

التدليس لغةً هو كتمان عيب في شيء ما حتى لا يعلمه المستفيد من هذا الشيء. والتدليس عند علماء الحديث هو أن لا يسمِّي الراوي من حدَّثه، أو أن يوهِم أنه سمع الحديث ممن لم يسمعه منه. وقد اشتُقّ من الدَّلَس، وهو اختلاط الظلام بالنور, وينقسم التدليس في اصطلاح المحدثين إلى ثلاثة أقسام: (أ) تدليس الإسناد، و(ب) تدليس الشيوخ، و(ج) تدليس التسوية.

أ - تدليس الإسناد: تدليس الإسناد هو أول أنواع التدليس، وهو أن يُسقِط الراوي اسم شيخه الذي سمع منه إلى من يليه بلفظٍ لا يقتضي الاتّصال، كقوله عن فلان أو قال فلان. أو أن يروي عمَّن لقيه وسمع منه مالم يسمع، ولا يذكر ذلك.

قال البزَّاز : إن كان يدلس عن الثقات فتدليسه مقبول عند أهل العلم.

أما شُعبة وأكثر العلماء فقد بالغوا في ذمِّه. فروى الشافعي عن شُعبة قال: التدليس أخو الكذب. وقال: لَأَنْ أزني أحبُّ إليَّ من أن أُدلس.

وكان الشافعي يردُّ مطلقاً من عُرف عنه التدليس في الإسناد ولو مرة واحدة. ولكن أكثر العلماء اتفقوا على أن الراوي الذي نُسب إليه التدليس، يُقبل من روايته ما صرح فيه بلفظ السماع، ويرد ما كانت عبارته محتملة مبهمة,

وأشهر من عُرف عنه تدليس الإسناد الأصبهاني أصبهاني صاحب حلية الأولياء وزيد بن أسلم العمري بن أسلم العمري ، والدارقطني صاحب السنن والبخاري وأبو داود وسفيان الثوري ، والإمام مسلم جامع الصحيح.

ب - تدليس الشيوخ: وهو أن يصرّح الراوي باسم المروي عنه باسمٍ أو كنية لم يُعرف بها لضعفه، كقول أبي بكر بن مجاهد أبي بكر بن مجاهد أحد أئمة القراء: حدَّثنا عبد الله بن أبي عبد الله يريد به عبد الله بن أبي داود السّجِستاني، وفي هذا تضييع للمروي عنه.

ويرى ابن الصلاح ابن الصلاح أن الخطيب البغدادي كان لهجاً بهذا القسم في مصنفاته, وينقل عنه بعض الأمثلة في ذلك منها أن الخطيب البغدادي كان يروي في كتبه عن أبي القاسم الأزهري، وعن عبيد الله بن أبي الفتح القاسمي، وعن عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، والجميع شخص واحد من مشايخه.

ويعلق الدكتور صبحي الصالح: نحن في الواقع نجلّ الخطيب البغدادي عن أن يكون قصده تعمية أمر واحد من هؤلاء الشيوخ. ولكننا لا نكتم استغرابنا من ذكره هذه الأسماء التي يصعب معها معرفة الشيخ، مع أنها لشخص واحد، وهو يعلم أنها لشخص واحد. وإن كثيرين لا يفطنون لذلك,

ومن أمثلة من كانوا يدلسون من الشيوخ: مروان بن ، ومجاهد ، ومحمد بن إسحاق بن اسحاق ، وقتادة

ج - تدليس التسوية: وهو أن يروي المُحَدِّث حديثاً عن ثقة، (أي عن راوٍ موثوق به) عن ضعيف، عن ثقة. فيُسقِط المُدلس الضعيف الذي في السند فيجعل الحديث عن ثقة عن ثقة، فيستوي بذلك الإسناد، كله ثقات.

وهذا النوع هو أشرّ أقسام التدليس، لأن الثقة الأول لا يكون معروفاً بالتدليس، ويجده الواقف على السند كذلك (بعد التسوية) قد رواه عن ثقةٍ آخَر، فيحكم للحديث بالصحة.

وقد اشتهر بهذا النوع من الحديث بعض أكبر أئمة الحديث، مثل مالك بن أنس صاحب الموطأ وأبي إسحاق أبو اسحاق ، والوليد بن مسلم.

وكان بعض المدلسين من أئمة الحديث يجدون في التدليس متعة نفسية، فلا تحلو لهم الدعابة إلا بهذا الضرب من الرواية المبهمة يخوضون فيه متساهلين، ثم يندمون ويتوبون. قيل

لهيثم بن بشير: ما يحملك على التدليس؟ فأجاب: إنه أشهى شهي!,

ولم يكن هيثم بن بشير هو الوحيد في هذا الفن، فقد اعترف علماء الحديث بوقوع التدليس من أشهر أئمة الحديث مثل: ابن عُيينة ابن عُيينة والأعمش أعمش وقتادة والحسن البصري الحسن البصري وعبد الرزاق والوليدبن مسلم. والغريب في الأمر وصف علماء الحديث لهيثم بن بشير وابن عُيينة ابن عُيينة بالأمانة والحفظ والضبط.. والأغرب أنهم يبررون هذه الظاهرة بقولهم: فما أقل الذين سلموا من التدليس, حتى ابن عباس لم يسمع من محمد إلا أحاديث يسيرة. قال بعضهم أربعة وبقية أحاديثه سمعاً من الصحابة عن محمد. ولكننا نجده لا يكاد يذكر أحداً بينه وبين محمد فيقول: قال رسول الله,