Skip to main content

إجابة النصراني (المسيحي) - الله واحد ذو كلمة وروح في ثلاثة أقانيم قائمة بذاتها

الصفحة 3 من 3: الله واحد ذو كلمة وروح في ثلاثة أقانيم قائمة بذاتها

 

فقد صحَّت نتيجة هذه المقدمات أن الله واحد ذو كلمة وروح في ثلاثة أقانيم قائمة بذاتها، يعمّها جوهر اللاهوت الواحد. فهذه هي صفة الواحد المثلث الأقانيم الذي نعبده. وهذه الصفة التي ارتضاها لنفسه ودلّنا على سرِّها في كتبه المنزلة على ألسنة أنبيائه ورسله، فأوَّل ذلك ما ناجى به موسى كليمه، حيث أعْلمه كيف خلق آدم، فقال في السفر الأول من كتاب التوراة في البدء خلق الله (وفي العبرية: الآلهة بصيغة الجمع) السموات والأرض (تكوين 1:1) فبهذا يشير الكتاب المقدس إلى تثليث الأقانيم الإلهية الثلاثة. وبقوله خَلَق بضمير المفرد يشير إلى وحدة الطبيعة والجوهر الذي هو للأقانيم الإلهية الثلاثة. وقال أيضاً في هذا السفر إن الله قال عند خلقه آدم: نَعْمَلُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا (تكوين 1:26), ولم يقل: أعمل على صورتي وشبهي . وقال في هذا السفر عندما أخطأ آدم: هُوَذَا الْإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفاً الْخَيْرَ والشَّرَّ (تكوين 3:22). ولم يقل مثلي . وقال عزَّ وجل في هذا السفر: هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ (تكوين 11:7) وذلك لما اجتمعوا ليَبْنوا صرحاً يكون رأسه في السماء، ففرَّق الله ضعف رأيهم وقلة عقولهم في ما فكروا فيه. ولم يقل أنزل أبلبل .

فهذا ما ناجى الله به موسى، فخبَّرنا بهذا السرّ في الأقانيم الثلاثة عن الله. فهل ندع كلام الله والسرَّ الذي أودعه موسى، وبرهان موسى على صحّة ذلك بالعلامات العجيبة، ونقبل قول صاحبك بلا حجة ولا آية ولا أعجوبة ولا دليل، حيث يقول إن الله فردٌ صمد، ثم يرجع فيناقض قوله ويقول إن له روحاً وكلمة. فهو قد وحَّد وثلَّث من حيث لم يعلم!

وفي كتابك أيضاً شبيه بما ذكرنا عن الله فعلنا وخلقنا وأمرنا وأوحينا وأهلكنا . أَفيشكّ أحدٌ في أن هذا القول قول شتى لا قول فرد؟ فإن ادَّعيت أن العرب قد أجازت هذا القول واستعملته في كلامها ومخاطبتها تريد به التفخُّم، قلنا لك: لو كانت العرب وحدها هي التي ابتدعته كان لك في كلامك تعلّق. فأما إذْ قد سبق العرب العبرانيون والسريانيون واليونانيون وغيرهم من ذوي الألسنة المختلفة، على غير تواطؤ، فليس ما وصفت من إجازة العرب ذلك حجّة. فإن قلتَ: نعم قد أجازته، حيث يقول الرجل الواحد منهم أمرنا وأرسلنا وقلنا ولقينا وما أشبه ذلك، نقول لك إن ذلك صحيح جائز في المؤلَّف من أشياء مختلفة والمركَّب من أعضاء غير متشابهة، لأن الإنسان واحد كثيرة أجزاؤه، فأول أجزاءٍ من الإنسان النفس والجسد، والجسد مبني من أجزاء كثيرة وأعضاء شتى، فلذلك جاز له أن ينطق بما وصفتَ من: قلنا وأمرنا وأوحينا، إذ هو عدد واحد كما ذكرت. فإن قلت إن ذلك تعظيمٌ لله أن يقول أرسلنا وأمرنا وأوحينا، قلنا لك: لو لم يقل ذلك من ليس بمستحقٍّ للتعظيم لجاز قولك. ولكن الله سبحانه يعلّمنا أنه واحد ذو ثلاثة أقانيم، قد نطق بالصيغتين من أمرتُ وأمرنا وخلقتُ وخلقنا وأوحيتُ وأوحينا. فإن الأولى دليل على الوحدانية والثانية على تعدد الأقانيم. وبيان ذلك قول موسى النبي في التوراة ما معناه أن الله تراءى لإبراهيم وهو في بلوطات ممرا جالساً على باب خبائه في وقت حرّ النهار، فرأى ثلاثة رجالٍ وقوفاً بإزائه، فاستقبلهم قائلاً: يَا سَيِّدُ إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَلَا تَتَجَاوَزْ عَبْدَكَ (تكوين 18:2 ، 3). ألا ترى أن المنظور إليه من إبراهيم ثلاثة، ولكن الخطاب لشخص واحد؟ فسمّاهم رباً واحداً، وتضرع إليه سائلاً طالباً أن ينزل عنده. فاعتباره الثلاثة سرّ الأقانيم الثلاثة، وتسميته إياهم ربّاً واحداً لا أرباباً سرّ لجوهرٍ واحدٍ، فهي ثلاثة بحق وواحد بحق، كما وصفنا.

ثم أن موسى أخبر أن الله قاله له: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد . معنى ذلك أن الله الموصوف بثلاثة أقانيم هو رب واحد. وداود النبي يقول في المزمور 33:6 عن الله بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ وَبِنَسَمَةِ فَمِهِ كُلُّ جُنُودِهَا فأفصح داود وصرح بالثلاثة الأقانيم حيث قال الله وكلمته وبنسَمة (أي بروحه). فهل زدنا في وصفنا على ما قال داود؟ وقال في موضع آخر في كتابه تحقيقاً بأن كلمة الله إله حقٌّ لكلمة الله أسبّح . ولا يمكن أن يسبّح داود لغير الله.

وقال إشعياء النبي: لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنَ الْبَدْءِ فِي الْخَفَاءِ. مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ، والْآنَ السَّيِّدُ الرَّبُّ أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ (إش 48:16) وهذا هو قولنا ثلاثة أقانيم إله واحد ورب واحد. لم نخرج عن حدود كتب الله المنزلة، ولم نزِدْ فيها ولم نُنقص منها ولا بدّلناها ولا حرّفناها.

ثم وصف إشعياء النبي أن الله عز وجل تراءى له والملائكة حافّون به مقدِّسون له قائلين: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الْأَرْضِ (إشعياء 6:1-3) فتقديس الملائكة ثلاث مرات واقتصارهم على ذلك بلا زيادة ولا نقصان سرٌّ لتقديسهم الأقانيم الثلاثة إلهاً واحداً وربّاً واحداً، وهذا شأنهم منذ خُلقوا إلى أبد الآبدين.

ولو شئتُ أن أمطر عليك الشهادات من الكتب المقدسة المنزَلة بالتصريح والاجتهاد في القول إن الله واحد ذو ثلاثة أقانيم، لفعلتُ ذلك. لكني أكره التطويل، فاقتصرت على ما كتبتُ، ولما ذكرتَه من أنك درستَ كتبَ الله المنزلة. فإن كنتقد درستها كما ذكرتَ، فقد استدللْتَ بيسيرٍ مما كتبتُ به إليك على كثير مما في كتب الله المُنْزَلة من أسرار أقانيمه وتوحيده.

وليس دعائي إياك إلا إلى الله الواحد الذي هو ثلاثة أقانيم، كامل بكلمته وروحه، واحد ثلاثة، وثلاثة واحد. ومن هذه الجهة ليس هو ثالث ثلاثة كما شنَّع في القول علينا صاحبك، إذ قال لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (سورة المائدة 5:73 ، 74) فهذا قول صاحبك. ولقد كنتُ أحب أن أعلم مَنْ هؤلاء الذين يقولون إن الله ثالث ثلاثة؟ أَمِنْ فِرق النصرانية هم أم لا؟ وأنت قد ادّعيت معرفة الفِرق الثلاث وهي الفِرق الظاهرة. فهل تعلم أن أحداً منهم يقول إن الله ثالث ثلاثة؟ فما أظنك تعرفه ولا نحن نعرفه أيضاً، اللهم إلا أن يكون أراد فريق المرقيونية، فإنهم يقولون بثلاثة أكوان يسمّونها آلهة متفرقة، فواحد عدل، وآخر رحيم، وآخر شرير. وليس أولئك نصارى. فأما أهل النصرانية فكل من ينتحل هذا الاسم فهو بريء من هذه المقالة، جاحد لها كافر بها. وإنما قولهم إن الله واحد ذو كلمة وروح من غير افتراق، وقد أقرَّ صاحبك بهذا إذ حثَّكم على الإيمان بالمسيح سيد العالم ومخلّص البشر يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَا~مِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (سورة النساء 4:171).

فالله تبارك وتعالى ذو كلمة وروح، وصاحبك يقول إن المسيح كلمة الله تجسد وصار إنساناً. فهل هناك بيان وشرح أو إيضاح وتصريح أكثر من هذا؟ ثم ختم بقوله: ولا تقولوا ثلاثة آلهة، أو يتوهم ذلك عن الله جل وعز، بل انتهوا عنه فإنه خير لكم ألاَّ تقولوا بمقالة مرقيون الجاهل إنها ثلاثة آلهة. فقد شرحتُ لك معنى قولنا إن الله واحد ذو كلمة وروح، واحد ذو ثلاثة أقانيم.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 9823