Skip to main content

هذا الكتاب

هذا الكتاب

في القرن التاسع الميلادي، في زمن الخليفة عبد الله المأمون، كتب مسلم تقي هو عبد الله بن إسماعيل الهاشمي رسالة لصديق له مسيحي، هو عبد المسيح بن اسحق الكِنْدي، يدعوه فيها إلى الإسلام. وكان عبد الله معروفاً بالتقوى وشدة القيام بفروض الإسلام، كما كان عبد المسيح مشهوراً بتقواه وتمسّكه بالمسيحية، كما كان في خدمة الخليفة مقرَّباً إليه.

وقد ذكر الرسالتين أبو ريحان محمد بن أحمد البيروني في كتابه الآثار الباقية عن القرون الخالية .

وقد قيل إن أمر الرسالتين بلغ الخليفة المأمون، فأمر بإحضارهما وقُرئتا عليه. فلم يزل ناصتاً حتى جاء إلى آخرهما فقال: ما كان دعاه إلى أن يتعرض لما ليس من عمله حتى أجاز كتاف نفسه. فأما النصراني فلا حُجّة لنا عليه، لأن الأمر لو لم يكن عنده هكذا لما أقام على دينه. والدين دينان: أحدهما دين الدنيا، والآخر دين الآخرة. أما دين الدنيا فالدين المجوسي وما جاء به زرادشت. وأما دين الآخرة فهو دين النصارى وما جاء به المسيح. وأما الدين الصحيح فهو التوحيد الذي جاء به صاحبنا، فإنه الدين الجامع الدنيا والآخرة .

وقد نشرت جمعية ترقية المعارف المسيحية في لندن هذه المخطوطة عام 1885 ، وأعيد نشرها بالقاهرة عام 1912.

ويسرنا أن نقدم للقارئ العربي رسالتي الهاشمي والكِنْدي في هذه الطبعة الحديثة التي قدمنا فيها رسالة الهاشمي كما وجدناها. أما رسالة الكندي للهاشمي فقد حذفنا منها المترادفات، والتكرار، والتحيات، ونقلنا الاقتباسات الكتابية من ترجمة بيروت المعروفة بترجمة البستاني . وقد تركنا كلمة نصارى ونصرانية كما هي رغم معرفتنا أن المقصود بها هنا هو المسيحية وليس فرقة النصارى.

نسأل الله الحقيقي أن يهدي المسلمين إلى الصراط مستقيم.

بسم الله الواحد الصمد

كان في زمن عبد الله المأمون أحد نبلاء الهاشميين وأظنه من ولد العباس، قريب القرابة من الخليفة، معروفٌ بالنسك والورع والتمسك بدين الإسلام وشدة الإغراق فيه والقيام بفرائضه وسننه، مشهور بذلك عند الخاصة والعامة. وكان له صديق من الفضلاء ذو أدب وعلم، كِنْدي الأصل مشهور بالتمسك بدين النصرانية، وكان في خدمة الخليفة وقريباً منه مكاناً. فكانا يتوادّان ويتحابان ويثق كل منهما بصاحبه وبالإخلاص له. وكان أمير المؤمنين المأمون وجماعة أصحابه والمتصلون به قد عرفوهما بذلك، وهما عبد الله بن إسماعيل الهاشمي، وعبد المسيح بن إسحق الكِنْدي، فكتب الهاشمي إلى الكندي الرسالة التالية:


 

بسم الله الرحمن الرحيم

افتتحت كتابي إليك بالسلام عليك والرحمة، تشبُّهاً بسيدي وسيد الأنبياء محمد رسول الله (ص) فإن ثقاتنا رووا لنا عنه أن هذه كانت عادته، وأنه كان إذا افتتح كلامه مع الناس يبادئهم بالسلام والرحمة في مخاطبته إياهم، ولا يفرّق بين الذمّي منهم والأمي، ولا بين المؤمن والمشرك. وكان يقول إني بُعثت بحُسن الخلق إلى الناس كافة، ولم أُبعث بالغِلظة والفظاظة. ويستشهد الله على ذلك إذ يقول بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (سورة التوبة 9:128). وكذلك رأيتُ من حضَرْتُه من أئمتنا الخلفاء الراشدين يتتبعون أثر نبيِّهم ولا يفرِّقون في ذلك ولا يفضّلون فيه أحداً. فسلكتُ ذلك المنهج. والذي حملني إليك وحثَّني على ذلك محبتي لك، إذ كان سيدي ونبيي محمد يقول: محبة القريب ديانة وإيمان . فكتبتُ طاعةً له، ولِما أوجبه لك عندنا حق خدمتك لنا ونُصحك إيانا، وما أنت عليه من محبتنا، وما أرى أيضاً من إكرام سيدي وابن عمي أمير المؤمنين لك وتقريبه إياك وثقته بك وحسن قوله فيك، فرأيت أن أرضَى لك ما قد رضيته لنفسي وأهلي ووالديَّ، مخلصاً لك النصيحة وباذلها، كاشفاً عما نحن عليه من ديانتنا هذه التي ارتضاها الله لنا ولجميع خلقه، ووعدنا عليها حسن الثواب في المعاد والأمن من العقاب في المآب، إذ يقول تبارك وتعالى مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً (سورة البقرة 2:135) والَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (سورة الزخرف 43:69) ومَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلَا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (سورة آل عمران 3:67). فرغبت لك ما رغبت فيه لنفسي، وأشفقت عليك لما ظهر لي من كثرة أدبك وبارع علمك وتقدّمك على الكثير من أهل ملّتك أن تكون مقيماً على ما أنت عليه من ديانتك هذه. فقلت: اكشف له عما منَّ الله به علينا، وأعرّفه ما نحن عليه، بأَلْيَن القول وأحسنه، متَّبعاً في ذلك ما أذنني الله به إذ يأمرني: وَلاَ تَجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (سورة العنكبوت 29:46). فلست أجادلك إلا بالجميل من الكلام والحسن من القول والليّن من اللفظ، لعلك تنتبه وترجع إلى الحق وترغب في ما أتلوه عليك من كلام الله جل جلاله الذي أنزله على خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم نبينا محمد. ولم أيئس من ذلك، بل رجوته لك من الله الذي يهدي من يشاء، وسألته أن يجعلني سبباً في ذلك، ووجدت الله يقول في كتابه إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ (سورة آل عمران 3:19) ويقول الله أيضاً مؤكداً وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (سورة آل عمران 3:85) ويقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (سورة آل عمران 3:102).

وأنت تعلم أني رجل أتت عليَّ سنون كثيرة وقد تبحَّرْتُ في عامة الأديان وامتحنتها، وقرأت كثيراً من كتب أهلها وخاصة كتبكم معشر النصارى، فإني عُنيت بقراءة الكتب العتيقة والحديثة التي أنزلها الله على موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام. فأما الكتب العتيقة التي هي التوراة، وكتاب يشوع بن نون، وسفر القضاة، وسفر صموئيل النبي، وسفر الملوك، وزبور داود النبي، وحكمة سليمان بن داود، وكتاب أيوب الصدّيق، وكتاب إشعياء النبي، وكتاب الإثني عشر نبياً، وكتاب إرميا النبي، وكتاب حزقيال النبي، وكتاب دانيال النبي فهذه هي الكتب العتيقة.

فأما الكتب الحديثة فأولها الإنجيل وهو أربعة أجزاء، الأول منها بشارة متى العشار، والثاني بشارة مرقس ابن أخت سمعان المعروف بالصفا، والثالث بشارة لوقا المطبّب، والرابع بشارة يوحنا بن زبدي. فهذه أربعة أجزاء، منها بشارة رجلين من الحواريين الإثني عشر الذين كانوا ملازمين المسيح، هما متى ويوحنا، وبشارة رجلين من الحواريين السبعين الذين كانوا للمسيح، وبعثهم إلى الأمم دُعاةً له وهما مرقس ولوقا. ثم كتاب قصص الحواريين وأحاديثهم وأخبارهم من بعد ارتفاع المسيح إلى السماء الذي كتبه لوقا، ورسائل بولس الأربع عشرة. فهذه كلها قد قرأتها ودرستها وناظرت فيها تيموثاوس الجاثليق، الذي له فيكم فضل الرئاسة والعلم والعقل. وناظرتُ فيها من أهل فِرقَكم هذه الثلاث التي هي ظاهرة، أعني الملكية القابلين مركيانوس الملك على عهد الشقاق الواقع بين نسطوريوس وكيرلس، وهم الروم. واليعقوبية القائلين بمقالة كيرلس الإسكندري ويعقوب البردعاني وساويرس صاحب كرسي أنطاكية. والنسطورية أصحابك، وهم أقرب وأشبه بأقاويل المنصفين من أهل الكلام والنظر وأكثرهم ميلاً إلى قولنا معشر المسلمين، وهم الذين حمد نبينا (صلى الله عليه وسلم (؟ !)) أمرهم ومدحهم وأعطاهم العهود والمواثيق، وجعل لهم من الذمة في عنقه وأعناق أصحابه ما جعل وكتب لهم في ذلك الكتب وسجل لهم السجلات، وأكد أمرهم عندما صاروا إليه حين أفُضي الأمر إليه واستوثق له، فأتوه وتحرموا بحرمته وذكروه بمعونتهم إياه على إعلان أمره وإظهار دعوته. وذلك أن الرهبان كانوا يبشرونه ويخبرونه قبل نزول الوحي عليه بما مكن الله له وصار إليه. فلذلك كان يُكثر توادّه لهم وإطالة محادثتهم، ويُرَى كثيراً عندهم مخاطباً لهم في تردّده إلى الشام وغيرها. وكان الرهبان وأصحاب الأديرة يكرمونه ويجلّونه طوعاً ويخبرون أصحابهم بما يريد الله أن يرفع من أمره ويعلن من ذكره، وكانت النصارى تميل إليه وتخبره بمكيدة اليهود ومشركي قريش وما يبتغونه له من الشرّ، مع مودتهم له وإجلالهم إياه وأصحابه. فعند ذلك نزل الوحي على نبينا عليه السلام، وشهد الله لهم في القرآن قائلاً: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ والَّذِينَ أَشْرَكُوا (يعني مشركي قريش) وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (سورة المائدة 5:82). وعرف النبي عليه السلام بما أُنزل عليه من الوحي صحة ضمائرهم ونياتهم، وأنهم أصحاب المسيح حقاً السائرون بسيرته الآخذون بسننه، إذ كانوا لا يقبلون القتال ولا يستحلّون المال ولا يغشّون أحداً ولا يريدون بالناس سوءاً ولا مكروهاً، وأنهم طالبو السلامة ولا يصرّون على حقدٍ ولا عداوة. فأعطاهم نبينا لذلك ما أعطاهم من العهود والمواثيق، وجعل لهم من الذمة في رقبته ورقاب أصحابه، ووصَّى بهم تلك الوصية عندما أطلعه الله على ما أطلعه عليه من أمرهم وبراءة ساحتهم. فنحن مقرُّون بذلك غير جاحدين ولا منكرين، وناظرون لهذا الفعل وآخذون بهذه السُنَّة وقابلون لهذه الوصية وموجبون هذا الحق على أنفسنا.

ولقيتُ جماعةً من الرهبان المعروفين بشدة الزهد وكثرة العلم، ودخلتُ كنائس وأديرة كثيرة وحضرت صلواتهم تلك الطوال السبع التي يسمّونها صلوات الأوقات، وهي صلاة الليل، وصلاة الغداة، وصلاة الثالثة التي هي صلاة السَحَر، وصلاة نصف النهار أعني صلاة الظهر، وصلاة التاسعة التي هي قريبة من وقت العصر والعِشاء، وصلاة الشفع وهي صلاة العِشاء المفروضة، وصلاة النوم التي يصلّونها قبل أخذهم مضاجعهم. ورأيت ذلك الاجتهاد العجيب والركوع والسجود بإلصاق الخدود بالأرض وضرب الجبهة والتكتُّف إلى انقضاء صلواتهم، خاصة في ليالي الآحاد وليالي الجُمَع وليالي الأعياد التي يسهرون فيها منتصبي الأرجل بالتسبيح والتقديس والتهليل الليل كله، ويصلّون ذلك بالقيام نهارهم أجمع، ويكثرون في صلواتهم ذكر الآب والابن والروح القدس، وأيام الاعتكاف التي يسمونها أيام البواعيث (صلوات الاستمطار) وقيامهم فيها حفاة على المسوح والرماد باكين بكاءً كثيراً متواتراً بانهمال دموع من الأعين والجفون منتحبين بسحق عجيب. ورأيت عملهم القربان، كيف يحفظونه بالنظافة في خَبْزهم إياه ودعائهم عند عمله الدعاء الطويل مع التضرع الشديد عند إصعاده على المذبح في البيت المعروف ببيت المقدس مع تلك الكؤوس المملوءة خمراً. ورأيت أيضاً ما يتدبر به الرهبان في قلاليهم أيام صياماتهم الستة، أعني الأربعة الكبار والاثنين الصغيرين، وغير ذلك. فهذا كله كنت له حاضراً ولأهله مشاهداً وبه عارفاً عالماً.

ورأيت أيضاً مطارنة وأساقفة مذكورين بحُسن المعرفة وكثرة العلم، مشهورين بشدة الإغراق في الديانة النصرانية، مظهرين غاية الزهد في الدنيا. فناظرتُهم مناظرةً نصفة طالباً للحق، مسقِطاً بيني وبينهم اللجاج والمكابرة والصلف بالحسب، وأوْسعتُهم أمناً أن يقوموا بحجّتهم ويتكلموا بجميع ما يريدونه، غير مؤاخذٍ لهم بذلك ولا متعنّت عليهم في شيء كمناظرة الرعاع والجهال والسفهاء من أهل ديانتنا، الذين لا أصل لهم ينتهون إليه ولا عقل فيهم يعولون عليه، ولا دين ولا أخلاق تحجبهم عن سوء الأدب، وإنما كلامهم العنَت والمكابرة والمغالبة بسلطان الدولة بغير علم ولا حجة. وكانوا إذا أنا ناظرتُهم وسألتُهم مسألة بحث فاحصاً عن قولهم، وكانوا لشدة ورعهم ودعتهم واعتقادهم يصدقونني عن أمرهم ولا يكذبونني في شيء مما كنت أسائلهم عنه وأجادلهم فيه. وكنت قد عرفت من بواطنهم مثل الذي قد عرفته من ظاهرهم، فكتبت إليك بهذا الشرح بعد الاستقصاء والبحث، ليعلم من وقع في يده كتابي هذا أني عالم بالقضية.


 

فأنا الآن أدعوك بهذه المعرفة كلها مِنّي بدينك الذي أنت عليه إلى هذا الدين الذي ارتضاه الله لي وارتضيته لنفسي، ضامناً لك به الجنة ضماناً صحيحاً والأمن من النار. وهو أن تعبد الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولم يكن له كفؤاً أحد، وهي الصفة التي وصف نفسه جل وعز بها، إذ ليس أحدٌ من خَلْقه أعلم به من نفسه. فدعوتك إلى عبادة هذا الإله الواحد الذي هذه صفته، ولم أزد في كتابي هذا على ما وصف به نفسه. فهذه ملّة أبيك وأبينا إبراهيم فإنه كان حنيفاً مسلماً. ثم أدعوك إلى الشهادة والإقرار بنبوة سيدي وسيد ولد آدم وصفي رب العالمين وخاتم الأنبياء محمد بن عبد الله الهاشمي القريشي العربي الأبطحي التهامي، صاحب القضيب والناقة والحوض والشفاعة، حبيب رب العزة ومكلّم جبرائيل الروح الأمين الذي أرسله الله بشيراً ونذيراً إلى الناس كافة بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (سورة التوبة 9:33) فدعا الناس كلهم أجمعين بالرحمة والرأفة وطيب القول وحسن الخلق واللين، فاستجاب هذا الخلق كلهم إلى طاعة دعوته والشهادة له أنه رسول الله رب العالمين إلى من يريد انتصاحاً، وأقر الأنام كلهم طائعين مذعنين لما عرفوا من الحق والصدق من قوله وصحة أمره وما جاء به من البرهان الصريح والدليل الواضح، وهو هذا الكتاب المنزَل عليه من عند الله، الذي لا يقدر أحد من الإنس والجن أن يأتي بمثله، وكفى به دليلاً على دعوته وأنه دعا إلى عبادة إلهٍ واحد فرد صمد، فدخلوا في دينه وصاروا تحت يده غير مُكرَهين ولا مُجبَرين، بل خاضعين معترفين مستنيرين بنور هدايته متطاولين باسمه على غيرهم ممن جحد نبوته وأنكر رسالته، فمكن الله لهم في البلاد وأذل لهم رقاب الأمم من العباد، إلا من قال بقولهم ودان بدينهم وشهد على شهادتهم، فحقن بذلك دمه وماله وحرمته أن يؤدي الجزية عن يدٍ وهو صاغر. وهذه الشهادة هي الشهادة التي شهد الله بها قبل أن يخلق الخلائق، إذ كان على العرش مكتوباً لا إله إلا الله. محمد رسول الله .

وأدعوك إلى الصلوات الخمس التي مَنْ صلاّها لم يخب ولم يخسر بل يربح ويكون في الدنيا والآخرة من الفائزين، وهي الفرض فيها فرضان: فرضٌ من الله وفرضٌ من رسوله مثل الوتر، وهي ثلاث ركعات بعد العِشاء الأخيرة، وركعتان في الفجر، وركعتان بعد الظهر، وركعتان بعد المغرب. فمن ترك شيئاً من هذه فليس بجائزٍ له. ويجب على من تركها أياماً الأدب ويُستتاب منه. فأما الفرض فهو سبع عشرة ركعة في اليوم والليل: ركعتا الفجر، وأربع ركعات الظهر، وأربع ركعات العصر، وثلاث ركعات المغرب وهي العِشاء الأولى، وأربع ركعات العِشاء الآخرة وهي العتمة. وقد نهى رسول الله أن يُقال العتمة، وقال هي عتمة عتمة الليل، وإنما سُميت عتمة لتأخّرها في العِشاء وإبطائها.

وأدعوك إلى صوم شهر رمضان الذي فرضه الديان ونزل فيه الفرقان، شهر يشهد فيه الله أن فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، تصوم فيه نهارك كله عن جميع المطاعم والمشارب والمناكح إلى أن يسقط قرص الشمس ويدخل حدّ الليل، ثم تأكل وتشرب وتنكح في ليلك كله حتى يتبيّن لك الخيط الأسود من الخيط الأبيض حلالاً مطلقاً هنيئاً طيباً من الله. فإن أنت لحقت ليلة القدر بإخلاص نيَّتك كنت قد فُزْت في دنياك وآخرتك. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَّوَعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى والْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَا لْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا (سورة البقرة 2:183-187). وكان النبي صلى الله عليه وسلم (؟ !) يقدم الفطور ويؤخر السحور.

ثم أدعوك إلى الحج إلى بيت الله الحرام الذي بمكة، والنظر إلى حرم رسول الله وآثاره ومواضعه المباركة وتلك المشاعر العجيبة.

ثم أدعوك إلى الجهاد في سبيل الله بغزو المنافقين وقتال الكفرة والمشركين ضرباً بالسيف وسبياً وسلباً حتى يدخلوا في دين الله ويشهدوا أن الله لا إله إلا هو، وأن محمداً عبده ورسوله، أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون.


 

وأدعوك إلى الإقرار بأن الله يبعث من القبور، وأنه ديّانهم بالعدل فيكافي الحسنى بالحسنى ويجزي المسيء بإسائته، وأنه يُدخل أولياءه وأهل طاعته الذين أقرّوا بوحدانيته وشهدوا بأن محمداً عبده ورسوله وآمنوا بما نزل عليه من القرآن، الجنة التي أعدَّ لهم فيها الطيبات يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (سورة الحج 22:23). وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (سورة فاطر 35:34 ، 35). أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (سورة الصافات 37:41-49). لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبهَّمُ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (سورة الزمر 39:20). يَا عِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِا~يَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفيِهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (سورة الزخرف 43:68-71), إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ كَذَلِكَ وَزَّوَجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (سورة الدخان 44:51-57). وقال عز وجل: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَفِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُ (سورة محمد 47:15). وقال عز وجل: وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَا~بٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيَها بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (سورة ص 38:49-54) وقال عز وجل في وصف الجنة: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَاِن تَجْرِيَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ ربِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ والْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلاَّ الْإِحْسَانُ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُدْهَامَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا فَاِكهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّباَنِ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاَلِ والْإِكْرَامِ (سورة الرحمن 55:46-78) وقال عز وجل: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَا دْخُلُوهَا خَالِدِينَ (سورة الزمر 39:73) وقال عز وجل: وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِا~نِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدّرُوهَا تَقْدِيراً وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (سورة الإنسان 76:11-18) وقال عز وجل: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً وَكَواعِبَ أَتْرَاباً وَكَأْساً دِهَاقاً لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً (سورة النبأ 78:31-36) وقال تبارك وتعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ كُلُوا واشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ مُتَّكِئيِنَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَّوَجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ والَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لَؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّه هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (سورة الطور 52:17-28) وقال تبارك وتعالى: والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَّوَلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِريِنَ عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمَ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لاَ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنْزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَّوَلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (سورة الواقعة 56:10-40).


 

فهذه صفة الجنة التي أعدها الله للمؤمنين به وبرسوله، وأعد لهم فيها الطيّبات من الطعام والشراب وأنواع الفواكه والرياحين، ونكاح الحور العِين اللائي هن كأمثال اللؤلؤ المكنون بلا نهاية ولا انقطاع. يأخذون كل ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، ولهم فيها الكرامة والحياة والجلوس على الأسرَّة، متكئين على الأرائك، عليهم ثياب الحرير الليِّن مستورين بالأسرة المكللة باللؤلؤ، تُعرف في وجوههم نضرة النعيم. يدور عليهم الوِلدان والوصائف والوصفاء الذين هم في جنسهم كاللؤلؤ المكنون، يسقون من كأسات فيها الرحيق المختوم الذي ختامه مسك ومزاجه من تسنيم عيناً يشرب منها المقرَّبون، يُحيَّون بها بأحسن التحية وأطيبها، ويقولون لهم: كلوا واشربوا وتنعَّموا، هنيئاً لكم بما كنتم تعملون، لا يسمعون فيها لغواً ولا يمسهم جوع ولا لغوب، فهم في هذا النعيم آمنون واثقون خالدون أبداً. وأما الكفار الذين أشركوا بالله واتخذوا معه الأنداد ولم يؤمنوا برسله وكذبوا بآياته وحرموا حدوده وحاربوه، فهم أهل النار يلقونها كفاحاً في جهنم لابثين في نار لا تُطفأ وزمهرير لا يوصف وهم فيها خالدون، كلما احترقت جلودهم جُددت لهم جلود أخرى، مقامهم في الجحيم وشرابهم المهل، وطعامهم من شجرة الزقوم، رفقاء لإبليس وجنود له وبئس المصير.

وقال عز وجل: الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا والْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِنْ نَاصِرِينَ (سورة آل عمران 3:21 ، 22) وقال تبارك وتعالى: الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً (سورة النساء 4:150 ، 151). وقال تبارك وتعالى: والَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (سورة فاطر 35:36) وقال أيضاً .. شَجَرَةُ الّزَقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِ~ي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (سورة الصافات 37:62-68) ثم فويل للذين كفروا من النار .. وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَا~بٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (سورة ص 38:55-57) وقال: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ (سورة الزمر 39:16) وقال: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ والَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (سورى الزمر 39:60 ، 63) وقال: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (سورة الزمر 39:71 ، 72) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَا دْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ (سورة غافر 40:49 ، 50) وقال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلوُن فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ والسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (سورة غافر 40:69-72) وقال: الكافرون لهم عذاب شديد.. وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ (سورة الشورى 42:44 ، 45) وقال تبارك وتعالى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (سورة الزخرف 43:74-77). وقال: إِنَّ شَجَرَةَ الّزَقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَا لْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَا عْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (سورة الدخان 44:43-50) وقال عز وجل: كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ... ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَّزَلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ واللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (سورة محمد 47:15 ، 26-29) وقال: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتاً وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ لاَ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَا لْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ هَذَا يَوْمُ لاَ يَنْطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ والْأَّوَلِينَ (سورة المرسلات 77:24-38).

فهل سمعت عافاك الله يا هذا بوصف أحسن وأعجب من هذا من ترغيب وترهيب، وتحريض ووعد ووعيد لكل جبار عنيد ولكل مصدق ومكذب ولكل مؤمن وكافر ولكل مقر وجاحد؟ فلو لم ترغب إلا في ذلك الوصف لكان ذلك فيه الغنم والفوز العظيم، ولو لم ترهب إلا من ذكر النار وأهوال جهنم لكان في تركك ذلك الخطب الجليل، وعليك فيه الخسران المبين. قال الله تبارك وتعالى: وذَكِّرْ فإن الذكرى تنفع المؤمنين . فأما نحن فقد ذكّرناك، فإن أنت آمنت وقبلت ما يُتلى عليك من كتاب الله المنزل، انتفعت بما ذكّرناك وكتبنا به إليك. وإن أبيت إلا المقام على كفرك وضلالك وعنادك للحق، كنا نحن قد أُجرنا إذ عملنا بما أُمرنا به، وكان الحق هو المنتصف منك إن شاء الله.

فهذه هيئة ديننا القِيّم وهذه شرائعه وسننه، فإذا دخلت فيه وأقررت به وشهدت على شهادته وأحببت الدخول في ما دعوناك إليه من شرائعنا النيِّرة وسُننِنا الحسنة، كنت مثلنا وكنا مثلك، فحسْبك بنا شرفاً في الدنيا والآخِرة، وإن نبينا عليه السلام يقول يوم القيامة: كل أحد مشغول بنفسه من مَلَك مقرب ونبي مرسل سواه، وهو يقول: أهل بيتي أمتي أمتي، فيُجاب أولاً في أهل بيته ثم في أمته. ويقول الرحمن للملائكة: إني أستحيي أن أردّ شفاعة صفيي وحبيبي محمد. ثم تكون ممن يجب لك ما يجب، وتصلي إلى قبلتنا التي ارتضاها الله لنا، وتقيم الصلوات الخمس بعد إسباغ الوضوء إذا كنت صحيحاً وقائماً على رجليك. وإذا كنت مريضاً أو ضعيفاً فجالس. فإن كنت على سفرٍ فنصف ما تصليه وأنت بالحضر.


 

قال الله عز وجل: اقيموا الصلاة وآتوا الزكوة . وأما الزكاة فهي ربع العُشر إذا أتى على المال وهو في ملك صاحبه حولٌ كامل، فتصرف ذلك على المساكين من ملّتك والفقراء من أهلك.

وتنكح من النساء ما أحببت، لا جُناح عليك في ذلك ولا لوم ولا إثم ولا عيب، إذا أنت تزوَّجتها بولي وشاهدين وآتيتها من المهر ما طابت به نفسك ونفسها مما تيسَّر. ولك أن تجمع بين أربع نساء، وتطلّق من شئت إذا كرهتها أو مللتها أو شبعت منها. ولك أن تراجع بعد الاستحلال من أحببت منهن أيتهن تبعتها نفسك. قال الله تعالى عز وجل: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا (سورة البقرة 2:230). وتتمتع من الإماء بما ملكت يداك. وتختتن لتقيم سُنّة إبراهيم أبينا خليل الرحمن وسُنَّة اسماعيل أبينا وأبيك صلوات الله عليهما، وتغتسل من الجنابة.

ثم إن قدرت تصوم شهر رمضان. إلا إن أفطرت من علة أو مرض أو سفر بعد أن تنوي قضاء ذلك فإن الله يريد لعباده اليُسْر ولا يريد لهم العسر . وإن حنِثْتَ في قسمك عملت بما أمر الله به في ذلك، إذ يقول تبارك وتعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ واللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (سورة البقرة 2:225) وكفارة الحنَث عندنا معاشر المسلمين قوله تعالى إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ واحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (سورة المائدة 5:89).

والحج واجب عليك لأنه جل جلاله يقول: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (سورة آل عمران 3:97) وذلك إذا لم يكن عليك دَيْن وكانت لك راحة وكان عندك ثمن الزاد.

والغزو في سبيل الله، فمعه الغنيمة في الدنيا عاجلاً، والأجر العظيم في الآخرة آجلاً. فقد سهل الله على المؤمنين، وإن شاء الله ليحب أن يؤخذ بعزائمه وتشديداته. ولو لم يكن في دين الإسلام شيء إلا الطمأنينة والأمن وتسليم القلب لله والراحة والثقة بما ضمن الله لنا عن نفسه أنه هو يثيبنا على ذلك في الآخِرة الأجر العظيم ويدخلنا جنات النعيم فنكون فيها خالدين، وينصرنا فيها على القوم الظالمين، لكان في دون هذا لنا الفوز العظيم.

فقد تلوتُ عليك من قول الله فيما سلف من كتابي هذا ما في أقله كفاية، فدع ما أنت عليه من الكفر والضلال والشقاوة والبلاء، وقولك بذلك التخليط الذي تعرفه ولا تنكره، وهو قولكم بالآب والابن والروح القدس، وعبادة الصليب التي تضر ولا تنفع، فإني أرتابك عنه وأجلُّ فيه علمك وشرف حسبك عن خساسته، فإني وجدت الله تبارك وتعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ (سورة النساء 4:48). وقال: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (سورة المائدة 5:72-75).

فدع ما أنت فيه من تلك الضلالة وتلك الحمية الشديدة الطويلة المتعبة، وجهد ذلك الصوم الصعب والشقاء الدائم الذي أنت منغمس فيه، الذي لا يجدي عليك نفعاً إلا إتعابك بدنك وتعذيبك نفسك، وأقْبِل داخلاً في هذا الدين القيّم السهل المنهج الصحيح الاعتقاد الحسن الشرائع الواسع السبيل، الذي ارتضاه الله لأوليائه من عباده، ودعا جميع خلقه إليه من بين الأديان كلها تفضّلاً منه عليهم به، وإحساناً إليهم بهدايته إياهم، ليُتمّ بذلك نعماه عندهم. فقد نصحت لك يا هذا وأدَّيت إليك حق المودّة وخالص المحبة، إذ أحببتُ أن أخلطك بنفسي، وأن أكون أنا وأنت على رأي واحد وديانة واحدة. فإني وجدت ربي يقول: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ والْمُشرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (سورة البيّنة 98:6-8) وقال في موضع آخر: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ (سورة آل عمران 3:110).

وأشفقت عليك أن تكون من أهل النار الذين هم شر البرية، ورجوت أن تكون بتوفيق الله إياك من المؤمنين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه وهم خير البرية، ورجوت أن تكون من هذه الأمة التي هي خير أمة أُخرجت للناس. فإن أبيت إلاَّ جهلاً وتمادياً في كفرك وطغيانك الذي أنت فيه، وردَدْت علينا قولنا ولم تقبل ما بذلناه لك من نصيحتنا، حيث لم نُرِدْ منك على ذلك جزاءً ولا شكراً، فاكتب بما عندك من أمر دينك، والذي صحَّ في يدك منه وما قامت به الحجة عندك، آمناً مطمئناً غير مقصِّر في حجتك ولا مُكاتم لما تعتقده. ولا فَرَق ولا وجَل، فليس عندي إلاَّ الاستماع للحُجّة منك، والصبر والإذعان والإقرار بما يلزمني منه طائعاً غير منكر ولا جاحد ولا هائب، حتى نقيس ما تأتينا به وتتلوه علينا ونجمعه إلى ما في أيدينا، ثم نخيّرك بعد ذلك على أن تشرح لنا عليه، وتدع الاعتلال علينا بقولك إن الفزع حجبك وقطعك عن بلوغ الحجّة، واحتجت أن تقبض لسانك ولا تبسطه لنا ببيان الحجة، فقد أطلقناك وحجتك لئلا تنسبنا إلى الكبرياء وتدَّعي علينا الجور والحيف، فإن ذلك غير شبيهٍ بنا. فاحتجَّ عافاك الله بما شئت، وقل كيف شئت، وتكلم بما أحببت وانبسط في كل ما تظن أنه يؤديك إلى وثيق حجتك، فإنك في أوسع الأمان، ولنا عليك إذ قد أطلقناك هذا الإطلاق وبسطنا لسانك هذا البَسْط، أن تجعل بيننا وبينك حكماً عادلاً لا يجور في حكمه وقضائه، ولا يميل إلى غير الحق إذا ما تجنَّب دولة الهواء، وهو العقل الذي يأخذ به الله عز وجل ويعطي. فإننا قد أنصفناك في القول، وأوسعناك في الأمان، ونحن راضون بما حكم به العقل لنا وعلينا، إذ كان لا إكراه في الدين. وما دعوناك إلا طوعاً وترغيباً في ما عندنا، وعرَّفناك شناعة ما أنت عليه. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

  • عدد الزيارات: 11259