Skip to main content

البرهان على ألوهية المسيح - ما قالته الملائكة عن ذلك

الصفحة 6 من 7: ما قالته الملائكة عن ذلك

(ثالثاً) - سمعنا الآن ما قاله المسيح عن نفسه وقبل أن نسمع شهادة رسله وشهادة بعض تلاميذه التي أعلنت لهم بواسطة الروح القدس مؤيدة هذه النبوة الإلهية، نأتي هنا بذكر بعض ما قالته الملائكة عن ذلك وبعدئذ نرى أن العناية الإلهية قد أظهرت هذه الحقيقة بكل إيضاح مراراً وتكراراً.
(1) لما أرسل الله الملاك جبريل إلى مدينة الناصرة ليبشر مريم العذراء أنها ستكون أماً لمسيا المنتظر قال لها "لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع هذا يكون عظيماً وابن العلي يُدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية" (لوقا 1: 30-33). فلما قالت مريم كيف يكون هذا أجاب الملاك وقال لها "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يُدعى ابن الله."
(2) وفي الليلة التي وُلد فيها يسوع المسيح في بيت لحم في أورشليم ظهر ملاك الرب للرعاة الذين كانوا يحرسون حراسات الليل وقال لهم "لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. أنه وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب… وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لوقا 2: 10-11 و13-14).
والمهم هنا ليس فقط إرسال الملاك ليبشر بولادة المسيح ولا فرح الجند السماوي بمجيئه لكن أيضاً قول الملاك أن ذلك المولود يكون "المسيح الرب" فالكلمتان "الرب والله" واحد ففي (فيلبي 2: 9) يقول بولس الرسول "ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب" وكان يكتفي في رسالته للعبرانيين بذكر كلمة رب دائماً.
(3) ولما اعتمد المسيح وكان له ثلاثون سنة أتت شهادة علوية هي أعظم من شهادة الملائكة مؤيدة ألوهية المسيح "ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضاً وإذ كان يصلي انفتحت السماء ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة وكان صوت من السماء قائلاً أنت ابني الحبيب بك سرت" (لوقا 3: 21-22 ومتى 3: 13-17 ومرقس 1: 9-11 ويوحنا 1: 32-34).
(4) ومرة أخذ المسيح بطرس ويوحنا ويعقوب وصعد إلى جبل ليصلي "وفيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيرة ولباسه مبيضاً لامعاً وإذا رجلان يتكلمان معه وهما موسى وايليا اللذان ظهرا بمجد وتكلما عن خروجه الذي كان عتيداً أن يكمله في أورشليم وأما بطرس واللذان معه فكانوا قد تثقلوا بالنوم فلما استيقظوا رأوا مجده والرجلين الواقفين معه وفيما هما يفارقانه قال بطرس ليسوع يا معلم جيد أن نكون ههنا فلنصنع ثلاث مظال لك واحدة ولموسى واحدة ولإيليا واحدة وهو لا يعلم ما يقول وفيما هو يقول ذلك كانت سحابة فظللتهم فخافوا عندما دخلوا في السحابة وصار صوت من السحابة قائلاً هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا ولما كان الصوت وُجد يسوع وحده" (لوقا 9: 29-36) (اقرأ متى 17: 1-18 ومرقس 9: 2-8 وبطرس الثانية 1: 17). وفي هذه الآية ليس المهم فقط ذلك الصوت الإلهي ولكن يوجد أمران مهمان جداً. أولهما هذه الكلمات "له اسمعوا" وهي تشير إلى الوعد المذكور في التوراة أن نبياً كموسى يرسل ثم مع هذا الوعد الأمر القائل "له تسمعون" (تثنية 18: 5) ولذا فيكون يسوع المسيح هو ذلك النبي المذكور في ذلك الوعد – أما الأمر الثاني فهو السحابة إذ هي السحابة بعينها التي رافقت بين إسرائيل في البحر الأحمر وفي البرية وهي علامة سكنى الله أو كما يقولون "سكينة الله" ومعناها حضور الله ووجوده. وأي برهان أعظم من هذا على صحة قولنا بأن الرب يسوع المسيح هو ابن الله.
(5) ولكن توجد أيضاً آية أخرى وفيها صوت من السماء يبرهن على صحة دعوى المسيح أن الله آب له. قبل صلبه قال "الآن نفسي قد اضطربت وماذا أقول أيها الآب نجني من هذه الساعة ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة. أيها الآب مجد اسمك" فجاء صوت من السماء مجدت وأمجد أيضاً" (يوحنا 12: 27و28).
ربما يقول البعض عندما يذكر المسيح بالتجلي والإكرام ربما يكون القصد من ذلك إكرامه من حيث أنه نبي عظيم وحتى عند قوله "أنا والآب واحد" ربما يشير بذلك إلى المحبة والوفاق بينه وبين الله كمؤمن حقيقي.
ولكن من تصفح الإنجيل بإمعان وروية رأى أن أقوالا كهذه غير مطابقة أصلاً للآيات التي أوردناها من الإنجيل وقد تكلم يسوع المسيح عن نفسه أن له صفات إلهية تفرد بها كما بينا ذلك قبلاً فمما لا يحتاج إلى برهان أن الوحدة بين المسيح وأبيه السماوي ليست مجرد الوفاق والمحبة ولكنها اتحاد الذات والجوهر- فلو كانت ذات المسيح تختلف عن الذات الإلهية بأي وجه من الوجوه لما أمكنه أن يقول عن نفسه أنه تفرد بالصفات الإلهية حقاً وله المقدرة أن يعطي حياة أبدية وأن يغفر الخطايا وأن يقيم الموتى وأن يعمل أعمالاً أخرى لا يقدر أحد أن يعملها إلا الله وحده جل وعلا. قال في (يوحنا 5: 22و23) "أن الآب قد أعطى كل الدينونة للابن لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله" فهذا الإكرام الذي يطلبه المسيح من شعبه هو إكرام حقيقي لا كالإكرام الذي يُقدم إلى أحد عظماء الناس أو الأنبياء بل يطلب الإكرام اللائق لمقام الله الحي الأبدي – لما دعا توما المسيح إلهاً ورباً قبل المسيح هذين اللقبين ولم يكونا على سبيل الإكرام فقط لأن المسيح تفرد حقاً بالذات والصفات الإلهية.
ولو كان الأمر غير ذلك لما صادق المسيح على هذه الأقوال بل عدها تجديفاً ولكنه استحسنها بدليل قوله "لأنك رأيتني يا توما آمنت، طوبى للذين آمنوا ولم يروا" وبالاختصار يتضح جلياً مما ذكرناه من الآيات أن المسيح ادعى الألوهية لنفسه بكل صراحة وحق- ولذا فكل من يفتش عن الحق برغبة وبقلب خلو من جميع الأغراض والتعصب ويريد أن يقبل ما يعلمنا به المسيح في كتابه المقدس فلا يعتريه أدنى شك فيما بعد ولا يقف أمامه مانع ما في قبول التعاليم الخاصة بألوهية يسوع المسيح كلمة الله.
ولكن ربما يقول البعض أن آخرين غير المسيح زعموا في أنفسهم الألوهية كمنصور الحلاج مثلاً الذي قال عن نفسه (أنا الحق) وربما يقولون أيضاً أنه قام كثيرون في عصرنا هذا بمثل هذه الادعاءات كبهاء الله في العجم وكثيرون من الصوفيين والدجالين المعتوهين فيسألون لم يكون المسيح محقاً في دعواه أكثر من هؤلاء ؟ إن اعتراضات كهذه لا تخرج من لسان مسلم حقيقي ولو سألها أحد الكافرين رغبة في الوقوف على الحق فللرد عليها نقول – إن بعض هؤلاء الناس هم باطنيون وربما عنوا بألوهيتهم أنهم جعلوا إرادتهم وسلوكهم وإرشاداتهم خاضعة منقادة لله فطبقاً لإرادته المقدسة فإن كانوا قد عنوا ذلك فقط فمن الجهل والخطأ أن يدعى إنسان هذا قصده بأنه هو الله لأن ذلك ما هو إلى تجديفاً.

ألوهية المسيح مثبتة ومؤيدة ببراهين واضحة لا تقبل التأويل
الصفحة
  • عدد الزيارات: 41506