Skip to main content

أحاديث الحدود - حد الرِدّة

الصفحة 5 من 5: حد الرِدّة

حد الرِدّة:

قبل أن نعرض الآراء في حد الرِدّة ذاته سوف نستعرض أشهر من قُتِلوا بتهمة الكفر والارتداد عن الإسلام منذ وفاة النبي وحتى اليوم.

تاريخ الفكر الدموي:

لعل أول من قتلَتْهُ فتوى هو عثمان بن عفان بن عفان ، وكانت الفتوى صادرة من عائشة زوج النبي، فكانت تقول: اقتلوا نعثلاً. لعن الله نعثلاً (نعثل اسم رجل مسيحي من المدينة كانوا يشبّهونه بعثمان لعِظم لحيته). ثم تذكر كتب السيرة بعد ذلك منع الناس من الصلاة عليه لكفره، ودفنه في مقابر اليهود.

وفي فترة الخلافة العباسية قُتل الحلاج الصوفي بتهمة الكفر، فصُلب وقُطِعت أطرافه وحُرقت جثته. وفي خِلافة أبي جعفر المنصور قُتل ابن المقفع بتلفيق تهمة الكفر له، وأمر المنصور بشيّ أعضائه وإطعامها له ",,

أما في العصر الحديث فقد قامت جماعة التكفير والهجرة في مصر بقتل الشيخ حسين الذهبي لأنه انتقد فكرَهم، فاتهموه بالكفر وقتلوه. وبعد ذلك قامت جماعة الجهاد في مصر (عام 1992) بقتل الدكتور فرج فودة لأنه انتقد فكرهم أيضاً، فكانت فتوى من أميرِهم بأنه كافر ومرتد، لذلك يجب أن يُقتَل، فقُتِل! وقد أصدر الخميني قبل موته فتواه الشهيرة بقتل سلمان رشدي لارتداده وكتابته كتاب آيات شيطانية.

وتلاحظ أن هذه التهمة تُلصق دائماً بالمخالفين في الرأي، وفي الرأي فقط. فأشهر من اتُّهِموا بالارتداد لم يحمل أحدهم سيفاً وما كان يوماً عنيفاً، بل أحياناً تُلقى هذه التهمة على أئمة الإسلام كأحمد بن حنبل ومالِك بن أنس وابن تيمية ، الذين سُجِنوا وعُذِّبوا لأنهم مرتدون من وجهة نظر مُعارضيهم. فهل حد الردّة هو القفاز الذي يُلقى في وجه من يخالفك في الرأي، فتتحيَّن الفرصة لقتله لأنه كافر؟

آراءٌ في الردّة:

أنكر بعض المفكرين المسلمين حد الردّة، ومنهم محمد سعيد العشماوي.يقول في كتابه أصول الشريعة :

كان أساس الدولة في العصور الوسطى يخالف أساس الدولة في العصر الحديث. ففي تلك العصور لم تكن فكرة الدولة في ذاتها واضحة محددة، وكان الدين هو أساس الدولة، كما كان التدين هو الجنسية وهو المواطنة. ففي الشرق الأدنى كان الإسلام هو الدولة، وفي أوربا كانت المسيحية. وكان المسلم مواطناً في أي مجتمع إسلامي وعضواً في كل جماعة مسلمة، كما كان المسيحي كذلك في المجتمع المسيحي والجماعات المسيحية. وكانت الأقلية الدينية تتمتع بحماية الأغلبية.

وبهذا المفهوم يُعتبر الخروج من الدين اقتراف جريمة الخيانة العظمى، لأن الذي يترك دينه إنما ينضم إلى دين الأعداء، وهو دولتهم. لذلك رُوي عن النبي أنه قال: مَنْ بَدَّل دينه فاقتلوه. وقال: لا يحل دم مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة. ولم يحدد النبي القصد بتبديل الدين: هل هو أي تبديل ولو كان إلى الإسلام من غيره؟ أم أن القصد تغيير الإسلام إلى غيره؟ غير أن السياق يفيد المعنى الأخير. ومِن ثمَّ فقد رُئي أن القتل هو جزاء المرتد عن شريعة الإسلام. وهناك خلاف فيما إذا كان يُستتاب أم لا.

على أنه لم يثبت أن النبي أقام حد الردّة على أحد.

(ولنا تعليق سنورده بعد كلام العشماوي).

ويورد المستشار سعيد العشماوي في ذلك آياتٍ قرآنية:

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (سورة البقرة 2: 256)

أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ؟ (سورة يونس 1 : 99)

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُُّهُمْ جَمِيعاً (سورة يونس 1 : 99)

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (سورة المائدة 5: 69)

وتترك هذه الآيات للناس حرية اختيار الدين، ولا ترى إكراههم على الإسلام. ومن جانب آخر فإن عدم إكراههم على الإسلام ابتداءً يفيد عدم الإكراه للاستمرار عليه. ولا شك أنه لا خير فيمن يظل مؤمناً بدينه على خوف أو على إكراه. فمن أراد تغيير دينه حراً مختاراً فإن دينه براء منه. لن يخسر بفقدانه شيئاً، بل الخسارة في بقائه ملحداً به في البطن وهو في الظاهر يدّعي الإيمان.

هذا هو كلام أحد علمائهم، ولكن هناك من يعترض عليه ومن يؤيده. وسنورد الرأيين، ولكن قبل هذا نذكر تعليقنا على ما قاله سعيد العشماوي.

هل طبَّق النبي حد الردّة؟

ذكر العشماوي أن النبي لم يطبق حد الردّة. وقد اعترض البعض على ذلك مستندين إلى أحاديث البخاري في كتاب المحاربين من أهل الكفر والردّة حيث ذكر عن أنس أنس قال: قَدِم على النبي نفر من عُكل فأسلموا فاجتووا (أتوا) المدينة، فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا. فصحُّوا وارتدّوا وقتلوا رعاتها واستاقوا الإبل. فبعث في آثارهم فأُتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم لم يحمهم (يكوي جراحهم) حتى ماتوا.

ويقول البعض إن النبي لم يطبق عليهم حد الردّة بل حد الحِرابة (سنتكلم عنه لاحقاً) وهذا واضح من قطع أيديهم وأرجلهم لأنهم قتلوا الرعاة وسرقوا الإبل.

طريقان لا غير:

هناك طريقان للتعامل مع المرتد: إما أن نعتبره مجنوناً ونتركه حياً، مع حرمانه من كل حقوق المواطنين، أو أن نُنهي حياته بالقتل. ومن المؤكد أن الطريقة الأولى أشد قسوة من الثانية لأنها تجعله لا حياً ولا ميتاً، فالقتل أفضل له، إذ يضع نهاية لعذابه ولعذاب المجتمع في وقت واحد.

هذا الكلام السابق ليس لأحد الكتَّاب الذين يهاجمون الإسلام، لكنه للشيخ أبي الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية بباكستان، في كتابه عقاب المرتد الذي نقتبس منه أيضاً قوله: عندما توضع عقوبة الإعدام للمرتد موضع التنفيذ في حكومة إسلامية جديدة يبقى المسلمون داخل الجماعة المسلمة. لكن هناك خطر من وجود عدد كبير من المنافقين بينهم، وهذا يمثل تهديداً دائماً بالخيانة. وحلاً لهذه المشكلة أرى أنه حينما تقع ثورةإسلامية يُعلن جميع المسلمينغير الملتزمين تحّوُلهم عن الإسلام وخروجهم من المجتمع المسلم.. وذلك خلال عام واحد. وبعده يُعتَبَر المسلمون بالمولد مسلمين، وتسري عليهم كل القوانين الإسلامية، ويكونون ملزَمين بأداء كل فرائض الدين الواجبة. ومن أراد منهم بعد ذلك ترك الإسلام يُعاقَب بالإعدام.

ونعرض رأياً ثالثاً لأحد أئمة الطائفة الأحمدية، التي يعتبرها كثير من علماء الإسلام خارجة عن الإسلام ومن ينتمي إليها مرتد هو ميرزا طاهر أحمد إذ يقول: إن حرية التحول من الدين وإليه هي المحك الحقيقي لمبدأ لا إكراه في الدين. لا يمكن أن تكون الحرية في اتجاه واحد، هو اتجاه دخول الإسلام، ثم لا مخرج منه. هناك عشر إشارات في القرآن إلى الرجوع عن الإسلام، إحداها مكية في سورة النحل والتسع الباقية مدنية. ولم يرِد قط في أي واحدة منها ولو تلميحاً أن الإعدام جزاء من يرجع عن الإسلام. ويقول في موضع آخر من نفس الكتاب هناك آية في سورة النساء تقول: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (سورة النساء 4: 137). فكيف يمكن للمرتد أن يتمتع بمهلة التردد بين الإيمان والكفر إذا كانت عقوبته القتل؟ فليس عند المقتول فرصة ليؤمن ثم يرتد مرة أخرى!. ويروي ميرزا طاهر أحمد طاهر أحمد قصة عفو النبي عن عبد الله بن سعد بن أبي سرح الذي كان كاتباً للوحي، ثم تنصّر ولجأ لمكة، فطلب النبي قتله يوم الفتح ولو كان متعلِّقاً بأستار الكعبة. فتشفَّع فيه عثمان بن عفان بن عفان لأنه أخوه في الرضاعة، فتركه النبي. ثم يقول ميرزا طاهر أحمد : وهكذا لا نجد هناك ولا شاهداً واحداً على أن النبي عاقب أحداً لارتداده عن الإسلام,

هل أمر محمد بقتل المرتد؟

المرتد يُقتَل!.. المرتد لا يُقتل بل يُستتاب!.. المرتد يُحبَس!

هذه العبارات ليست هذياناً وليس تهكماً، ولكنها حكم الإسلام. فالمرتد في الفقه الإسلامي يُقتَل، ولا يُقتَل، ويُحبَس، ويُستتاب، وكل هذه لها شواهد عند أهل الحديث. فمحمد يقول: من بَدّل دينه فاقتلوه, ولكنه لم يقتل عبد الله بن سعد بن أبي سرح، الذي كان كاتباً للوحي فتنَصَّر وترك المدينة إلى مكة, وعند فتح مكة أمر محمد بقتله ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة هو وابن خطل ولكنه لم يقتله لأن عثمان بن عفان طلب له الأمان,

الصفحة
  • عدد الزيارات: 22501