Skip to main content

البرهان على ألوهية المسيح - ألوهية المسيح مثبتة ومؤيدة ببراهين واضحة لا تقبل التأويل

الصفحة 7 من 7: ألوهية المسيح مثبتة ومؤيدة ببراهين واضحة لا تقبل التأويل

قد فهمنا تماماً الغرض من ادعاءات المسيح ونؤمن بألوهيته حقاً ونرفض بتاتاً ادعاءات الكذبة لأن ألوهية المسيح مثبتة ومؤيدة ببراهين واضحة لا تقبل التأويل ولا يوجد لدينا أدنى دليل أنه يحق لأحد من الناس بأي وجه من الوجوه أن يدعي أنه الله أو ابن الله أو مظهرا الله أو أي صفة أخرى من هذا القبيل. فمن من الناس شهدت له الملائكة إثباتاً لدعواه أو نزل له صوت من السماء أو تنبأت الأنبياء في العهد القديم إعلاناً لمجيئه أو له قوة فائقة لعمل المعجزات أو حدث له التجلي أو قام من بين الأموات أو له السلطان على إعطاء الحياة الروحية للمؤمنين وغفران خطاياهم كي يعيشوا في ما بعد بأمانة حتى الموت أو به تمت النبوات وفوق كل شيء من من البشر له تلك الصفات الجميلة والحياة الطاهرة الكاملة التي كانت للمسيح ذلك النبي المعصوم؟- ولو تركنا كل شيء يختص بحياة المسيح على الأرض إلا أخلاقه وصفاته المعصومة التي بلا نقص ولا عيب تلك الصفات التي أظهرت للملأ أنه إله جدير بالمحبة والوقار لكانت هي الكافية لتثبت أن المسيح كان يتكلم الحق وكل ما قاله عن نفسه هو حق- وقد أجاد جلال الدين الرومي في قوله في المثنوي أن أقوى دليل على الشمس هو وجودها فإن استدللت بها عليها فلا تحول وجهك عنها- إن من يطالع الإنجيل بإمعان يدرك أنه توجد آيات كثيرة غير تلك الآيات التي تثبت ألوهية المسيح مظهرة ناسوته الكامل وهذا ما نقصده عند التكلم في تجسد كلمة الله وهذا التعليم لا يقل إيضاحاً في الإنجيل عن تعليم لاهوت المسيح. فمثلاً نقرأ في بشارة (يوحنا 1: 1-4و14) "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند ا لله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس … والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً" ونقرأ عن المسيح أيضاً في (فيلبي 2: 6-8) "الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب." فالإنجيل ثبت أن تجسد المسيح ليس ظاهرياً فقط بل حقيقياً ولد المسيح ونمى في الحكمة والمعرفة، أكل وشرب ونام وقام وجاع وتعب واحتمل الآلام والأحزان. ثم مات على الصليب ودُفن وأخيراً قام من بين الأموات. كل ذلك ويقول عن نفسه أن الله أرسله وأعطاه كل سلطان في السماء وعلى الأرض وقد قال أنه لا يعرف اليوم ولا الساعة التي يكون فيها انتهاء العالم وقال أن أباه أعظم من نفسه وكإنسان تقي صلى إلى الله وسأله لكي تعبر عنه الكأس إذا سمحت مشيئته بذلك وأخيراً وهو يشرب غضض الموت على الصليب كرر ما قاله صاحب المزامير "إلهي إلهي لماذا تركتني؟" كل هذا يثبت أن المسيح مع كونه كلمة الله الذي كان معه منذ الأزل اتخذ لنفسه هيئة إنسان وطبيعته ولكن كان بلا دنس ولا عيب (وذلك لأن الخطية لم تكن أصلية في طبيعة الإنسان).
إن آيات الكتاب المقدس التي تثبت ناسوت ربنا يسوع المسيح لا تناقض تلك الآيات التي تعلمنا عن ألوهيته ولكن كلها تثبت صريحاً أن المسيح هو إنسان كامل كما أنه إله كامل وهذا مما يجعلنا نؤمن بكفارته- فلو كان إنساناً فقط لما كان موته كفارة من أجلنا ولا يكون عندئذ قد أظهر الله محبته للبشر- إن الكتاب المقدس بيّن أن ألوهية المسيح أظهرت صفاته الإلهية كما أن ناسوته أظهر صفاته البشرية ولم تكن هاتان الطبيعتان الممتازتان مركبتين أو (مخلوطتين) بل كانتا في اتحاد معاً في يسوع المسيح الواحد- ابن الإنسان وكلمة الله.
إن المسيح إذ جاء إلى هذا العالم في هيئة إنسان صار دون الله ولأنه كان منذ الأزل قبل خلق العالم مع الله أبيه فهو معادل له. وكل هذا واضح تمام الوضوح فيما سبق ذكره من آيات الكتاب المقدس أما تجسده فلم يغير ذاته الإلهية لأن الذات الإلهية بعيدة عن كل تغيير وتبديل فالمطلق لم يصر بعد مقيداً أو الضروري والواجب الوجود اتفاقا والقديم لم يعد حادثاً أو الباقي فانياً أو الغير محدود محدوداً. إذن فأولئك الذين يعترضون على تجسد المسيح ويقولون أنه مغاير لحقيقة عدم تغير الله كان يجب عليهم بالأحرى أن يعترضوا على حلول ( ) الروح في الجسد- أن الروح لا تتركب مع الجسد بأن يصير الاثنان واحداً ولا تفقد الروح صفاتها الطبيعية وقت وجودها في الجسد- كذلك الحال في التجسد إذ أن الذات الإلهية لكلمة الله لم تفقد ولم تبق مركبة مع الذات البشرية عندما تجسد المسيح مع أنه ليس لهذا الاتحاد منتهى- نعم أن الفرق بين الماديات والروحيات عظيم جداً ولكننا نعرف أنه يمكن أن يتحد الواحد مع الآخر كما هي الحالة مع كل منا- أن الروح تتحد مع الجسد ولكنا نجهل كل الجهل معنى هذا الاتحاد وعلى هذا النمط الصعب جداً للعقل البشري المحدود أن يدرك الطريقة التي اتحدت بها الذات الإلهية والذات البشرية في المسيح يسوع- الحق غير محدود في دائرة إدراكنا ومقدرتنا نحن غير أن البراهين المثبتة لتجسد كلمة الله واضحة تمام الوضوح في الكتاب المقدس فلنكتف بها ولا حاجة بنا إلى سواها.
سأل بعض الناس لِم لم يوضح المسيح ألوهيته ويظهرها جيداً حتى لا يلتبس الأمر على أحد ولا يشك أحد بعد؟ ورداً على هذا نذكر لهم الآيات التي أوردناها على هذا الموضوع وقد أثبت المسيح ألوهيته ليس فقط في آية واحدة ولكن في آيات كثيرة ومن يطالع الإنجيل بعيداً عن الغرض والتعصب مصلياً لله بغيرة طالباً إرشاده فلا يبقى في مخيلته شك ما في هذا الموضوع.
ولله در جلال الدين الرومي إذ قال في كتابه المسمى بالمثنوي ما معناه "التعصب غشاء يطمس الفهم وحجاب يعمي الأبصار"
لو كان المسيح أوضح أقواله أكثر بمائة مرة لما أمكنه أبداً أن يقنع أولئك الذين لا يرغبون في الإيمان خوفاً من أن يصيروا تلاميذ له يحتملون اضطهادات العالم من أجله بل ربما كان هؤلاء يكرهون المسيح أكثر من غيرهم ولكن كلما كثرت المعرفة كلما عظم القصاص على أولئك الذين يتعامون عن معرفة كلام الله كما يقول الإنجيل (يوحنا 3: 19-21) "وهذه هي الدينونة أن النور قد جاء إلى العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة. لأن كل من يعمل السيئات يبغض النور ولا يأتي إلى النور لئلا تُوبخ أعماله وأما من يفعل الحق فيقبل إلى النور لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة."
إن التعاليم المختصة بحقيقة ذات يسوع المسيح الذي هو نور العالم كانت كافية أن تجعل الرسل (الحواريين) وغيرهم يعترفون أن المسيح هو المسيا المنتظر ابن الله مخلص العالم، لهؤلاء كان النور كافياً، فلماذا لم ير الآخرون هذا النور؟ ذلك لأن التعصب وحبهم للعالم وحبهم لمصلحة أنفسهم وعدم تقواهم وما فيهم من النقائص والرذائل وإهمالهم وعدم إيمانهم كل هذه أعمت بصائرهم فلم يعودوا يرون النور بل عاشوا في الظلمة وظلال الموت.
إن تعاليم المسيح واضحة جداً في أيامنا هذه حتى أنه يمكن لربوات اليهود والوثنيين أن يرجعوا إلى الله فيصيروا مسيحيين حقيقيين. ولتعلم أيها القارئ الكريم أن أولئك القوم الذين آمنوا بالمسيح ليسوا بأحذق منك. إن تعاليم ألوهية المسيح كانت مفهومة مدركة حتى أن اليهود حاولوا مرات كثيرة أن يرجموه بسبب تصريحه هذا لهم بألوهيته- إن المسيح لم يوضح في أول الأمر هذه الحقيقة لأن تلاميذه لم يكونوا قد تقدموا في المعرفة كثيراً فكان يعلمهم إياها شيئاً فشيئاً حتى اعترف بطرس بها أخيراً كما رأينا- بل كان يوجد فيهم من لم يعرفها إلا بعد قيامته وربما بعد صعوده لأن هذه الحقيقة كان يصعُب فهمها لما رأوه من فقر وتواضع المسيح وهو على الأرض معهم وذلك هو أحد الأسباب التي قال من أجلها "أنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي ولكن إن ذهبت أرسله إليكم… إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأما متى جاء ذلك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق" (يوحنا 16: 7و12و13) إن روح الحق الذي يتكلم عنه هنا هو الاقنوم الثالث للثالوث الأقدس وقد وعد المسيح تلاميذه أن يعطي لهم بواسطة إلهام الروح القس معرفة أكثر بنفسه وبذاته الإلهية ولذا قال في (يوحنا 16: 14) "ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" وقال أيضاً في (14: 26) "فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" وقد تم وعد المسيح فعلاً ونزل الروح القدس المعزي بعد صعود المسيح بعشرة أيام على تلاميذه. إن ذاك الروح القدس الذي سنتكلم عنه بمشيئة الله بإيضاح أوفى وأتم قد أضاء عقولهم وأرواحهم بنور من السماء فأظهر لهم ما قد خفي عنهم من الحقائق العظيمة التي كانوا يسمعونها ويتعلمونها من المسيح وبقوة ذلك الروح ونعمته عملوا عجائب عظيمة كشفاء المرضى لأن الحواريين كانوا في مقام الأنبياء وغيرهم من الرسل الإلهيين كما أوضحنا ذلك في كتاب "ميزان الحق" ( ) فكان لهم السلطان أن يعلموا بكل ما علمهم إياه المسيح بقوة الروح القدس وقد جُمع كل ما كتبوه في كتاب العهد الجديد وفيه بينوا أن تعليم ألوهية المسيح هو أساس كل شيء وجوهر المسيحية وسنرى ذلك بأكثر وضوح في الفصل الثاني بنعمة الله.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 41549