Skip to main content

المعجزة دليل النبوة الأوحد - ضرورة المعجزة لصحة النبوة ، بحسب علم الكلام

الصفحة 3 من 4: ضرورة المعجزة لصحة النبوة ، بحسب علم الكلام

ثانيا : ضرورة المعجزة لصحة النبوة ، بحسب علم الكلام
لقد أجمع أهل العلم قاطبة من المسلمين بأن المعجزة دليل النبوة الأوحد ، و ذلك قديما و حديثا .
1 – قديما انقسم المسلمون ثلاث فئات بالنسبة إلى معجزة القرآن :
أهل السنة و الجماعة اختلقوا فى الحديث و السيرة للنبى العربى معجزات تفوق معجزات الأنبياء الأولين كلها ، و لم يحترموا موقف القرآن السلبى من كل معجزة لمحمد . و ذلك لأيمانهم الشعبى بضرورة المعجزة لصحة النبوة .
و اقتصر العلماء من أهل الإعجاز على اعجاز القرآن معجزة له . فكان ذلك ردا منهم على أهل الحديث و السيرة . قال الباقلانى ( 1 ) : " إن نبوة النبى معجزاتها القرآن " . و فصل الجوينى ( 2 ) فقال " لا دليل على صدق النبى غير المعجزة . فإن قيل : هل فى المقدور نصب دليل على صدق النبى غير المعجزة ؟ قلنا : ذلك غير ممكن ! فإن ما يقدر دليلاعلى الصدق لا يخلو إما أن يكون معتادا ، و إما أن يكون خارقا للعادة : فإن كان معتادا يستوى فيه البر و الفاجر ، فيستحيل كونه دليلا ، و إن كان خارقا للعادة يجوز تقدير وجوده ابتداء من فعل الله تعالى ، فإذا لم يكن بد من تعلقه بالدعوى ، فهو المعجزة بعينها " .
و قال ابن أبى الاصبع ( 1 ) : " لابد لكل رسول من الاتيان بخارق قرين دعوى النبوة ، ليتحدى به من بعث إليهم ليكون علامة صدقه " . فلا صحة لنبوة بدون معجزة .
و ترى من هذا التحليل ما أوجزه السيوطى ،خاتمة المحققين القدماء فى أركان المعجزة الثلاثة ،وفى ضرورتها :أمر خارق للعادة ،مقرون بالتحدى ،سالم عن المعارضة.و قد قسم المعجزة الى نوعين :المعجزة الحسية ،والمعجزة العقلية أو اللغوية أى الأعجاز. فقال ( 2 ) : المعجزة "إما حسية و إما عقلية . و أكثر معجزات بنى إسرائيل كانت حسية لبلادتهم و قلة بصيرتهم . و أكثر معجزات هذه الإمة عقلية لفرط ذكائهم و كمال افهامهم ، و لأن هذه الشريعة لما كانت باقية على صفحات الدهر إلى يوم القيامة خصت بالمعجزة العقلية الباقية ليراها ذوو البصائر " .
فإجماع العلماء قديما على أن القرآن وحده معجزة محمد : لذلك ، فى باب معجزة النبى العربى اقتصروا على كتب الاعجاز . و هذا اقرار منهم بأنه ليس لمحمد معجزة حسية تشهد له ، كما سنرى ذلك من القرآن نفسه .
و الفريق الثالث من الأقدمين ، المعتزلة ، ما فتئوا يرددن " بأن الله لم يجعل القرآن دليل النبوة " ! و سنرى بأن القرآن الذى يصرح باعجازه لم يجعل اعجازه برهان النبوة .
فموجز تاريخ الكلام قديما فى معجزة محمد ان علماء الكلام المسلمين أجمعوا على ضرورة المعجزة لصحة النبوة ، لكنهم استنكروا ان معجزة حسية تشهد للنبى العربى ، و اقتصروا معجزته على اعجاز القرآن . فأنكر المعتزلة كون القرآن معجزة تشهد لمحمد ، مع قولهم باعجاز القرآن .
2 – و حديثا يفترق المسلمون ثلاث فرق فى تقدير معجزة محمد : فئة التقليديين الذين لم يزالوا غائصين فى رواسب الماضى ، و فئة العلماء الذين يجعلون القرآن وحده معجزة محمد ، و فئة المتحررين الذين ينادون بأنه لا ضرورة للمعجزة لصحة النبوة .
من أغرب ما قرأنا للتقليديين فى " معجزة النبى " مقالا فى مجلة ( الفكر الإسلامى ص 36 ) التى تصدرها دار الفتوى فى بيروت ، عدد ايلول سنة 1970 ، جاء فيه " أما معجزة نبينا صلعم فقد كانت ذا شعب ثلاث :
" تناولت الشعبة الأولى ما ظهر على أيدى كافة الرسل من الأمور الكونية و الغيبية : فنبع الماء بين أصابعه ، و سعت الشجرة اليه ، و أنبأته الشاة أنها مسمومة ، و حن الجذع اليه ، و غير ذلك كثير !
" وظهرت الثانية فى شخصية محمد و تكوينه الخلقى المدهش . فقد نشأ فقيرا يتيما محروما من عطف الأم و حبها و حنانها ، أميا ، و فى قوم أمين ، قساة القلوب ، فظاظ الطباع ، حداد الألسنة ، جفاة النفوس ، غلاظ الأكباد . فكان مع ذلك على ما وصفنا من الرقة و الحلم و سعة الصدر و حلاوة اللسان و الشمائل العجيبة ، التى لا تتكون إلا فيمن منحه الله من عنايته ما منح النبى صلعم .
" أما الثالثة ، و هى الأساسية ، فهى القرآن الكريم ، لأنها المعجزة العقلية العلمية الدائمة على الدهر ، لا ينالها تشويه ، و لا يشعر بها تحريف ، تنطق بلسان النبى ، و تثبت بقاء رسالته على وجه الدهر إلى أن يرث الله الأرض و من عليها " .
لقد أحسن صاحب المقال باستدراكه " و هى الأساسية " ، لأن القرآن وحده معجزة محمد باجماع العلماء المسلمين . أما الشعبة الأولى فهى أساطير من الحديث و السيرة لا يأخذ بها عالم ، و موقف القرآن السلبى من كل معجزة ينقضها نقضا مبرما . و أم الشعبة الثانية ، المعجزة الشخصية ، فمع شهادة القرآن بأنك " لعلى خلق عظيم " فلم يعتمدها معجزة لنبيه ، و لا ينطبق عليها تعريف المعجزة للسيوطى . نذكر من ذلك أسطورة " أمية محمد " ، و أسطورة " فقر محمد " الذى أغناه زواجه من السيدة خديجة قبل البعثة بخمس عشرة سنة ، أكثر من سائر تجار قريش مجتمعين . فى هذا الكتاب نوجز المعجزة الشخصية ، فى فصل ، و نفرد لها كتابنا : " المسيح و محمد فى عرف القرآن " . و فى موقف العلماء تقييم حقه لمثل مقال المجلة المذكورة .
فعلماء العصر يشهد فريق المحافظين منهم ، مثل الدكتور حسين هيكل فى ( حياة محمد ) : " لم يرد فى كتاب الله ذكر لمعجزة أراد الله بها أن يؤمن الناس كافة على أختلاف عصورهم برسالة محمد إلا القرآن " . و كان الأستاذ دروزة ( 1 ) اصرح فى قوله : " ان حكمة الله اقتضت أن لا تكون الخوارق دعامة لنبوة سيدنا محمد عليه السلام ، و برهانا على صحة رسالته ، و صدق دعوته " .هذا هو الواقع القرآنى . فلم يبقى الا اعجاز القرآن معجزة لمحمد .
لكن بما أن الاعجاز البيانى للخاصة من العرب الفصحاء لا للعامة ، و لا لجميع الأجانب من الناس كلهم ، فقد أخذ بعض أهل العصر ينكرون ضرورة المعجزة لصحة النبوة ، بخلاف كتب الله كلها ، و بخلاف علماء المسلمين حتى عصرنا .
فالمعجزة هى دليل النبوة الأوحد .

فهل يشهد القرآن لمحمد بمعجزة ؟

و هل يعتبر القرآن اعجازه معجزة له ؟

مابين الاعجاز و المعجزة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 12502