Skip to main content

معجزة حفظ القرآن - من تاريخ جمع القرآن وتدوينه

الصفحة 6 من 12: من تاريخ جمع القرآن وتدوينه

 

من تاريخ جمع القرآن وتدوينه

إن تاريخ جمع القرآن يُلقي ظلاًّ ثقيلا على سلامة حرفه ، موضوع اعجازه .

بعد وفاة النبي ظهرت محاولات فردية ثم رسمية لجمع القرآن .

أولا : المحاولات الفردية لجمع القرآن

إن تعدّد أنواع الجامعين ، وتنوّع المصاحف المجموعة المختلفة تثير شبهات .

1 – في المحاولات الفردية اختلفوا في أول مَن حاول جمع القرآن .

قيل أن أول مَن حاول جمع القرآن علي بن أبي طالب . بعد بيعة أبي بكر قعد في بيته . فقيل لأبي بكر : كره بيعتك ! فأرسل إليه فقال : أكرهتَ بيعتي ؟ قال : لا واللهِ ! قال : ما أقعدك عني ؟ قال : رأيتُ كتاب الله يُزاد فيه فحدّثت نفسي أن لا ألبس ردائي إلاّ لصلاة حتى أجمعه . قال له أبو بكر : فإنك نِعم ما رأيت ! – هذا حديث محمد بن سيرين عن عكرمة . وقيل جمع علي القرآن كما أُنزِل الأول فالأول ، بحسب تاريخ نزوله . وأخرجه ابن أشته في (المصاحف) من وجه آخر عن ابن سيرين أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ .

ويُرجع أهل السنة الفضل في جمع القرآن لأبي بكر الصديق . "أخرج ابن أبي داود في (المصاحف) بسند حسن عن عبد خير قال : "سمعت عليًّا يقول : أعظم الناس في المصاحف أجرًا أبو بكر . رحمة الله على أبي بكر هو أول مَن جمع كتاب الله" ! لكن ابن أبي داود ينقل أيضا الحديث المناقض لابن سيرين عن عكرمة أن عليًّا كان أول من جمع القرآن .

"وأخرج ابن أبي داود من طريق الحسن أن عمر بن الخطاب سأل عن آية في كتاب الله فقيل : كانت مع فلان قُتل يوم اليمامة . فقال : إنّا لله ! وأمر بجمع القرآن فكان أول مَن جمعه في المصحف" . يفسّره السيوطي : "المراد بقوله (فكان أول مَن جمعه) أي أشار لجمعه" .

وهكذا ينسبون الأولية في جمع القرآن الى كلٍّ من الخلفاء الراشدين الأربعة .

لكن لم يكن لهم في مهام خلافتهم متّسع من الوقت للاهتمام شخصيا بجمعه . لذلك أخرج ابن اشته في كتاب (المصاحف) عن ابن بريدة قال : "أول من جمع القرآن في مِصحف سالم ، مولى أبي حذيفة ، أقسم لا يرتدي برداء حتى يجمعه فجمعه . ثم ائتمروا ما يسمونه . فقال بعضهم سمّوه : السفر . قال ؛ ذلك تسمية اليهود ، فكرهوه ، فقال : رأيتُ مثله في الحبشة يُسمى المصحف ، فاجتمع رأيهم على أن يسموه المصحف" . فسّره السيوطي : "وهو مجمول على أنه كان أحد الجامعين بأمر أبي بكر" .

لاحظ الاختلافات وكثرة الاحتمالات في قصة جمع القرآن .

والحديث المعتمد عن صحيح البخاري أن أبا بكر الصديق ، بإشارة عمر ، أمر زيد بن ثابت في جمع القرآن ؛ "فتتبعت القرآن أجمعه من العُسب واللخاف وصدور الرجال ... فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثم عند عمر حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر" . فيكون زيد بن ثابت هو أول جامع للقرآن . والشبهة الكبرى في ذلك أن زيدا ، على حياة النبي ، لم يكن قد بلغ الحلم بعد .

2 – وذكروا أيضا أنّ أمهات المؤمنين ، أزواج النبي ، قد حاولن هنّ أيضا جمع القرآن .

فذكروا أن عمر بن رافع ، مولى حفصة ، بنت عمر وزوج النبي ، جمع لها مصحفا ، عُرف باسمها . وهذا يُلقي شبهة أخرى على الصحف التي جمعها زيد بأمر أبي بكر وعمر ، "فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثم عند عمر حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر" كما نقل البخاري من حديث زيد بن ثابت .

وذكروا أيضا أن أبا يونس ، مولى عائشة ، بنت أبي بكر وزوج النبي المفضّلة ، جمع لها مصحفا عُرف أيضا باسمها . وقد روى عروة بن الزبير حديثا عن عائشة : "إن سورة الأحزاب كانت تُقرأ في زمن النبي مئتي آية . فلما كتب عثمان المصاحف لم نُقدر منها إلاّ ما هو الآن" ، أي (73 آية) . وروي عن حميدة بنت أبي أوس قالت : "قرأ عليَّ أبي ، وهو ابن ثمانين ، في مصحف عائشة : (يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا – وعلى الذين في الصفوف الأولى) ، وذلك قبل أن يغيّر عثمان المصاحف" .

فعليُّ يشهد بأن كتاب الله يُزاد فيه ؛ وعائشة تشهد بأن عثمان غيّر المصاحف .

فهناك تيّار ينسب جمع القرآن الى كل من الخلفاء الراشدين . وهناك تيار ينسبه الى موالي أمهات المؤمنين .

3 – وهناك تيار ثالث ينسب مصاحف أخرى لأئمة القراء الذين أوصى بهم النبي : مصحف عبد الله بن مسعود ، ومصحف أُبي بن كعب ، ومصحف معاذ ، ومصحف سالم ، مولى حذيفة . وأشهرهما مصحف ابن مسعود ، ومصحف أُبي . "وإن المصحفين ظلاّ موجودين يُقرأان إلى ما بعد عثمان بمدة طويلة ، وإن ترتيب سور كل منهما مغاير لترتيب الآخر من جهة ، ومغاير لترتيب المصحف العثماني من جهة أخرى . وإن في أحدهما زيادة ، وفي أحدهما نقص" . فلم تكن الفاتحة ، ولا خاتمة القرآن (المعوذتان) في مصحف ابن مسعود ، وكان يحكهما ويقول ؛ إنهما ليستا من كتاب الله . فابن مسعود يشهد بأن (الفاتحة) ليست من القرآن .

وفي مصحف أُبي ، كانت سورة اسمها "الحفد" وأخرى اسمها "الخلع" وكان عليّ يعلّمهما الناس ، وعمر بن الخطاب يُصلّي بهما . وقد أسقطهما عثمان في الجمع الأخير .

4 – وهذا هو الواقع القائم بين هذه التيارات : كان الناس في الأقطار يقرأون القرآن بقراءَة القرّاء المختلفة . روى ابن الأثير (86:3) أن الأمة قبل عثمان كانت تقرأ القرآن في أربع نسخ مختلفة : نسخة أُبي في دمشق ، ونسخة المقداد في حمص ، ونسخة ابن مسعود في

الكوفة ، ونسخة الأشعري في البصرة . وممّا يدل على اختلافها البعيد اقتتال أهل الشام وأهل العراق في معارك أذربيجان ، بسبب قراءاتهم المختلفة للقرآن الواحد . وهذا ما أفزع القائد حذيفة (وكان مولاه سالم قد جمع له قرآنا) ففزع الى عثمان بن عفان يحرّضه على توحيد المصاحف .

وحديث الأحرف السبعة ، يرفع النصوص المختلفة من أربعة الى سبعة .

قال حذيفة بن اليمان : "غزوتُ مرج أرمينية فحضرها أهل العراق والشام . فإذا أهل الشام يقرأون بقراءَة أُبي بن كعب ، فيأتون بما لم يسمع به أهل العراق ، فتكفرهم أهل العراق . وإذا أهل العراق يقرأون بقراءَة ابن مسعود ، فيأتون بما لم يسمع به أهل الشام ، فتكفّرهم أهل الشام" .

وهذا الاختلاف والاقتتال والتكفير في حرف القرآن ، في الثغور والفتوحات ، قد وصل الى الغلمان والمعلمين في بيوت حفظ القرآن . "وقد رُوي حديث عن أنس بن مالك جاء فيه : إنّ الناس اختلفوا في القرآن على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلمون . فبلغ ذلك عثمان ، فقال : عندي تكذبون وتلحنون فيه ! فمن نأى عني كان أشدّ تكذيبا ولحنا ! يا أصحاب محمد اجتمعوا فاكتبوا للناس إمامًا" .

فالتكفير والاقتتال في مدارس القرآن ، وفي غزوات الفتح ، على صحة حرف القرآن ، شهادة قائمة على وقوع التحريف في نص القرآن ، قبل الجمع العثماني . وأنى لعثمان ولجانه المختلفة الوصول الى النص الأصلي المنزل ، بعد أن أمسى قبل جمعه سبعة أحرف ، أي سبعة نصوص ، بقراءات مختلفة . إن إتلاف عثمان ، برضى الصحابة لجميع المصاحف سوى مصحفه ، برهان قاطع على اختلافها في حرف القرآن ، ودليل قائم على استحالة الوصول الى النص الصحيح المنزل المعجز .

ففي الوضع القائم للقرآن على سبعة أحرف ، عند وفاة النبي ، شبهة أولى ضخمة على صحة حرف القرآن . وفي الوضع الذي انتهوا إليه عند الجمع العثماني شبهة أخرى ضخمة

على صحة حرف القرآن . وهذه الشبهات التاريخية القائمة لا يصح معها ادّعاء وسلامة الحرف القرآني ، موضوع التنزيل ، وموضوع التحدي بإعجاز القرآن . فالتحدي بإعجاز حرف القرآن ، لا أساس له . والواقع التاريخي "لحفظ" القرآن ينقض معجزة "حفظه" المزعومة .

ثانيا : المحاولات الرسمية لجمع القرآن

إن المحاولات الرسمية لجمع القرآن تمت على مراحل تثير أيضا الشبهات .

الاصدار الرسمي الأول للقرآن ، في زمن أبي بكر
الصفحة
  • عدد الزيارات: 32094