ملاحظات عن الوحي في القرآن والحديث
ملاحظات عن الوحي في القرآن والحديث
أولاً: ملاحظات من القرآن عن الوحي القرآني
- 1 - نسيان النبي بعض ما يُوحى إليه:
“سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ; (الأعلى 87: 6 - 8).
فهل كان النسيان مقصوداً، بالتبديل (النحل 16: 101) ؟ أو هل بالمحو (الرعد 13: 41) ؟ قال الزمخشري: رُوي أن محمداً أسقط آيةً في قراءته في الصلاة، فحسب أُبيّ أنها نُسخت، فسأله، فقال: نسيتها (الكشاف في تفسير الأعلى 87: 6 8).
- 2 - استعجال النبي الوحي واستباقه:
“لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَا تَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ; (القيامة 75: 16 - 19).
قال البيضاوي: لا تحرِّكْ يا محمدٌ بالقرآن لسانك قبل أن يتمّ وحيه لتأخذه على عجَل مخافة أن يتفلّت منك . وهو اعتراض بما يؤكد التوبيخ على حبّ العجَلة (البيضاوي والجلالين في تفسير القيامة 75: 16 19).
وفي أسباب النزول: أشيء قاله رسول الله من قِبَل نفسه، أم أمره الله به؟ قال: بل قاله من قِبَل نفسه، ثم أنزله الله .
“وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ; (طه 20: 114).
- 3 - إمكان فتنة الناس للنبي عن الوحي، وإمكان ركون النبي إلى فتنتهم:
“وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَا تَّخَذُوكَ خَلِيلاً 74 وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً 75 إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ; (الإسراء 17: 73-75).
وفي أسباب النزول للسيوطي أن رجالاً من قريش جاءوا محمداً فقالوا: تمسَّحْ بآلهتنا وندخل معك في دينك. وكان يحب إسلام قومه، فرقّ لهم (السيوطي سبب نزول الإسراء 17: 93).
- 4 - إمكان ترك النبي بعض ما يُوحَى إليه:
“فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ; (هود 11: 12).
قال الزمخشري: كانوا يقترحون عليه آياتٍ تعنُّتاً لا استرشاداً، وكانوا لا يعتدّون بالقرآن ويتهاونون به، فكان يضيق صدر الرسول أن يلقي إليهم ما لا يقبلونه ويضحكون منه، فحرّك الله منه، وهيّجه لأداء الرسالة، وطرح المبالاة بردِّهم واستهزائهم واقتراحهم (الكشاف تفسير هود 11: 12).
- 5 - التبديل في آيات القرآن:
وإذا بدّلنا آية مكان آيةٍ والله أعلم بما ينزّل قالوا: إنما أنت مفترٍ، بل أكثرهم لا يعلمون (النحل 16: 101).
قال الواحدي في سبب نزول هذه الآية: إن المشركين سخروا من محمد وقالوا إنه يأمر أصحابه اليوم بأمرٍ وينهاهم عنه غداً، أو يأتيهم بما هو أهون عليهم، وما هو إلا مفترٍ يقوله من تلقاء نفسه .
والمشكل الأكبر في التبديل هو مطابقة القرآن المُنزَّل على ما في اللوح المحفوظ منذ الأزل: هل الناسخ والمنسوخ كلاهما في اللوح المحفوظ؟ هل كان المبدَّل والبديل كلاهما معاً؟ فكيف ينسجم النسخ والتبديل مع حكمة الله وعصمة النبي؟
- 6 - يجعل القرآن للشيطان علاقةً غير مباشرة بهذا التبديل:
قبل آية التبديل (النحل 16: 101) يقول: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم (النحل 16: 98) وهذا يعني أنّ كلام الله يطرد الشيطان. فهل للشيطان سلطان على إفساد الوحي؟
لما اصطدم النبي في دعوته الأولى بزعماء قومه وأظهروا له ولجماعته العداء، تراءى له أن يتساهل معهم في استشفاع آلهتهم اللات والعُزّى ومناة. فقرأ النبي بمكة سورة النجم، فلما بلغ: “أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُّزَى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ; (53: 19 و20) ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العُلى، وإن شفاعتهن لتُرتجى . فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخيرٍ قبل اليوم. فسجد، فسجدوا، فنزلت: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ; (الحج 22 : 52).
وهذا يقرّر مبدأ إلقاء الشيطان في قراءة النبي. ويقول الواحدي والنيسابوري في أسباب نزول الحج 52: جلس محمد في بيته حتى إذا أمسى أتاه جبريل، فعرض عليه النبي سورة النجم، فقال جبريل: أَوَجئتك بهاتين الكلمتين؟ فقال محمد: قلتُ على الله ما لم يقل .
يظهر من الحج 52 أنّ الشيطان يفسد الوحي، لذلك جاء هذا الأمر المكرر بالاستعاذة عند تلاوة القرآن. ويقول في المؤمنون 23: 97 و98 وقُل ربي أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك ربي أن يحضرونِ . ويقول في الحج 53 : ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض وفسّرها البيضاوي بالقول والآية تدل على جواز السهو عند الأنبياء وتطرُّق الوسوسة إليهم .
ولقد اعترض معظم علماء الإسلام المعاصرين على قصة الغرانيق وقالوا بضعف الحديث عنها رغم وروده في أمهات كتب التفسير والحديث. وقد جاء حديث بالبخاري في تفسير سورة النجم يقول: عن ابن عباس قال: سجد النبي بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس . فهل يوضح لنا أحدٌ لماذا سجد المشركون إلا إن كان محمد قد ذكر آلهتهم وقتها بخير!
- 7 - المحو والإثبات في التنزيل:
“وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ 39 يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أَمُّ الْكِتَابِ ; (الرعد 13: 38 ، 39).
قال الجلالان: عنده أمّ الكتاب أي أصله الذي لا يتغير منه شيء، وهو ما كتبه في الأزل (الجلالان تفسير الرعد 13: 38 و39).
فإذا كان تنزيل القرآن من اللوح المحفوظ منذ الأزل ولا يتغير منه شيء، فكيف يمحو الله ما يشاء ويثبت؟ أيهما المكتوب في اللوح: الممحو أم المثبَت؟
- عدد الزيارات: 10632