Skip to main content

عقد النكاح في الشريعة الإسلامية

الصفحة 1 من 2

الفصل الحادي عشر

عقد النكاح في الشريعة الإسلامية

 

بعد أن درسنا مكانة الزواج وصفات الزوجة المثالية، نريد أن ننقل الآن من المصادر الفقهية كيف يتم عقد النكاح، وما الذي يجب توفره من شروط لعقده. فالنكاح في الحالات العادية سنة محمد كما ذكرنا سابقاً، وهذا ثابت بالأحاديث المروية عن محمد وسلوكه الشخصي في هذا المجال. قال الأحناف إن النكاح يكون فرضاً وواجباً وسنة وحراماً ومكروهاً. إن تيقن الشخص الوقوع في الزنا إذا لم يتزوج فالنكاح عندئذ فرضٌ عليه. وإذا كان للشخص اشتياق شديد إليه بحيث يخاف على نفسه الوقوع في الزنا فيكون عندئذ واجباً. ويكون سنة مؤكدة للشخص إن كانت له رغبة في ذلك وهو معتدل. وإن تيقن أنه يترتب عليه الكسب الحرام في حال زواجه فالنكاح في هذه الحالة حرام. وإذا أحس بذلك دون أن يتيقنه فعندئذ مكروه (1).

للنكاح ركنان وهما جزآه اللذان لا يتم بدونهما: أحدهما الإيجاب، وهو اللفظ الصادر من الولي أو من يقوم مقامه. ثانيهما القبول وهو اللفظ الصادر من الزوج أو من يقوم مقامه. فعقد النكاح هو عبارة عن الإيجاب والقبول (2). وأما ما يتعلق بشروط النكاح ويذكرها بعض الفقهاء ضمن أركان النكاح فهناك تفصيل ممل للغاية. ولذا نذكر أهمها بالاختصار.

الشرط الأول يتصل بالصيغة، فهناك ألفاظ مخصوصة يتم بها عقد النكاح، بعضها صريحة كقوله: زوجت وتزوجت أو زوجني ابنتك. أو عن طريق الكناية كقولها: وهبت نفسي لك أو رجعلت نفسي صدقة لك. الشرط الثاني هو ما يسمى ب اتحاد المجلس أي يجب أن يكون العاقدان في مكان واحد، فلا نكاح بالوصية والكتابة. قد يفسد اتحاد المكان بسبب عدم الاستقرار إذا تم العقد مثلاً على دابة تسير. أو إذا عقد وهما يمشيان، فإنه لا يصح لعدم الاستقرار في مكان واحد. أما إذا عقدا على ظهر السفينة وهي تسير فإنه يصح لأن السفينة تعتبر مكاناً، وهل السيارة الأتوميبل ونحوه مثل السفينة أو الدابة؟ الظاهر أنها مثل الدابة فلا يصح العقد عليها عند الحنيفية (3).

ولا يصح النكاح إلا في حضور الشهود، وأقل نصاب الشهادة في النكاح اثنان فلا تصح بواحد، ولا يشترط فيهما أن يكونا ذكرين بل تصح برجل وامرأتين. على أن النكاح لا تصح بالمرأتين وحدهما، بل لا بد من وجود رجل معهما (4).

من لا يجوز نكاحها: أجمعوا على تحريم نكاح الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت. والجدات يدخلن في عموم الأمهات وبنات الأولاد وأن سفلن يدخلن في جملة البنات. وكذلك عمات الآباء والأمهات، وخالات الصنفين، وبنات أولاد الإخوة والأخوات على هذا القياس، هذا إذا كن من النسب. وأجمعوا على تحريم الأمهات والأخوات من الرضاع فأباحهن أهل الظاهر وأكثر الخوارج، وحرمهن أكثر الأمة، وذلك هو الصحيح. وأجمعوا على تحريم أمهات النساء وتحريم منكوحات الآباء وحلايل الأبناء بالعقد، وعلى تحريم الربايب بشرط الدخول. وأجمعوا على تحريم الجمع بين الأختين بالنكاح، واختلفوا في تحريم الاستمتاع بهما بملك اليمين. وكذلك الخلاف في تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها. فكل من خالف في شيء مما اختلف فيه سلف الأمة من أبواب النكاح في تحريم امرأة وإباحتها وفي شرط قد اختلفوا فيه كشهود النكاح ولفظه والولي لم يكفر (5).

وبالإضافة إلى ما تقدم حرم محمد على أصحابه والناس أجمعين زواج نسائه من بعده (6) وجاء في القرآن: روما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً. إن ذلكم كان عند الله عظيماً (الأحزاب 33:35).

إن آراء واجتهادات الفقهاء فيما إذا كان يجب على الولي أن يستأذنها في أمر الزواج متضاربة، وما يعنونه بالاستئذان يشبه شيئاً من الشكليات، فإذنها إن كانت بكراً سكوتها، وإن بكت فهو بمنزلة سكوتها أي علامة الرضا، لأن البكاء يدل على فرط الحياء (!!) (7). ولكن إذا زوج الرجل ابنته البكر فوضعها في كفاية فالنكاح ثابت، وإن كرهت كبيرة كانت أو صغيرة لأن للآب تزويج أولاده الصغار والمجانين وبناته الأبكار بغير إذنهم (8). كذلك للولي تزويج البكر والمجنونة بدون إذنهما، كذا إذا زوجها أبوها أو جدّها. ولا يبطل العقد لعيب سوى العجز (العنة) والخصاء (9). ومن الشروط المهمة لصحة النكاح الكفاءة، أي مساواة الرجل للمرأة وهي ست عند الأحناف: النسب والإسلام والحرفة والحرية والديانة والمال (01). إن الكفاءة تتعلق بالرجال دون النساء، لأن محمداً تزوج نساءً من شتى الأنساب والطوائف، ولم تكن إحداهن كفواً له (11). من له أب حر ومسلم فقط ليس كمن له أب وجد في الإسلام والحرية. وإذا تزوجت امرأة من ليس كفواً لها يفرق بينها وبينه، وإن أخذ وليها مهراً يدل على قبوله (21).

يلتزم الرجل عند عقد النكاح في حضور وليّها بدفع ما يسمى مهراً أو صداقاً. ويستحب تحديد المهر أثناء العقد، غير أنه ليس من الشروط اللازمة لصحة العقد. وحالما يتم الاتفاق على المهر، على الرجل دفع ما يسمى مهر المثل، أي مبلغاً يناسب الظروف المعاشة، وقد يتفاوت المبلغ بنسبها وحسبها، كما يختلف حسب عقلها وسنها وجمالها، وإذا أراد الرجل فسخ عقد النكاح قبل الوطء فعليه أن يدفع لها نصف المهر (31).

المراجع
الصفحة
  • عدد الزيارات: 17160