المسيح حي الآن
المسيح حي الآن
إن البرهان على صحة أقوال المسيح، والشهادة على كونه ابن الله، موجودان في عملية قيامته من الأموات - بعد موته على الصليب الذي به استطاع الإنسان أن يقترب إلى الله - لأنه قد تعيّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات (رومية 4:1). وقيامته من بين الأموات كانت محور كرازة الرسل. لم يكونوا يكرزون بها بسبب أن قبره وُجد فارغاً في اليوم الثالث بعد موته فحسب، بل أيضاً بسبب ظهوره لهم شخصياً وجسدياً لمدة أربعين يوماً بعد قيامته من الأموات (أعمال 3:1، 1كورنثوس 1:15-8). وهذه هي رسالة الإنجيل المجيدة: لقد تغلّب المسيح على الخطية والموت وهو حيّ 'ويقدر أن يخلّص أيضاً إلى التمام الذين يتقدّمون به إلى الله إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم' (عبرانيين 25:7).
وإذ مات المسيح لأجل خطايانا وقام من بين الأموات، وهو حيّ الآن، فإن له القدرة على تحطيم سلاسل العادات الشريرة، وقهر سيادة الخطية المسيطرة في قلوبنا. لم يكن كلامه باطلاً عندما صرّح قائلاً: 'إن حرّركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً' (يوحنا 36:8). أو عندما قال: 'أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل' (يوحنا 10:10). وعندما يفتح أحدهم قلبه بإخلاص للمسيح ويدعوه للدخول، (رؤيا 20:3) يحدث في أعماق كيانه تغيير خارق للطبيعة. هذا ما يسميه الكتاب المقدس بـ 'الولادة من فوق' (يوحنا 3:3) أو 'الولادة من الله' (يوحنا 12:1و13). وهكذا فإن الإنسان الذي يضع ثقته الكاملة في المسيح يسوع ويتّخذه مخلصاً ورباً على حياته، يدخل في علاقة حيّة مع الله، ويختبر كذلك تحويلاً أدبياً وروحياً يغيّر رغباته، بحيث يبدأ يتمنى أن يُسرّ الله – ليس بدافع الخوف من العقاب، ولكن بدافع المحبة والاعتراف بالجميل لهبة الخلاص المجاني في المسيح يسوع.
وعندما يقبل أحدهم المسيح في حياته، يأتي المسيح للسكنى في قلبه بالروح القدس. وسكنى الروح القدس في القلب، تغيّر الإنسان من الداخل بحيث تصبح له قوة داخلية جديدة، فيتمكّن من أن يسرّ الله (رومية 9:8، يوحنا 16:14و17، رومية 5:5، 1كورنثوس 9:6و11، 19و20). وهذا التغيير في حياة الإنسان، هو تغيير دائم وعميق جدّاً. يقول الكتاب المقدّس: 'إذا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديداً' (2كورنثوس 17:5). ومع أننا لا نختبر الكمال في هذه الحياة، إلا أن أسلوب تصرّفنا يتغيّر بواسطة الإيمان بالمسيح.
من أعظم الفوائد التي يحصل عليها المؤمن بالمسيح، هي التأكد منذ الآن، من قبوله الثابت والدائم عند الله. وتصريح كلمة الله واضح جداً بهذا الخصوص، إذ تقول: 'من يؤمن بابن الله، فعنده الشهادة في نفسه. من لا يصدّق الله فقد جعله كاذباً لأنه لم يؤمن بالشهادة التي قد شهد بها الله عن ابنه. وهذه هي الشهادة أن الله أعطانا حياة أبدية وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله الحياة ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة. كتبت هذا إليكم أنتم المؤمنين باسم ابن الله لكي تعلموا أن لكم حياة أبدية' (1يوحنا 10:5-13).
فالإنسان الذي يضع ثقته بالمسيح، لا يحتاج أن ينتظر الموت أو يوم الدينونة ليعرف نفسه أنه مقبول عند الله. وبما أن المسيح قد حمل عنّا قصاص الخطية كاملاً، لم يعد فيوسع الإنسان أن يقوم بأي عمل صالح يضيفه إلى عمل الفداء الذي تمّ على خشبة الصليب. وبما أن ليس ثمة مجال لأن ينال الإنسان الخلاص باستحقاقه أو جدارته، فلم يعد من مبرّر للخوف والشك بما يتعلّق بمسألة رجحان كفّة الصالحات على كفة السيئات. إذ ليس للأعمال الصالحة أية علاقة بمسألة الخلاص. إنما الأعمال الصالحة، ما هي إلا المظهر الخارجي لحقيقة قوة المسيح المغيّرة لأنه يسكن في المؤمن. وعمل غفران الخطايا والقبول عند الله إنما هو من نعمته (أي محبة الله التي لا نستحقها) في المسيح. وهذا الأمر يختلف عن كل ترتيب آخر للحصول على الغفران بواسطة أعمالنا أو مجهودنا الشخصي (رومية 4:4-5؛ 6:11). لذلك فإنه عندما يقبل أحدهم المسيح مخلّصاً شخصياً ورباً على حياته، يصبح في وسعه أن يتأكّد، في تلك اللحظة تماماً، أنه أصبح من خاصته الآن وإلى الأبد. ولا شيء يمكن أن يحطّم تلك العلاقة مع الله الحيّ في المسيح. والمسيح نفسه يؤكّد لنا هذا بقوله المبارك: 'خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني. وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي' (يوحنا 27:10-28).
وبالنسبة للمؤمن الحقيقي في المسيح، لا خوف عليه من يوم الدينونة، لأن المسيح قد حمل تلك الدينونة بنفسه على الصليب (2كورنثوس 21:5، 1بطرس 18:3)؛ لأنه لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع (رومية 1:8). وليس ما يفصلنا عن محبة الله، التي لنا في المسيح (رومية 31:8-39). فلا عجب إذن، أن يكون للمؤمن الحقيقي بالمسيح فرح لا ينطق به ومجيد (1بطرس 8:1)، وسلام الله الذي يفوق كل عقل (فيلبي 7:4).
- عدد الزيارات: 4139