الصَّليب
الفصل الحادي عشر: الصَّليب
حديث القرآن عن صلب المسيح وقيامته يثير كثيراً من الجدل بين أطراف القضية، فالبرغم من أن القرآن - كما يقول المسلمون - أتى للمسلم بما اختلف فيه أهل الكتاب، إلا أنه لم يأت بالقول الفصل في قضايا تاريخية كثيرة، كانت تثير نقاشاً واسعاً في عصره. ومن ذلك قضية الصلب. فالنص القرآني له وُجهة، والمفسّر له وجهة ثانية، ورأي العوام وجهة ثالثة. وما أبعد الشقَّة بين الأوجه الثلاثة! فنصوص القرآن التي تناولت هذه القضية هي:
:وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً" (مريم 19: 33).
"وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ا لْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ" (البقرة 2: 87).
" إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (آل عمران 3: 55).
"وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ… وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (المائدة 5: 116، 117).
هذه النصوص القرآنية توضح أن المسيح مات وإن كانت لا توضح كيفية الموت. ولكن شذَّت عن هذا السياق، آية واحدة هي النساء 157:4"وما قتلوه وما صلبوه... وما قتلوه يقيناً".
فكيف عالج المفسّرون المسلمون هذا التناقض؟
قال بعضهم إن الوفاة التي جاء ذكرها في الآيات السابقة لا تعني الموت، بل تعني وفاة النوم . واستشهدوا على ذلك بقول القرآن: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ" (الأنعام 6: 60)، وفات هؤلاء المفسرين أن القرآن استخدم كلمة الوفاة بمعنى الموت الحقيقي أكثر من خمس وعشرين مرة، كما في (المائدة 5: 117) "وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي…" فالوفاة هنا عكس الحياة، فهي تعني الموت الحقيقي.
وقالوا أيضاً إن النساء 4: 157 نسخت آيات الوفاة، وهو تأويل واضح البطلان، فمن المعروف أنه إذا جاز النسخ في الأحكام والمعاملات فلا يجوز في الأخبار والتاريخ!
- عدد الزيارات: 6591