هل فصاحة القرآن دلالة على الوحي؟
هل يمكن أن تكون فصاحة القرآن معجزة تدل على أنه موحى به من الله؟
يجزم إخواننا المسلمون أن فصاحة القرآن وطلاوة عباراته بالغة حد الإعجاز حتى أنه يكفي لإثبات رسالة محمد سيما وأنه لم يكن يعرف الكتابة ولا القراءة فمن المحال أن يكون قادراً على الإتيان به ما لم يكن موحى به من الله ويقولون لكل نبي آية بينة تدل على أن رسالته من عند الله إلا أن الآيات تنوعت حسب أحوال الزمان الذي جاءت فيه الأنبياء
ففي زمن موسى مثلاً بلغ السحر والسحراء مكانة عظمى عند المصريين فأوتي موسى من الآيات ما يشبه السحر في ظاهره وهو ليس بسحر في الحقيقة بل معجز للسحراء وفي زمن المسيح بلغ الطب مبلغاً عظيماً فكانت آيات المسيح مشبهة بالطب ولكنها تفوقه وفي زمن محمد كانت الفصاحة هي الصناعة الرائجة بين العرب فأوتي القرآن معجزاً لفصحاء عصره وشعرائه ومن أدلتهم على إعجاز القرآن ما جاء فيه من تحدي العرب على أن يأتوا بكتاب مثله أو سورة منه كما في سورة البقرة آية 23 ومن ذلك قوله قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَا لْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (سورة الإسراء 17: 88).
ورداً عليهم نقول إذا فحصنا دعواهم بإعجاز القرآن فحصاً دقيقاً خليقاً بأهمية الموضوع لا نجد دليلاً على صحة دعواهم لأنه كم من الكتب الشهيرة في العالم ألفها قوم لا يعرفون القراءة ولا الكتابة وق جاءت لا مثيل لها ومن هذه الكتب كتاب وضعه ريج فيدا في بلاد الهند وضعه بين سنة 1000 و1500 ق م قبل أن تعرف صناعة الكتابة في تلك البلاد بزمن طويل يزيد حجمه عن القرآن صنفه أكثر من واحد إلا أنهم لم يكن لهم كاتب يملون عليه آيات كتابهم وفي اللغة اليونانية القديمة قصيدتان في غاية الفصاحة وهما الإلياذة والأودسة (<؟ LLiad - Odyssev< >) منسوبتان في الغالب إلى شاعر أعمى اسمه هوميروس وكانت العميان في سالف الزمان لا يعرفون القراءة ولا الكتابة ولا كانت لديهم الوسائل التي لديهم اليوم وليس ثمت وجه للظن أن يكون أملى قصيدته على بعض الكتبة لأنه كان فقير الحال يحصل قوت يومه بالتجوال على البيوت يتلو أشعاره. على أنه لم يقم دليل قاطع على أن محمداً كما زعموا غير عالم بالقراءة والكتابة وغاية ما أوردوه لإثبات هذه الدعوى هو ما وصفه به القرآن بأنه النبي الأمي (سورة الأعراف 7: 156 و157) إلا أن هذا الوصف لا يثبت عدم معرفته القراءة والكتابة لموصوفه بل يثبت كونه نبياً من الأمم (1) (لقد قال بمثل ذلك بعض محققي المسلمين انظر السيرة النبوية لزيني دحلان اه مصحح) لا من بني إسرائيل وذلك واضح من سورة آل عمران آية 20 في قوله وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَا لأُمِّيِينَ الخ ومن ذلك ترى أن العرب مدعوون هنا بالأميين فقال النبي الأمي كما نقول اليوم النبي العربي وكانت عادة الأنبياء أن يأتوا من أهل الكتاب أي بني إسرائيل.
فلما ادعى محمد النبوة وكان من غير أهل الكتاب دعوه النبي الأمي أي من الأمم كما تقدم تمييزاً له عن بقية الأنبياء الذين كانوا جميعاً من بني إسرائيل وبخلاف ذلك قد علم الملطلعون من المسلمين بالروايات المنسوبة إلى البخاري ومسلم التي تنفي عن محمد وصمة الجهل بالقراءة والكتابة من ذلك ما ينسبونه إليه في معاهدة الحديبية من أنه أخذ القلم وضرب على توقيع علي بن أبي طالب بالنيابة عنه تحت إمضاء رسول الله وكتب ابن عبد الله ومما ينسبونه إليه أنه لما أحتضر طلب أن يأتوه بأدوات الكتاب ليوصي بمن يخلفه وقبل أن يأتوه بها خانته قواه كما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس. وبما أن هذه الروايات موضوع نزاع بين أهل السنة والشيعة فلا نجزم بصحتها غير أننا نقول أن مجرد وجودها مسندة إلى أئمة الحديث أمر يستحق الاعتبار وخصوصاً لأن لا شيء فيها بعيد الوقوع.
واعلم أن فن الكتاب كان معلوماً عند العرب في عصر محمد لأنه معلوم بالتأكيد أنه لما وقعت بعض أهالي مكة أسرى عند أهالي المدينة افتدوا أنفسهم منهم بأن يعلموهم الكتابة ثم أن وجود المعلقات السبع (سواء كانت معلقة في الكعبة كما ظن جلال الدين السيوطي أم محفوظة في خزانة عكاظ كما قال أبو جعفر أحمد ابن اسمعيل بن نواس) دليل على أن الكتابة كانت أمراً عادياً بين مؤلفي ذلك العصر والذين قبلهم سواء كانوا يكتبون مؤلفاته بأنفسهم أو يكتبها كتبة آخرون على ذمتهم.
وإن قلنا أن محمداً كان يعرف الكتابة ولكنه لم يحسنها بحيث يتهيأ أن يكتب كتاباً فلا يؤثر ذلك في أهمية القرآن لأننا نعلم من أقوال السالفين أن زيداً بن ثابت كان من جملة الكتبة الذين استخدمهم محمد وكانوا يكتبون كما يملي عليهم على العظام وعلى الخشب والخزف بالحرف الكوفي (1) (هذا خلاف المشهور لأن الحرف الكوفي لم يكن يعرف إلا بعد وفاة محمد اه صحيح) خلواً من نقط الوقف وحركات الضبط وعلى مدى الأيام تبين لعلماء التفسير اختلاف القراآت القرآنية الذي نتج عن نقص الأبجدية الكوفية ولي هنا سؤال أمكتوب القرآن بالحرف الكوفي في اللوح المحفوظ أم بغيره على أن الحرف الكوفي وإن كان قديماً إلا أنه مستخرج من الأبجدية السريانية وتلك من الفينيقية.
وكان إذا أملا محمد آية على الكاتب يسارع إلى حفظها المتدينون من قومه ولكن ذلك لا يمنع من أن بعض الآيات لم يحفظها أحد أو مات الذين حفظوها. جاء في صحيح مسلم أن عائشة قالت ما معناه مما أنزل في القرآن عشر آيات في الرضاعة نهي عنها ونسخت بخمس آيات أُخر ومما لا شك فيه أن عائشة سمعت هذه الآيات في زمانها من بعض القراء ولا نجدها اليوم في القرآن.
وروى مسلم عن عمر بن الخطاب قال ما معناه أن الله أرسل محمداً بالحق وأنزل عليه الكتاب وبما أن آية الرجم مما انزله الله في هذا الكتاب رجم رسول الله ورجمنا من بعده والرجم حد الزاني وكان نص آية الرجم هكذا والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة.
ولكنا لا نجد هذه الآية في القرآن المتداول اليوم والذي نجده أن الزنى حده الجلد مائة جلدة (انظر سورة النور 24: 2-4) وروى ابن ماجة قالت عائشة أن آية الرجم والرضاعة نزلتا... وكان القرطاس المكتوبتان فيه تحت فراشي ومات رسول الله حينئذ وفيما أنا منشغلة بموته دخلت بهيمة وأكلت القرطاس وروى مسلم عن أبي موسى الأشعري أنه قال لخمسمائة من حفظة القرآن في البصرة أنا اعتدنا أن نتلو سورة تضاهي سورة براءة في الطول والشدة وقد نسيتها ولم يبق منها في بالي غير هذه الكلمات توكلت الخ واعتدنا أن نتلو سورة على المسبحة ونسيتها ما عدا قوله أيها الذين الخ.
ومن المشهور أن أبيا زاد على نسخة قرآنه سورتين قصيرتين تحت اسمين اعتباريين وهما سورة الخلع وسورة الحفظ وتسمى الأخيرة أيضاً سورة القنوت لأنه يؤكد أنهما نزلتا في القرآن وحذفهما عثمان في حين أن ابن مسعود حذف سورة الفاتحة والمعوذتين من مصحفه وقال قوم من الشيعة كان في القرآن بعض الآيات المشيرة إلى علي بن أبي طالب وحذفت عمداً من القرآن المتداول اليوم من ذلك في سورة النساء آية 136 و164 وسورة المائدة آية 71 وسورة الشعراء آية 288 وقالوا أن في سورة آل عمران آية 106 أبدلت كلمة أئمة الأصلية بكلمة أمة وفي سورة الفرقان آية 74 أبدلت العبارة الأصلية واجعل لنا من المتقين إماماً بعبارة محدثة واجعلنا للمتقين إماماً وذكروا تغييرات أخرى في سورة يوسف آية 12 والمؤمنين آية 39 أحدثوها عمداً وقد سلم الإمام فخر الدين الرازي أن في سورة هود آية 20 تختلف القراءة عن مصحف علي ففي القرآن المتداول تقرأ هكذا ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماماًورحمة وتقرأ في مصحف علي هكذا ويتلوه بين العبارتين خليق بالاعتبار عند الشيعة لما في العبارة الثانية من الإشارة إلى علي باعتبار كونه هو الشاهد وهو الإمام والرحمة وليس كتاب موسى الإمام والرحمة كما في العبارة الأولى وقال آخرون أن سورة برمتها حذفت من القرآن بالقصد وتسمى سورة النورين واقتبسها إلى آخرها مرزا محسن من كشمير ببلاد الهند في كتابه المسمى (دبستان مذاهب).
وليس غرضنا من ذكر شبهات الشيعة في ما أضيف إلى القرآن وما حذف منه إثبات هذه الشبهات أو نفيها ولكن حيث أنهم قالوا أن القرآن معجزة لرسالة محمد صار من الواجب علينا الإشارة إلى ما قاله نفس علمائهم والثقة منهم في الزيادة والنقصان اللذين اعترياه دفعاً لدعوة الإعجاز.
- عدد الزيارات: 13259