Skip to main content

هل فصاحة القرآن دلالة على الوحي؟ - بيان المنهج الذي سلكوه لجمع متفرقات القرآن من سور وآيات إلى كتاب واحد

الصفحة 2 من 4: بيان المنهج الذي سلكوه لجمع متفرقات القرآن من سور وآيات إلى كتاب واحد

نتقدم الآن إلى بيان المنهج الذي سلكوه لجمع متفرقات القرآن من سور وآيات إلى كتاب واحد ونعتمد في التحري عن ذلك على المصادر الموثوق بها عند المسلمين أنفسهم.

عن زيد بن ثابت قال أرسل إليّ أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر أن عمراً أتاني فقال أن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن استحر القتل بالقرار بالمواطن فيذهب كثير من القران وأني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت لعمر كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله قال فقال عمر هذا والله خير فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد قال أبو بكر أنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أخبرني به من جمع القرآن. قالت قلت كيف تفعلوه شيئاً لم يفعله رسول الله قال هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي حزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره لقد جاءكم رسول من أنفسكم حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر طول حياته ثم عند حفصة بنت عمر رواه البخاري كما في مشكاة المصابيح في آخر كتاب فضائل القرآن.

وذكر هذه الرواية ما عدا الجملة الأخيرة جلال الدين السيوطي (انظر تاريخ الخلفاء طبعة لاهور سنة 1304 للهجرة صحيفة 53).

ومن المحتمل أنه لم تكن وقتئذ نسخة كاملة للقرآن سوى تلك التي جمعها زيد واعتمدت كافة المسلمين في قرآنهم على حفظه في الصدور وتلاوته بالشفاه إلا بعض أجزاء منه قد كتبت حسبما تلاها الحفظة في سبع قراآت. ولما أصبح القرآن في خطر الضياع والفساد والسريان والاختلال في جميع متونه أنذر حذيفة ابن اليمان عثمان بن عفان بسوء العاقبة وذلك عندما كان منهمكاً في افتتاح بلاد الأرمن وأذربيجان وروى ذلك البخاري بما معناه يا أمير المؤمنين تدارك المسلمين قبل أن يقع الاختلاف بينهم في القرآن كما اختلف من قبلهم اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة يقول لها ابعثي إلينا بالصحف لننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فبعثتها إليها وعند ذلك انتدب الخليفة زيد ابن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الله بن الحارث بن هشام فنسخوها وقال للثلاثة القرشيين إن اختلفتم مع زيد في شيء من القرآن فاكتبوه بلغة قريش لأنه نزل بلسانهم ففعلوا ذلك حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أقليم نسخة وأصدر أمراً أن كل قرآن خالف هذه النسخة يحرق فقال شهاب أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أنه سمع زيد بن ثابت يقول لما نسخنا القرآن فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمعها من رسول الله وبعد التحري عنها وجدناها عند خزيمة ابن ثابت الأنصاري: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا والله عليه فألحقناها بموضعها ومن ذلك يتضح وجود تنقيح في النسخ القديمة المخالفة لما استنسخه هو دليل آخر على وقوع الاختلاف في نسخ القرآن ومما يزيد ذلك الدليل وضوحاً أن نسخة حفصة نفسها أمر بحرقها مروان عندما كان حاكماً على المدينة لما تحققه من الخلاف بينها وبين ما استنسخه عنها عثمان وبالرغم عن هذه الوسائط المتناهية في الشدة التي اتخذها حكام المسلمين الأول لتوحيد نسخة القرآن لم يزل فيه بعض الاختلافات التي يعبرون عنها بالقراآت كما نعلم مما نقله إلينا الأئمة والمفسرون الراسخون في العلم ومنهم البيضاوي وانظر مثلاً تفسيره لسورة آل عمران آية 100 وسورة الأنعام 91 وسورة مريم 35 وسورة القصص 48 وسورة الأحزاب 6 وسورة سبا 18 وسورة ص 22 الخ.

إلا أنه من الوجه الآخر نقول أن السبب الرئيسي الذي نستنتج منه بقاء القرآن على ما كان عليه تقريباً بعد وفاة محمد هو أنه تضمن أقوالاً كشفت الستار عن حياته الأدبية مثل (سورة الأحزاب 37 و38 و49-52) لأنه من المحال أن يجترئ مسلم على أن يلصق بنبيه تلك الوصمة المشار إليها في هذه المواضع ما لم يكن اعترف بها هو نفسه وأمر أن تُدرج طي في كتابه الذي نزل عليه من السماء (على زعمه) ويا حبذا لو اعترف بأنها خطيئة اعترافاً صريحاً واستغفر ربه لكنه ادعى أنه فعل ما فعله بموجب تنزيل العزيز الحكيم لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهُ مَفْعُولاً لهذا لم يخجل أتباعه أن يذكروا له تلك الحادثة في ما دونوه من تاريخه وبالرغم عن الاعتذارات الكثيرة التي شفعوه بها لم يتبرر أمام الناقدين المحققين فاجتنبوه واجتنبوا دينه.

وليس بين علماء المسلمين اليوم من يستطيع أن يبرر القرآن ومحمداً من تلك القصة ومهما قالوا مدافعين لا يقدرون أن يسكتوا لسان الضمير الحي عن التصريح بالحق إن لم يصرح الفم قالوا إن القرآن لمعجزة بل الآية الواحدة منه معجزة دالة على رسالة محمد الإلهية وأنه لا الملائكة ولا الأنس ولا الجن يقدرون أن يأتوا بسورة منه ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً وإن كل كلمة منه خطت بالقلم في اللوح المحفوظ بجانب عرش الله قبل أن يبرأ البرايا بعصور كثيرة من العلم بأن القصة المشار إليها كانت من ضمنه ثم أن جبريل نزل به من عند العرش إلى سماء الدنيا في ليلة القدر وبعد ذلك بلغه إلى محمد شيئاً فشيئاً حسب مقتضيات الأحوال قال ابن خلدون تأييداً لهذا اعلم أن القرآن أنزل من السماء باللسان العربي على الأسلوب الذي كان مألوفاً عند العرب للإعراب عن أفكارهم وأنزل عليه باللفظ حسب مقتضيات الأحوال ببيان وحدانية الله وشرح الواجبات المفورضة على الإنسان في هذه الدنيا وقال في غير موضع ويدلك هذا كله على أن القرآن من بين الكتب الإلهية إنما تلقاه نبينا صلوات الله وسلامه عليه متلواً كما هو بكلماته وتراكيبه بخلاف التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السماوية فإن الأنبياء يتلقونها في حال الوحي معاني ويعبرون عنها بعد رجوعهم إلى الحالة البشرية بكلامهم المعتاد لهم ولذلك لم يكن فيها إعجاز وعلى رأي هذا العالم يكون القرآن لفظاً ومعنى من عند الله بخلاف التوراة والإنجيل فإن معانيها من عند الله وأما ألفاظهما فمن عند الأنبياء والرسل الذين كتبوهما وعليه إذا اتضح لنا من البحث أن عبارة القرآن ليست من الإعجاز في شيء أو على الأقل لا دليل على إعجاز القرآن فلا يصح أن يرد علينا المسلم بقوله كذلك عبارة التوراة والإنجيل خالية من الإعجاز ولا يمكن أن تدل على كونهما صادرين من الله لأننا لم ندع قط أن عبارة كتابنا تتضمن شيئاً من الإعجاز ولا ادعينا أنها دليل على تنزيله من عند الله بل نقول عن كتابنا ما قاله ابن خلدون مما يدل على أن مسيحي عصره والعصر الحاضر على رأي واحد من جهة أسفار الكتاب المقدس وهو أن كل كاتب من كتبته استعمل عباراته الخصوصية فمنهم من كتب شعراً فصيحاً بليغاً ومنهم من كتب نثراً بسيطاً فكانت المعاني من عند الله والتعبير من عند ذلك النبي أو الزبوري أو البشير أو المؤرخ كل حسبما أمره الرب أن يكتب.

لسان قريش الذي كتب به القرآن إنما هو لسان أهل مكة لا لسان أهل الجنة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 12908