وضع الإماء في الإسلام
االفصل السابع عشر
وضع الإماء في الإسلام
يعترف الإسلام بأن للرجل أن يملك إماءً بجانب زوجته أو زوجاته، قضاءً لحاجته الجنسية. ويقدم القرآن تعداد النساء اللاتي لا يجوز للمسلم التزوج منهن، ولكنه يستثني ما يطلق عليه بما ملكت أيمانكم عن تلك القائمة: حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم، وأُحلّ لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به، من بعد الفريضة. إن الله كان عليماً حكيماً(النساء 4:32 و42).
نقرأ في تفسير الطبري أن المراد برما ملكت أيمانكم السبايا التي فرَّق بينهن وبين أزواجهن السِّباءُ، فحُللن لمن صرن له بملك اليمين من غير طلاق كان من زوجها المربي لها (1). وعن أبي قلابة عن قوله (المحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) يقول: كل امرأة لها زوج فهي عليك حرام إلا أمة ملكتها ولها زوج بأرض الحرب، فهي لك حلال إذا استبرأتها (2). عنه أيضاً عندما سئل عن معنى الآية: إذ سُبيت المرأة ولها زوج في قومها فلا بأس أن يطأها (3)، إن هذا التفسير مبني بلا شك على الروايات الواردة عن محمد بشأن السبايا: عن أبي سعيد الخدري قال: إن رسول الله بعث يوم حنين بعثاً إلى أوطاس فلتواعدوهم وقاتلوهم فظهر عليهم وأصابوا لهم سبايا، فكأن أناساً من أصحاب رسول الله تحرجوا من أجل أزواجهن من المشركين. فأنزل الله في ذلك (والمحصنات من النساء) (4). وهناك من فسر إلا ما ملكت أيمانكم بنساء أهل الكتاب (5). أما الطبري نفسه فيقول في تفسير الآية: رفواجب أن يكون كل محصنة بأي معاني الإحصان كان إحصانها حراماً علينا سفاحاً ونكاحاً، إلا ما ملكته إيماننا منهن بشراء، كما أباحه لنا كتاب الله، أو نكاح على ما أطلقه لنا تنزيل الكتاب (الله). فالذي أباحه تبارك وتعالى لنا نكاحاً من الحرائر الأربع سوى اللواتي حرمن علينا بالنسب والصهر، ومن الإماء ما سبينا من العدو، سوى اللواتي وافق معناهن معنى ما حرم علينا من الحرائر بالنسب والصهر، فإنهن والحرائر فيما يحل ويحرم بذلك المعنى متفقات المعاني، وسوى اللاواتي سبيناهن من أهل الكتابين ولهن أزواج، فإن السباء يحلهن لمن سباهنّ بعد الاستبراء وبعد إخراج حق الله (6).
فبما أن علاقة الرجل مع الإماء لا تتصل بموضوع الزواج، وأنهن لا يملكن نظرياً ما تملكه الحرائر من حقوق وأهلية، لا يوجد في المصادر الفقهية فصل مستقل بأحوالهن التي لا تهم كتاب النكاح إلا بشكل غير مباشر الأمر، الذي يمكن تفسيره بأنهن لا يُعتَبرن كأشخاص بل كممتلكات صاحبهن، كما هو الحال أيضاً في العهد القديم (7). ولهذا السبب لا يجوز عقد الزواج بينهن وبين أصحابهن. إلا أن للرجل الحر أن يزّوج إماءه أي شخص يريده دون أن يستأذنها، فهو عندئذ بمثابة وليها. وأما أولاد الأمة من هذا الزوج فيتبعون أمهم عبيداً وإماء، سواء كان والدهم حراً أو عبداً، لأنهم ملك زوج أمهم. ولصاحب الجارية أيضاً أن يتزوجها. صحيح أن الشريعة تسمح للرجل الحر بالتمتع بجميع إمائه شريطة أن يكنَّ مسلمات (أو من أهل الكتاب) وغير متزوجات، غير أنها تؤكد على الفرق الشاسع بين هذا النوع من الزواج والزواج الشرعي العادي. وما دام الرجل الحر هو صاحب الأمة بالملكية، يمنعه حق الملك من زواجها، فعليه أن يصدقها إذا أراد زواجها. وأما أولاد الأمة من صاحبها (مالكها) فيكونون أحراراً مساوين لأولاد الرجل الآخرين في جميع الحقوق (8). للرجل الحر أيضاً أن يتزوج من أمة شخص آخر إن كانت مؤمنة، إن وافق مالكها على ذلك. ولكن الشريعة تأتي بشروط إضافية لمثل هذا الزواج، لأن الأولاد من هذا النوع من الزواج لا يملكون الحرية (9).
- عدد الزيارات: 11539