الأسطورة في القرآن
الفصل التاسع: الأسطورة في القرآن
القرآن كتاب الله، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. إنه كلام الله الحق، مجمع العلوم ومنتهاها. تلك أسطورة القرآن التي بددتها ورود الأسطورة نفسها فيه!!
إن الباحث في القرآن يجده قد أورد ما ليس له صلة بالحقيقة التاريخية، فالمادة التاريخية في القرآن قد جاوزت حدود الحق إلى الخرافة، وهو ما دفع المشركين المناهضين للدعوة الإسلامية في مكة أن يقولوا إن القرآن ما هو إلا أساطير الأولين (الأنعام 6: 25). فهل وردت في القرآن أساطير؟
لا بد من إيراد آيات القرآن التي تتحدث عن الأسطورة والأساطير:
"وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الْأَّوَلِينَ وَإِذْ قَالُوا الَّلهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" (الأنفال 8: 31، 32).
بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَّوَلُونَ قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْهَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الْأَّوَلِينَ (المؤمنون 23: 81-83).
وَقَالُوا أَسَاطِيرُالْأَّوَلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرةً وَأَصِيلاً قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي ا لسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً. (الفرقان 25: 5، 6).
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الْأَّوَلِينَ (النمل 27: 67، 68).
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَّوَلِينَ (الأحقاف 46: 17).
وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَّوَلِينَ (القلم 68: 10-15).
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَّوَلِينَ (المطففين 83: 10-13).
هذه هي الآيات التي عرض فيها القرآن لهذه المسألة، ومنها نستنتج الآتي:
هذه الآيات كلها من القرآن المكي، حتى ما وُضع منها في سورة مدنية كالأنفال مثلاً، فقد نصَّ العلماء على أن الآيات المشار إليها من السورة مكية، وإن كانت السورة مدنية. والذي يُفهم من ذلك أن حديث المشركين عن أساطير الأولين في القرآن كان من أهل مكة. ولم يقل بذلك أحدٌ في المدينة بعد الهجرة إليها.
الذين قالوا هذا الرأي هم في الغالب منكرو البعث والحساب، الذين لا يؤمنون بالحياة الآخِرة. وهذا واضح من آيات سُور المؤمنون والنمل والأحقاف والمطففين .
كان المشركون يعتقدون بما يقولون اعتقاداً جازماً، وكانت الشبهة عندهم قوية. وذلك واضح من الأنفال (8: 32) الَّلهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ.
لم ينْفِ القرآنُ عن نفسه وجود الأساطير فيه، وإنما حرص على أن ينكر أن تكون هذه الأساطير هي الدليل على أنه من عند محمد وليس من عند الله، ولذلك فعند استعراض الآيات السابقة نجد:
اكتفى القرآن بوصف هذا الصنيع من المشركين في آيات الأنفال والمؤمنون والنمل والأحقاف، ولم يعقب على قولهم!!
اكتفى بتهديد القوم في آيات سورتي الأنعام والمطففين، وهو تهديدٌ يقوم على إنكارهم ليوم البعث، أو على صدِّهم الناس عن اتِّباع محمد، وليس تهديداً على قولهم بأن الأساطير قد وردت في القرآن.
ولا يعرض القرآن للرد عليهم في قولهم إنه أساطير إلا مرة واحدة: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَّوَلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرةً وَأَصِيلاً قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (الفرقان 25: 5، 6). فهل هذا الرد ينفي ورود الأساطير في القرآن؟ إنه ينفي فقط أن تكون هذه الأساطير من عند محمد، يكتتبها أو تُملى عليه، ويؤكد أنها وإن كانت أساطير فهي من عند الله!
ولذلك نُعجب من تساؤل الإمام الرازي في تفسيره لهذه الآية، إذ يتساءل: كيف يكون قول القرآن قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ (الفرقان 25: 6). إجابةً عن اتّهام المشركين للقرآن بأنه أساطير الأولين؟ . ذلك لأن المتبادَر إلى الذهن، والذي كان يتوقعه الرازي وغيره، أن يكون ردّ القرآن نفياً لهذه التهمة لا تأكيدها!
ونحن نرى أن إجابة القرآن هي الإجابة الطبيعية التي لا محيد عنها في هذا الموضوع، لأن مدار الحوار في القرآن بين محمد والمشركين لم يكن عن ورود الأساطير في القرآن، وإنما كان عن اتِّخاذهم ورودها دليلاً على أن القرآن من عند محمد لا من عند الله. ومن هنا كانت إجابة القرآن!
وهنا يطرح سؤالٌ نفسه:
لماذا انقطع القول بالأساطير عندما انتقل محمد من مكة إلى المدينة؟
- عدد الزيارات: 8502