معاملة الآخرين
الفصل التاسع
معاملة الآخرين
سوف نبحث في هذا الفصل في معاملة الإسلام ومعاملة المسيحية للآخرين والفرق بينهما مبتدئين كعادتنا في هذا الكتاب بالحديث عن الإسلام.
في الإسلام يوجد فرق شاسع ما بين معاملة المسلمين للمسلمين وبين معاملتهم لغير المسلمين كما يتضح من القرآن والحديث والسيرة.
أما بالنسبة لمعاملة المسلمين للمسلمين فإن المسلم يوصف بأنه لا يوقع الشر والأذى بغيره من المسلمين كما جاء في الحديث: "حدثنا أبو نُعيم، حدثنا زكريا عن عامر سمعتُ عبد الله بن عمرو يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" (البخاري ج 7 ص 238، رواه مسلم أيضا).
لا بد من التنويه هنا أن البعض يستشهد بهذا الحديث خطأ فيقولون: "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده". طبعا، الواضح هنا هو نهي المسلم عن أذى غيره من المسلمين وذلك لأن المسلمين أخوة كما ذكر القرآن: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن بغت إحداها على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفي (ترجع) إلى أمر الله فإن فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل والقسط إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين إخوتكم واتقوا الله لعلكم تُرحمون" (الحجرات: 9-10).
هناك أحاديث كثيرة تنهي عن أذى المسلمين للمسلمين سواء بالقول أو الفعل. مثلا يُعتبر سبّ المسلم فسقا وقتاله كفرا: "حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة عن منصور قال سمعت أبا وائل يحدث عن عبد الله قال: رسول الله صلى عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق وقتاله من الكفر" (البخاري ج 7 ص 110، رواه مسلم أيضا). وجاء في النهي عن قتال المسلم للمسلم: "حدثنا شعبة قال واقد بن عبد الله، أخبرني عن أبيه سمع عبد الله بن عُمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض." (البخاري ج 8 ص 353). وذُكر أيضا: "حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا جويدية عن نافع عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من حملَ علينا السلاح فليس منا." (البخاري ج 8 ص 352). وأكّد محمد على أن القاتل والمقتول من المسلمين في النار كما جاء في الحديث: "حدثنا عبد الرحمن بن المبارك، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب ويونس عن الحسن عن الأحنف بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل فلقيني أبو بَكَرة فقال: أين تريد؟ قلت أنصر هذا الرجل، قال: ارجع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار". قلت: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه". (البخاري ج 8 ص 355، ذكر مسلم أيضا). عذاب المسلم في النار لا يقتصر على القتل. النار هي من نصيب المسلم حتى إذا هضم حق أخيه المسلم ولو حتى في عوده كما جاء في الحديث: "حدثنا يحيى بن أيوب وقُتيبة بن سعد وعلي بن حجر جميعا عن إسماعيل بن جعفر، قال إبن أيوب: حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: أخبرنا العلاء وهو إبن عم عبد الرحمن مولى الخرقة عن معبد بن كعب السلمي عن أخيه عبد الله بن كعب عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة"، فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال: "وإن قضيبا من أرك نوع من الشجر." (مسلم ج 2 ص 157).
مما يستدعي الإنتباه أنه على الرغم من كثرة الأوامر بعدم إيقاع الأذى بالمسلمين، فإنه لا توجد وصية واحدة في القرآن ولا في الحديث تدعو المسلمين إلى محبة بعضهم البعض ناهيك عن محبتهم لأعدائهم. وإذا كانت الأحاديث السابقة صادقة فإن ملايين المسلمين منذ محمد حتى الآن قد صاروا كفارا ومصيرهم النار لقتلهم بعضهم بعضا وظلمهم لبعضهم البعض.
يُحب المسلمون في كتاباتهم وفي أحاديثهم التفاخر بالأمجاد الإسلامية وكيف نصر الله جيوش المسلمين وأذلّ أعداءهم. صحيح أن المسلمين فتحوا الأمصار والبلاد وفازوا على الفرس والرومان. ولكن الحقيقة الأخرى والتي يجب أن لا نتغاضى عنها هي أن الدارس للتاريخ الإسلامي يجد أنه تاريخ دموي على الجبهتين الخارجية والداخلية. إن السيف الذي شَرعه محمد واستله من غمده وحملَ به على أعدائه لم يرجع إلى غمده بعد. إنه سيف ذو حدين. فهو إما أن يقع على رقاب الأعداء وإما أن يرجع إلى رقاب المسلمين ولم يزل هذا السيف يعمل في رقاب المسلمين على مدى أربعة عشر قرنا. خلال التسعينات من القرن الماضي ، كان هناك ثلاثة وثلاثون حربا دائرة في العالم ، أثنتان وثلاثون منها كانت حروب اسلامية والأكثرية الساحقة من حروب اليوم والأعمال الإرهابية التي تثير اشمئزاز العالم هي إسلامية .
لو أجرينا احصائية في قتلى المسلمين لوجدنا أن الذين قتلوا على يد المسلمين لهم أكثر بكثير من الذين قُتلوا على يد غير المسلمين. وإذا كان قتال المسلم كفرا فهل كان قتلة عمر بن الخطاب كفرة؟ وهل كان عليٌّ كافرا لقَتْلِهِ عثمان؟ أو هل كان معاوية كافرا لقتله عليا؟ وهل كان الحجاج والزبير والحسن والحسين كفرة؟ وهل كان الأمويون والعباسيون والفاطميون والمماليك والسوريون والعراقيون والإيرانيون وسفاحو الجزائر والأفغانيون والمغاربة والموريتانيون والصوماليون كفرة إذ قاتلوا وقتلوا بعضهم البعض؟ يقول المثل "والحبل على الجرار".
- عدد الزيارات: 25080