Skip to main content

معاملة الآخرين - المعاملة المسيحية

الصفحة 3 من 3: المعاملة المسيحية

المعاملة المسيحية:
نبدأ هذا القسم بذكر معاملة المسيحيين المؤمنين لبعضهم البعض. لا تقتصر معاملة المؤمن المسيحي للمسيحيين على عدم الاعتداء والايذاء. لم يُعلّم المسيح: "المسيحي من سلم المسيحيون من يده ولسانه". إن علاقة المؤمن المسيحي بالمؤمن المسيحي تقوم على أساس المحبة المطلقة المضحية غير الأنانية كما وصفها الإنجيل، يقول بولس الرسول: "إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبة فقد صرت نحاسا يطن أو صنجا يرن. وإن كانت لي نبوة وأعلم جميع الأسرار وكل علم وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال ولكن ليس لي محبة فلا أنتفع شيئا؟ المحبة تتأنى وترفق والمحبة لا تحسد. المحبة لا تفاخر ولا تنتفخ. ولا تقبّح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق وتحتمل كل شيء وتصدق كل شيء. وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء." (1 كورونثوس 12: 1-7). وقد أوصى يسوع المسيح التلاميذ بالمحبة بعضهم لبعض إذ قال: "وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضا. كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضا بعضكم بعضا. بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضا لبعض." (يوحنا 12: 24-25). وهذه المحبة كما علم المسيح تتمثل في الغفران غير المحدود، حيث لا يستطيع أحد أن يغفر بلا حدود إن لم تكن محبته كاملة.
يذكر الإنجيل عن الغفران: "حينئذ تقدم إليه (إلي يسوع) بطرس وقال يا رب كم مرة يخطيء إلي أخي أخي وأنا أغفر له؟ هل إلى سبع مرات. قال يسوع لا أقول لك إلى سبع مرات بل إلى سبعين مرة سبع مرات." (متى 18: 23-26) هذه هي بعض الصفات والمزايا التي يتسم بها المؤمنون المسيحيون الحقيقيون في معاملتهم بعضهم لبعض.
والآن ماذا عن معاملة المؤمنين المسيحيين للغير؟ لقد نهى المسيح نهيا تاما عن معاملة الآخرين بالعنف كما يتضح من القصة التالية التي وقعت أحداثها عندما جاء اليهود مع الجنود الرومان لالقاء القبض على المسيح. "وفيما هو يتكلم إذا يهوذا الأسخريوطي أحد الإثني عشر قد جاء ومعه جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب والذي أسلمه أعطاهم علامة قائلا الذي أقبله هو هو أمسكوه. فللوقت تقدم إلى يسوع وقال السلام يا سيد. وقبله. فقال له يسوع لماذا جئت. حينئذ تقدّموا وألقوا الأيادي على يسوع وأمسكوه. وإذا واحد من الذين مع يسوع مد يده واستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه. فقال يسوع رد سيفك إلى مكانه لأن الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون" (متى 26: 47-52).
إن رسالة المسيح والإنجيل والمسيحية تخلو تماما من العنف. لقد علّم المسيح ليس بمحبة الأخوة فقط وإنما حتى بمحبة الأعداء. لقد علّم المسيح أتباعه بمحبة حتى أولئك الذين يعتدون عليهم ويوقعون بهم إذ قال: "سمعتم أنه قيل تحبّ قريبك وتبغض عدوّك وأما فأنا فأقول أحبّوا أعداءكم باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات. فإنه يُشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطرُ على الأبرار والظالمين. لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم. أليس العشارون (جامعو الضرائب) أيضا يفعلون ذلك. وإن سلمتم على إخوتكم فقط فأي فضل تصنعون. أليس العشارون أيضا يفعلو هكذا." (متى 5: 43-47).
أيها القارئ العزيز، بحق السماء، هل هناك ما يسمو على هذه الكلمات الرائعة التي نطق بها فم المسيح المبارك سواء كان ذلك في الإسلام أو في أي دين آخر؟ هل يستوي هذا مع ما أوحى به رب محمد في القرآن عندما قال: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم."، وأقوال أخرى كثيرة مثل: "وقاتلوهم، واضربوا منهم الأعناق والبنان" وغيرها؟
لقد رأينا فيما سبق بأن القرآن كان يُعلم مقابلة الإساءة بالمثل على مبدأ النفس بالنفس والعين بالعين…ألخ. أمّا ما علّم به المسيح فهو عكس ذلك تماما كما جاء في الإنجيل: "سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن. وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بالشر. بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا. ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا. ومن سخرك ميلا فاذهب معه إثنين" (متى 5: 38-41).
وعلّم الإنجيل أيضا بعدم الانتقام: "لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء بل أعطوا مكانا للغضب. لأنه مكتوب لي النقمة أنا أجازي يقول الرب. فإن جاع عدوك فاطعمه. وإن عطش فاسقه. لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه. لا يغلبنك الشر بل أغلب الشر بالخير" (رومية 12: 19-21). هل يجد القارئ مثل هذا التعليم في القرآن أو في حديث محمد؟ إذا كان هناك كلام يشرح الصدر فهذا ما يشرح صدر القارئ.
يُعتبر محمد في الإسلام المثال الأعلى للمسلمين في السلوك والمنهج. كذلك المسيح هو المثال الأعلى لكل من يؤمن به. فماذا فعل المسيح بالذين لم يؤمنوا به؟ وكيف تعامل معهم؟ هل أعلن عليهم الحرب والجهاد؟ حاشا وكلا. هل أرسل فرق اغتيال لقتل رجالهم ونسائهم بالغدر والحيلة؟ حاشا وكلا. هل قطع نخيلهم وأعنابهم وحرق البيوت على رؤوسهم؟ حاشا وكلا. هل قتل رجالهم واستولى على ديارهم وأموالهم وأسر الأطفال وهتك أعراض نسائهم؟ حاشا وكلا. إن المسيح لأنبل وأجل وأسمى وأرفع من كل ذلك. إنه لم يؤذي إنسانا قط. إنه لم يرفع سيفا ولا عصا على أحد. إنه لم يشتم أحدا ولا استعان بالشعراء لشتم أعدائه. إنه لم يدعو على أحد فيمتلئ رأسه قيحا ويموت. إنه لم يقد جيشا ولم يغزو ولم يسلب ولم يَسْبِ الأطفال وينتهك أعراض النساء. إنه حتى لم يركب فرسا ولا بعيرا. وبالكاد ركب حمارا. وعلى الرغم من ذلك فقد كان هو موضعا للإهانة والسخرية والاضطهاد والعذاب، وفي النهاية كان نصيبه الموت. ومع كل هذا سامح وغفر حتى للذين كانوا يعذبونه. نجد في نهاية الإنجيل وصفا حيا لما تعرض له المسيح ملخصا في ما يلي: "... فأخذعسكر يسوع إلى دار الولاية وجمعوا عليه كل الكتيبة فعروه وألبسوه رداء قرمزيا وضفروا إكليلا من شوك ووضعوه على رأسه وقصبة في يمينه. وكانوا يجثون قدامه ويستهزئون به قائلين السلام يا ملك اليهود. وبصقوا عليه وأخذوا القصبة وضربوه على رأسه. وبعدما استهزأوا به نزعوا عنه الرداء وألبسوه ثيابه ومضوا به للصلب" (متى 27: 27-31). ماذا كان رد فعل المسيح؟ لم تخرج من بين شفتيه الطاهرتين ولا كلمة شتيمة أو سباب واحد. لا بل نطق بتلك الكلمات الخالدة على مر الأجيال والعصور والتي لم ينطق بمثلها بشر غيره إلا الذين آمنوا به وعُذّبوا من أجله، وهذه الكلمات الرائعة في النبل والسمو هي: "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لوقا 23: 24). هل جاء وحي محمد بشيء من هذا؟
من الغريب والذي قد لا يعرفه الكثير من المسلمين وغيرهم أن محمدا ذكر لأصحابه ما حدث للمسيح، ولكن دون ذكر إسمه صراحة كما جاء في الحديث: "حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي، حدثنا الأعمش قال: حدثني شفيق قال عبد الله: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي أن نبيا من الأنبياء ضربوه قومه فأدموه وهو يمسح الدم على وجهه ويقول: "اللهم اغفر لقومي لأنهم لا يعرفون." (البخاري ج 507، رواه مسلم أيضا).
ألا ترى عزيزي القارئ أن هذا النبي الذي تحدث عنه محمدا لم يكن سوى المسيح نفسه، وان ما حصل له لم يكن إلا الصلب وأن ما قاله لم يُذكر إلا في الإنجيل؟ لماذا لم يذكر محمد أن هذا النبي هو المسيح؟ وإن لم يكن محمد يقصد المسيح، فمن هو هذا النبي؟ ولماذا لم يبُح محمد بإسمه إن كان يعرف من هو؟ وإن كان يعرف من هو فمن أين جاء بمعلوماته؟ أم هل يا ترى كان لمحمد بعض المعرفة بالإنجيل عن طريق ورقة وخديجة ومعارفه الآخرين من مسيحي الجزيرة العربية والشام، كما للكثيرين اليوم معرفة سطحية بالإنجيل دون أن يعرفوا أعماق الإنجيل؟
يُعرف أن الشريعة الإسلامية تبيح قتل المرتدين عن محمد والإسلام. فماذا كان موقف المسيح تجاه الذين ارتدوا عنه؟ هل أمر المسيح بقتلهم وإباحة دمائهم؟ مرة أخرى حاشا وكلا. لقد امتلأ قلب المسيح بالحزن على الذين ارتدوا عنه وتركوه ولكنه تركهم وشأنهم يذهبون حيث شاءوا. ولم يحاول إكراههم بأي وسيلة من الوسائل على الرجوع إليه وإيمانهم به وبرسالته. إن الإيمان بالمسيح وبرسالته هو إيمان طوعي محظ ليس فيه قسوة ولا إكراه. يوضح الإنجيل هذا المبدأ في التعليم المسيحي كالتالي: "بعد أن أطعم يسوع الجموع بمعجزة قال: "الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد إبن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم. ومن يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير". يواصل الإنجيل: "فقال كثيرون من تلاميذه إذ سمعوا أن هذا الكلام صعب. من يقدر أن يسمعه... من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه. فقال يسوع للإثني عشر ألعلكم أنتم أيضا تريدون أن تمضوا. فأجابه سمعان بطرس يا رب إلى من نذهب. كلام الحياة الأبدية عندك. ونحن قد آمنا وعرفنا أنك أنت المسيح إبن الله الحي." (يوحنا 6: 53-69). إن جواب بطرس هو جواب كل مسيحي حقيقي آمن بالمسيح واختبره. وهو لا يمكن أن يتركه لأنه لم ولن يوجد أعظم وأسمى وأرفع وأجل منه بين كل من ولد من امرأة منذ آدم وحتى يوم الدينونة.
لم يحاول المسيح قط كسب الأتباع بالإغراء والعطايا الجزيلة. لم يُعرف عن المسيح أنه أعطى أحدا قطيعا من الغنم بين جبلين أو مائة من الإبل أو آلاف الدراهم. حتى لو أراد المسيح أن يفعل ذلك لما كان باستطاعته حيث لم يكن يملك من متاع الدنيا إلا القليل. المسيح لم يغزو ويكسب من الإستيلاء على أموال الناس وأملاكهم ونسائهم حتى يوزعها على أصحابه وأتباعه، والحادثة التاليه تُبين المراد: "وفيما هم سائرون في الطريق قال له واحد يا سيد أتبعك أينما تمضي. فقال له يسوع للثعالب أوجرة (جحور) ولطيور السماء أوكار (أعشاش) وأما إبن الإنسان فليس له أين يسند رأسه." (لوقا 9: 57-58).
إذا تتبعنا حياة المسيح في الإنجيل نجد أنه لم يكن له حتى بيت يقيم فيه. وأكثر من ذلك فإن المسيح لم يعد الذين تبعوه بالوعود البراقة في هذه الدنيا لا بل وعدهم بالألم والضيق والاضطهاد من أجل الإيمان به كما جاء في الإنجيل: "قد كلمتكم بهذا لكي لا تعثروا. سيخرجونكم من المجامع بل تأتي ساعة يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله. وسيفعلون هذا بكم لأنهم لم يعرفوا الآب ولا يعرفوني. لكني قد كلمتكم بهذا حتى إذا جاءت الساعة تذكرون أني أنا قلته لكم." (يوحنا 16: 1-4). مما سبق يتضح بأن المسيح قد أثبط عزيمة كل من افتكر أن يتبعه طمعا في أي مكسب مالي.
لقد اتبع أتباع المسيح خطى سيدهم كما تبع المسلمون خطى نبيهم وسيدهم محمد. لم يعتدِ أتباع المسيح على أحد. لم يسبوا أو يشتموا أحدا. لم يقتلوا أو يحرقوا أحدا. لم يُجندوا العساكر ويقودوا الجيوش. لم يغزوا البلدان والأمصار ولم يستولوا على أموال أو أملاك أحد. لم يسبوا الأطفال وينتهكوا أعراض النساء ويبيعوهم في سوق النخاسة ويشتروا بأثمانهم الخيل والسلاح. إن كل ما فعله المسيحيون هو أنهم جالوا في الفيافي والقفار يكرزون بإنجيل المسيح الذي وُلِد من عذراء ومات على الصليب كفارة عن خطايا البشر، وقُبِر وقام من الأموات في اليوم الثالث بشهود عيان. ولكن النتيجة كانت وبالا عليهم.
وعلى الرغم من وداعتهم ومُسالمتهم، ورغما من أنهم لم يسفكوا نقطة دم واحدة من دماء خلق الله، فإنهم قد تعرضوا لأشنع أنواع التعذيب والاضطهاد والموت حتى يومنا هذا.
على مدى القرون سالت دماء المسيحيين سيولا في كل بقاع الأرض وأضاءت أجسادهم المشتعلة ظلمات الليل وأشبعت جثثهم وحوش الفلا. ولكن في النهاية لم تستطع السيوف والأسود والحيوانات المفترسة والصُلبان والنيران أن توقف المدّ العارم لإيمان أتباع المسيح. المد الذي طغى على قوة واحدة لأعظم امبراطورية عرفها التاريخ البشري دون أن تُسفك قطرة دم واحدة.
لقد ربح تلاميذ المسيح العالم بإيمانهم ومحبتهم ودمائهم وليس بخيولهم وسيوفهم ورماحهم. والتاريخ هو الشاهد الحق على ذلك. ومن الغريب مرة أخرى أن محمدا نفسه يشهد لما أصاب المسيحيين دون أن يذكرهم صراحة كما شهد للمسيح من قبل. يقول الراوي: "حدثنا محمد بن المُثنى، حدثني يحيى بن إسماعيل، حدثنا قيس عن خباب بن الأرث قال: شَكَونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بُردة له في ظل الكعبة. قلنا لا ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ فقال: "كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء (يحضر) بالميشار (المنشار) فيوضع على رأسه فيُشق بإثنين وما يصده ذلك عن دينه. والله ليتمنّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون." (البخاري ج 4 ص 542، رواه مسلم أيضا).
مما سبق نرى الفرق الشاسع في المعاملة بين محمد والإسلام من جهة والمسيح والمسيحية من جهة أخرى. فأي المعاملتين أسمى وأرفع وأجل وأعلى؟

الصفحة
  • عدد الزيارات: 24536