هل تنبأ الكتاب المقدس عن محمد؟
لا شك أن مجيء المسيح سبق الإنباء به في أسفار العهد القديم في مواضع كثيرة تفوت الحصر وذلك من المسلم به فإن فرضنا أن الله قصد أن يبعث إلى العالم رسولاً آخر أعظم بكثير من المسيح لا بد أن يسبق الإنباء عنه لا في أسفار العهد القديم فقط بل وفي الجديد أيضاً. وعليه يلزم بطبيعة الحال أن يبحث إخواننا المسلمون في أسفار العهدين عن النبوات التي تؤيد دعوة مؤسس دينهم
ثم إن كان محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين ومن أجله خلق الله العالمين فيكون من العجب العجاب أن لا تتقدمه النبوات لتوجيه الأنظار إليه والانقياد لأوامره ولما لم يقدر المسلمون أن ينكروا ضرورة ذلك اضطروا أن ينتحلوا من الكتاب نبوات عن رسولهم وادعوا أنه كان يوجد نبوات أخرى أكثر من هذه حذفها اليهود والنصارى.
وأما دعواهم بوقوع الحذف والتحريف في الكتاب المقدس فقد دحضناها بالدليل الساطع والبرهان القاطع في الباب الأول وأثبتنا أن الكتاب المقدس المتداول اليوم بين أيدينا هو عين الكتاب الذي كان موجوداً في عصر محمد وقبل عصره بقرون كثيرة ولم تمسسه بد المفسدين لا قبل محمد ولا بعده إذاً لا حاجة بنا إلى بينان تزييف ما ادعوه بهذا الخصوص. وأما إذا كان يوجد في الكتاب حقيقة نبوات تشير إلى محمد فيجب على كل مسيحي أن يلتزم بها ويؤمن بخاتم الأنبياء وهو مطمئن وليس لأحد منا حجة إذا اعتذر عن تلك النبوات بأن المسلمين زادوها على الكتاب يوم كان لهم السلطة على النصارى في كثير من البلدان ولكن إن ثبت أنه لا يوجد في كتابنا أية نبوة عن محمد فلا يكون من الشجاعة وحيرة الفكر أن يعتصموا بالدعوى الأولى وقد تبين فسادها كقولهم أنه كان في كتابهم نبوات عن م حمد ونحن أهل الكتاب حذفناها الخ.
على أن مجرد احتجاجهم بكتابنا على رسالة نبيهم دليل على أنهم معترفون أولاً بأنه موحى به من الله وثانياً أنه غير محرف بل باق على أصله وإلا فما الداعي الذي يحملهم على الاحتجاج بكتاب يعلمون أنه تأليف الناس فإذا اعترف المسلمون حقيقية بالمقدمتين المذكورتين يكون البحث حينئذ في الآيات التي زعموا أنها تشير إلى نبيهم بحثاً مثمراً ولذيذاً وإلا كان البحث عقيماً. ولسنا ننكر أن كثيراً منهم ذوو علم واطلاع لا يسعهم إنكار القضيتين السابقتين أي أن الكتاب المقدس موحى به وأنه باق على أصله غير إننا نرجو من حضرات القراء الكرام أن يعترفوا بصحة البراهين التي بسطناها في الباب الأول والثاني من هذا المؤلف وأنها تثبت سلامة الكتاب المقدس.
ومن المسلم أن لنا الحق أن نفسر آية في الكتاب بآية أخرى وكل مطلع خبير يعلم أن التفسير بهذه الكيفية قرين الصواب لإزالة ما عساه يرد في الكتاب من المعضلات وما يعترضبه عليه من وجوه المناظرة كما هي الحالة في أي كتاب آخر لأن الآيات الغامضة يجب أن تشرح بالآيات الظاهرة حسب موقعها في سياق الكلام. مثال ذلك إن كانت آية متأخرة تشرح آية متقدمة عليها فلا يجوز لعالم فاضل خال من التعصب أن يرفض الشرح الكتابي ويلجأ إلى تفسير غريب لا يتفق مع سياق الكلام ولا من الآيات الصريحة الواردة في المواضع الأخرى. وبهذه الكيفية التي يزكيها كل عالم فاضل نتقدم إلى فحص الآيات التي أوردها إخواننا المسلمون من الكتاب المقدس لإثبات نبوة محمد ونبدأ بآيات العهد القديم.
- عدد الزيارات: 12518