هل تنبأ الكتاب المقدس عن محمد؟ - الفصول التي يوردها المسلمون للاستدلال على نبوة محمد في أسفار العهد الجديد
ولنأت الآن إلى أسفار العهد الجديد ونفحص باعتناء ودقة الفصول التي يوردها المسلمون للاستدلال على نبوة محمد.
1 - مت 3: 2 تُوبُوا؟ لِأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ هذه كلمات يوحنا المعمدان وكررها الرب يسوع (مت 4: 17) زعم المسلمون أن ملكوت السماوات إشارة إلى مملكة الإسلام (انظر مت 13: 31 و32) وأما القرآن فهو شريعة هذه المملكة الخ ونحن نقول يجب لفهم معنى ملكوت السماوات أو ملكوت الله أن نراجع المواضع التي وردت فيها هذه العبارة ففي (مت 12: 18) قال المسيح وَل كِنْ إِنْ كُنْتُ أَنَا بِرُوحِ اللّ هِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ؟ فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللّ هِ وفي مر 9: 1 قال يسوع لتلاميذه الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ه هُنَا قَوْماً لَا يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللّ هِ قَدْ أَتَى بِقُّوَةٍ وفي مواضع أخرى يصرح بأن هذا الملكوت يبدأ به إلى حد ما في حياته ثميمتد بعد موته ويكمل بعد مجيئه ثانياً ليدين المسكونة بالعدل ويحكم بالحق والإنصاف (دا 7: 13 و14 ورؤ 11: 15) وأما في الوقت الحاضر فملكوت الله آخذ في الامتداد يومياً بواسطة الكرازة بالإنجيل ودعوة الناس للدخول فيه (مت 28: 8-20) واعلم أنه ليس ملكوت السموات نظير ممالك العالم (يو 18: 36) وأنه لا يأتي بأبهة وزخرفة عالمية (لو 17: 20) ويخص المساكين بالروح (مت 5: 3) لا المتكبرين ولا عظماء هذا الدهر الذي يبطلون ولا يقدر أحد كائناً من كان أن يتتبع لهذا الملكوت ما لم يولد من جديد ولادة روحية (يو 3: 3 و5) ومن المستحيل أن يدخل إليه الأشرار (1 كو 6: 9 و10 وغل 5: 20 و21 وأف 5: 5) ولهذه البراهين والأدلة لا مناسبة بين المملكة التي أسسها محمد وخلفاؤه وبين ملكوت السماوات.
2 - مت 17: 11 فَأَجَابَ يَسُوعُ: إِنَّ إِيلِيَّا يَأْتِي أَّوَلاً وَيَرُدُّ كُلَّ شَيْ وظن بعضهم أن قوله إِيلِيَّا يَأْتِي أَّوَلاً نبوة عن مجيئ محمد إلا أننا إذا قرأنا العدد التالي نجد أن إيليا قد أتى وعلى ذلك قوله إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ؟ بَلْ عَمِلُوا بِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا. كَذ لِكَ ابْنُ الْإِنْسَانِ أَيْضاً سَوْفَ يَتَأَلَّمُ مِنْهُمْ. حِينَئِذٍ فَهِمَ التَّلَامِيذُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ عَنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ (مت17: 12 و13) نعم أن يوحنا غير إيليا في شخصه لأن التناسخ ليس من تعاليم الكتاب المقدس لهذا لما سئل يوحنا إن كان هو إيليا أم لا أجاب لست أنا وإنما كان سابقالمسيح الذي يعد الطريق أمامه بروح إيليا وقوته (لو 1: 17) كما أنبأ جبريل أباه زكريا (لو 1: 19) وبهذا المعنى كما تنبأ ملاخي أيضاً (مل 4: 5) كان يوحنا المعمدان إيليا النبي لأن كليهما عاشا بكيفية واحدة (قابل مت 3: 4 مع 1 مل 17: 1-6).
3 - مت 20: 1-16 فسر المسلمون هذا المثل بكيفية غريبة لإثبات نبوة محمد فقالوا الفعلة الذين اشتغلوا من الصباح هم اليهود والذين اشتغلوا من الظهر هم النصارى والذين اشتغلوا في المساء هم المسلمون (1) (أن الذي فسر هذا المثل بهذه الكيفية هو محمد نفسه كما في البخاري وغيره اه مصحح) ورداً على ذلك نقول أن المساء المشار إليه في عدد 8 هو عبارة عن الوقت الذي ذكره في مت 19: 28 أي وقت التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده كأنه عنى بالمساء آخر الدهور الذي فيه يأتي الرب يسوع على سحاب السماء بقوة ومجد كثير لكي يدين الأرض (مت 24: 30 و31 ومر 13: 26 و27 ولو 21: 27 ورؤ 1: 7 و20: 11-15) يظهر صحة تفسير المساء بما ذكرناه من مقدمة المثل وخاتمته لأنه يبتدئ بتعليل السبب الذي من أجله يكون الأولون آخرين والآخرون أولين وينتهي بهذه النتيجة والآن قد أقبل المساء وكادت تغرب شمس الدهر الحاضر وكل من النصارى والمسلمين ينتظرون رجوع المسيح ثانياً ويتوقعون حدوث ذلك قريباً جداً ومتى جاء يملك على كل الأرض إلى ما شاء الله ويدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته (2 تي 4: 1) ومما تقدم يظهر أن لا فرصة في وقت المساء للعصر الإسلامي وبالتالي لا نبوة في المثل المذكور عن محمد.
4 - مت 21: 33-44 (انظر مر 12: 1-11 ولو 20: 9-18) قالوا أن المسيح انبأ في هذا المثل عن مجيء محمد وقوة بطشه. سلموا أن رب البيت هو الله وأن ابنه هو المسيح وأنه تكلم عن نفسه كأن اليهود قتلوه وكان يجب عليهم ما دام المسيح قائل هذه الأقوال أن يسلموا بها ويقروا أن المسيح ابن الله وأنه مات عن خطايا العالم لو أقروا بذلك ما كان أغناهم عن البحث في شؤون محمد ولكن إذا كانوا لا يسلمون أن المسيح هو الضارب لهذا المثل فمن العبث أن يحتجوا بكلام يعتقدون بطلانه ومما يجب ملاحظته في هذا المثل أنه من بعد إرسال الابن لم يرسل رسول آخر وحيث أنهم سلموا أن المرسلين الأولين كانوا خداماً وعبيداً لرب البيت كان الرسول الأخير الابن فليس من المعقول أنه من بعد ما أرسل الابن يمشي القهقرى ويرسل العبيد ومن هنا يظهر بطلان دعواهم مرة أخرى عدا ذلك فإن المسيح اقتبس هنا خبر الحجر الذي رفضه البناؤون (مر 18: 22) وأن بطرس الرسول صرح بأن صاحب سفر المزامير عنى بالحجر الذي رفضه البناؤون المسيح نفسه حيث يقول فَلْيَكُنْ مَعْلُوماً عِنْدَ جَمِيعِكُمْ وَجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ؟ أَنَّهُ بِا سْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ؟ الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ؟ الَّذِي أَقَامَهُ اللّ هُ مِنَ الْأَمْوَاتِ؟ بِذَاكَ وَقَفَ ه ذَا أَمَامَكُمْ صَحِيحاً. ه ذَا هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي احْتَقَرْتُمُوهُ أَيُّهَا الْبَنَّاؤُونَ؟ الَّذِي صَارَ رَأْسَ الّزَاوِيَةِ (أع 4: 10 و11 و1 بط 2: 4-8) وعليه فالبناؤون كانوا يهود عصره لا إبراهيم ولا إسماعيل اللذين بنيا الكعبة على زعمهم وقال المثل خطاباً لليهود إِنَّ مَلَكُوتَ اللّ هِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لِأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ (مت 21: 43) قالوا معنى هذا الكلام هو أن يؤخذ ملكوت الله من اليهود ويعطى للإسماعيليين إلا أن العهد الجديد يبين أنه يعطى للذين يؤمنون بالمسيح إيماناً حقيقياً الذين هم وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ؟ وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ؟ أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ؟ شَعْبُ اقْتِنَاءٍ وقال لهم لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ. الَّذِينَ قَبْلاً لَمْ تَكُونُوا شَعْباً؟ وَأَمَّا الْآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ اللّ هِ. الَّذِينَ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ؟ وَأَمَّا الْآنَ فَمَرْحُومُونَ (1 بط 2: 9 و10) وهنا تلميح لطيف إلى الأثمار التي يطلبها رب البيت من الأمة التي تتولى الكرم وورد ذلك بأكثر تصريح في كلام الرسول عن المسيح حيث يقول ا لَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لِأَجْلِنَا؟ لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ؟ وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْباً خَاصّاً غَيُوراً فِي أَعْمَالٍ حَسَنَةٍ (تي 2: 14 وغل 5: 22-24) وإلى هنا انتهينا من إظهار الأمة التي اعطى لها الكرم ألا وهي الكنيسة المسيحية والكرم ملكوت الله (مت 21: 43 يسرح عدد 41) وعليه فلا إشارة في هذا المثل إلى محمد ولا أمته كما أنه قد ثبت أن الحجر الذي رفضه البناؤون هو المسيح نفسه لا الحجر الأسود الذي بحائط الكعبة ولامحمد ولا هاجر.
وأما مقاومة المسيح وعدم الرضوخ له فأبان المثل أنه هو الأمر المثير لسخط الله وحلول نقمته على أعدائه وقد تم شيء من ذلك عند خراب أورشليم وتمثيل الرومان باليهود تمثيلاً فظيعاً في سنة 70 للميلاد أو بعد صلب المسيح بنحو أربعين سنة وظن بعض المسلمين أن المراد برب البيت المشار إليه في المثل هو محمد ولكن ذلك ما لا يمكن إثباته لأن المسيح في عدد 37 بحسب ما جاء في المثل كان ابن رب البيت ولا يتصور أحد أن المسيح ابن محمد وعليه فلا يمكن تطبيق هذا المثل على ما زعمه المسلمون وإثبات دعواهم إلا بثلاثة أشياء الأول تحريف المثل الثاني إغفال القرينة وسياق الكلام والثالث إغفال النصوص الكثيرة الواردة في أسفار العهد القديم والعهد الجديد.
5 - وَكَانَ يَكْرِزُ قَائِلاً: يَأْتِي بَعْدِي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي؟ الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَنْحَنِيَ وَأَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ (مر 1: 7) قالوا أن الإنجيل كلام المسيح وهذه الآية من الإنجيل فهي من كلام المسيح وعليه يكون المسيح أنبأ بمجيء نبي أفضل منه بكثير هو محمد. من تأمل هذه الأقوال على إثبات نبوة نبيهم وذلك لأن عدد 6 أي ما قبل آية الاستدلال يصرح باسم القائل لها ألا وهو يوحنا المعمدان لا يسوع وصرح يوحنا في (يو 1: 16-34) أن الآتي بعده هو المسيح لا محمد ومن ذلك قوله وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: هُوَذَا حَمَلُ اللّ هِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ. ه ذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ يَأْتِي بَعْدِي؟ رَجُلٌ صَارَ قُدَّامِي؟ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي (يو 1: 29 و30 انظر مت 13: 11-14 ولو 3: 16 و17) فإذا قيل أن يسوع كان معاصراً ليوحنا فلا يصح أن يقول عنه أنه يأتي بعده فنجيب وإن كان معاصراً له إلا أنه لم يبدأ بخدمته كرسول إلا من بعد طرح يوحنا في السجن (مر 1: 14 ومت 4: 12 و17) وانتهاء خدمته لأن هيرودس ملك اليهود أمر بقطع رأسه.
6 - يو 1: 21 فَسَأَلُوهُ: إِذاً مَاذَا؟ إِيلِيَّا أَنْتَ؟ فَقَالَ: لَسْتُ أَنَا. أَلنَّبِيُّ أَنْتَ؟ فَأَجَابَ: لَا قال المسلمون أن نبيهم قد ذكر في هذه الآية وذلك لأن اليهود سألوا يوحنا المعمدان متحرين عن ثلاثة أنبياء بالتوالي المسيح وإيليا والنبي ولم يخالفهم في ما سألوا عنه فاستنتجوا من ذلك أن النبي المشار إليه هنا لا هو إيليا ولا هو المسيح بل محمد كذلك النبي الذي تنبأ عنه موسى (تث 18: 18) هو محمد لا المسيح ولا إيليا ورداً عليهم نقول أما من حيث النبي الذي كتب عنه موسى (تث 18: 18) فقد أثبتنا في ما تقدم أنه لا يمكن أن يكون محمداً وإنما هو المسيح راجع ذلك في موضعه وعليه فالنبي المشار إليه في سؤال اليهود ليوحنا المعمدان هو المسيح بذاته وسأل اليهود عن الثلاثة مبتدئين بالأخير إلى الأول باعتبار ترتيب زمان ظهورهم فقالوا ليوحنا أنت المسيح ظناً منهم ربما يكون إياه فلما أنكر يوحنا كونه المسيح عادوا فسألوه إن كان هو سابقه إيليا (مل 4: 5 ومت 17: 10 ومر9: 11) فأنكر أيضاً كونه إيليا بالذات لأنهم كانوا ينتظرون أن يرجع إيليا بنفسه إلى الأرض في آخر الزمان مع أن يوحنا وإن لم يكن إيليا بالذات لكنه جاء بروحه وقوته لإعداد طريق المسيح كما تقدم الكلام (راجع مل 4: 5 بالمقابلة مع مت 11: 14) ولما لم يفهم اليهود من هو يوحنا المعمدان إذا لم يكن المسيح ولا إيليا حاروا في أنفسهم والتجأوا إلى رأي آخر للمسيح وليس من المعقول ولا المحتمل أن يكون سؤالهم ليوحنا عن نبي يأتي بعد المسيح بمئات من السنين حالة كون المسيح نفسه لم يكن قد ظهر بعد ولهذا يلزم أن يكون سؤالهم أما عن المسيح أو أحد سابقيه لا عن نبي يأتي بعده.
7 - يو 4: 21 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: يَا امْرَأَةُ؟ صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ؟ لَا فِي ه ذَا الْجَبَلِ؟ وَلَا فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلْآبِ بنى بعض المسلمين علىهذه الآية أن أورشليم من ذلك الوقت فصاعداً لا تكون قبلة للمصلين ويحل محلها الكعبة إلا أن عدد 23 و24 التاليين لهذه الآية يظهران ما قصده المسيح بقوله لَا فِي ه ذَا الْجَبَلِ؟ وَلَافِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلْآبِ فإنه علمنا أن العبادة التي تحوز القبول عند الله لا تتوقف على المكان التي نقدم فيه بل تتوقف علىحالة قلب العابد وقضى قضاء مبرماً على كل ما يقال له قبلة للصلاة بعد ذلك التاريخ.
8 - يو 14: 30 لَا أَتَكَلَّمُ أَيْضاً مَعَكُمْ كَثِيراً؟ لِأَنَّ رَئِيسَ ه ذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ قال المسلمون أن رئيس العالم الذي بشر بمجيئه المسيح إنما هو محمد ورداً عليهم نقول يظهر من سياق الكلام والقرينة أن المسيح لم يعن برئيس العالم هنا نبياً ولا رسولاً بل عنى إبليس بدليل قوله ليس له فيّ شيء فإن هذه العبارة لا تشير إلى حبيب موال كشأن النبي إلى زميله النبي بل تشير إلى عدو مقاوم وورد في مواضع كثيرة من الكتاب المقدس ذكر إبليس موسوماً بألقاب فخمة من ذلك قوله اَلْآنَ دَيْنُونَةُ ه ذَا الْعَالَمِ. اَلْآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ ه ذَا الْعَالَمِ خَارِجاً (يو 12: 31) وقوله ا لَّذِينَ فِيهِمْ إِل هُ ه ذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ لِئَلَّا تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ الخ (2 كو 4: 4) ودعي إبليس رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ؟ الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الْآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ (أف 2: 2 و6: 12 و12).
9 - (يو 14: 16 و17 و26 و15: 26 و16: 13 الخ) يجزم المسلمون أن كلمة البارقليط المترجمة المعزي يجب أن تترجم محمد وعليه يكون المسيح تنبأ عن محمد في هذه الآيات ويقولون أن القرآن الذي جاء به هو من عند جبريل وهو عندهم الروح الأمين أي الروح القدس وأنه شهد للمسيح (يو 15: 26 ومجده يو 16: 14) كما مجده القرآن وذلك لأن القرآن رفع مقام المسيح كمولود من عذراء وكنبي ورسول مؤيد بالمعجزات والآيات وقال أنه صعد إلى السماء حياً وأن الله آتاه الإنجيل ونفى عنه البنوة لله التي زعمتها النصارى الخ وقالوا أيضاً أن النصارى الأولين فهموا من أقوال المسيح بخصوص إرسال البارقليط أن نبياً آخر عظيماً سيأتي بعده بدليل أن رجلاً يسمى ماني الفارسي ادعى أنه الروح القدس بعد المسيح ببضعة قرون وراجت دعوته عند بعضهم استناداً على هذه النبوة إلى آخر ما قالوا. أما نحن فنقول ليس أحد خبيراً بالإنجيل يقدر أن يستنتج من كلام المسيح عن إرسال الروح ما استنتجه إخواننا مما ورد في (يو 14 و15 و16) وذلك لما يأتي. أولاً أن كلمة بارقليط لا تعني محمداً بل تعني المعزي أو المؤيد كما في قوله وأيدناه (المسيح) بروح القدس (قرآن) أو الوكيل وهذه لا تناسب محمداً مطلقاً لأن المعنى الأول أي المعزي لا يلائم حامل السيف بل هما ضدان والمعنيين الأخيرين المؤيد والوكيل لا يصح إسنادهما إلى مخلوق كائن ما كان لأنهما من ألقاب الله سبحانه وتعالى كما ورد في القرآن وما أرسلناك عليهم وكيلاً (سورة الأسرى عدد 55 وسورة النساء عدد 80). ثانياً أن كلمة البارقليط لم تستعمل في أسفار العهد الجديد إلا للدلالة على الروح القدس (يو 14: 16 و17 و26 و15: 26 و16: 13) وجاءت أيضاً للتلميح إلى المسيح (يو 14: 16 وانظر 1 يو 2: 1). ثالثاً أن البارقليط حسبما ورد في هذه الآيات لا يمكن أن يكون إنساناً ذا روح وجسد بل هو روح محض غير منظور وروح الحق الذي عندما تكلم المسيح عنه بأنه يأتي كان أي الروح حينئذ ماكثاً مع التلاميذ (يو 14: 17 و16: 14). رابعاً أن الذي يرسله هو المسيح كما في (يو 15: 26 و16: 17) وإخواننا المسلمون لا يقبلون على محمد أن يكون رسول المسيح. خامساً كان محمد رجل حرب وغزو يفتح البلاد بسيفه ويدوخ العباد بجيشه وأما الروح القدس فعمله أن يبكت العالم على الخطية وجوهر الخطية عدم الإيمان بالمسيح (يو 16: 9) فما أعظم الفرق. سادساً قيل عن الروح القدس أنه متى جاء يمجد المسيح لا يمجد نفسه لأنه يأخذ مما للمسيح ويخبرنا (يو 16: 14 و15) سابعاً أن محمداً والقرآن ينكران بنوة المسيح لله وقد صرح أنه ابن الله بقسم (في مر 14: 61) وكذا ينكران لاهوته مع كونه مثبوتاً في كل أسفار العهد القديم (إش 9: 6 ومز 45: 6) والعهد الجديد (يو 10: 30 وعب 1) وبناء عليه لا يكون محمد وقرآنه ممجدين للمسيح بل مضادين له على خط مستقيم وبالتالي لا يكون محمد الروح القدس كما زعموا. ثامناً أن محمداً وقرآنه ينكران صلب المسيح الذي به صار التكفير عن خطايا العالم وبهذا قد أنكرا حقيقة جوهرية من اعظم حقائف الكتاب المقدس (انظر مز 22: وإش 52: 13-53 كله ومت 20: 19 الخ) التي يترتب عليها خلاص الجنس البشري. تاسعاً أن إنكار المسيح يترتب عليه إنكار قيامته التي هي رجاء جميع المسيحيين (1 كو 15: 17-19) وحيث أن محمداً يخالف الإنجيل في هذه النقط الرئيسية وغيرها ويعارض التعاليم التي أمر رسله أن يكرزوا بها للعالم (مت 28: 20) فلا يصح أن يقال عنه أنه متمم لنبوة إرسال الروح القدس الذي إنما جاء ليذكر التلاميذ بكل ما قاله لهم المسيح (يو 14: 26). عاشراً أن احتجاجهم بما ادعاه ماني من أنه الروح القدس وتطبيقهم دعوة محمد على قول ماني دعوة باطلة وشاهد زور وإذا كان احد منا يضاهي بين محمد وماني وبين قرآن الأول وكتاب الآخر الذي ادعى محمد أنه جاء به من السماء وأنه ليس في طاقة البشر أن يأتوا بمثله ولم يأتوا بمثله لجرحنا إحساسات إخواننا المسلمين وأغضبناهم ولكن ليكن معلوماً أن كاتب هذه السطور يتحاشى على قدر إمكانه أن يبدي مضاهاة كهذه احتفاظاً بالسلام.
واعلم أن المطلعين من المسيحيين رفضوا دعوة ماني بأنه الروح القدس لجملة أدلة منها أن النبوات المتعلقة بالبارقليط لا تشير إلى إنسان بل إلى روح. ومنها أن هذه النبوات تمت بعد صعود المسيح ببضعة أيام وذلك بحلول الروح القدس على المائة والعشرين مسيحياً الذين كانوا يسبحون الله في العلية في مدينة أورشليم وأخذوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح القدس أن ينطقوا (راجع أع 2: 1-36). ومن هنا يظهر أن تعليم العهد الجديد في عصر ماني هو كما في العصر الحاضر والمسيح وهو على الأرض أخبر بظهور أنبياء كذبة وذلك في مواضع كثيرة من الإنجيل وحذرنا من الانقياد لأي نبي يأتي بعده (مت 24: 11 و24 ومر 13: 22 قابل مت 7: 15). لهذا عندما ظهر ماني وادعى النبوة رفضه مسيحيو عصره بناء على ما سبق التحذير منه في الإنجيل واعتبروه نبياً كذاباً كما يعتبر إخواننا المسلمون. حادي عشر أن البارقليط قيل عنه أنه سيسكن في قلوب المسيحيين الحقيقيين (يو 16: 14 قابل 1 كو 6: 19 ورو 8: 9) وهذا لا يمكن أن يصدق على محمد. ثاني عشر قد وعد المسيح بأن الروح القدس (يو 14: 26) يجب أن ينزل من السماء على التلاميذ بعد صعوده بأيام قليلة وأمرهم أن لا يباشروا خدماتهم كرسل (مت 28: 19-20) حتى يحل عليهم الروح القدس (اع 1: 25) وبناء على أمره مكثوا في أورشليم إلى أن تم هذا الوعد (انظر لو 24: 49 وأع 1: 4 و8 و2: 1-36) فهل تظنون أن مراد المسيح أن ينتظر تلاميذه بدون أن يمارسوا عملهم مدة ستمائة سنة إلى أن يأتي محمد؟ هذا محال وعليه فلا تشير النبوة هنا إلى محمد بوجه من الوجوه بل إلى الذي تم يوم الخمسين بعد صعود المسيح بأيام قليلة كما قدمنا ذكره (انظر أع ص 2) ومن بعد ذلك الوقت نالت جماعة الرسل قوة فائقة وحكمة واسعة وجالوا يكرزون بالإنجيل في الأرض كلها.
10 - 1 يو 4: 2 و3 بِه ذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللّ هِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللّ هِ؟ وَكُلُّ رُوحٍ لَا يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَلَيْسَ مِنَ اللّ هِ ظن بعض المسلمين أن قوله روح الله يشير إلى محيد بدليل أنه اعترف بأن المسيح قد جاء في الجسد كما تقول الآية ومعنى ذلك عندهم هو حيث أن محمداً أنكر لاهوت المسيح في الجسد وصرح أنه إنسان كسائر الناس يكون قد اعترف بأن المسيح قد جاء في الجسد مع أن قوله جاء في الجسد يراد به نفي ضلالة ظهرت في ذلك الوقت ألا وهي أن جسد المسيح لم يكن جسداً حقيقياً بل خيالياً لأنه إذ كانوا يعتقدون بأنه إله شق عليهم أن يؤمنوا أيضاً بأنه ذو جسد حقيقي وعللوا أعراضه الجسدية المذكورة في الإنجيل مثل كونه أكل وشرب وتعب ونام واستيقظ ومات وقام الخ من قبيل التصورات الخيالية التي لا وجود لها في الحقيقة فإذا قيل لهم كان المسيح يأكل الطعام فكيف لا يكون جاء في الجسد أجابوك لم يأكل المسيح ولم يشرب حقيقة ولكن شبه لهم وإذا قيل لهم كان المسيح ينام وينتبه من النوم قالوا كلا بل شبه لهم فدفعاً لشر هذه الضلالة أنذرنا الوحي على لسان يوحنا الرسول بأن كل من يعترف بأن المسيح جاء في الجسد أي يعترف بأن أعراضه الجسدية التي ذكرت في الإنجيل كانت حقيقية فهو من الله وكل من ينكر كونه جاء في الجسد أي ينكر كون أعراضه الجسدية كانت حقيقية فليس من الله ومحمد أنكر موت المسيح وهو من أعظم أعراضه الجسدية وكانت طريقة إنكاره مثل طريقة أصحاب تلك الضلالة بمعنى أنه حول واقعة الحال إلى واقعة خيال فقال ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم فتأمل.
11 - يه 14 و15 وَتَنَبَّأَ عَنْ ه ؤُلَاءِ أَيْضاً أَخْنُوخُ السَّابِعُ مِنْ آدَمَ قَائِلاً: هُوَذَا قَدْ جَاءَ الرَّبُّ فِي رَبَوَاتِ قِدِّيسِيهِ لِيَصْنَعَ دَيْنُونَةً عَلَى الْجَمِيعِ؟ وَيُعَاقِبَ جَمِيعَ فُجَّارِهِمْ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ فُجُورِهِمُِ الَّتِي فَجَرُوا بِهَا الخ تجرأ بعض المسلمين وقالوا أن الرب في هذه العبارة يراد به محمد وقوله يصنع دينونة يشير إلى كونه متقلداً بالسيف ومثيراً للحرب على أعدائه ولكن لا مسلم حقيقي يقدر أن يسند لقب الرب إلى مخلوق كائناً من مكان لأنه من ألقاب الله انظر سورة التوبة آية 22) والحقيقة أن أخنوخ تنبأ عن المسيح باعتبار مجيئه الثاني عندما يملك على الأرض (ودا 7: 13 و14 ومت 24: 29-51 و2 تس 1: 6-10 ورؤ 1: 7 و19: 11-21) واسم الرب من ألقاب المسيح التي كثر إسنادها إليه في أسفار العهد الجديد وأسندت إليه بحق كما نعلم من في 2: 9-11.
12 - رو 2: 26-29 وَمَنْ يَغْلِبُ وَيَحْفَظُ أَعْمَالِي إِلَى النِّهَايَةِ فَسَأُعْطِيهِ سُلْطَاناً عَلَى الْأُمَمِ؟ فَيَرْعَاهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ؟ كَمَا تُكْسَرُ آنِيَةٌ مِنْ خَزَفٍ؟ كَمَا أَخَذْتُ أَنَا أَيْضاً مِنْ عِنْدِ أَبِي؟ وَأُعْطِيهِ كَوْكَبَ الصُّبْحِ الخ قالواأن هذا نبوة عن محمد بدليل أنه حارب الأمم بسيفه وأخضع كثيراً منهم تحت سلطانه فإن صحت دعواهم ينتج أن محمداً استمد هذه القوة والسلطان من المسيح جزاء له على تمسكه بوصاياه وحفظه أعماله إلى النهاية وبالتالي كان مقامه دون مقام المسيح إلا أن إخواننا المسلمين لا يرضيهم ذلك ولا يرضيهم أن يكون مقامه كمقام المسيح بل أعظم منه كيف لا وهو عندهم خاتم الأنبياء وسيد المرسلين والحقيقة هي أن من يراجع الأصحاح الثاني والثالث من هذا السفر يجد أن المتكلم هو المسيح يحرض أعضاء الكنائس السبع على الغلبة واعداً من يغلب بأحسن الجزاء وكرر ذلك سبع مرات فلا يشير إلى محمد ولكنه يتكلم كلاماً عمومياً لترغيب شعبه في الغلبة لا غلبة السيف والسهم بل غلبة الخطية والجسد والعالم والشيطان.
إلى هنا انتهينا من النبوات الواردة في أسفار العهد القديم والعهد الجديد التي خالها المسلمون تشير إلى محمد ورأينا أن لا نبوة منها تشير إليه وعدا ذلك علمنا من الإنجيل تمام العلم أن لا تكاب يلي الإنجيل ولا نبي يأتي بعد المسيح والعصر الوحيد الآتي هو رجوع المسيح من السماء ليملك على الأرض الملك الدائم وعلى ما تقدم سقطت دعوى محمد بالرسالة من الله سقوطاً ليس من ورائه مجال للشك.
حقاً أن بعضاً من المسلمين اندهشوا عندما قرأوا عن الجراد في (رؤ 9: 3 و4) حيث يقول وَقِيلَ لَهُ أَنْ لَا يَضُرَّ عُشْبَ الْأَرْضِ وَلَا شَيْئاً أَخْضَرَ وَلَا شَجَرَةً مَا؟ إِلَّا النَّاسَ فَقَطِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ خَتْمُ اللّ هِ عَلَى جِبَاهِهِمْ لأنهم يقصون علينا أنه حدث في زمن خلافة أبي بكر الصديق أنه زود جنوده عندما ساروا لفتح الشام بأوامر تمت معها هذه النبوة حرفياً وأنه مما يستحق الأعتبار أن نجد اثنين من مؤرخي المسلمين لا يعلمان غالباً بهذه النبوة يرويان لنا حديثاً يذكرنا بها قال جلال الدين السيوطي لما بعث أبو بكر الصديق ابن أبي سفيان لفتح الشام أمره أن لا يقتل امرأة ولا طفلاً ولا شيخاً ولا يقطع أشجاراً منتجة ثماراً ولا يتلف أرضاً مزروعة ولا ينحر شاة ولا دابة إلا ما دعت إليه حاجة الطعام ولا يقلع نخلة منتجة ولا يحرقها قبل قلعها ولا يغدر بأحد ولا يخشى أحداً وروى الواقدي الرواية عينها بأكثر تفصيل قال أمر أبو بكر الصديق يزيد ابن سفيان أنه إذا ظفر بأعدائه لا يذبح ولداً ولا شيخاً ولا امرأة ولا طفلاً ولا يقرب نخلة ولا يحرق مزرعة ولا يقلع أشجاراً مثمرة ولا ينحر ماشية إلا لضرورة الطعام ولا يغير ما اتفق عليه ولا ينقض محالفة صلح وإذا مر بأديرة الرهبان الذين انقطعوا لعبادة الله يدعهم وما انقطعوا إليه لا يقتلهم ولا يهدم أديرتهم وأما إذا مر بتلك الطائفة التي تعبد الشيطان والصلبان ذوي الرؤوس المحلوقة من الوسط يضربهم بسيفه إلى أن يعتنقوا دين الإسلام أو يدفعوا الجزية وهم صاغرون.
لا شك أن المشابهة عظيمة بين ما ورد في سفر الرؤيا وبين ما أمر به أبو بكر جنوده ولكن لم ترد إشارة إلى نبي ما في ذلك الموضع مما يؤيد دعوة محمد كما أنه لا مسلم خبير يقدر أن يستشهد بالآيات المذكورة ولو سلمنا أنها نبوة عما تم بعد موت محمد بجلمة سنين
- عدد الزيارات: 12553