Skip to main content

بيان مختصر لمشتملات التوراة

الصفحة 1 من 4

بيان مختصر لمشتملات التوراة

يتألف الكتاب المقدس من قسمين : أسفار العهد القديم وأسفار العهد الجديد.ويُطلق على القسم الأول اسم التوراة والأخير اسم الإنجيل، لأن القسم الأول يبتدئ بشريعة موسى، والثاني يبتدئ بالأناجيل أي البشائر الأربع.
وكنا قد بينا فيما تقدم أن اليهود قسموا أسفار العهد القديم إلى ثلاثة أقسام رئيسية: التوراة -الشريعة- والأنبياء، والصحف وتُسمى الأخيرة بالمزامير لأنه يبتدئ بها، وكُتبت أسفار العهد القديم جميعها باللغة العبرانية، ماعدا إصحاحات قليلة كُتبت بالآرامية، أما أسفار العهد الجديد فلغتها الأصلية اليونانية. وحفظ اليهود توراتها باللغة
الأصلية بكل دقة وعناية إلى الوقت الحاضر وأخذها عنهم النصارى من بدء تاريخ الديانة المسيحية بأمر المسيح نفسه - بشارة متى 5 :17 و21 :42 و26 :54 ومرقس 12 :24 ولوقا 24 :27 و45 ويوحنا 5 :39 الخ -ولهذا فأسفار التوراة التي نستعملها اليوم هي ذات الأسفار التي كانت بأيدي اليهود في بلاد فلسطين في عصر المسيح وفي كل مكان وزمان.
يتضمن العهد القديم الوحي الإلهي الذي كتبه الأنبياء والمرسلون إلى زمن المسيح وأكثر الأسفار متوَّجة بأسماء الذين كتبوها ما عدا القليل منها حيث يُعرف كاتبوها من التقاليد القديمة. ومع ذلك فإن شهادة المسيح لها وتصديقه عليها كما صرح القرآن لا يدع سبيلاً للارتياب فيها. وقد قسم العهد القديم في العصور السالفة إلى اثنين وعشرين سفراً على عدد حروف الهجاء العبرانية، وتقسم في الوقت الحاضر إلى أربعة وعشرين سفراً بفصل راعوث عن سفر القضاة وفصل مراثي ارميا عن سفر نبوته واعتبارهما سفرين كلّ على حدة. وقد جرت عادة أكثرهم أن يقسموا الأسفار إلى سفرين أول وثان،وهي صموئيل والملوك وأخبار الأيام. ويقسم سفر الأنبياء الإثني عشر إلى اثني عشر سفراً صغيراً، فبلغت الأسفار بموجب هذا التقسيم الأخير تسعة وثلاثين سفراً، وهو التقسيم الذي اعتمد عليه المسيحيون. وأظن أن مسألة التقسيم لا يعلق أحد عليها أهمية كبيرة مثل تلك التي يكون لها مساس بالمتن الأصلي.
فتوراة موسى أو أسفار شريعة موسى الخمسة - التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية-يسجل الوحي تاريخ خلق العالم والإنسان، وكيف عصى آدم ربه وسقط في الخطية وجلب الموت على نفسه،وكيف أن الله الكلي الرحمة والجود وعد أن يرسل مخلّصاً إلى العالم يولد من نسل المرأة - سفر التكوين 3 :15- ولما توغل العالم في المعاصي والفجور أهلك الله بني آدم أجمعين ما عدا نوح وأهل بيته، إلا أنه من بعد الطوفان عادت ذرية نوح إلى فعل الشر وسقطت في عبادة الأوثان بالتدريج، إلى أن لم يبق بينهم من يعبد الإله الحق إلا إبراهيم،فاختاره الله واتخذه خليلاً لأنه آمن به. وعند ذلك وعده بأن المخلّص سيأتي من نسل ابنه إسحاق، وكان لإسحاق ابنان اصطفى الله منهما يعقوب وسمّاه إسرائيل وجدّد معه عهده ووعده الذي وعد به إبراهيم، وهو أن بنسله تتبارك جميع قبائل الأرض. وفي سبيل إنجاز ذلك الوعد الكريم أرسل الله الأنبياء من ذريته دون الشعوب الأخرى كما يعترف بذلك القرآن "وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُّوَة"َ - سورة الجاثية 45 :15 وذلك حتى
تكون نبواتهم فصل الخطاب في تعريف المخلّص الآتي وتقديمه للعالم.
كانت الحالة تقتضي قبل إنجاز الوعد أن يتدرب بنو إسرائيل على الشؤون الدينية ويتخرجوا فيها حتى يصلحوا أن يكونوا فيما بعد أساتذة المسكونة، وكذا قضت التدبيرات الإلهية وكانت الخطوة الأولى أن ينزل الأسباط إلى مصر وهم نفر قليل، ولم يمض عليهم أربعمائة سنة حتى صاروا شعباً عظيماً يعد بمئات الألوف. فخشي فراعنة مصر عاقبة نموهم السريع، واتّخذوا الوسائل لإبادتهم، وسخروهم في الأعمال الصعبة المضنية للجسم، فأخرجهم الله على يد موسى سنة 1320 ق. م. أو سنة 1314 بموجب الحساب اليهودي وأظهر لهم الله مجده على جبل سيناء، وأعطاهم الوصايا العشر وغيرها مما هو مدون في التوراة. ومن ضمن غايات شريعة موسى إنارة أذهان الشعب ليفقهوا موضوعاً غاية في الأهمية كان مجهولاً في ذلك العصر ولا يزال مجهولاً إلى وقتنا الحاضر عند الجانب الأعظم من سكان العالم، ولا يعرفه إلا اليهود والنصارى، ألا وهو قداسة الله. ومن غايات الشريعة أيضاً فرز اليهود عن الأمم واعتزالهم عنهم في كل شؤون الدين والدنيا، وكانت الحكمة في ذلك حفظ الإعلانات الإلهية من أن يشوبها شيء من رجاسات الأمم وعاداتهم فيختلط الحق بالباطل، فاقتضت الحكمة الإلهية اعتزال أمة إسرائيل لتبقى شرائعهم على حالها إلى أن يأتي المسيح الذي هو روح النبوة والشرع وخلاصة الوعود والعهود، لن تكون هناك ضرورة لبقاء الحجاب الفاصل بين اليهود والأمم، بل يجب إزالته لأنه يكون قد جاء المسيح مشتهى كل الأمم الذي له تخضع شعوب الأرض.
وبعد أن انقضت أربعون سنة على بني إسرائيل بين حط وترحال في برية سيناء المعروفة بأرض التيه، أدخلهم الله أرض كنعان أو أرض الميعاد، وفي القرآن الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم، وفي سفر يشوع ذكر فتح بني إسرائيل لأرض كنعان وإبادة كثير من شعوبها الوثنية جزاء لهم على توغلهم في كل معصية، مثل تقديم أطفالهم ذبائح لأوثانهم، وانغماسهم في الفسق والفجور تكريماً لمعبوداتهم المشهورة بتلك القبائح. أما شعب إسرائيل فقد ملكوا الأرض إنجازاً لوعده تعالى إلى خليله إبراهيم.
وفي سفر القضاة وراعوث وسفري صموئيل والملوك وأخبار الأيام نجد تاريخ الوقائع الرئيسية التي وقعت لشعب إسرائيل من ذلك الحين إلى السبي البابلي. وحدث مراراً كثيرة في غضون المدة التي أقاموها في أرض كنعان أنهم سقطوا في وثنية بقايا الشعوب الأصليين، فجازى الله شعبه بأن سلط عليهم الوثنيين فقهروهم وكدروا صفو حياتهم
إلا أنه كلما تابوا إليه ورجعوا إلى عبادته تعالى نصرهم على أعدائهم نصراً باهراً على أيدي أفراد اصطفاهم من بينهم.

مسح الله داود ملكاً عليهم
الصفحة
  • عدد الزيارات: 10798