بيان مختصر لمشتملات التوراة - تتفق أسفار العهد الجديد مع أسفار العهد القديم في تعيين طريق الخلاص
وبالإجمال تتفق أسفار العهد الجديد مع أسفار العهد القديم في تعيين طريق الخلاص الذي به تتبارك كل الأمم (تكوين 28 :14) ألا وهو الإيمان بنسل المرأة الموعود به (تكوين 3 :15) الذي وُلد من العذراء مريم (لوقا 1 :7 و 16) وانظر القرآن سورة الأنبياء 21 :91 وسورة التحريم 66 :12 ليخلّص شعبه من خطاياهم (بشارة متى 1 :21) الذي بذل حياته فدية عن كثيرين (أشعياء 53 :10 و11 ومتى 20 :28) وقام لأجل تبريرنا (مزامير 16 :9-11 وأعمال 2 :22-36 ورومية 4 :25) والذي به وحده يقدر الإنسان أن يبلغ إلى معرفة الله الحقيقية (يوحنا 14 :6) وينال الخلاص الأبدي (أعمال 4 :12).
ومن هذا نعلم أن الوعد الذي وعد به الله منذ ألوف السنين آدم وابراهيم واسحق ويعقوب وداود قد أنجزه وصار ممكنا للإنسان أن يعتق من عبودية الخطية والشيطان وتعتق الأرض وتتغير حالتها إلى حالة السعادة والكمال أعظم بكثير مما كان قبل سقوط آدم في الخطية.
فأسفار العهد القديم والجديد معاً إنما هي إعلان واحد من لدن الله، أما العهد القديم فيشرح لنا كيف دخلت الخطية إلى العالم وكيف وعد الله بالخلاص منها. وأما العهد الجديد فيشرح كيف أكمل الله ذلك الوعد وكيف قدم المسيح حياته كفارة عن خطايا العالم (الرسالة الأولى
ليوحنا 2:2) "ليهب الخلاص لكل من يُقبل إليه إقبالاً حقيقياً" (بشارة متى 11 :28 ويوحنا 6 :37).
أما من جهة الأنبياء والرسل فنؤمن أنهم مفوضون من عند الله لتعليم وتبشير العالم، فليسوا هم ملوكاً ولا ولاة، بل منذرين ينذرون الناس أن يتوبوا عن خطاياهم ويرجعوا إلى الله الحي، كما أنهم ليسوا بمعصومين من الخطية، وأنه لم يعش أحد معصوماً من الخطية سوى المسيح، ولنا الأدلة الكافية على عصمته منها شهادات الأنبياء (أشعياء 53 :9 وقارن يوحنا 8 :46) وشهادات تلاميذه (1 بطرس 2 :22 و1يوحنا 3 :5 وعبرانيين 4 :15) ويشهد له نفس الذين صلبوه (لوقا 23 :4 و14 و47).
والقرآن مع نسبته الخطايا للأنبياء الآخرين لم ينسب واحدة ليسوع، بل يشهد له بأنه مطهَّر عنها. قال في سورة مريم 19 :18 على لسان الملاك الذي بشَّر أمه به قَالَ "إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّا"ً قال البيضاوي وغيره أي طاهراً من الذنوب أو نامياً على الخير أي مترقياً من سن إلى سن على الخير والصلاح، وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما هذا الحديث المتفق عليه وهو قوله كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعيه حين يولد، غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن فطعن في الحجاب أي المشيمة (انظر مشكاة المصابيح باب بدء الخلق).
مع أن محمداً في قرآنه وحديثه ينسب خطايا كثيرة لغير المسيح من الأنبياء والرسل (انظر سورة طه 20 :121 والبقرة 2 :35 و36 والمعارج 70 :19 والأنعام 6 :76 الخ وإبراهيم 14 :41 والقصص 28 :15 و16 والشعراء 26 :19-21 والأعراف 7 :150 ويوسف 12 :24 وص 38 :24 و25 و34 و35 والصافات37 :139-144 والفتح 48 :2 وهود 11 :44-47 والانشراح 94 :2 و3 والأحزاب33 :1 والزمر 39 :65 والمائدة 5 :17 وعبس 80 :1-6 والأنعام 6 :52 والنساء 4 :106 ومحمد 47 :21 وغيرها من الآيات القرآنية) وفي الحديث كثير من ذلك الحديث الصحيح قوله كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وفي البخاري ومسلم حديث يرويه أبو هريرة أن رسول الله قال لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، اثنتين منهم في ذات الله الخ، وقد قال محمد أحاديث متعددة تفيد استغفاره وتوبته من ذنوبه منها قوله "إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة" وقوله "توبوا إلى ربكم، فوالله أني لأتوب إلى الله عز وجل مائة مرة في اليوم"، وقال قتادة إنه قال عقب نزول قوله "لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً
قَلِيلا" "اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين" إلى آخر الأحاديث.
وإننا لا نؤمن بعصمة الأنبياء والرسل في أعمالهم العمومية، لكننا نؤمن أنهم معصومون في تبليغ رسالة الله من أن يزيدوا عليها أو ينقصوا منها أو يلحقوا بها أقل تحريف، والعاصم لهم هو الروح القدس (بشارة متى 10 :20 ومرقس 13 :11 ويوحنا 14 :26 و2 تيموثاوس 3 :16 و2بطرس 1 :21).
ونحن المسيحيين وإن كنا نؤمن بأن الروح القدس ألهم الأنبياء والرسل أن يكتبوا ما كتبوا في أسفار العهد القديم والجديد، فإننا لا نؤمن بأن تلك الأسفار كانت مكتوبة في اللوح المحفوظ من قبل خلق العالم ثم أملاها الروح القدس على الرسل والأنبياء حين كتبوها، فإن الله يتنزه عن أن يستخدم النبي كآلة صماء فاقدة الحس والعقل والإرادة والمعرفة إلى غير ذلك، بل يستخدم معرفته واختباره وعلمه وعقله وقلبه وروحه وجسمه، فيتكلم بالوحي وكأنه يتكلم من نفسه، وعليه نجد في الكتاب المقدس العنصر الإنساني كما نجد العنصر الإلهي (مواهب الإنسان مع الوحي).
وفي الكتاب المقدس أسرار تفوق مداركنا البشرية، استنتج بعضهم منها أنها مخالفة للعقل، والحقيقة ليست كذلك، بل لما كانت عقولنا هبة من الله فلا يمكن أن يكون وحيه الإلهي مخالفاً لها، بل بما أن عقولنا محدودة والله غير محدود، فمن الضروري أن نعجز عن إدراك ذات الله. فإن أتانا رجل بكتاب وادّعى أنه رسول الله يحمل إلينا كتاباً منه تعالى، ورأينا أن هذا الكتاب يعلن الله بحيث يحيط به العقل لعلمنا أن دعواه باطلة، فلا تبرح هذه الحقيقة من بالنا، وها إننا نزيدها عندما نبحث في الفصل التالي ما أوحاه الله لنا عن ذاته وصفاته.
- عدد الزيارات: 10897