بيان مختصر لمشتملات التوراة - مسح الله داود ملكاً عليهم
وبعد انتهاء حكم ملكهم الأول المدعو شاول، وفي القرآن طالوت، (سورة البقرة 2 :248) مسح الله داود ملكاً عليهم، وكان ذلك حوالي سنة 1020 ق.م. وخلفه ابنه سليمان وحكم من سنة 980 إلى سنة 938 ق.م. وبعد نهاية حكمه ثار عشرة أسباط على خلفه رحبعام وخرجوا عن طاعته وشيدوا لهم مملكة هي مملكة إسرائيل، وملّكوا عليهم يربعام بن نباط، وبقي السبطان على ولائهم لبيت يهوذا وشيدوا مملكة أخرى هي مملكة يهوذا، ولم تلبث مملكة إسرائيل حتى سقطت في العبادة الوثنية، وبعد قليل اقتفت آثارها يهوذا، فدفعهم الله إلى أيدي أعدائهم وعاقبهم هذه المرة عقاباً أشد صرامة من العقوبات التي ألفوها وبدأ بقصاص مملكة إسرائيل ليعطي يهوذا فرصة للاعتبار والتوبة، فسلط عليها الآشوريين فغزوها وأسروها في فارس ومديان سنة 730 ق.م. وهنا انقرضت مملكة إسرائيل، أما مملكة يهوذا فلم تتعظ مما حدث مع إسرائيل، بل سارت على نهجها إلى أن خضعت لملوك بابل سنة 606 ق،م وظلت تحت نيرهم سبعين سنة أي إلى سنة 536 ق.م. وفي سنة 587 هدم بختنصر ملك بابل هيكل سليمان وأسر رؤساءهم إلى بابل.
وفي سفر عزرا تفصيل لرجوع اليهود إلى أرضهم وذلك أنه لما انقضت عليهم سبعون سنة العبودية التي تنبأ عنها ارميا النبي أنقذهم الله بأن حول قلب كورش ملك فارس بعدما انضمت بابل وكثير من الأراضي تحت سلطانه إلى العطف عليهم ومؤاساتهم،فسمح لهم أن يرجعوا إلى بلادهم، وتتلو ذلك قصة تجديد الهيكل وترميم أورشليم كما هي مشروحة في سفري عزرا ونحميا.
ولكن لما رفض اليهود المخلّص الذي وعدهم الله به تنبأ عليهم المسيح بعقاب هائل لم يروا مثله في تاريخهم السالف، وهو قلب مدينتهم المحبوبة وهيكلهم العظيم رأساً على عقب، وإتماماً لهذه النبوة ونبوات موسى خرَّب الرومان مدينتهم وهيكلهم سنة 70 م. ومن ذلك الوقت إلى الآن تفرقوا في الأرض طولاً وعرضاً بلا بلاد أو ملك، وكابدوا من الضيقات ولا زالوا يكابدون ما ليس له مثيل.
وعلى ما تقدم يمكننا أن نلخص من التوراة أن مقصد الله في معاملته بني إسرائيل هذه المعاملة وتسجيل وقائعهم وتواريخهم الهامة بين أسفار الوحي في ثلاثة أشياء (أولا) أن يُظهر لهم ولأهل العصور المقبلة أن القلب البشري يميل إلى العصيان والتمرد بالرغم عن نعم الله
وبركاته وهدايته المتوالية بواسطة إرسال الرسل والأنبياء جيلاً بعد جيل، معلّمين ومنذرين، وكل ذلك لم يمنع الإنسان من الابتعاد عن عبادة الله الحي وليّ نعمته وخالقه إلى عبادة الأصنام (ثانيا) لكي يعلّم بني إسرائيل أن العتق من نير الخطية وسلطان الشهوات الجسدية لا يمكن أن ينتج عفواً من مجرد معرفة وصايا الله، ولا من حفظ الرسوم والطقوس الدينية، بل لا بد من عامل قوي عسى أن تتولد فيهم مشاعر الشوق إلى المخلص الموعودين به في توراة موسى وأسفار الأنبياء بالتدريج، ويشعرون بشديد الحاجة إليه (ثالثا) حتى يُطلع الأمم جيلاً فجيلاً على معاملة الله لبني إسرائيل وإعلاناته السامية لهم عن قداسته وعدله ورحمته، أما عدله فبواسطة ما أوقعه عليهم من القصاص الصارم على خطاياهم، وأما رحمته فبواسطة ما أحسن إليهم به وبارك فيهم وغفره لهم إلى غير ذلك لكي يتخذوا لأنفسهم عبرة من ذلك ويعلموا أن أصنامهم لا شيء، وأن إله إسرائيل هو الإله الحق خالق السموات والأرض ويعبدونه ويخدمونه ويستنيرون بنور إنجيل الخلاص بيسوع المسيح مخلص العالم الذي أخبرت عنه التوراة إلى أن حصرت نسبه في ذرية داود وعينت مولده في بيت لحم بأرض يهوذا.
- عدد الزيارات: 10895