حياة المسيحي وسلوكه
حياة المسيحي وسلوكه
قيل في الإنجيل إن ناموسياً استعلم من الرب يسوع عن الوصية العظمى في الناموس، فأجابه “تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهكَ" (تث 5:6) "مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هذِهِ هِيَ الوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا تُحِبُّ قَرِيبَكَ (لا 18:19) كَنَفْسِكَ. بِهَاتَيْنِ الوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالْأَنْبِيَاء" (مت 22 :35-40 ومر 12 :28-31). وقيل في أكثر من موضع ما يوافق ذلك:"لَا تَكُونُوا مَدْيُونِينَ لِأَحَدٍ بِشَيْءٍ إِلَّا بِأَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، لِأَنَّ مَنْ أَحَبَّ غَيْرَهُ فَقَدْ أَكْمَلَ النَّامُوسَ. لِأَنَّ لَا تَزْنِ، لَا تَقْتُلْ، لَا تَسْرِقْ، لَا تَشْهَدْ بِالزُّورِ، لَا تَشْتَهِ وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً أُخْرَى، هِيَ مَجْمُوعَةٌ فِي هذِهِ الكَلِمَةِ : أَنْ تُحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ . اَلْمَحَبَّةُ لَا تَصْنَعُ شَرّاً لِلْقَرِيبِ، فَالْمَحَبَّةُ هِيَ تَكْمِيلُ النَّامُوسِ" (رو 13 :8-10). أن محبة الله تؤدي إلى محبة خلائقه خصوصاً الإنسان، ثم أن المسيحي الحقيقي يحب الله لأنه يعلم أن الله أحبه أولاً (1يو 4 :9-11 و19 ورو 5 :5-8) ومحبته لله تفطمه عن الاهتمام بلذات هذا العالم السريع الزوال (1يو 2 :15-17) وكلما ازدادت المحبة لله عظم الإقبال على خدمته وازدادت الرغبة في صنع الخير للقريب، ويعلم المسيحي حينئذ أن الله أبوه السماوي وأنه أحد أولاده في المسيح (يو 1 :12 و1يو 3 :1و2) وتعظم ثقته في الله ويسارع مجاهداً في تمجيده وإكرامه فكراً وقولاً وعملاً (مز 63 :1-8 ). وإذا جاءه يوماً إبليس ليجربه فيقول له كما قال يوسف في العصور الأولى: "كَيْفَ أَصْنَعُ هذا الشَّرَّ العَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللّهِ؟" (تك 39 :9) وكل ما يعمله فلمجد الله ومرضاته لا لمرضاة الناس (كو 3 :23). وعلى قدر ما ينمو في محبة الله ومعرفته يزداد في تسبيحه وحمده لأجل خيراته الزمنية وبركاته الروحية التي يغمره بها، وإظهار مشاعر الشكر لا بالكلام فقط بل بالسيرة والعمل (مز 34 :1 وكو 3 :17 و1 تس 5 :15-22).
ومن صفات المسيحي الحقيقي أنه إذا وقع في ضيقة لا يتكل على ذراع البشر بل على الله، كما أنه لا يبالي بإنماء ثروته ولا بإعلاء رتبته، ولا يهتم بزيادة دَخْله بل يصلي لأبيه الذي في السموات أن يبارك أشغاله ويمنحه من الرزق الحلال ما فيه الكفاية لسد أعوازه ويشعر باقتناع في قلبه أن أباه السماوي يهتم به (1 بط 5 :7). ولهذا يلقي عليه همومه بنفس مطمئنة، لأنه يعلم عن ثقة أن الله فتح له كنوزه الروحية في السموات المذخرة في المسيح يسوع ويتأكد أن إله كل رحمة لا يمنع عنه خيراً من ضروريات الحياة (مز 28 :7 ومت 6 :9-34 و 1تي 6 :6-11).
المسيحي الحقيقي حامدٌ شاكر لله على ما منحه من اليُسر والنعم عالماً أن كل عطية صالحة وموهبة تامة نازلة من عنده (يع 1 :17) وهو صبور عندما تمسه الشدائد وتتوالى عليه البلايا والاضطهادات مؤكداً أَنَّ "كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللّه"َ (رو 8 :28) كأنها تلقي على سمعه مناجاة أحد قدماء المسيحيين لنفسه يا نفسي، حياة المسيح كانت بجملتها على الصليب وعلى المذبح، وأنت تسعين وراء الراحة والانشراح؟ حاشا وكلا. ويعلم أن أباه السماوي إذا سمح له بتجربة فلكي يُقرِّبه إليه أكثر من ذي قبل، بحيث يقدر أن يفرح ويتبسم وهو رازح تحت عبء الضيقة (رو 5 :3 و4 و5 و12 :12) ويقول مع صموئيل النبي "هُوَ الرَّبُّ. مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ يَعْمَل"ُ (1 صم 3 :18) ذاكراً أنه وإن كان يعيش في العالم فليس من العالم كإبراهيم الذي "كَانَ يَنْتَظِرُ المَدِينَةَ التِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللّه"ُ (عب 11 :10 وانظر مز 37 :5 و2 كو 4 :17 وعب 2 :5 و6).
- عدد الزيارات: 10184