Skip to main content

نجــــاح و فشــــل

نجــــاح و فشــــل


يلح على الحق بأن أفلت الله من قيود المتدينين ليتحرر من أيديهم وتصوراتهم وتخيلاتهم ويلح على نشدان الحرية بأن أبعد المتدينين عن الله لئلا تتحكم بهم الطمأنينة على أهون سبيل

أن ما يقلقني عند المتدينين اطمئنانهم الكلي لما يتصورون وارتياحهم السعيد إلى ما يعرفون واسترخاؤهم التام إلى ما يملكون من ملفات جاهزة للحقائق المنزلة... فيما أنا قلق باستمرار وباحث دؤوب عن الله وعن الحقيقة

ولا يزعجني قلقي بقدر ما يسعدني اطمئنان المتدينين هم يسيرون مع الله ومع الحقيقة جنبا إلى جنب وأنا أسعى حثيثا وراء الله والحقيقة وكلاهما يفلت مني كالسراب وشغفي اللامحدود بالحرية وضعني في منعطف صعب

دافعت فيه عن كرامة الانسان دون الدفاع عن حقوق الله لعلمي أن الله لا يحتاج أحدا للدفاع عن كرامته على حساب كرامة الانسان وحريته

من هذا المنطلق رحت أبحث في الله وفي الوحي والتنزيل والنبوة وفي الحقيقة والشريعة وكلام الأنبياء في ما علا وفي ما سفل من أمور السماء والأرض ومن هذا المنطلق رأيت الله يسستعمل الانسان واسطة بينه وبين البشر

فرأيت القس وراء النبي والانجيل العبراني وراء القرآن العربي والنصرانية وراء الإسلام والكتابيين وراء الأميين والذين يقرؤن الكتاب من قبل وراء الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني

من هذا المنطلق عمدت إلى البحث في الحق الذي قضى عندي بألا أدعي الحصول عليه إلا بعد اعتماد المصادر في السير إليه والأمانة في تدوين الأخبار والصدق في نسبة الأقوال والصراحة في الاستنتاج ... وما سوى ذلك لا يغريني في الدنيا شئ الحقيقة ذاتها لا تشدني إليها بقدر ما يغريني البحث عنها وهذا ما يجنبني مخاطر الطمأنينة

لقد أدي بي البحث إلى الكلام على مقاصد القس ورقة ابن نوفل وعلى مهمته الصعبة التى قام بها وعلى اختياره محمدا خليفة له على كنيسة مكة لقد نجح القس في ذلك وتوقف نجاحه على نجاح تلميذه ونجح التلميذ ومآثر نجاحه يدل عليها أثره الكبير في تاريخ العالم

بيد أن الأثر الكبير لازمه فشل ذريع وقد حدث الفشل له عرضا بسبب العصبية القبلية المتأصلة في نفوس المستجيبين وهذه تعود لا إلى سوء استراتيجية القس والنبي بل إلى جهل المتدينين لحقيقة رسالة كلا من القس والنبي وهؤلاء المتدينون بدلوا في الدعوة وبدلوا في الكتاب

ولحق بالتبديل فشل استمر في التاريخ نشيطا بالقدر الذي كان عليه النجاح وغذى الفشل اطئنان الفاشلين إلى ما هم عليه من ارتياح كلي إلى الحقيقة واستمر الفشل باستمرارية تعليق جذور الدعوة بعمد السماء وسبب كل ذلك جهل بحقيقة اللوح المحفوظ الذي أناطوه بالله مباشرة

ولنا أن نسأل عن أصل كل شئ في الدعوة الجديدة لئلا يبقى كل شئ فيها معلقا بالهواء

وإذا ما وجدنا هذا الأصل أو هذا القبل نجد هوية ما وراء ذلك والأصل المتمكن في جذور التاريخ أثبت وأوضح لنا من ذلك الهاوي إلينا من الأفق الأعلى

بهذا نكمل نجاح الناجحين وبغير هذا نكون مع الفاشلين ويتحقق لنا النجاح إذا ما ترك لنا الفاشلون حرية البحث

نجاح القس والنبي

فشل القرآن
محمديون أم قرآنيون

إسألوا أهل الذكر


نجاح القس والنبي

أول نجاح حققه قس مكة كان في اختياره محمد وتزويجه إياه من سيدة نساء قريش وتدريبه له في غار حراء على التأمل والخلوة والتفكر بالله وتعليمه إياه التوراة والانجيل وما لم يكن يعلم ومناصرته له في جميع مهماته الصعبة ... ثم إعلان مسؤوليته وتعيينه خليفة له من بعده على كنيسة مكة ....

فكان محمد أول المسلمين كما كان القس رئيس النصارى وراح يهتم بمسؤوليته الجديدة هذه وينصرف إليها وكانت مسؤولية محمد مثله مثل أى قس في كنيسة الله وهي التالية

تعليم الناس الكتاب والحكمة 2 : 151 2 : 129 3 : 164 62 : 2

وتزكيتهم من خطاياهم يضاف إلى المراجع السابقة 13 : 30 28 : 45 3 : 108 65 : 11

وتلاوة آيات الله عليهم 5 : 27 7 : 175 10 : 71 18 : 27 26 : 69 8 : 31

وتذكيرهم بقصص الأنبياء الأقدمين وأخبارهم ذكر قصص الأنبياء نوح وابراهيم وموسى وادريس وايوب ..... الخ

وتبشير المحسنيين بالجنة وانذار المنافقين بعذاب النار 2 : 25 4 : 138 9 : 21 10 : 2 22 : 37

وتأليف القلوب بين الناس 3 : 103 8 : 63 9 : 60

وتوحيد الشيع والأحزاب في أمة واحدة 6 : 159 30 : 32 43 : 65 33 : 22 19 : 37

وسن شرائع اجتماعية تناسب المجتمع المكي المتصدع من تحريم الربى 2 : 275 3 : 130 4 : 161

وقطع يد السارق 5 : 38 ومنع قتل الأولاد 6 : 151 17 : 31 6 : 137 6 : 140 60 : 12

ومنع وأد البنات 81 : 8 وجلد الزاني والزانية 24 : 2 والأهتمام البالغ باطعام الجياع وايواء أبناء السبيل والعطف على الأرامل والأيتام 76 : 8 22 : 28 ... وغير ذلك

وتقوم مهمات محمد الرسولية أيضا على وضع الطقوس وفروض العبادات كجعل الغسل والوضوء والتطهير قبل الصلاة وبعد كل عمل نجس 5 : 6 4 : 43

وفرض الحج إلى بيت الله 2 : 196 3 : 97 ووجوب صيام رمضان 2 : 183 2 : 187

واداء الزكاة 2 : 43 ومنع أكل لحم الخنزير وما أهل لغير الله 5 : 3 6 : 145 2 : 173

وتحريم الخمرة 2 : 219 5 : 90 وغير ذلك من مسؤوليات والتي تكون من اختصاص أى رجل دين يعي دوره

ونجاح النبي كان منتظرا لأن القس نجح قبله في رسالته بين العرب ومع الجمس من أهل قريش ومن الذين تحنثوا في غار حراء أمثال عبد المطلب وعبيد الله بن جحش وعبد الله بن جدعان وزيد بن نفيل وعثمان بن الحويرث ... وغيرهم

والقس نجح في اختياره محمدا وقد عرفه منذ صغره وقتها كان محمد في بيت جده وكفالةعمه وقد دربه القس على محبة الخلوة والصلاة وعلى قراءة كتب الله وحضه على التأمل في أخبار الأنبياء وجعله ومرسه على نجدة البائسين والأذلة ... ولما توفى القس فـتـــــــــــــــــر الوحــــــــــــــــي وكان على محمد عام من الحزن بسبب وفاة القس حيث قد فقد العضد والسند والخبير الحكيم ...

أما النجاح الثاني الذي تحقق على يد القس فيقوم على نفل الانجيل العبراني إلى لسان عربي مبين وسمى النقل قرآنا والقرآن في حقيقته قراْة عربية للكتاب العبراني إلا أن ناقلها تصـــــــــرف بها بما يناسب أحوال مدعويه كذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه القرآن 20 : 113 أو أيضا أنظر كيف نصرف الآيات 6 : 46 6 : 105 7 : 58 أو لقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا ... 17 : 41

بيد أن القراءة العربية لا تحتوى كل ما في الكتاب العبراني ولا الكتاب العبراني بدوره يكون متضمنا كل ما في القراءة العربية ولقد رأينا خلال بحثنا مصادر عديدة أخذ عنها القرآن أو اعتمد عليها

مما يدل على أنه كان عارفا بكثرتها وتعددها ولهذا قصد الجمع بينها وفي هذا قام النجاح الثاني الذي تحقق على يدي القس والنبي وهو يكمن في جمع الكتب المتداولة عند الشيع والأحزاب النصرانية وفي جعلها كتابا وحدا

وشهد الكتاب على هذه المهمة في قوله : إنا علينا جمعه وقرآنه 75 : 17 وذلك بعدما كان كتبا متفرقة ومختلفة في تعاليمها

واعتبر كل من القس والنبي توحيد الكتاب أساس كل رسالة ناجحة فجعلا القرآن العربي كلمة سواء يكون الناس فيه سواء بسواء قال قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء 3 : 64 الذي جعلناه للناس سواء 22 : 25 فأصبحوا هم فيه سواء 16 : 71 أو أنتم فيه سواء 30 : 28

في حين أن الذين أخذوا بجزء من الكتاب هم كافرون ويردون الناس بعد ايمانهم كافرين 3 : 100 لذا يطمئن القس والنبي الناس على أنهما لم يتركا من الكتاب شيئا هاما ولم يفرطا فيه بشئ ما فرطنا في الكتاب من شئ 6 : 38

ومن المعروف أنه في زمانهما كانت كتب عديدة فلكل شيعة من شيع بني إسرائيل كتاب ولكل قرية أو أمة كتاب وكل يدعو إلى كتابه ويشهد القرآن العربي على تعدد الكتب وتوزعها بين أيدي أصحابها وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب 15 : 4 وكل أمة تدعى إلى كتابها 45 : 28 كما يشهد القرآن العربي على وجود كتب سابقة على كتابه وذلك في أكثر من سبعين مرة أنظر ترجمة القرآن بالفرنسية وستجد الشواهد على ذلك

وعلى أن فريقا من الناس يأخذون من الكتاب نصيبا معينا وهم بذلك على ضلال ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة 4 : 44 3 : 23 4 : 51 7 : 37 وعلى أن فريقا آخر يلوون ألسنتهم بالكتاب 3 : 78 وآخرون يكتمون ما فيه وينبذونه وراء ظهورهم 3 : 187 وآخر يصد عنه 4 : 55

لأجل هذا كان على القس والنبي أن يوحدا بين الكتب ليتحقق لهم النجاح المرتجى وبالفعل قالها القرآن وأمر بها أدع وأستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم قل آمنا بما أنزل الله من كتاب .. وأمرت لأعدل بينكم 42 : 15 وشهدا القس والنبي على كتابهما العربي بأنه يجمع ما في الكتب السابقة بل يستنسخانها

وهذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعلمون 45 : 29 وأن ما فيه كان موجود سابقا أن هذا لفي الصحف الأولى 87 : 18 وأنه تنزيل رب العالمين ... بلسان عربي مبين وأنه لفي زبر الأولين 26 : 192 - 196

والنتيجة التي تحققت فعلا على يد القس والنبي مجئ القرآن العربي ترجمة مفصلة للكتاب العبراني والتي يسرها القس للنبي بلسان عربي مبين وتحدى ببلاغتها شعراء قريش وتصرف بها بحسب مقتضى الحال ودون تفريط أو اهمال

ومجئ القرآن العربي تحقق نسخ ( من معنى النقل ) الكتب السابقة وأخذ من الصحف الأولى وجمع بينها ووحد تعاليمها بعدما كانت متفرقة بين شيع واحزاب بني اسرائيل المختلفة

وهو نجاح خطير لأنه نحقق في حين أنه قامت محولات أخرى حدثت في تاريخ الكنيسة ولم يتحقق لها النجاح مثال ذلك عندما جمع تاسيان الاناجيل الرسمية الأربعة في كتاب واحد سماه الدياتيسرون

أما النجاح الثالث الذي تحقق على يدي القس والنبي فمرده إلى جمع الفرق والشيع النصرانية المنتشرة في مكة والحجاز آنذاك وجعلها دينا واحدا وأمة واحدة

وما الإسلام في حقيقته وجوهره إلا دين التوحيد في ثلاثة معان الأول هو توحيد الكتاب في قراءة واحدة وقد بحثناه في كلامنا على النجاح الثاني

والمعنى الثاني هو توحيد أحزاب بني إسرائيل والثالث هو الاقتصار على عقيدة توحيد الله كأساس مطلق لتوحيد الكتاب والأحزاب

أما توحيد الله فواضح في القرآن العربي وشهادة المسلمين لا إله إلا الله وتتعدد صيغتها بتعدد الكلام عليها والجهاد لأجلها وليس في القرآن أثبت منها ويؤكد ذلك رفضه العنيف للشرك والمشركين ورفضه البحث في طبيعة الله وانكاره المطلق لكل تعددية في ذات الله

وما قوله لا إله إلا الله إلا لكي يبعد كل خلاف حول الوحدانية اللاهوتية وما انكاره للتثليث المسيحي ورفضه الجدل في طبيعة المسيح وتنكره للصلب والموت والقيامة وتأرجحه في مفهوم المائدة التي نزلها من السماء إلا اثباتا لوحدانية مطلقة لله

لقد عرف القس والنبي أن خلافات المسيحيين فيما بينهم وتحزبهم إلى نساطرة ويعاقبة وملكانية حسبما عرف عنهم آنذاك وخلافات النصارى المتعددة إلى أبيونية وقيرنثية والكسائية .. كل هذه الخلافات كانت بسبب الجدل اللاهوتي حول طبيعة المسيح وأسرار الخلاص لأجل هذا تجنب القس والنبي أن يخوضا مع الخائضين والتزما الاعتدال لئلا يزيد بلبال الانقسامات

يثبت هذه النزعة التوحيدية في الله دعوة القس والنبي لنزعة توحيد يجتمع الناس فيها ويكونوا أمة واحدة في دين واحد هو الإسلام صفته الأساسية الاعتدال والأقتصاد في العقيدة قال القرآن العربي أن هذه أمتكم أمة واحدة 23 : 52 21 : 92 وأمة مقتصدة 5 : 66 جعلها الله أمة وسطا 2 : 143 بين أمم متناقضة في تعاليمها وفي طقوس عباداتها !

ويقر القرآن بتعدد الأمم واختلافاتها ولعن بعضها لبعض كلما دخلت أمة لعنت اختها 7 : 38 أو ما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا 10 : 19 وسبب خلافهم انتماء كل منهم إلى نبي معين أو رسول خاص بهم كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين 2 : 213 وهمت كل أمة برسولها ليأخذوه وجادلوا بالباطل 40 : 50

ثم يتوقف القرآن على وصف الأحزاب أنهم يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله 4 : 150 ويحذر المؤمنين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا 30 : 32 ويمتدح الذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم 4 : 152 وينبه أتباعه لا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات 3 : 105 وينصحهم اعتصموا بحبل الله ... ولا تتفرقوا 3 : 103 ويأمرهم أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه 42 : 13

ويعود إلى بني إسرائيل المختلفين ويتمنى على كل شيعة من شيعهم أن يتفقهوا في الدين ويعتدلوا في العقيدة 9 : 122 ويصف تناقضهم فريقين فريق منهم يسمعون كلام الله 2 : 75

وفريق يخل بالعهد وينبذ كتاب الله هؤلاء كلما عاهدوا عهدا نبذه 2 : 100 وقال أيضا نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم 2 : 101 وفريق منهم يكتمون الحق وهم يعلمون 2 : 146 وفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب 3 : 78 وفريق يصد عنه 4 : 55 وآخر يصدف ويعرض 6 : 157

كل هذه المواقف المتطرفة والمتضاربة حول كلام الله جعلت من بني إسرائيل أحزابا وشيعا وفرقا لا عديد لها وشهد القرآن على تفرقهم 19 : 37 43 : 65 ومن الاحزاب من ينكر بعضه 13 : 36 وكل حزب بما لديهم فرحون 23 : 53 30 : 32

ولا يعجب القرآن العربي من كثرة الأحزاب لأن الله كان قد حذرهم مسبقا وأعلمهم بوجودها ولما رأى المؤمنون من العرب الأحزاب عند النصارى قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله 33 : 22

ويخشى محمد فيما يخشى أن يكون قد انتمى إلى حزب منها دون الآخر أو مال إلى واحد على حساب الآخر أو ساهم في توسيع رقعة الخلاف فيما بينها إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل 20 : 94 وأوضح القرآن مرارا أن التفرقة بين الناس ليست من سنن الدين الجديد الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ 6 : 159 30 : 32

والذين لم يفرقوا بين النبيين والرسل هم أتباع محمد وهم بالفعل والأسم مسلمون 2 : 136 3 : 84 والمسلمون حقا هم 4 : 152 وقد أعلنوها لا نفرق ... 2 : 285

ومن الطبيعي أن تكون مقومات الدعوة بعدم التفرقة نوعا من الاعتدال في المواقف والاقتصاد في العقيدة والتخفيف في الشرائع والواجبات والتوسط بين المتناقضات والابتعاد عن الغلو من جهن وعن الانكار من جهة ثانية

ولهذا وصفوا بالأمة الوسط والأمة المقتصدة لا يغلون في الدين كالقائلين بألوهية عيسى 4 : 170 5 : 77 وليسوا بمنكرين نبوة عيسى كاليهود الظالمين بل هم يعدلون بالحق 7 : 159 ويقيمون دين الحق 9 : 29 24 : 25 ويأمرون باتباع دين القيمة 98 : 5 هكذا يكون الدين كله لله 8 : 39 وهذا هو الإسلام 3 : 85 4 : 125 5 : 3

ومن غريب الأمور في الدعوة إلى الإسلام أن محمدا والقس ورقة لم يردا العرب عن ايمانهم السابق ولم يكفراهم بما كانوا يؤمنون بل جل همهم أن ينضم الناس إلى الإسلام ويجتمعوا تحت رايته ويأخذوا بدعوته التوحيدية

يقول القرآن العربي في ذلك قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا 49 : 14

وهذا القول مهم لأنه يدل على أن القرآن لا يقصد من دعوته الجديدة جعل الناس مؤمنيين به بقدر ما يطلب منهم الانضواء تحت لواء الإسلام والعرب كما يبدو من الآية مؤمنون ولا ينقصهم إلا الانضمام للواء الإسلام

ولواء الإسلام يقتصر على عقيدة التوحيد في الله ولكن ليس أى إله كان بل إله بني إسرائيل بعدما تزول الشوائب وتضمحل حوله الخلافات وأعلن محمد هوية هذا الإله صراحة وقال لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل 10 : 90

وهكذا تحقق النجاح المنشود ولم يكن ليتحقق لولا وجود خبير حكيم عارف بالخلافات وهوية الأحزاب ! وحكمة الداعي لأجل توحيدها في القول بإله واحد وكتاب واحد وأمة واحدة ... وسوى ذلك ليس من الإسلام في شئ

لأن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست ( يا محمد ) منهم في شئ 6 : 159

وبهذه الدعوة التوحيدية يكون الدين عند الله الإسلام 3 : 19

ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه 3 : 85

وهو رضوان من الله كبير أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا 5 : 3


فشل القرآن

لحق بالنجاح الكبير فشل ذريع وأسرع الفشل كما أسرع النجاح ولم يكن بالحســبان أن يكون ما كان مــات النــــبي ورجعت العصبية القبلية تتحكم بالأحزاب التي خشي منها في حياته ولكنها رجعت بأشكال جديدة وحول مسائل جديدة

ما أن توفي محمد حتى اختلف أتباعه فيما بينهم وزعم قوم أنه لم يمت وأنما
أراد الله رفعه إليه كما رفع عيسى ابن مريم .. ثم اختلفوا بعد ذلك في موضع دفنــه أراد أهل مكة رده إلى مكة .. وأراد أهل المدينة دفنه بالمدينة .. وقال آخرون بنقله إلى أرض القدس ودفنه ببيت المقدس البغدادي كتاب الفرق بين الفرق

ثم اختلفوا فيمن يكون الخليفة بعده وأفترقت الأمة إلى ثلاث فرقة منها سميت شيعة وهم شيعة علي ابن ابي طالب ومنهم تفرقت صفوف الشيعة كلها

وفرقة أدعت الآمرة والسلطان وهم الأنصار ودعوا إلى عقد الأمر لسعـد ابن عبادة الخرزجي وفرقة مالت إلى أبي بكر ... وتنازعوا ... النوبختي فرق الشيعة

وتوالت الخلافات واشتدت العصبيات وتخطت إلى أمور الدين وعقائده وكل فرقة تسلحت بالسيف كما تسلحت بالقرآن والأحاديث النبوية فكانت النتيجة تعدد الفرق حتى بلغت السبعين واتسع بينها الشقاق وتأصلت العداوات واستحكمت البغضاء حتى تحول الجهاد الذي أوصى به النبي جهادا على المشركين إلى حرب بين المسلمين أنفسهم ...

وأمتد الخلاف وتشعب وشملت الدائرة شعوبا كثيرة زحف إليها أتباع النبي وبلدانا عظيمة أخضوعها لحكمهم وأديانا آخرى وافقت عقيدتهم أم لم توافق ذللـــوا بأصحابها

ولم يميز الفاتحون بين نصارى ويهود ولا بين مجوس وروم ولا بين مؤمن وملحد ... أنه الجهاد في سبيل مغانم كثيرة يأخذونها 48 : 19 قد وعدهم الله بها 48 : 20

ولو كان في سبيل الله لميزوا بين يهودي ظالم ونصراني حنيف وبين مسيحي يغلوا في دينه وبين نصراني مقتصد على دين الحق وبين فتوحات لأجل نشر الإسلام وفتوحات في سبيل الجـاه والمال والتوسع السياسي ....

في غمرة الفتوحات والحروب تولى الخليفة عثمان بن عفان جمع القرآن من صدور الصحابة ولم يوفر في جمعه زيادة أشياء وحذف أشياء وتبديل آخــرى تبعا لعواطف الفاتحين تجاه من إنهزموا أمامهم أو من قاوموا توسعهم أو من عاندوا سياستهم

فبت ترى في مصحف عثمان مواقف متناقضة لم تكن في قرآن القس والنبي ونكتفي بمثل واحد لإظهار هذا التناقض الفادح بين المصحف والقرآن أو قل بين عثمان والنبي وهو الذي يتعلق بمفهوم النصارى وموقف كل من المصحف والقرآن

موقف القس والنبي من النصارى

النصارى في قرآن القس والنبي هم المسلمون حقا قبل مســلمي العــــرب وكانــوا للنبي قدوة ومثالا يهتدي بهديهم ويتقرب منهم وينتسب إليهم ويستشهد بهم ويمدح مودتهم ويجــل رهبانهم ويؤمن بآلههم ويؤيدهم في رسالتهم ويسترشد بأراءهم ويستشيرهم في صحة تعاليمه .. وفي كتابه عنهم أقوال مأثورة سجل التاريخ دورهم في هداية محمد ورسالته العتيدة بين قبائل العرب

قال القرآن فيهم أولئك الذين هدى الله فبهداهم أقتده 6 : 90

من قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون 7 : 159

وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون 7 : 181

وعندما يشك النبي في صحة كتابه عليه سؤال الذين يقرؤون الكتاب من قبله 10 : 94

ويحث تابعيه إلى نفس السؤال ليتثبتوا مما هم عليه 16 : 43 21 : 7

فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى 20 : 135

والنصارى من جهتهم يشهدون على صحة ما آتي النبي 4 : 162

ويجهرون آمنا به كل من عند ربنا 3 : 7

أن الذين أوتوا العلم من قبله ... يخرون للأذقان سجدا 17 : 107

لأنهم يعلمون أنه الحق من ربك فيؤمنوا به 22 : 14

ويشهدون مع الله والملائكة على أن القرآن العربي هو من عند الله 3 : 18

ولأجل هذا يكتفي محمد بشهادتهم كفى بالله شهيدا بينى وبينكم .... 13 : 43

أضف لذلك موقف قرآن القس والنبي من رهبان النصارى وقسيسيهم فهم التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون 9 : 112

وتراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا 48 : 29

يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون 5 : 55

يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون 3 : 113

وترى سيماءهم في وجوههم من أثر السجود 48 : 29

وإذا ما سمعوا القرآن يرتل يخرون للأذقان سجدا 17 : 107

هؤلاء الرهبان الذين عرفهم محمد وكان لهم في حياته دور لا يستكبرون 5 : 82

موقف مصحف عثمان من النصارى

أما ما ورد في مصحف عثمان فمختلف عما ورد في قرآن القس والنبي في المصحف النصارى كاليهود ظالمون وكالوثنيين مشركون وكالمسيحيين يغلون في دينهم وبالتـــالي هم أعداء الفاتحين تفرض عليهم الجزية فيعطونها عن يد وهم صاغرون 9 : 29 ويفـــرض عليهم الجهاد كالكفــار والمنافقين 9 : 73 66 : 9

وأختلط الأمر على الفاتحين فخلطوا بين النصارى والمسيحيين سواء بسواء واتهم الجميع في ايمانهم وقولهم أن عيسى ولد من الله أنظر في القرآن 2 : 116 4 : 171 6 : 101 10 : 68 17 : 111 18 : 4 19 : 35 21 : 26 23 : 91 ....ز

وأن الله ثالث ثلاثة 5 : 73 وأتهم الجميع بالغلو في الدين 5 : 77 واعتبار الله هو المسيح عيسى 5 : 72 . فيما الحقيقة تظهر أن هذا الكلام يوجه إلى وفد نجــران المسيحي وقد عممه عثمان على جميع بني إسرائيل من مسيحيين ونصارى

واختلط على الفاتحين موقفهم من الرهبانية والرهبان وظنوا أن هناك توافقا بين قرآن القس والنبي وبين مصحف عثمان واعتبروا الرهبانية بدعة 57 : 27 والرهبان أكلة أموال الناس 9 : 34 واتخذهم الناس أربابا من دون الله 9 : 31

فيما الحقيقة تظهر أن القس والنبي يعظمان في كتابهما جميع النصـارى لأن منهم قسيسين ورهبانا وهم لا يستكبرون 5 : 82

ولا نجد مبررا لهذا الخلط بين النصارى والمسيحيين في مصحف عثمان سوى الانتصــار السياسي الذي حققه الفاتحون وهؤلاء وجدوا سكان الأمصار التي أفتتحوها وذللوها أعـــــــــــــــــداءا لهم ومن الطبيعي أن يكونوا كذلك شأن كل مدحور منهزم أمام الفاتح العاتي ومن الطبيعي أيضا والقرآن ما يزال في طور جمعه من صدور الصحابة أن يســب بالمقهورين سياسيا كما يسب بالمشركين والكفار والمنافقين

فزيــــد بالتـــــــــالي على قرآن القس والنبي ما يشفي غليل الفاتحين وما يبرر فتوحـــاتهم حتى ولو كان المدحورون على دين الحق وعلى إيمان النتصرين

ويؤكد لنا ذلك وجود آيات في غير مكانها آيات مكية في سور مدنية وآخرى مدنية في سور مكية وقد جمعت السور حسب طولها وقصرها لا بحسب ظروفها الزمنية

وزيدت كلمات جنب كلمات لم تكن موجودة في الأصل وأصبح مصحف عثمان متحديا التاريخ ومستهترا بأبسط أصوله ويعمل الباحثـون اليوم في ترتيب القرآن ورد سوره وآياته إلى وضعها التاريخي

كما عمل من قبل مسلمون عديدون بوضع كتب في أسباب النزول ولكن دون جدوى بسبب فرض عثمان لمصحفه فرضا على الناس وحرقه وإتلافه لما سواه

ويكفي أن نختار مثالا على ذلك من السور التي أقحم فيها أسم النصارى إلى جانب اليهود دون ما مبرر سوى العداوة اللاحقة بهم في عهد الفتوحات

ورد في مصحف عثمان كونوا هودا أو نصارى تهتدوا 2 : 135 ولا يستبعد إقحام كلمة أو نصارى على النص لأسباب منها

الجدال في سورة البقرة بين محمد واليهود ولا دخل للنصارى فيه ثم أن الآية التالية 136 تقـــــول أن الإسلام هو الايمان بما أوتي موسى وعيسى بلا تفريق وهو موقف النصارى الصحيح كما رأينا والآية 137 تقتصر على اليهود وحدهم حيث قيل عنهم أنهم لا يقرون بالهدى عند النصارى ولا النصارى يقرون بالهدى عند اليهود

بدليل قول اليهود ليست النصارى على شئ وقول النصارى ليست اليهود على شئ 113 فكيف إذن يجمع مصحف عثمان بينهم ؟

وأخيرا أن لفظة نصارى تفسد النظم المسجع الذي اعتدنا عليه في القرآن فيكون أصلها إذن كونـــــــــــــوا هـــــــــــودا تهتـــــــــــــــــدوا

وهكذا قل أيضا عن آيات أخرى أقحمت فيها كلمة نصارى إلى جانب لفظة اليهود ومثال ذلك قوله لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم 2 : 120

وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كانوا هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين 2 : 111

أن تقولوا أن ابراهيم واسماعيل و .... الأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أ أنتم أعلم أم الله ... وما الله بغافل عما تعملون 2 : 140 وغير هذه الأمثلة كثيرة وكلها تقع في سور يدور موضوعها الأساسي حول جدال محمد مع اليهود ولا دخل للنصارى فيه مطلقا

وتقع في سور من القرآن المدني الذي عرف بمخاصمته لليهود لا للنصارى وفي سور هي جدال مع وفد مسيحي على البعة اليعقوبية أو البدعة النسطورية التي تغلو في إيمانها بالمسيح وهذه من زمن أواخر العوة المحمدية وعام الوفود

ونحن نرى أن موقف مصحف عثمان يختلف فيما يخص النصارى مثلا عن موقف قرآن القس والنبي فذاك يخاصم اليهود والنصارى على السواء وهذا يعتبر النصارى أصحاب مودة وصفاء

وقالها قرآن القس والنبي بصريح العبارة فميز بذلك بين اليهود الظالمين والنصارى أهل المودة لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين أمنوا الذين قالوا إنا نصـارى ذلك أن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون هؤلاء إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ... 5 : 82 - 86

والنصارى على ما نرى في هذا النص هم أقربهم مودة منهم القسيسين والرهبان لا يستكبرون تفيض أعينهم بالدمع فرحا لما سمعوا آيات من انجيلهم العبراني بلسانهم العربي وعرفوا أنها الحق

هؤلاء يثيبهم الله في جنة عدن خالدين لأنهم من المحسنيين .. وعكس ذلك اليهود الذين كفروا وكذبوا وظلموا وكانوا شر البرية .. أن لهم الجحيم وهم خالدون في نار لا تطفأ


محمديون أم قرآنيون

يتأرجح المسلمون اليوم بين نسبتين نسبتهم إلى القس والنبي وقل نسبتهم إلى محمد ونسبتهم إلى عثمان الذي جمع سور القرآن على غير قاعدة

ولنقل أيضا نسبتهم إلى قرآن القس والنبي ونسبتهم إلى مصحف عثمان وبكل بساطة نقول أيضا نسبتهم إلى القرآن كما وصل إلينا وكما هو بين أيدينا ونسبتهم إلى محمد في مواقفه الصريحة من أهل الكتاب

فالمسلمون اليوم إذن هم أما قرآنيون وأما محمديون وهم إلى النسبة الأولى أقرب والسبب هو المدينة وبسبب المدينة اختلطت الأوراق وفشل محمد ولم يكن فشله هذا

بسبب ذنب اقترفه أو بسبب سوء تدبير أتاه بل سببه فتوحات سياسية جرفت كل شئ وقضت على كل شئ وصراعات طبقية عنصرية أملتها عصبية عمياء سيطرت على القرآن يوم جمعه

وهذه العصبية العمياء حطمت الدعوة في مهدها وفرقت بين المسيحيين منذ اللحظة الأولى وبددت كل أمل في الوحدة بين الأحزاب والقبائل

منذ البدء انشق المسلمون فكان منهم الشيعة وأهل سنه وكان فيهم أنصار ومهاجرون قرشيون وهاشميون أهل بيت وأهل ايمان

وسبب ذلك مذدوج فمحمد لم يوفق في تعيين خليفة له كما وفق القس ورقة ومكة لم تستطع أن تسيطر على غلبة المدينة التي استغلها الفاتحون

والمسلمون اليوم يميلون في نسبتهم إلى المدينة فخر عزتهم ونصرتهم على قوافل قريش وبدء انطلاقتهم في سبيل المغانم والمغازي ونشوة انتصارهم على اليهود والمشركين والأعراب المنافقين

وعز عزهم في افتتاح مكة ودعوتهم إليها واقتحام أعزتها وتهديم أصنامها الخمسة والستين بعد الثلاث مائة ومن المدينة كان المنطلق وفي المدينة ابتدأ النصر وإلى المدينة يرجع فضل الدعوة إلى الجهاد ...

أما مكة المسكينة فكانت مسالمة آمنة تدعو إلى الايمان والاحسان والتقرب من أهل المودة مكة دعت وما تزال تدعو إلى دين الحق دين ابراهيم الحنيف الذي لم يكن يهوديا ولا نصرانيا مسيحيا ولا مشركا ولا منافقا ولا كافرا

في مكة خاف الناس هول الساعة وارتعبوا من يوم الحساب الرهيب وخشوا الله وانتظروا يوم الدينونة حيث القضاء العام والقيامة للأبرار والموت للأشرار

في مكة تعلم الناس الاهتمام بالمساكين واطعام الجياع وسد عوز المحتاجين واقراء الضيوف وتحرير العبيد والمأسورين والشفقة على الفقراء والمحرومين والرحمة باليتامى والأرامل والعطف على ابناء السبيل

بين مكة والمدينة بون شاسع لا يملي فراغه إلا العودة إلى قرأن القس والنبي ولا تكون همة العودة إليهما إلا بتخطي مغانم المدينة الفاحشة والعدول عن الجهاد واستبداله بالمحبة والتسامح

المدينة لم تعرف التسامح ولن تعرفه بل هي عرفت الغدر والمكر وكان الله فيها خير الماكرين .. المدينة غدرت بمحمد وبتعاليمه فيما المسلمون يعزون اليوم إليها انتصارهم ومجدهم الأثيل

على المدينة اعتمد الفاتحون وعلى بعض من مكة جرى السماح وسعى المسلمون اليوم إليهما معا ولهذا يسعون إلى الوحدة كما إلى التفرقة في آن معا وما نزال نشهد حتى يومنا هذا الصراع الدائم بين موجات وحدوية لا حصر لها وموجات تفرقة لا تتوقف

فمن دعوة إلى الوحدة باسم العروبة إلى أخرى باسم الإسلام إلى ثالثة باسم محاربة الاستعمار إلى رابعة باسم الاشتراكية التقدمية إلى خامسة بعثية عربية واحدة

إلى سادسة خمينية وسابعة ناصرية وثامنة قذافية وتاسعة باسم محاربة العدو الصهيوني المشترك وعاشرة باسم القضية العربية الفلسطينية

وأحدثها جميعا مجموعة اخوان المبارك انترناشيونال لتفريخ الارهاب ورعايته... كلها تكون أو لا تكون وتبقى التفرقة لأن بين مكة والمدينة لا صلح ولا عودة إلى كليهما

وقد كرس مصحف عثمان فصلهما إلى الأبد فالتاريخ لا يعود إلى الوراء حتى ولو جر بقرونه ولا يصلح التاريخ ما أفسده عثمان وما هم عليه ال عثمانيون اليوم

وأرض المهاجر العثمانية بنيت على التفرقة عندما شيدت قبابها على مصحف المدينة ورماح الخلفاء ومع هذا بسبب حنينها إلى مكة تحركها عواطف وحدوية

تتجاذبها عواصف هوجاء لا محط لهبوبها ولا مرقد عواصف حب وغرام وعواصف بغض واقتتال ... كلها في أمة واحدة وفي حزب واحد وفي قلب واحد ولأجل مصلحة وسيادة فكر الغزو والمغانم والمسالب

وسبب النوبات هذه تزوير جسيم حدث في التاريخ منذ بدء الدعوة و طالما التزوير قد حصل وهو باق حتى يومنا هذا فلسوف تستمر نوبات الوحدة هذه إلى ما شاء الله

اثنان لا غير دعوا إلى الوحدة ونجحا ولما رحــــــــلا رحلت كل وحدة عن أرض المهاجر العثمانية ولم يتبق لنا من الوحدة المنشودة أبدا سوى الشوق الدائم إليها


إسألوا أهل الذكر

يعز على إتهام الآخرين بالخطأ والضلال كما يعز على إدعاء المعرفة ولكن التهمة

والادعاء يهونان أمام واقع تاريخي لازمه الخداع والمكر منذ نشأته إلى اليوم

وجميعنا كنا ضحية بلبلة في الإسلام لا حدود لها ولا نهاية وليس من مسلم متدين استطاع الافراج عن الحقيقة وليس من باحث محقق تمكن من قول الحقيقة وليس من جرئ مغامر هانت عليه حياته ليعلن ما يضمر

وأخشى أن تكون قضايا الإسلام تسيست وعروبة المسلمين استغلت وثروة العرب استبيحت ليبقى الضلال ضلالا وتظل الحقيقة تائهة ضائعة

لا عجب في ذلك فمعظم عجائب الله حدثت في البوادي لقد أنزل الله على موسى ناموسه في صحراء سيناء والروح القدس يكلم أحباءه في سكون البادية الرهيب والمسيح خضع لامتحانات الشيطان في البرية والله يطيب له السبى مع المسبيين إلى بابل

وأرواح الجن ترقص تيها على الرمال وأبواب السماء جميعها تتصدع في ليالي القدر

والملائكة نازلة صاعدة على الأنبياء في ظلمات الليل والقديسون يترنحون في نجواهم في مناسكهم البعيدة في سكون الغابات ورؤوس الجبال ... إن هول الصحراء لعظيم

لا عائق في البادية يحول دون الايمان لا شك عند البدوي في ايمـان غاصت جذوره في أعماق القلب والوجدان في البادية يسرح النظر إلى اللامحدود وإلى اللامتناهي

إلى البعيد البعيد إلى اللــــــــــــه واللامحدود في الصحراء ينبسط تحت القدمين ويمتد فوق الرأس الصحراء مترامية وكذلك السمـــاء أيضا وكل شئ بين الأثنين لامحدود القبيلة تنشق على ذاتها إلى ما لا يحد من بطـــون وفخوذ وتشعبات

والعيـــلة تعتز بكثرة الأفراد فيها والزعيم بما يملك من إبل وأرض وبشر والعربي أمين بمـــا لا يحد ومؤمن بدون شكـــوك وكريم الأخــلاق حتى التضحية بنفسه وسخى الكفـــين حتى بقلذة كبده الوحيد ... كل شئ في البادية مدفوع إلى تمامه وكمـــاله

لا استقرار في الصحراء ولكن لا بد من شئ يعوض عن التيـــه الدائم هو الماضي وكل شـــئ منوط بالماضي والبدوي أمين على الماضي بدون أى تحفظ كلما ارتد النسب في التاريخ الماضي السحيق استقر البدوي في الحاضر والمستقبل

والعربي الذي لا ينتمي لأنساب فضفاضة الفروع فمصيره الموت شـأنه شأن الأغصان التي لا جذور لها هذا هو مستقره وعز مجده وفخر مقامه بين البشر وهذه تبقي عصبيته التي تشده إلى الزمان الغابر كما إلى أفراد عائلته وهو مثل الذرة التي لا توجد في الكون إلا ملتصقة بأختها

إن عرفت ماضي البدوي عرفت كل شئ عنه شخصيته وعلمه ودينه وتقاليده وأخلاقه واجتماعياته ... لا تعرف شيئا عنه إن لم تلم بالفخذ الذي قد منه انتماؤه إلى الماضي هو الدعامة الثالثة اللامتناهية وهذ تحميه من هول الدعامتين اللامتناهيتين

تحميه من لا محدودية الصحراء ومن السماء المترامية الأطراف .. فالمبدأ الجوهري للحياة أن يكون البدوي أمينا على ماضيه وكل ما فيه وخوف البدوي من هذه الأبعاد الثلاثة هائل فهو يخاف السماء إن أمطرت ويخافها إن صحت يخاف الاستقرار كما يخاف الترحال يخاف الماضي كما يخاف المستقبل يخاف الرمال تحت قدميه ويخاف النجوم فوق رأسه يخاف السكون كما يخاف العواصف يخاف الغريب كما يخاف أخــــه وأبنه .....

هذا الخوف من كل شئ شدد عزائم الايمان عنده ويخشى أن يبدل شيئا في ايمانه ولشدة الخوف يخشى أن يفرط بشئ مما عنده ومما عند سواه فدينه دين ابراهيم وموسى وعيسى وايمانه ايمان أهل الكتاب بلا تفريق وألهه إله بني إسرائيل قبل أن يتحزبوا

وشريعته شريعة الأنبياء الأقدمين بلا تبديل وكتابه التوراة والانجيل وما أنزل إليه ... وما الإسلام العربي في حقيقته وجوهره إلا دين التوحيد الذي لا يفرق بين الرسل والأنبياء وما المسلمون إلا القائلون أبدا لا نفرق بين أحد من رسله ونحن له مسلمون

والبدوي الذي لا يخاف لا يعد من المسلمين الطيبين وأكثر خوف المسلم على الله من أن لا يكون إلها لهذا فهو يصلي باستمرار اللـــــــــــه أكبر اللــــــــــــه أكبـــــــــر خوفا عليه من أن لا يكون كذلك

وكل مرة يتلفظ بأسم الله عليه أن يتبعه بأوصاف الاكرام والتجلة فالله عنده مصحوب أبدا بسبحانه عز وجل و بسبحانه تعالى وبجل جلاله ... وعنما لا ينعت أسم الله بذلك يخشى المسلم عليه أن يفقد هويته ... والخوف على الله _ أنتبـــه : لا من الله

يٌحتم بعده وتعاليته وكبـــره وصمدانيته ..... ففخر إله المسلمين أن يكون وراء السماء السابعة وإذا ما ذكر أسمه كيفما كان وأينما كان

تهتز أركان الكون لهذا الاستهتار المشين

والمعروف عن الخائف أبدا أنه لا يشك أبدا ف الحـــــر وحده يمكنه أن يشك بينما الخائف مقيد بمخاوفه بألف ألف قيد والمكبل بالقيود لا يداخله شك ولا ريبة كل شئ عنده ثابت موفور الحصانة لا تنتابه هزة ولا يناله بلبال كل جولات العقل تقف عنده وجميع بحوث الباحثين لا فائدة فيها ولا نفع منها

وانعدام البحث عند الخائف وفر له الطمأنينة والطمأنينة عوضت عليه أهوال مخاوفه والمطمئن لا يبحث بل يرى لا فائدة في البحث ولا يشك أبدا لأن الحقيقة كلها في متناوله وهـــو لا يخاف شئ بل يخاف على كل شئ ...

وأعظم الأمور أن يخاف المؤمن على الله قيثبته ما وراء الكون

وأن يخاف على الوحي فينيطــه بالأزل

وأن يخاف على كتابه فيربطــــه ب الأفق الأعلى

وأن يخاف على النبوة فيثبتها بشهادة من الملائكة والكتب السابقة والأنبياء الأقدمين والملوك والأحبار والجـــن

وأن يخاف على الشريعة فيردها إلى نوح وابراهيم وموسى وعيسى وأن يخاف على مصيره فيدعمـــه بقضاء الله وقدره وأن يخاف على أن لا يكون خــــائفا على شئ وهــــذا منتهى الطمأنينة

ولحق بالطمأنينة الماورائية هذه طمأنينة تامة في أحـــوال المجتمع وفي أمور الدنيا وسياسة الحياة وأكمل نظام للمجتمع عنده هو النظام الذي فرضه الكتاب وكل بحث عن نظام جديد هو إمعان في الغيب وكل نهضة علمية لا تنطلق من الكتاب المنزل تحمـــل عجـــز نهوضها في نفسها لآنها سائرة لا محالة إلى الزوال

وهكذا أراحت تلك الطمأنينة أصحابها من كل عناء فهم يعرفون أحوال الجنة وأفراحها بالتمام بل ويعرفون لذاتها لذة لذة ويعرفون المصير المحتم كيف يكون ويعرفون الله بكل صفاته ويعرفون آياته كلها ...

وبفضل معرفتهم تلك هم مطمئنون إلى كل شئ فهم لا يشكون ولا يرتابون ولا يرفضون وبالتالي هم لا يبحثون عن ضالة فكل شئ لديهم ظــــاهر للعيـــــــــان وهم يملكون ملفات الحقيقة في جيوبهم كما يملكون عن كل سؤال جوابــــــا ... وعجبي !

لأجل هذا الارتياح التام غزت البادية شعوب تقلقها الحقيقة فهزتها هزة عنيفة ووضعتها في مسيرة التاريخ فكنت ترى فيها منذ القديم سياسة الرومان وآثار الأحباش وسيطرة الفرس وعلم بني آرام وفلسفة اليونان وتكنولوجيا الشرق والغرب معا واختراعات جميع شعوب الأرض ... كلها غزت البادية والبدو لهذا الغزو مرتاحـــــون مطمئنون

فيما هم يعوضون عن شدة غزو الآخرين لهم في غزو بعضهم بعضا إلى الأبد .. وأن سياسة المضطربين مع المطمئنين أن يبقى شعب البادية مطمئنا أبدا

سبب الطمأنينة التعلق بالماضي وكلما أمعن الماضي في القــدم صارت الطمأنينة أثبت وأمتن وما أدراك إذا تعلق الماضي باللوح المحفوظ في الأفق الأعلى !

كل شئ في البادية ثابت على ما يبدو إلا الانسان وعوض الانسان عن عدم استقراره بكل شئ مستقر وفي ذلك لم يجد مثل سدرة المنتـــــــــــــهى يربط فيها طرف حبله

وليس كالسماء شئ يتعلق التائهون بعـمـــــــــــــده وليس كجبرائيل يثبت النــــبوة بعـمـــد السـمـاء ويثبت الكتـــاب بالأزل ويثبت الشريعة بالأبد وإلى الأبد ..

فلهذا لا تستطيع أن تهز مطمئنا ولا تستطيع أن ترى بين الله ونبيه أية واسطة ولا بين الكتاب واللـــوح المحفــوظ كتابا آخر

ولا بين فردوس عدن وجنة حور العين فردوسا وسيطا ولا بين الملاك جبرائيل والرســـول أى جبريل بشري ... لا شئ في التاريخ أو من التاريخ يستطيع أن يكون بين الأزل والأبد

وعليه أيضا يصعب عليك أن تجد ملامح القس ورقة بن نوفل وراء محمد

أو أن تجد وراء القرآن العربي الانجيل العبراني ووراء الإسلام إسلاما كان من قبل

ووراء المتقبن من العرب طائفة من أهل الكتـاب ...

كل ما في القرآن العربي من دعوة إلى سؤال أهل الكتاب لا منفعة فيه مــرارا قال الكتاب إن كنت في شك مما أنزلنا إليك ف اسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك وقال أيضا اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ... ومرارا قال القرآنيون تنزيل من رب العالمين ..

بين كتاب القس والنبي وكتاب القرآنيون تدور كل حكاية التاريخ لا هؤلاء حادوا عن اطمئنانهم ولا عثمــــان بن عفـــان ترك لنا مجالا لمعرفة الحقيقة

وما يـــــــــــــزال المطمئنون يحرمــــون علينا سـؤال أهل الذكــــــــــــــر

  • عدد الزيارات: 12844