في شهادة القرآن للتوراة والانجيل
لا يخفى أن العلماء قد قسموا البرهان إلى نوعين : عقلي ونقلي. فالعقلي يحتوي على الدليلين الخارجي والداخلي. ولو كنا نؤلف تأليف لإقناع الكفار والملحدين وعبدة الأصنام، لكان يجب علينا أولاً أن نأتي بالدليل الخارجي بأن التوراة والإنجيل هما قديمان وغير محرَّفين، ونبيّن وجوب الاعتماد عليهما لأنهما وحي من الله تعالى ثم علينا أن نذكر تاريخ كل سفر من أسفارهما - بقدر إمكاننا - لنبيّن كيفية جمع الأسفار، وهل يحق لنا بعد وزن الدليل الخارجي أن ننسب الأسفار للأنبياء الذين كُتبت أسماؤهم عليها أم لا؟ وأخيراً نبحث في حقيقة الدليل الداخلي المأخوذ من نفس الأسفار ونبيّن نتيجة بحثنا.
أما المسيحيون فإنهم كرروا ذلك، لأن الملحدين وغيرهم
أثاروا حرباً عواناً ضد الكتب المنزلة. ولإقناعهم فحص المسيحيون وحققوا جميع الأدلة، سواء كانت لهم أو عليهم لكونهم شديدي التمسك بالوصية المقدسة القائلة "امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِالحَسَن"ِ (1تس 5 :21) فإطاعة تلك الوصية مطلوبة منا بأمر من الله تعالى الذي وهبنا عقل لأجل هداية خطواتنا في سبيل تمجيد اسمه الأقدس. وحيث أن الحق من أخص صفات الله فهو لن يبيد ولن يتلاشى، بل يجب أن يبقى أبدياً. والذي يريد البحث عن الحق الإلهي والسير في مسالكه حسب إرادة الله المقدسة لا يخوِفه ولا يصده عن أدق تنقيب حول أسس إيمانه شيء ما، وبعد إتمام ذلك التنقيب والبحث لا يثبت على صخرة الحق وحده فقط، بل هو قادر أيضاً على إعانة آخرين مثل اللا أدرية وغيرهم من المترددين والمذبذبين في الشك، فإيمانه حينئذ يستحق أن يطلق عليه اسم إيمان إذ ليس هو كتقليد الجاهلين ولا كتمسُّك المتعصبين.
أما الأدلة العقلية على صحة الديانة المسيحية فمكاتب العلماء المسيحيين مملوءة بالكتب في موضوعها، وليس هنا محلٌّ لإيرادها.لأن غرض هذا التأليف ليس إقناع الكفرة، بل مساعدة إخواننا
المسلمين الذين يقبلون القرآن كآخر إعلان من الله تعالى لهم، ويؤمنون أنه يحتوي على كلام الله نفسه، فأهم من كل شيء عند المسلم اعتقاد صدق ما قاله القرآن الشريف لأن بعض المسلمين الجاهلين يعتقدون بعكس ما قاله القرآن في ذلك وما سببه إلا سوء الفهم(1) ولا يستغرب اذا قلنا أن أكثرهم يعتقد في الكتاب المقدس غير ما يشهد القرآن له. فيجدر بكل مسلم أن يشترك معنا في البحث عن شهادات القرآن للتوراة والإنجيل، لنستفيد جميعاً فائدة تُذكر فتُشكر.
يعلم الجميع أن المصحف يشهد أنه وُجد في جزيرة العرب زمن صاحب القرآن أمتان مختلفتان في الدين، قال في سورة البقرة 2 :113 "وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِم" ، وملخص ما قاله البيضاوي في تفسيره لهذه الآية إنها نزلت عند قدوم وفد نجران على صاحب القرآن، حيث تناظروا مع أحبار اليهود وتقاولوا بذلك، ليست على شيء أي على أمر يصح ويعتد به والحال
إنهم من أهل العلم والكتاب، ومثل قولهم قال الذين لا يعلمون كعبدة الأصنام والمعطلة. لكنهما وإن اختلفا ديناً فقد اتحدا بتسمية كل منهما أهل الكتاب؛ ألا وهما المسيحيون واليهود. قال في سورة آل عمران 3 :69-71 "وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ, يَا أَهْلَ الْكتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ, يَا أَهْلَ الْكتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون"َ وفي آل عمران 120 "وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكتَابِ لَكَانَ خَيْر لهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُون"َ وفيها أيضاً آية 199" وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِم"ْ وفي سورة النساء 4 :153"يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ" وفيها آية 157 "وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكتَابِ إِلَّا ليُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِه"ِ وفي سورة العنكبوت آية 46 و 47 "وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكتَابِ إِلاَّ بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون" َ.
- عدد الزيارات: 14908