Skip to main content

الدعوة

الصفحة 1 من 2

الفصل الخامس
الدعوة
محمد:

يُروى أن محمدا قد بُعث عندما كان في الأربعين من عمره بينما كان يتَحنث (يتعبد) في غار حراء كعادة أهل الجاهلية في زمانه. وهناك بعض الاختلاف في تفاصيل الروايات المتعددة الواردة بشأن بعث محمد. فمثلا تذكر بعض الروايات ان الوحي (أي جبريل) جاء محمدا وهو نائم، وبعضها يذكر أنه جاءه وهو قائم. هذا وقد اخترنا من بين الروايات الرواية التالية لشموليتها:
"قال إبن اسحق: وحدثني وهب بن كيسان مولى آل الزبير، قال: سمعت عبد الله بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي: حدثنا يا عبيد، كيف كان بدء ما ابتدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة، حين جاء جبريل عليه السلام؟ قال: فقال عبيد – و أنا حاضر يحدث عبد الله بن الزبير ومن عنده من الناس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور (يعتكف) في حراء من كل سنة شهرا وكان ذلك مما تحَنث به قريش في الجاهلية. والتحنت: التبرر…فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور ذلك الشهر من كل سنة يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره من شهره ذلك، كان أول ما يبدأ به – إذا انصرف من جواره – الكعبة قبل أن يدخل بيته، فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله من ذلك، ثم يرجع إلى بيته. حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله تعالى به فيه ما أراد من كرامته، من السنة التي بعثه الله فيها، وذلك الشهر: شهر رمضان، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه أهله، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ورحم العباد بها جاءه جبريل عليه السلام بأمر الله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءني جبريل، وأنا نائم بنمط (درج) من ديباج فيه كتاب، فقال: اقرأ، قال: قلت: ماذا أقرأ؟ (في روايات أخرى ما أنا بقارئ)، قال فغتني به (حشاه في فمه وكاد يخنقه) حتى ظننت أنه الموت. ثم أرسلني (أطلق سبيلي)، فقال: اقرأ، فقلت: ماذا أقرأ؟ قال: فغتني به حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني، فقال: اقرأ؟ فقلت: ماذا أقرأ؟ قال: فغتني به حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني. فقال: اقرأ؟ قال:فقلت: ماذا أقرأ؟ ما أقول إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي، فقال: "اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لا يعمل". قال: فقرأتها، ثم انتهى فانصرف عني، وهببت من نومي فكأنما كُتبت في قلبي كتابا. قال: فخرجت حتى إذا كنت في وسط الجبل سمعت صوتا من السماء يقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل، قال: فرفعت رأسي إلى السماء أنظر فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل. قال: فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء، قال فلا أنظر ناحية منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي، حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي فبلغوا أعلى مكة، ورجعوا إليها، وأنا واقف في مكاني ذلك. ثم انصرف (جبريل) عني." ويواصل محمد روايته قائلا: "وانصرفت راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست على فخدها مصغيا إليها، فقالت: يا أبا القاسم أين كنت؟ فو الله لقد بعثت رسلي في طلبك، حتى بلغوا مكة ورجعوا إلى ، ثم حدثتها بالذي رأيت. فقالت: أبشر يا ابن العم واثبت فو الذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة. ثم قامت فجمعت ثيابها عليها. ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العُزى بن قصي، وهو ابن عمها، وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة والإنجيل. فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى وسمع. فقال ورقة بن نوفل: قدوس قدوس والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر (صاحب سر الملك – جبريل) الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له فليثبت.
"فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بقول ورقة بن نوفل، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف، صنع كما كان يصنع، بدأ بالكعبة فطاف بها فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف الكعبة، فقال: يا ابن أخي أخبرني بما سمعت ورأيت. فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له ورقة: والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة, ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى، ولتكذبنه، ولتؤذينه، ولتخرجنه، ولتقاتلنه، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه، ثم أدنى رأسه منه فقبل يافوخه ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله."
يبدو أن التأكيد الأخير على دعوة محمد كان من قبل خديجة والتي أجرت الاختبار الغريب العجيب كي تقطع الشك باليقين على أن محمدا رأى الوحي. "قال إبن اسحق: وحدثني إسمعيل بن أبي حكيم مولى (عبد) آل الزبير أنه حدث عن خديجة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي إبن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: نعم. قالت: فإذا جاءك فاخبرني عنه. فجاءه جبريل عليه السلام، كما كان يصنع. فقال رسول الله صلى عليه وسلم لخديجة: يا خديجة، هذا جبريل قد جاءني، قالت: يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى، قال: فقام رسول الله صلى الله وسلم فجلس عليها. قالت: هل تراه؟ قال: نعم. قالت: تحول فاجلس على فخذي اليمنى، قالت: فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس على فخذها اليمنى، فقالت: هل تراه؟ قال: نعم. قالت: فتحول فاجلس في حجري، قال: فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس في حجرها، ثم قالت: هل تراه؟ قال: نعم. قال (الراوي) فتحسرت (كشفت رأسها) والقت خمارها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها، ثم قالت: هل تراه؟ قال: لا. قالت: يا إبن عم أثبت وابشر فو الله إنه لملك وما هذا بشيطان." (إبن هشام ج 1 ص 218-223) .
بالإضافة إلى ما سبق نعلم من القرآن والحديث أن محمدا عندما نزل "الوحي" عليه أصيب بالقشعريرة والحمى وبلغ به الإعياء مبلغا وهو يردد ويقول: زملوني زملوني، دثروني دثروني. وصار ذلك سببا لنزول سورتي المزمل والمدثر. مما سبق نستنتج أن وحي محمد كان غريبا وليس له مثيل بين الأنبياء. كيف كاد جبريل أن يخنق محمدا بالكتاب الذي جاءه به؟ لاشك أن ذلك لو حدث مع أي إنسان غير محمد لكان كابوسا مرعبا وليس وحيا. بعد هذا الكابوس يعود محمد إلى بيته محموما يرتعش ويتصبب العرق منه لا يدري ماذا أصابه. عجبا لنبي لا يعرف أنه نبي، فيذهب إلى زوجته لتطمئنه بأنه نبي هذه الأمة. بعد أن هدأت خديجة من روع زوجها المحموم استشارت إبن عمها الأسقف النصراني ورقة بن نوفل فيعلن لها ثم لمحمد من بعدها أنه إنما جاءه الناموس الأكبر الذي جاء موسى، وهو يعني بذلك جبريل. هنا يظهر جهل ورقة بن نوفل وخديجة ومحمد وكتاب المسلمين وخاصة الأقدمين منهم. إنه لا علاقة لكلمة ناموس بجبريل، إن كلمة ناموس تعني شريعة. فعندما يقال ناموس موسى يعني بذلك شريعة موسى، أي الشريعة التي أتى بها موسى من عند الله. هذا وقد تُستخدم كلمة الناموس أحيانا للإشارة إلى التوراة كلها. وبذلك فإن كلمة ناموس لا علاقة لها بجبريل ولا بغيره من الملائكة. هذا ومن المعروف أن جبريل لم يكن وحيا لموسى، إذ أن الله كلم موسى مباشرة. لذلك دُعي موسى كليم الله.
ثم من أغرب الغرائب هي تلك الكيفية التي اكتشفت خديجة بواسطتها أن ما ظهر لمحمد هو ملاك وليس شيطان. فما هو يا ترى السر في جلوس محمد على فخذ خديجة الأيسر ثم فخذها الأيمن وأخيرا جلوسه في حجرها؟ ما علاقة فخذي خديجة وحجرها بالوحي والنبوة؟ من أين اكتسبت خديجة هذه الخبرة الفريدة للتمييز بين الملاك والشيطان؟ وهل كانت خديجة أخبر بالنبوة من النبي نفسه؟
فكما كان لخديجة دور هام في وحي محمد كذلك كان الشأن بالنسبة لإبن عمها وقة بن نوفل إلى درجة أنه عندما مات هذا الأخير انقطع الوحي عن محمد لفترة طويلة، فحزن محمد حزنا شديدا حتى أنه كاد أن ينتحر ويقتل نفسه كما جاء في حديث الوحي عن عائشة: "ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا غدا منه (حاول بسببه) مرارا أن يتردى (يلقي بنفسه) من رؤوس شواهق الجبال (الجبال العالية) فكلما أوفي (جاء إلى) بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى (ظهر) له جبريل فقال يا محمد إنك رسول الله حقا. فيسكن لذلك جأشه (يطيب خاطره) وتقر نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا (عاد) لمثل ذلك فإذا أوفي بذروة جبل تبدى له جبريم فقال له مثل ذلك." (البخاري ج 8 ص 396).
أعزائي القراء ، لماذا عانى محمد مثل هذه المعاناة الشديدة بعد موت ورقة بن نوفل؟ لماذا توقف الوحي عن محمد بعد موت ورقة؟ هل كان للوحي علاقة بورقة بن نوفل ، مما جعل محمدا يقطع الرجاء من إتمام نبوته فحاول أن يقتل نفسه ويتخلص من الحياة؟ حقا إن ما جرى لمحمد في دعوته ووحيه لأغرب من الخيال وليس له مثيل في تاريخ الأنبياء كافة، وأكثر ما يمكن أن يتناسب مع روايات مثل ألف ليلة وليلة والسندباد. وأخيرا هل يا ترى حلت شخصية أخرى محل ورقة بن نوفل حتى استطاع محمد إتمام رسالته؟

المسيح
الصفحة
  • عدد الزيارات: 10962