Skip to main content

الدعوة - المسيح

الصفحة 2 من 2: المسيح

المسيح:
بالمقارنة مع ما سبق من بدء دعوة محمد وتدخّل أشخاص آخرين مثل خديجة وورقة بن نوفل لتنبيه محمد إلى "دعوته" النبوية وتأثيره، فإن المسيح كان عنده إدراك ذاتي بمن هو حتى وهو في طفولته. كما رأينا سابقا كيف قال المسيح لمريم أمه ويوسف زوجها عندما فقداه ووجداه في الهيكل: "ينبغي أن أكون في ما لأبي (يعني بذلك الآب السماوي)."
كانت بداية خدمة المسيح ودعوته كالتالي، كان يوحنا المعمدان (يحيا) يعمد في نهر الأردن ويدعو الناس إلى التوبة ويخبرهم عن قرب مجيء المسيح كما نقرأ في إنجيل متى: "وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية. قائلا: توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات. فإن هذا هو الذي قيل عنه بإشعياء النبي القائل صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب. اصنعوا سبله مستقيمة. ويوحنا هذا كان لباسه من وبر الإبل وعلى حقويه منطقة من جلد. وكان طعامه جرادا و عسلا بريا. حينئذ خرج إليه أورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن. واعتمدوا منه في الأردن معترفين بخطاياهم. فلما رأى كثيرين من الفريسين والصدوقيين (قادة اليهود الدينيين) يأتون إلى معموديته قال لهم يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي. فاصنعوا ثمارا تليق بالثوبة. ولا تفتكروا في أنفسكم لنا إبراهيم أبا. لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادا لإبراهيم. والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر. فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار. أنا أعمدكم بماء التوبة. ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني (إشارة للمسيح) الذي لست أهلا أن أحل حذاءه. هو سيعمدكم بالروح القدس ونار. الذي رفشه (مذراته) في يده وسينقي بيدره ويجمع قمحه إلى المخزن. وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ."
"حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه. ولكن يوحنا منعه قائلا أنا محتاج أن أعتمد منك. وأنت تأتي إلي. فأجاب يسوع وقال له اسمح الآن. لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر. حينئذ سمح له. فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء. وإذا السموات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلا مثل حمامة وآتيا عليه وصوت من السموات قائلا هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت."
"ثم أصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس. فبعدما صام أربعين نهارا وأربعين ليلة جاع أخيرا. قتقدم إليه المجرب وقال له إن كنت إبن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزا. فأجاب يسوع وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله. ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة وأوقفه على جناح الهيكل وقال له: إن كنت إبن الله فاطرح نفسك إلى أسفل. لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك فعلى أيديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك. قال له يسوع مكتوب أيضا لا تجرب الرب إلهك ثم أخذه أيضا إبليس إلى جبل عال جدا وأراه جميع ممالك العالم ومجدها. وقال له أعطيك هذه جميعا إن خررت وسجدت لي. حينئذ قال له يسوع اذهب عني يا شيطان لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد. ثم تركه إبليس وإذا ملائكة جاءت فصارت تخدمه."
"ولما سمع يسوع أن يوحنا قد أُسلم. انصرف إلى الجليل وترك الناصرة وأتى وسكن في كفر ناحوم التي عند البحر في تخوم زبلون ونفتاليم لكي يتم ما قيل بأشعياء النبي القائل أرض زبلون وأرض نفتاليم طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم. الشعب الجالس في الظلمة أبصر نورا عظيما. والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور. من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا لأنه اقترب ملكوت السموات." (متى 3: 1-4: 17).
كذلك يصف إنجيل لوقا بداية خدمة يسوع بعد معموديته قائلا: "ورجع يسوع بقوة الروح إلى الجليل وخرج خبر عنه في جميع الكورة المحيطة وكان يعلم في مجامعهم ممجدا من الجميع. وجاء إلى الناصرة حيث كان قد تربى. ودخل المجمع (معبد اليهود) حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ فدُفع إليه سفر (كتاب) إشعياء النبي. ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبا فيه روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأشفي المنكسري القلوب لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر وأرسل المنسحقين في الحرية وأكرز بسنة الرب المقبولة. ثم طوى السفر وسلمه إلى الخادم وجلس. وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه. فابتدأ يقول لهم إنه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم. وكان الجميع يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه." (لوقا 4: 12-22).
يتضح لنا وكما ذكرنا سابقا أن المسيح منذ بداية خدمته على هذه الأرض كان واعيا ومدركا كل الإدراك في ذاته وكيانه لحقيقة شخصه ورسالته. لذلك فإن ما حدث للمسيح في بداية خدمته لم يكن مفاجئا ولا مخيفا أو مرعبا مثل كابوس رهيب، ولم يحتج أن يجلس على فخذ امرأة وفي حضنها لكي تمتحن رؤياه وتذكر له أنه "نبي هذه الأمة". لم يصب المسيح بالحمى ولم يتصبب عرقا حتى يكاد أن يموت اختناقا، وإنما كان متمالكا لنفسه بكل سكينة ووقار، ومضى ليتم عمله الذي جاء من أجله مدركا ذلك منذ طفولته. إن من يقرأ ما حدث للمسيح ليشعر بالروعة والجلال والسمو بدلا من الرعب والغلظة.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 10966