Skip to main content

ما قبل محمد والمسيح

نبوات وتكهنات عن مجيء محمد:
يحاول الإسلام والمسلمون تجنيد الدعم من التوراة والإنجيل لإثبات صحة الإسلام وشرعيته. يذكر القرآن أن خبر محمد قد ورد في التوراة والإنجيل وأن المسيح سبق وتنبأ بمجيء محمد بعده. على الرغم من هذا الادعاء فإن القرآن لا يذكر ولا آية واحدة سواء من التوراة أو الإنجيل تدعم هذا الادعاء، وذلك على العكس من كُتّاب الإنجيل الذين اقتبسوا شواهد معينة من التوراة وتتنبأ عن المسيح كما سنذكر ذلك في حينه.


من الغريب أن المسلمين عمدوا إلى بعض النبوات في التوراة والتي تشير بوضوح إلى شخص المسيح ونسبوها إلى محمد كما في الاقتباس التالي: "حدثنا محمد بن سنان حدثنا فُليح حدثنا هلال عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأمميين. أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يُقيم به الله الملة العوجاء: بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا." (البخاري ج3 ص 29).
من الجدير بالذكر أن هذه النبوة تشير إلى شخص المسيح وقد تم اقتباسها من إنجيل متى 12: 14ـ21. هذا وقد وردت هذه النبوة في سفر أشعياء وفيما يلي نصها الأصلي: "هوذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سُرّت به نفسي. وضعت روحي عليه ليخرج الحق للأمم. لا يصيح ولا يرفع و لا يُسمع في الشارع صوته. قصبه مرضوضة لا يقصف و فتيله لا يطفئ. إلى الأمان يُخرج الحق. لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض وتنظر الجزائر شريعته. هكذا يقول الرب خالق السموات وناشرها باسط الأرض ونتائجها معطي الشعب عليها نسمة والساكنين فيها روحا. أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعوب ونورا للأمم لتفتح عيون العمي لتخرج من الجب المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة" أشعياء 42: 1ـ7.
إذا ما درسنا كل من حياة محمد وحياة المسيح نجد أن كلمات هذه النبوة تنطبق على شخص المسيح وليس على شخص محمد. لم يُذكر ولا حتى في القرآن أن الله وضع روحه على محمد، ولكن هناك أكثر من مرجع في التوراة والإنجيل حيث نقرأ عن حلول روح الله أو الروح القدس على شخص المسيح. أما عبارة سُرّت به نفسي فهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بشخص المسيح حيث ذكر الإنجيل في أكثر من مكان أنه سُمع صوت الله قائلا: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" متى 3: 17. وأما قوله لا يُسمع في الشارع صوته وقصبه مرضوضة لا يقصف وفتيله خامدة لا يطفيء فإنما تشير إلى وداعة المسيح ومسالمته حيث أنه لم يؤذِ إنسانا قط في حياته. ولكن محمد سفك دماء الكثيرين من أعدائه ومن الذين رفضوا الإيمان برسالته. ويستشهد المسلمون بالإنجيل أيضا كما ذكر في الاقتباس التالي في سيرة ابن هشام: "قال إبن إسحق: وقد كان فيما بلغني عما كان وضع عيسى بن مريم فيما جاءه من الله في الإنجيل لأهل الإنجيل من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أثبت يُحنس (يوحنا) الحواري لهم. حين نسخ لهم الإنجيل عن عهد عيسى بن مريم عليه السلام في رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أنه قال: من أبغضني فقض أبغض الرب، ولولا أني صنعت بحضرتهم صنائع أم يصنعها أحد قبلي، ما كانت لهم خطيئة، و لكن من الآن بطروا وظنوا أنهم يعزونني، وأيضا الرب، ولكن لا بد أن تتم الكلمة التي في الناموس، أنهم أبغضونني مجانا، أي باطلا. فلو قد جاء المُنحمنا (حسب إبن هشام هو بالسريانية محمد و الرومية البرقليطس صلى الله عليه وسلم) هذا الذي يرسله الله إليكم من عند الرب. و روح القدس هذا الذي من عند الرب خرج فهو يشهد عليّ وأنتم أيضا، لأنكم قديما كنتم معي في هذا، قلت لكم لكي لا تشكوا." (إبن هشام ج1 ص 215).
بالمقارنة نجد أن الإقتباس السابق ممسوخ عن النص الأصلي كما ورد في إنجيل يوحنا كالتالي: "إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكم. لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته. ولكن لأنكم لستم من العالم لذلك يبغضكم العالم. اذكروا الكلام الذي قلته لكم ليس عبد أعظم من سيده. إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم وإن كانوا قد حفظوا كلامي فسيحفظون كلامكم. لكنهم إنما يفعلون بكم هذا كله من إجل إسمي لأنهم لا يعرفون الذي أرسلني. لو لم أكن قد جئت وكلمتهم لم تكن لهم خطية. وأما الآن فليس لهم عذر في خطيتهم. الذي يبغضني يبغض أبي أيضا. لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالا لم يعملها أحد غيري لم تكن لهم خطية. وأما الآن فقد رأوا وأبغضوني أنا وأبي. لكن لكي تتم الكلمة المكتوبة في ناموسهم أنهم أبغضوني بلا سبب. ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق (يخرج) فهو يشهد لي. وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معي من الإبتداء" (يوحنا 14: 26).
من الواضح أن ما ذُكر أعلاه لا علاقة له بمحمد. إن كلمة معزي أو البرقليط هي صفة الروح القدس. كما هو واضح في نص الإنجيل "المعزي الروح القدس" ولا علاقة إطلاقاً لهذه الكلمة بمحمد وبأحمد. ولا يمكن أن يكون الروح القدس هو الملاك جبرائيل. ثم نلاحظ في النص السابق أن المعزي ينبثق أو يخرج مباشرة من عند الله من السماء ويرسله المسيح. إن محمدا لم ينبثق من الله ولم يأتي من السماء ، و إنما خرج من عبد الله بن عبد المطلب وآمنة بنت وهب كما أن المسيح لم يرسله. وأخيرا نلاحظ أن الروح القدس يذكرنا بما قاله المسيح. إن محمدا لا يذكّرنا بما قاله المسيح وإنما هو يناقض أقوال المسيح.
لم يكتف المسلمون بالتوراة والإنجيل وتحويرهما كما شاءوا بل استعانوا بنبوات سحرة العرب ومشعوذيهم. ومن أغرب وأعجب ما ذُكر في هذا الشأن ما رواه ابن هشام في السيرة النبوية عن رؤيا ربيعة بن نصر ونبوة سطيح وشق عن مجيء محمد. أما سطيح فقد سمي بهذا الإسم "لأنه كان جسما ملقى لا جوارح (أطراف) له ولا يقدر على الجلوس إلا إذا غضب انتفخ فجلس. ويذكر أن وجهه في صدره لم يكن له رأس ولا عنق ويذكر إبن منبه أنه قال: قيل لسطيح أنى (من اين) لك هذا العلم؟ فقال لي صاحب من الجن استمع أخبار السماء من طور سيناء حين كلم الله تعالى موسى عليه السلام فهو يؤدي إلى من ذلك ما يؤديه".
أما شق فإنه سمي بذلك "لأنه كان نصف انسان له يد واحدة ورجل واحدة وعين واحدة. ويمضي إبن هشام في روايته: ووُلد شق وسطيح في اليوم الذي ماتت فيه طريفة الكاهنة، وهي بنت الخير الحميرية امرأة عمرو بن عامر فدعت بشق وسطيح قبل أن تموت فتفلت في فيهما وأخبرت أنهما سيخلفانها في كهانتها".
أما خبر الرؤيا فهو هكذا: "قال ابن إسحاق: وكان ربيعة بن نصر ملك اليمن بين أضعاف ملوك التبابعة فرأى رؤيا هالته وفظع بها فلم يدع كاهنا و لا ساحرا ولا عائقا ولا منجما من أهل مملكته إلا جمعه إليه فقال لهم: إني رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها. فأخبروني بها وبتأويلها، قالوا له: اقصصها علينا نخبرك بتأويلها. قال: إني إن أخبرتكم لم أطمئن إلى خبركم عن تأويلها، فإنه لا يعرف تأويلها إلا من عرفها قبل أن أخبره به، فقال له رجل منهم: فإن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشق فإنه ليس أحد أعلم منهما. فهما يخبرانك بما تسأل عنه...
جاء سطيح قبل شق وأخبر الملك برؤياه وهي: "رأيت حُممه، خرجت من ظلمة، فوقعت بأرض تهمة، فأكلت منها ذات جمجمة". وأما تأويل الرؤيا فهو أن الأحباش سوف يهبطوا على أرض اليمن، ثم يقتلهم ويخرجهم إرم ذي يزن، والذي يدوم سلطانه حتى يقطعه نبي زكي يأتيه الوحي من قبل العلي... وهو رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر".
بعذ ذلك جاء شق إلى الملك وأخبره برؤياه وهي: "رأيت حُممه خرجت من ظلمة فوقعت بين أرض وأكمة، فأكلت منها ذات نسمة". وأما تأويلها فهو مُلك السودان على اليمن مُلكا يدوم حتى يطردهم غلام ليس بدني ولا مَدني (ضعف ودناءة) يخرج عليهم بين بيت ذي يزن. ويدوم سلطان ذي يزن حتى تنقطع برسول مرسل يأتي بالحق والعدل بين أهل الدين والفضل، ويكون الملك في قومه إلى يوم الفصل".
إن القارئ لهذه القصة الغريبة ليظن أنه يقرأ خرافة من كتاب ألف ليلة وليلة أو الزير سالم أو أبو زيد الهلالي. على أي حال لو فرضنا أن شق وسطيح الغريبن العجيبين هما شخصان حقيقيان وأن الرؤيا المزعومة حقيقية فإنه من الغرابة أن تفسر بأنها نبوة عن مجيء محمد. من الواضح أن ما ذُكر ليس له علاقة إلا بالحبشة واليمن. على أي حال يبدو أن هذه الرؤيا هي تقليد هزيل ومشوه لما ورد في التوراة من مثل قصة يوسف ودانيال.


ذكر مجيء المسيح:
لقد ذكرت نبوات صريحة وواضحة عن مجيء المسيح في التوراة. ولقد صارت هذه النبوات هي الأساس الذي قامت عليه المسيحية فيما بعد. حيث أن ولادة المسيح من عذراء وتعليمه وموته وقيامته من بين الأموات كلها تمت تحقيقا لتلك النبوات.
ليس هناك متسع من المجال لذكر جميع النبوات المتعلقة بالمسيح ، ولهذا سنقتصر على ذكر النبوات المتعلقة بمجيء المسيح إلى العالم . لقد تنبأ أشعياء (أليسع في القرآن) قبل المسيح بأكثر من ستمائة عاما على ولادة المسيح من عذراء (و لكن سيعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو إسمه عمانؤيل (معناه الرب معنا)" أشعيا 7: 14. يواصل أشعياء حديثه عن هذا المولود بقوله "لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن وإلى الأبد" (أشعيا 9: 6ـ7).
حدد نبي آخر مكان ولادة المسيح بقوله "أما أنت يا بيت لحم أفراتة وأنت صغيرة بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (ميخا 5: 2).
مما سبق نرى أن كل ما ذكر عن المسيح ورد في كلمة الله في التوراة. ليس هناك أي رواية خيالية كما في رواية سطيح وشق. هذا وقد اقتبس كتاب الإنجيل كل النبوات المتعلقة بالمسيح نصا وروحا، بينما نجد أن القرآن كما ذكرنا سابقا لا يقتبس ولا آية واحدة تشير إلى محمد. هذا يقودنا إلى السؤال المهم التالي: كيف غاب عن بال الله أن يذكّر الناس بالنبوات الواردة عن محمد في التوراة والإنجيل؟ فإذا كان الإنجيل من صنع البشر فهل فاق عمل البشر عمل الله؟ إن ما ذكره الإنجيل عن المسيح مدعوم بالنبوات التي جاءت في التوراة وقد تم اقتباس هذه النبوات نصا وروحا إذاً لا مجال للتكهن والتخمين وتأليف الخرافات.

  • عدد الزيارات: 9176