Skip to main content

خطية سليمان

الصفحة 1 من 2

الفصل الثاني عشر

خطية سليمان

قال المعترض الغير مؤمن : ما أعجب ما نسبوه لسليمان، أنه في آخر عمره ارتدَّ وعبد الأصنام وبنى لها المعابد، كما في الملوك الأول 11 , وما أجرأ بني إسرائيل لأنهم نسبوا كبار الأنبياء إلى المعاصي، وأدخلوا هذا البهتان العظيم في التوراة ,

وللرد نقول: ذكرت في التوراة أن النساء الغريبات أملن قلب سليمان حتى بنى لآلهتهن المرتفعات، فغضب الله عليه ومزق المملكة من بعده عقابًا له،لأن للمُلك سكرة وللنساء صولة, غاية المولى أن يعلم الملوك أن لا ينهمكوا في اللذات والشهوات التي تلهيهم عن تدبير الأمور وسياسة الجمهور، وعن القيام بالواجبات الدينية,

وقد ورد في القرآن ما يفيد أن سليمان اشتغل بالأمور الدنيوية التي ألهته عن عبادة الله، وانه سمح بعبادة الأصنام في بيته, وقالوا إنه لم يقدم المشيئة لله، ولم يتوكل عليه, ورد في سورة ص 38:31-33 : إذ عُرض عليه بالعشي الصافنات الجياد، فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب, ردوها عليَّ فطفق مسحاً بالسوق والأعناق , ومع اختلاف المفسرين في هذه العبارة إلا أنها تدل على أن الخيل ألهتْهُ عن الصلاة حتى قالوا إنه ذبحها ليتخلص منها, وورد في عددي 35،34 : ولقد فتنَّا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب, قال: رب اغفر لي وهَبْ لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي (ابن كثير في تفسير سورة ص 31-33)

وكان سبب ذلك ما ذُكر عن وهب بن منبّه: قال: سمع سليمان بمدينة في جزيرة من جزائر البحر وهي صيدون بها ملك عظيم الشأن، فأخذها عنوة وقتل ملكها، وأخذ ابنته واسمها جرادة، لم يُرَ مثلها حسناً وجمالًا، فاتخذها له امرأة واحبها حباً لم يحبه شيئاً من نسائه, وكان لا يرقأ دمعها جزعاً على أبيها, فأمر سليمان الشياطين، فقال: مثِّلوا لها صورة أبيها في دارها حتى لا تنكر منه شيئاً فمثلوه لها حتى نظرت الى أبيها بعينه إلا أنه لا روح فيه، فألبسته ثياباً مثل ثيابه التي كان يلبسها، وكانت تغدو اليه في ولائدها فتسجد له ويسجدن معها كعبادتها في ملكه، واستمرت على ذلك أربعين صباحاً, وبلغ ذلك آصف بن برخيا، فأتى سليمان فقال له: إن غير الله يُعبد في دارك منذ أربعين صباحاً في هوى امرأة , فأمر سليمان بتكسير ذلك الصنم، وعاقب تلك المرأة وولائدها، ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده، وأمر برماد فُرش له وجلس عليه، وتمعك به في ثيابه تذللًا إلى الله وتضرعاً إليه، يبكي ويستغفر مما كان في داره, فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى، ثم رجع إلى داره, وكانت له أم ولد يُقال لها أمينة، إذا دخل للطهارة أعطاها خاتمه، وكان ملكه في خاتمه, فأعطاها خاتمه يوماً، فأتاها شيطان اسمه صخر المارد في صورة سليمان لا تنكر منه شيئًا, فقال: خاتمي يا أمينة فناولته، فجعله في يده، ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان, وخرج سليمان فأتى أمينة وقد تغيرت حالته وهيئته عند كل من رآه فقال: يا أمينة خاتمي قالت: من أنت؟ قال: سليمان بن داود قالت: كذبت! فقد جاء سليمان وأخذ خاتمه، وهو جالس على سرير ملكه , فعرف سليمان أن خطيئته قد أدركته، فخرج فجعل يقف على الدار من دور بني اسرائيل فيقول: أنا سليمان بن داود فيَحْثون عليه التراب، ويقولون: انظر إلى هذا المجنون، أي شئ يقول؟ يزعم أنه سليمان! , فلما رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر فكان ينقل الحيتان لأصحاب السوق، ويعطونه كل يوم سمكتين, فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة ويشوي الأخرى فيأكلها, فمكث على ذلك أربعين صباحاً - مدة ما كان يُعبد الوثن في داره, فأنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم الشيطان، وسأل آصف نساء سليمان وقال لهن: هل أنكرتم من ابن داود ما أنكرنا؟ فقلن: أشد ما يدع امرأة منّا في دمها، ولا يغتسل من الجنابة , وبعد مضي أربعين صباحاً طار الشيطان من مجلسه، ثم مرَّ بالبحر فقذف الخاتم فيه فبلعته سمكة، فأخذها بعض الصيادين وأُعطى لسليمان سمكتين أجرة يومه، فباع سليمان سمكة بأرغفة، وبقر بطن الأخرى ليشويها فوجد الخاتم، فتختّم به ساجداً لله وعاد اليه المُلك فعلى هذا يكون المراد بقوله جسداً الوارد في القرآن هو صخر (الرازي والجلالان في تفسير سورة ص 34 ، 35)

الصفحة الثانية
الصفحة
  • عدد الزيارات: 9447