Skip to main content

الواقع القرآنى بنفى المعجزة عن محمد

الصفحة 1 من 6

الواقع القرآنى بنفى المعجزة عن محمد

و انه لبحث طريف ان نستقرىء تبك الشهادة الصريحة القاطعة ، لنستطلع بالتفصيل موقف القرآن السلبى ، و اقرار نبيه بعجزه عن كل معجزة .
نتبع فى ذلك ترتيب النزول التاريخى الذى يعتمده أئمة المسلمين ( 2 ) .
إن الآية الاولى التى تلاها نبى القرآن كانت أمر الوحى له : " إقرا باسم ربك الذى خلق ، خلق الانسان من علق ! إقرا و ربك الأكرم الذى علم بالقلم ، علم الانسان ما لم يعلم " ( العلق 1 – 5 ) . تلك الايات التى تكرر الأمر بالقراءة و التعلم بالقلم تقضى منذ مطلع الدعوة على القول بأمية محمد التى يجعلونها أساس اعتبار الاعجاز القرآنى معجزة .
فى السورة الثانية ( القلم ) يسمون دعوته " أساطير الاولين " فلا يرد التحدى ، بل يستعلى عليهم : " أم لكم كتاب فيه تدرسون ! ... أم عندهم الغيب فهم يكتبون ! " ( 37 و 47 ) . إن الاشارة واضحة: محمد أفضل منهم لأن عنده كتابا فيه يدرس، و عنده غيبا منه يكتب، فليس التعليم الذي يبلغهم إياه« أساطير»، بل تنزيل الله في الكتاب من قبله. إنه منذ البدء يشير إلى مصادره الكتابية، و يثبت لهم حقيقة ثقافته الكتابية بالدرس و الكتابة.
فى السورة الثالثة ( المزمل ) يدعى محمد إلى قيام الليل للصلاة و ترتيل القرآن : " و رتل القرآن ترتيلا " لاحظ تعبير " القرآن " على الاطلاق ، فهو قائم يتلونه كل يوم فى قيام الليل ، كعادة الرهبان النصارى وحدهم . و لم ينزل من قرآن محمد سوى عشر آيات ، فاتحة سورتى العلق و القلم ، لا تكفى للتلاوة فى قيام الليل : فما هو هذا " القرآن " الذى يدعى لترتيله ؟ نرى الجواب فى قوله : " و أمرت أن أكون من المسلمين ، و أن أتلو القرآن " ( النمل 91 – 92 ) إن " المسلمين " موجودون قبل محمد ، و هو يؤمر بالانضمام إليهم و تلاوة " القرآن " معهم أى قرآن الكتاب .
فى السورة الرابعة ( المدثر ) يصف وقع الدعوة عليهم : " هذا سحر " ، لكن فى نظر قائلها – الوليد بن المغيرة المخزومى – " إن هذا إلا سحر يؤثر ! إن هذا إلا قول البشر ! " ( 24 – 25 ) . تعبير آخر لقولهم " أساطير الأولين " . فهو يدعوهم بدعوة الكتاب ، لذلك يطالبونه بإبراز الكتاب الذى فيه يدرس ، و الغيب الذى منه يكتب : " بل يريد كل امرىء أن يؤتى صحفا منشرة " ( 52 ) . فلا يبرزها ، فيعرضون " كأنهم حمر مستنفرة ، فرت من قسورة " – أى أسد ( 50 – 51 ) .
فى السورة الخامسة ( الفاتحة ) يطلب لنفسه و لجماعته الهداية إلى الصراط المستقيم . و هذا الصراط المستقيم هو ما يتلوه عليهم من قرآن الكتاب ( المزمل 4 مع النمل 91 – 92 ) .

هذا ما يصرح به فى السورة السابعة ( التكوير ) ، حيث نجد أول وصف لرؤيا غار حراء : " و انه لقول رسول كريم ... و لقد رآه بالأفق المبين " و قول الرسول الكريم نعرف مضمونه من سورة ( الشورى 52 مع 15 ) حيث يأمره الوحى بالايمان بالكتاب و تلاوته على العرب ، هذا هو الصراط المستقيم الذى يهدى إليه : " و إنك لتهدى إلى صراط مستقيم " ( 52 ) ، " و قل : آمنت بما انزل الله من كتاب ، و أمرت لأعدل بينكم " ( 15 ) ، هذا هو دين ابراهيم و موسى و عيسى الذى يشرعه الله فى القرآن للعرب ( الشورى 13 ) .
يؤكد ذلك منذ مطلع الدعوة ، فى السورة الثامنة ( الأعلى ) حيث يدعو لتوحيد " الرب الأعلى " بدعوة الكتاب نفسه : " إن هذا لفى الصحف الأولى ، صحف ابراهيم و موسى " 18 – 19 ) . و نجد هذه الدعوة القرآنية بحرفها فى التوراة : " إيل عليون " ( التكوين 14 : 19 – 20 ) ، فهى صورة التوحيد السامى الأصيل ، الذى يدين به " ملك شاليم " ( القدس ) ، ملكى صادق فى زمن ابراهيم الخليل .
و هكذا بعد عشر سور ، أو مقاطع منها ، فتر الوحى القرآنى أياما أو شهورا أو ثلاث سنين ، على أقوال مختلفة . و ينقل صحيح البخارى إن فتور الوحى كان بسبب وفاة قس مكة ، معلم محمد ، و هو ورقة بن نوفل ابن عم ( أو عم ) السيدة خديجة ، ثرية مكة التى كانت تجارتها تعدل تجارة قريش ، ووليها الذى أزوجها محمدا . فتأثر محمد تأثرا بالغا حتى كاد ينتحر . فجاءت السورة الحادية عشرة ( الضحى ) تعزيه و تذكره بنعم الله عليه : " ألم يجدك يتيما فآوى ! ووجدك ضالا فهدى ! ووجدك عائلا فاغنى " . فالقرآن يذكر لمحمد هداية بمناسبة زواجه من خديجة ، و ما كانت هذه الهداية إلا إلى دين قس مكة ورق بن نوفل ، أى هداية إلى " النصرانية " ، و هى الشيعة بالنسبة إلى السنة المسيحية . و حزن محمد من وفاة معلمه طويلا ، حتى أوشك أن ينتحر ، و هذا الدليل الأكبر مع القرآن على اتجاه النبى العربى فى دعوته . فالوحى القرآنى كان هداية من الضلال إلى " صحف ابراهيم و موسى " كما يفهمها قس مكة " النصرانى " ، الى التوحيد الواحد الوحيد بين " ابراهيم و موسى و عيسى " ( الشورى 13 ) .
فى السورة الثانية عشرة ( الشرح ) ، بعد التعزية عن فتور الوحى ، يأتى الغفران : " ألم نشرح لك صدرك ، ووضعنا عنك وزرك ، الذى أنقض ظهرك " ( 1 – 3 ) . أيكون هذا الوزر الثقيل فكرة الانتحار التى ساورت النبى فى أزمة الوحى ووفاة معلمه ، قس مكة ؟
بعد الازمة ، جاء وقت تحديد الدعوة . فحددها سلبا فى السورة الثامنة عشرة ( الكافرون ) حيث يعلن تبرؤه من شرك قومه : " يا أيها الكافرون ... لكم دينكم و لى دين " . فما هو دين محمد ؟ يحدده ايجابا فى السورة الثانية و العشرين ، ( الاخلاص ) ، حيث يعلن التوحيد الكتابى الخالص ، بحرفه العبرانى : " قل : هو الله أحد " كما ورد فى التوراة ( سفر التثنية 6 : 4 ) و فى الانجيل ( مرقس 12 : 29 ) : " يهوه الهنا هو الله أحد " و هى شهادة التوحيد عند بنى اسرائيل ، من يهود و " نصارى " و الشاهد على صحة هذا المصدر قوله : " أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بنى اسرائيل " ( الشعراء 197 ) ، الذى يفسره قوله : " بل هو آيات بينات فى صدور الذين أوتوا العلم " ( العنكبوت 49 ) ، النصارى من بنى اسرائيل ، لأن اليهود كانوا " أول كافريه " . و خير شاهد أيضا صيغة التوحيد القرآنى : " هو الله أحد " ، فقوله " هو الله " تعريب " يهوه " ، و لا يستقيم لها تخريج آخر ، يؤيد ذلك صيغة " أحد " فى الاثبات ، و هى لا تأتى عادة فى العربية إلا فى حال النفى .
حتى الان كانت الدعوة " سرية " أى بين الافراد . نقل السيوطى ( الاتقان 1 : 25 ) : " ان أول سورة اعلنها رسول الله بمكة : النجم " ، و هى الثالثة و العشرون فى تاريخ النزول . و فيها يؤكد ان الدعوة القرآنية " وحى يوحى علمه شديد القوى " . و فيها الوصف الاول لرؤيا ملاك الوحى فى غار حراء . و الوصف الثانى فى ( الشورى 52 مع 15 ) يفسر هذا " الوحى يوحى " بأنه هداية إلى الصراط المستقيم ، الايمان بالكتاب و الدعوة له ، بحسب قوله : " إنا أنزلناه فى ليلة مباركة ... أمرا من عندنا ، إنا كنا مرسلين " ( الدخان 3 – 5 ) .
فى الخامسة و العشرين ( القدر ) يأتى أول تصريح عن زمن الوحى : " إنا أنزلناه فى ليلة القدر " . و هو مثل قوله : " إنا أنزلناه فى ليلة مباركة " ( الدخان 3 ) حيث الضمير معلن فى قوله : " أمرا من عندنا ، إنا كنا مرسلين " ( الدخان 5 ) . فالمنزل هو " الأمر " بالرسالة . هذا هو " القرآن " الذى نزل جملة : " آمنت بما أنزل الله من كتاب " ( الشورى 15 ) ، بحسب آيتى سورة ( الدخان 3 – 5 ) . فما الدعوة القرآنية كلها سوى تفصيل هذا " الأمر " فى " تفصيل الكتاب " ( يونس 37 ) .
و السورة التاسعة و العشروةن ( قريش ) توضح أهل الدعوة الأولين موضوعها : " لا يلاف قريش : فليعبدوا رب هذا البيت " ! حسب الوهم المشهور كان " البيت العتيق " ، كعبة

شرك و أوثان
الصفحة
  • عدد الزيارات: 11736