Skip to main content

موقف القرآن السلبى من كل معجزة

موقف القرآن السلبى من كل معجزة
( للاستاذ دروزة )

إن المعجزة دليل النبوة الاوحد ، بإجماع الكتب السماوية ، و إجماع المتكلمين فى كل دين . و ينسب القوم فى الحديث و السيرة و الشمائل و المغازى إلى محمد معجزات تفوق معجزات عيسى و موسى و سائر النبيين كمية و قيمة . و أبو بكر ابن العربى فى تفسيره ( أنوار الفجر ) أوصلها إلى ألف معجزة عدا ، و هو يقول : لقد لخصت و اختصرت . و ابن تيمية ، فى كتابه " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " ( 4 : 249 ) أوصلها إلى عشرات الألوف ، قال : " و المقصود هنا تواتر أنواع آياته المستفيضة فى الأحاديث أعظم من أمور كثيرة هى متواترة عند الأمة أو عند علمائها و علماء أهل الحديث . و هذا غير الآيات و البراهين المستفادة بالقرآن ... حتى بينوا أن ما فى القرآن من الآيات يزيد على عشرات
ألوف من الآيات . و هذا غير ما فى كتب أهل الكتاب من الاخبار به . و هذه الاجناس الثلاثة غير ما فى شريعته التى بعث بها ، و غير صفات أمته ، و غير ما بذل من المعرفة بسيرته و أخلاقه و صفاته و أحواله . و هذا كله غير نصر الله و إكرامه لمن آمن به ، و عقوبته و انتقامه ممن كفر به ، كما فعل بالانبياء المتقدمين . فإن تعداد أعيان دلائل النبوة مما لا يمكن بشرا الاحاطة به " . لكن القول الفصل فى النبوة و المعجزة هو للقرآن وحده : فهل يشهد القرآن لمحمد بمعجزة ؟
إن الواقع القرآنى المشهود هو " موقف القرآن السلبى " من كل معجزة له .
و قد أوجز هذا الموقف السلبى زعيم أهل السيرة العلمية فى عصرنا ، الاستاذ حسين هيكل فى ( حياة محمد ) : " لم يرد فى كتاب الله ذكر لمعجزة أراد الله بها أن يؤمن الناس كافة على اختلاف عصورهم ، برسالة محمد ، إلا القرآن " . و هى مقالة زعيم أهل كتب الاعجاز ، الباقلانى : " إن نبوة النبى صلعم معجزتها القرآن " . فهى مقالة الاولينو الاخرين بالاجماع : ليس فى القرآن من معجزة سوى اعجازه . فبحسب نص القرآن القاطع ، و اجماع العلماء فيه ، ليس لمحمد من معجزة حسية تشهد لنبوته . هناك اعجاز القرآن وحده يشهد له . و سنرى فى القسم الثانى : هل يعتبر القرآن اعجازه معجزة له ؟ و هل يصلح الاعجاز البيانى معجزة الهية فى النبوة للعالمين ؟
و قد فصل الاستاذ عزة دروزة " موقف القرآن السلبى " من معجزة ، فى ( سيرة الرسول 1 : 225 – 226 ) . قال : " وقف الزعماء ازاء هذا الموقف القرآنى من تحديهم ، و أخذوا يطالبون النبى صلعم بالمعجزات والآيات برهانا على صدق دعواه أولا ، ثم أخذوا يدعمون مطالبهم بتحد آخر ، و هو سنة الانبياء السابقين الذين جاؤوا بالايات و المعجزات ( الاسراء 90 – 93 ، الحجر 6 – 7 ، الفرقان 7 – 8 ، القصص 48 ، الانبياء 5 ) . و قد تكرر طلب الايات من جانب الجاحدين ، أو بالاحرى زعمائهم ، كثيرا ، حتى حكى القرآن المكى عنهم نحو خمس و عشرين مرة صريحة ، عدا ما حكى عنهم من التحدى الضمنى ، و من التحدى بالاتيان بالعذاب و استعجاله و السؤال عنه .
" و لا نعدو الحق اذا قلنا إن من المستفاد من الايات القرآنية المكية أن الموقف تجاه هذا التحدى المتكرر كان سلبيا ، غذغ ما استثنينا الاشارة إلى القرآن كآية كافية ، أو إلى احتوائه
ما فى الكتب السماوية كآية على صحة وحى الله به ( الانعام 37 ، يونس 20 ، الرعد 7 ، طه 133 ، الشعراء 197 ، العنكبوت 50 – 54 ، الملك 25 – 26 ) .
" بل هناك ما هو أبعد مدى على الموقف السلبى المذكور : ان المسلمين كانوا يتمنون استجابة الله لتحدى الكفار و إظهار معجزة تبهتهم فيؤمنون برا بايمانهم ( الانعام 7 و 109 – 111 ، الحجر 14 – 15 ) و فى ( الانعام 14 ) آية وجه فيها الخطاب الى النبى صلعم تدل على انه هو نفسه كان يتمنى أن يحدث الله على يده آية تبهت الكفار و تحملهم على الاذعان . و فى سورة ( هود 12 ) آية عظيمة المغزى من ناحية شعور النبى صلعم هذا ، إذ تكشف عما كان يخالج نفس النبى صلعم من حيرة و ضيق بسبب تحدى الكفار إياه بالمعجزات ، حتى لقد كات يترك أحيانا تلاوة بعض ما يوحى إليه عليهم ، أو يكاد صدره يضيق به لتوقعه منهم التحدى . و قد روى الرواة فى صدد الآية ما فيه توضيح أكثر إذ قالوا : إن الكفار كانوا يطالبون النبى صلعم بالمعجزات فلا يستجيب إليهم ، ثم توحى غليه الآيات القرآنية ، فيسخرون منه ، و يقولون : هلا استنزلت ملاكا أو كنزا ، بدلا من هذه الآيات ؟ فكان يخجل و يتهرب منهم أحيانا .
" و نعتقد أن من السائغ أن يقال : إن هذا الموقف السلبى كان من عوامل تكرر التحدى من جانب الزعماء المكابرين المستكبرين ، و انقلاب أسلوبهم فيه إلى التعجيز حينا ( الاسراء 90 – 93 ) ، و إلى السخرية حينا ( الحجر 6 – 7 ) ، و الالتجاء إلى الله ( الأنفال 32 ) ، كما كان دعامة لصدهم و تعطيلهم و خبث دعايتهم و مكرهم ضد النبى صلعم و دعوته أيضا ، بل لعله كان من أسباب تمسك المعتدلين بجحودهم أولا ، و انجرافهم مع المعاندين أخيرا ...
" نقول ما قلناه و نحن نعرف أن كثيرا من المفسرين قالوا : 1 " آيات سورة القمر الأولى احتوت معجزة انشقاق القمر فعلا بمكة ، و رووا أحاديث عدة مؤيدة لقولهم ، و فى بعضها ما يفيد ان هذه المعجزة قد وقعت جوابا على تحدى الكفار ( 1 ) . 2 " إن حادث الاسراء ( 2 ) الذى ذكر بصراحة فى الاية الاولى من سورة ( الاسراء ) يسلك فى عداد
المعجزات النبوية ، و مثله حادث المعراج الذى ذكر ضمنا ، على رأى بعض العلماء فى بعض سورة ( النجم ) . 3 " إن فى القرآن تأييدات ربانية للنبى صلعم و المسلمين فى بعض المواقف و الأزمات ، و خاصة فى أثناء الجهاد ، كما أن فيه ما يدل على أن النبى صلعم قد أطلع على بعض الامور المغيبة ( 1 ) مما عد فى عداد المعجزات النبوية . 4 " إن فى كتب الحديث و السيرة و الشمائل روايات كثيرة عن معجزات نبوية ، منها ما روى أنه وقع فى مكة جوابا على تحدى الكفار .
" غير أننا فى الحق نرى أن الموقف السلبى الذى تمثله آيات القرآن عاما و قويا ، من الصعب أن ينقصه ذلك " .
ثم انتهى إلى القول " و هذه النواحى الايجابية فى النصوص القرآنية يصح أن تكون مفسرة لحكمة ذلك الموقف السلبى ، بحيث يصح أن يستلهم منها ، و أن يقال – و قد ألمح الى ذلك غير واحد من الباحثين أيضا – إن حكمة الله اقتضت أن لا تكون الخوارق دعامة لنبوة سيدنا محمد عليه السلام ، و برهانا على صحة رسالته و صدق دعوته " .
فالواقع القرآنى شاهد عدل غذن أنه لا معجزة فى القرآن ، و بالتالى فى الحديث و السيرة و الشمائل : ففى هذه افتراء على التاريخ ، و فى تفسير القرآن تخريج مغرض ، و ذلك بشهادة القرآن الصريحة القاطعة ، فى موقفه السلبى من كل معجزة لمحمد .

  • عدد الزيارات: 4980