Skip to main content

الواقع القرآنى بنفى المعجزة عن محمد - انتهى العهد الثانى بمكة بلا معجزة ، و لا اعجاز

الصفحة 5 من 6: انتهى العهد الثانى بمكة بلا معجزة ، و لا اعجاز

و هكذا انتهى العهد الثانى بمكة بلا معجزة ، و لا اعجاز ، فقد " شهد شاهد من بنى اسرائيل على مثله " . و هاجر محمد إلى الطائف شريدا طريدا . فرده أهلها من عرب و يهود ، ردا غير جميل . فرجع الى مكة مستجيرا بأحد زعمائها . و رجع الى دعوته .
فى سورة ( الكهف ) ، التاسعة و الستين ، ظلوا يطالبونه ، لصحة دعوته ، بمعجزة ، لأنها " سنة الأولين " . يستفتح بتحذير النبى من اليأس : " قلعلك باخع ( مهلك ) نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث ، أسفا " ( 6 ) ، و يحرضه على متابعة رسالته بالتضامن مع الكتاب و اهله من أولى العلم المقسطين : " و اتل ما أوحى إليك من كتاب ربك ، لا مبدل لكلماته " ( 27 ) ، فالقرآن وحى من الكتاب المقدس ، لا مبدل لكلماته فى تفصيله و تعريبه ، " و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشى يريدون وجهه " ( 28 ) فمحمد أمة واحدة مع " النصارى " . ثم يستعرض فشل الدعوة بسبب عجزه عن معجزة ، سنة الله فى النبوة : " و ما منع الناس أن يؤمنوا ، إذ جاءهم الهدى ، و يستغفروا ربهم ، إلا أن تأتيهم سنة الأولين ، أو يأتيهم العذاب قبلا " ( 55 ) . فالمعجزة حتى عند المشركين ، هى دليل الله الأوحد على النبوة لأنها سنة الأنبياء كلهم قبل محمد ، و عجز محمد الدائم عن معجزة هو سبب امتناعهم عن الايمان به و يدعونه . مع ذلك فهو يعلن إفلاسه عن معجزة تؤيده : " قل : إنما أنا بشر مثلكم يوحى الى إنما إلهكم اله واحد " ( 110 ) . فالقرآن دعوة كتابية " نصرانية " ، لكنها بدون معجزة . هذا ما يظهر أيضا من السورة التالية .
فى ( النحل ) ، السورة السبعين ، يجهر من جديد بانتمائه الى الكتاب و أهله من " أولى العلم المسلمين " . فى جدال المشركين يعلن : " فاسألوا أهل الذكر ، إن كنتم لا تعلمون
بالبينات و الزبر " ( 43 – 44 ) . يستشهد بهم لأن القرآن العربى بيان التنزيل الكتابى : " و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ، و لعلهم يتفكرون " ( 44 ) . فمحمد لا يأتى بوحى جديد ، بل هو ينقل للعرب " و ما نزل إليهم " من قبل فى الكتاب ، دين موسى و عيسى معا بلا تفرقة الذى شرعه للناس ( الشورى 13 ) . و غاية ثانية من الدعوة القرآنية بيان ما اختلف فيه أهل الكتاب : " و ما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذى اختلفوا فيه " ( 64 ) ، و هذا البيان يأتى على طريقة " المسلمين " من أهل الكتاب : " و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء ، و هدى و رحمة و بشرى للمسلمين " ( 89 ) . و هؤلاء المسلمون هم غير جماعة محمد ، المتقين من العرب : " قل : نزله روح القدس من ربك بالحق ، ليثبت الذين امنوا ، و هدى و بشرى للمسلمين " ( 102 ) . فالتمييز صريح بين الكنايتين : " الذين أمنوا " و هى الكناية المتواترة لجماعة محمد ، " و المسلمين " و هى الكناية المتواترة للنصارى من بنى اسرائيل الذين يدعوا القرآن بدعوتهم . و هكذا " فالمسلمون " الأصليون ، فى لغة القرآن ، ليسوا جماعة محمد . و القرآن العربى هو " هدى و بشرى للمسلمين " – اصطلاح قرآنى آخر : " الهدى " كناية عن التوراة ، و " البشرى " كناية حرفية عن الانجيل ، فالقرآن العربى هو تثبيت " للذين آمنوا " من العرب ، و بمثابة توراة و انجيل " للمسلمين " من أهل الكتاب . مع ذلك يحول دون ايمان المشركين بالدعوة القرآنية سببان ، غير العجز عن معجزة : الاول اشتباههم بأن يتعلم من بشر : " و لقد نعلم أنهم يقولون : إنما يعلمه بشر ! – لسان الذى يلحدون إليه إعجمى و هذا لسان عربى مبين " ( 103 ) . محمد التجار الدولى فى أكبر تجارة مكية ، مدة عشرين عاما ما بين اليمن و الشام كان يعرف لغة اليمن و لغة الشام ، الحميرية و الارامية ، و لا يقيم بين ظهرانى العرب بمكة من لا يعرف لغتهم . و قولهم " انما يعلمه بشر " مثل قولهم : " و ليقولوا : درست " ، فليس الخلاف على التعليم و الدرس ، انما الخلاف على اللسان العربى المبين الذى هو ميزة محمد و القرآن . و الثانى اطلاعهم على سر آخر ، التبديل فى آى القرآن : " و اذا بدلنا آية مكان آية – و الله أعلم بما ينزل – قالوا : إنما أنت مفتر ! بل أكثرهم لا يعلمون " ( 101 ) . و هذان الأمران سببا ردة عن الاسلام فى اخر العهد بمكة .
و فى ( ابراهيم ) ، السورة الثانية و السبعين ، ينقل حوار الرسل و اقوامهم على ضروة المعجزة ، السلطان المبين من الله على صحة نبوئتهم : " قالوا : إن أنتم الا بشرا مثلنا تريدون
أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا : فأتونا بسلطان مبين ! قالت لهم رسلهم : إن نحن الا بشر مثلكم ، و لكن الله يمن على من يشأ من عباده ، و ما كان لنا أن نأتيكم بسلطان ، الا باذن الله ، و على الله فليتوكل المؤمنون " ( 10 – 11 ) هذه حال محمد مع مشركى مكة ، فان الله لم ياذن لعبده محمد بسلطان المعجزة المبين .
لذلك فى سورة الانبياء ، الثالثة و السبعين يتهمونه بشتى التهم لأنه لم يأتهم بمعجزة كالانبياء الأولين : " بل قالوا : اضغاث احلام ! بل افتراه ! بل هو شاعر ! فاليأتنا بآية كما أرسل الأولون " ( 5 ) . فلا معجزة فى القرآن يكفيه أنه ينقل للعرب الذكر الذى فى الكتاب و الحكمة و التوراة و الانجيل : " لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم افلا تعقلون " ( 10 ) . و هذا الذكر القرآنى من الذكر الكتابى : " هذا ذكر من معى و ذكر من قبلى " ( 24 ) . فالكتاب هو القرآن و الذكر و الفرقان للمتقين من العرب : " و لقد اتينا موسى و هارون الفرقان ، و ضياء و ذكرا للمتقين " ( 48 ) . لذلك فأهل الكتاب و أهل القرآن الذين يؤمنون " بالتى احصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا و جعلناها و ابنها آية للعالمين " ( 91 ) هم " أمة واحدة " ( 92 ) . هذا هو الاعلان الاول عن وحدة الامة بين جماعة محمد و " النصارى " ، ووحدة الاسماء بين الكتابين كالذكر و القرآن و الفرقان ، تعنى وحدة الدعوة . ووحدة الدعوة تعبيرا و تفكيرا ووحدة الامة برهانا قاطع على أن الدعوة القرآنية دعوة " نصرانية " .
و فى سورة ( المؤمنون ) الرابعة و السبعين يعود إلى اعلان وحدة الامة بين جماعة محمد و النصارى من بنى اسرائيل الذين يؤمنون معا بأن " ابن مريم و امه آية " : " و ان هذه امتكم امة واحدة ، و انا ربكم فاتقون " ( 52 ) . انهم امة واحدة ما بين الذين " تقطعوا امرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون " ( 53 ) . و سنعرف أن هذه الامة الواحدة هى امة وسط بين اليهودية و المسيحية ، لأنها تقيم التوراة و الانجيل معا و لأنها تدعو لدين موسى و عيسى دينا واحدا بلا تفرقة . فانكروا رسولهم لأنه لم يأتهم بمعجزة تؤيد صحة رسالته و دعوته ( 69 ) حتى كاد يشك فى أمره .
ففى ( السجدة ) الخامسة و السبعين يردع القرآن محمدا عن الشك فى امره و فى " تفصيل الكتاب " فى القرآن العربى : " و لقد اتينا موسى الكتاب : فلا تكن فى مرية من لقائه ! و جعلناه هدى لبنى اسرائيل ، و جعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا " ( 23 – 24 ) . على
محمد ألا يشك فى لقاء الكتاب بواسطة أثمته الذين بأمر الله يهدونه اليه . و نعلم من المتواتر فى القرآن أن هؤلاء الأثمة أساتذة النبى العربى هم " أولو العلم قائما بالقسط " ، " الراسخون فى العلم " النصارى من بنى اسرائيل . و هذا التصريح الضخم برهان قاطع على تدريسهم الكتاب لمحمد و تفصيلهم له على طريقتهم " النصرانية " و لو لم يتله فى الأصل بنفسه و لم يخطه بيمينه ( العنكبوت 48 ) . فيتشدد محمد بهداية أثمته له .
و فى ( الطور ) ، السادسة و السبعين ، يطمئن ، و يتحدى المشركين بالقرىن الذى يتهمونه بافترائه : " أم يقولون : تقوله ! بل لا يؤمنون ! – فليأتوا بحديث مثله ، إن كانوا صادقين " ( 33 – 34 ) هذا التحدى موجه للمشركين ، فقد " شهد شاهد من بنى اسرائيل على مثله " ( الاحقاف 10 ) فليس التحدى باعجاز القرآن مطلقا . و قد اخذ بالتراخى مع المشركين أنفسهم ، من " سورة مثله " ( يونس 37 ) ، الى " عشر سور مثله " ( هود 13 ) ، الى " حديث مثله " ( الطور 34 ) فليس اعجاز القرآن معجزة لأن عند النصارى من بنى اسرائيل " مثله " ( الاحقاف 10 ) .
فى سورة ( الروم ) ، الرابعة و الثمانين ، يظهر القرآن أولا تضامنه مع المسيحية نفسها ، كما ظهر تضامنه معها فى الهجرة الى الحبشة : " آلم . غلبت الروم فى أدنى الأرض ، و هم من بعد غلبهم سيغلبون فى بضع سنين . لله الأمر من قبل و من بعد . و حينئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ، ينصر من يشاء و هو الرحيم العزيز " ( 1 – 5 ) . سورة ( الروم ) من آخر العهد بمكة أى من العام 622 م . و قد غزا الفرس سوريا سنة 612، وفلسطين614 و مصر 618. وبدأ هرقل غزو الفرس بنصر ساحق عام 622 دام حتى 629 م. فالروم من بعد غَلَبهم سيغلبون فى تاريخ نزول سورة ( الروم ) عام 622 م . و يتم النصر " فى بضع سنين " عام 629 م كما يتضح من انتصارات الغزو لبلاد الفرس . فالآية القرآنية تاريخ لا نبوءة لأن محمدا ، بنص القرآن القاطع ، " لا يعلم الغيب " ( الانعام 50 ) . و النبوءة الغيبية نوع من المعجزة ، و لا معجزة فى القرآن ، بتصاريحه المتواترة ( الاسراء 59 ، الانعام 35 ) .

تضامن فى المصير مع المسيحية
الصفحة
  • عدد الزيارات: 11791