Skip to main content

الواقع القرآنى بنفى المعجزة عن محمد - فالتحدى بالهدى ، لا باعجاز الخطاب و البيان

الصفحة 3 من 6: فالتحدى بالهدى ، لا باعجاز الخطاب و البيان

فالتحدى بالهدى ، لا باعجاز الخطاب و البيان ، و هداه من هدى الكتاب الذى يفصله ، فليس فيه معنى المعجزة ، و هو ينتظرها معهم ( 20 ) . لذلك ظلوا يكذبونه حتى شك من نفسه و من امره ، فيحيله وحيه الى اساتذته من اهل الكتاب : " فإن كنت فى شك مما أنزلناه اليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك ! لقد جاءك الحق من ربك ، فلا تكونن من الممترين ! و لا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين " ( 94 – 95 ) . تلك الصورة النفسية و الايمانية ، بعد التحدى باعجاز القرآ، " بسورة مثله " ، دليل على أن محمدا نفسه لم يعتبر اعجاز القرآن الذى يتحدى به معجزة له ، فالشك مع الايمان و المعجزة لا يجتمعان فى نفس نبى ! فردع محمد عن الشك ثم عن الشرك كما فى قوله : " و امرت أن أكون من المؤمنين ، و أن أقم وجهك للدين حنيفا ، و لا تكونن من المشركين " ( 104 – 105 ) هما برهان قاطع على ان الله لم يجعل القرآ، دليلا على النبوة .
و فى ( هود ) ، الثانية و الخمسين ، تتطور الازمة الايمانية فى نفس محمد الى تركه بعض الوحى : " فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك ، و ضائق به صدرك ، ان يقولوا : لولا انزل عليه كنز ! أو جاء معه ملك ! – انما انت نذير ، و الله على كل شىء وكيل " ( 12 ) . فمحمد نذير " بتفصيل الكتاب " للعرب ، و ليس بنى مطلع على الغيب ، أو رسول بمعجزة . انما هو نبى و رسول ، بنبوة الكتاب و رسالته . فاذا رد على اتهام المشركين له بالافتراء : " أم يقولون : افتراه ! قل : فاتوا بعشر سور مثله مفتريات ، و ادعوا من استطعتم من دون الله ، ان كنتم صادقين ! فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا انما انزل بعلم الله ، و ان لا اله الا هو ، فهل انتم مسلمون " ( 13 – 14 ) – فهو انما يتحداهم بمطابقة القرآن للكتاب : "افمن كان على بينة من ربه – و يتلوه شاهد منه ، و من قبله كتاب موسى إماما و رحمة – أولئك يؤمنون به . و من يكفر به من الاحزاب فالنار موعده " ( 17 ) . و هذه المطابقة يشهد بها اهل الكتاب : " و يتلوه شاهد منه " ، كقوله : " و شهد شاهد من بنى اسرائيل على مثله " ( الاحقاف 10 ) ، " و من قبله كتاب موسى إماما و رحمة " : براهين ثلاثة تدل على صحة المطابقة بين القرآن و الكتاب ، فليس من افتراء فى دعوة محمد . و لكن ليس من معجزة فيها ، و لا من اعجاز يعتبر معجزة ، لأن الاعجاز الاول للكتاب الامام : " و من قبله كتاب موسى اماما " . و لو كان القرآن دليل النبوة ، لما شك النبى فى امره : " فلا تك فى مرية منه : انه الحق من ربك ، و لكن اكثر الناس لا يؤمنون " ( 17 ) . فاذا كان اعجاز القرآن لم يرفع الشك حتى الآن من
نفس محمد ، فكيف يكون هذا الاعجاز معجزة للثقلين ؟ فمحمد بحاجة إلى التثبيت فى الايمان قبل المؤمنين بدعوته : " و كلا نقص عليك من انباء الرسل ما نثبت به فؤادك ، و جاءك فى هذه الحق ، و موعظة و ذكرى للمؤمنين " ( 120 ) . هذه الصورة النفسية و الايمانية الثانية برهان قاطع على ان محمدا لم يعتبر اعجاز القرآ، معجزة ، و ان الله لم يجعل القرآن دليل النبوة . و من انتساب محمد إلى " اولى العلم " من اهل الكتاب ، و من انتساب القرآن إلى " امامة " الكتاب له ، نفهم أن التحدى باعجاز القرآن كان محصورا بالمشركين العرب ، لا مطلقا يعم العالمين ، و لا موجها للكتابيين أهل العلم و الهدى الذين عندهم الكتاب " امام " القرآن .
و فى سورة ( الحجر ) ، الرابعة و الخمسين ، يستفتح بقوله : " آلر . تلك آيات الكتاب و قرآن مبين " ( 1 ) . بهذا الوصف يحدد صلة القرآن العربى بالكتاب : يتلو آيات الكتاب ، كما يشير بقوله : " تلك " ، ثم يعقب عليها بقرآن مبين لها . فيقول : " ربما يود الذين كفروا لم كانوا مسلمين ! ( 2 ) . فيردون عليه : " يا ايها الذى نزل عليه الذكر ، انك لمجنون " ! لو ما تأتينا بالملائكة ، ان كنت من الصادقين " ( 6 – 7 ) . فيجيب ببساطة : " لا يؤمنون به ، و قد خلت سنة الاولين " ( 13 ) . اجل لقد مضت و انقضت سنة الله بتاييد انبيائه بالمعجزات ، فلا معجزة عند محمد . و هذا ما يضايقه فى دعوته : " و لقد نعلم انك يضيق صدرك بما يقولون " ( 97 ) .
و فى هذه السورة النص القاطع على أن " القرآن " الذى يدعو إليه الكتاب الامام : " و لقد آتيناك سبعا من المثانى و القرآن العظيم ... كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين ( 87 و 90 – 91 ) . فالمقتسمون هم " اليهود و النصارى ، ( الذين جعلوا القرآن ) اى كتبهم المنزلة عليهم ، ( عضين ) أجزاء ، حيث امنوا ببعض و كفروا ببعض " ( الجلالان ) . فالقرآن العظيم الذى يدعو اليه محمد بالقرآن العربى هو الكتاب المقدس و ذلك بشهادته هذه القاطعة . و بما ان " القرآن العظيم " هو الكتاب المقدس فان " المثانى " المقرونة به هى " المشنة " فى التلمود ، نقل التعبير بحرفه العبرى و عربه . و المشنة هى " فرقان " الكتاب اى تفصيله و تفسيره . ان تعبير " القرآن و المثانى " يعنى الكتاب و السنة . فالقرآن العربى هو تفصيل " القرآن العظيم " أى الكتاب المقدس مع سبع قصص من " المشنة " و هذا مصدر قصصه التوراتى.
نصل إلى ( الانعام ) السورة الخامسة و الخمسين ، التى يبلغ فيها الجدل فى صحة النبوة و الدعوة ذروته . و هى متبعضة اى فيها آى مكى و آى مدنى ، و من ازمنة مختلفة . يحاورهم فى اعراضهم عن الدعوة القرآنية بسبب عجز محمد عن معجزة . يستفتح بذكر اعراضهم الذى يحرجه : " و ما تاتيهم من آية ( قرآنية ) من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين " ( 4 ) لانهم يطلبون منه معجزة حسية كنزول ملاك يشهد له ( 8 ) . أما هو فيكتفى بشهادة الله بوحى القرآن له : " قل : اى شىء اكبر شهادة ؟ قل : الله شهيد بينى و بينكم و اوحى الى هذا القرآن لانذركم به و من بلغ " ( 19 ) ، و يقرون اليها شهادة " اولى العلم " من أهل الكتاب ، " الذين يعرفونه كما يعرفون ابناءهم " ( 20 ) . هذه المعرفة الابوية المصدرية شهادة على المصدر ، و شهادة على مطابقة القرآن لأصله الكتابى . فآية محمد الوحيدة هى شهادة : " من عنده علم الكتاب " و سيظل هذا موقفه حتى آخر العهد بمكة : " و يقول الذين كفروا : لست مرسلا ! – قل : كفى بالله شهيدا بينى و بينكم و من عنده علم الكتاب " ( الرعد 43 ) . أما المعجزة فهى ممنوعة على محمد . و يتدخل الوحى نفسه فى تعجيزه عن كل معجزة : " و إن كان كبر عليك اعراضهم ، فان استطعت ان تبتغى نفقا فى الارض ، او سلما فى السماء ، فتاتيهم باية – اكمل الجلالان الجواب : " فافعل ، المعنى انك لا تستطيع ذلك " ( 35 ) . بعد المنع المبدىء لكل معجزة ( الاسراء 59 ) ، يصرح هنا بالامر الواقع ، و هو العجز المطلق ( 35 ) . و بعد تعجيز الوحى له عن كل معجزة ياتى اقرار النبى لحقيقة هذا الامر الواقع : " ما عندى ما تستعجلون به " ! ( 57 ). و يكرر :" قل : لو أن عندى ما تستعجلون به لقضى الامر بينى و بينكم " ( 58 ) . هذا هو القول الفصل فى عجز محمد عن كل معجزة .

مع العجز عن كل معجزة حسية ، يأتى التصريح بالعجز عن كل نبوءة غيبية
الصفحة
  • عدد الزيارات: 11772