Skip to main content

الواقع القرآنى بنفى المعجزة عن محمد - شرك و أوثان

الصفحة 2 من 6: شرك و أوثان

شرك و أوثان . فهل يأمر القرآن بالشرك ؟ هذا كفر بحقه . إن القرآن العربى يشهد بأن الكعبة كانت معبد توحيد ، و تمثيل المسيح و امه على جدرانها ، كما روى الأزرقى ، و ذلك قبل البعثة بخمس سنوات ، عند تجديد بنائها ، يشهد بأنها كانت معبدا مسيحيا ، يطوف به قس مكة " النصرانى " ورقة بن نوفل . و ما كان القس ليطوف بمعبد شرك و أوثان ، و ما كان القرآن ليأمر بعبادة " رب هذا البيت " رب شرك و أوثان . هذه شهادة قرآنية أولى على ذلك .
و الشهادة الثانية فى السورة الخامسة و الثلاثين ( البلد ) حيث يقسم : " لا ! أقسم بهذا البلد ، و أنت حل بهذا البلد ، ووالد و ما ولد : لقد خلقنا الانسان فى كبد " ( 1 – 4 ) . إن القسم " بوالد و ما ولد " قسم ميسحى بالله و المسيح – لا " بآدم و ذريته " كما يقول الجلالان – و هو قسم تردده عقيدة النصارى من بنى اسرائيل ، كما نقلها القرآن فى قوله : " قل : هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد و لم يولد " . وقسم القرآن " بهذا البلد " برهان على أن مكة كانت بلد توحيد ، بخلاف الوهم المشهور ، و غلا جعلنا القرآن يقسم ببلد مشرك ، معاذ الله ! إنما شرك اهل مكة كان " الى الله " ( الزمر 3 ) ، لا عبادة مخلوق مع الخالق . فالقسم الثنائى " بهذا البلد ، ووالد ما ولد " شهادة قائمة لسيطرة المسيحية على مكة و الكعبة ، بخلاف ما يتوهمون و يوهمون . و اعلان القرآن : " قل : هو الله احد ، لم يلد و لم يولد " هو اشهار الصراع الناشىء بين " النصرانية " و المسيحية ، للسيطرة على مكة و الكعبة ، بفضل الدعوة القرآنية .
و فى السورة السابعة و الثلاثين ( القمر ) يفتتح القصص القرآنى . و فيها يذكر مصادر دعوته و قصصه ، و يستعلى بها على المشركين من بنى قومه : " أكفاركم خير من اولئكم ؟ أم لكم براءة فى الزبر ؟ " ( 43 ) . و يكرر : " و كل شىء فعلوه فى الزبر " ( 52 ) . و هو مثل قوله: " و انه لتنزيل رب العالمين ... و انه لفى زبر الاولين : ألم يكن لهم اية ان يعلمه علماء بنى اسرائيل " ( الشعراء 192 – 197 ) ، " زبر الاولين " أى " كتبهم كالتوراة و الانجيل " ( الجلالان ) . فالقرآن ينتسب فى دعوته إلى النصارى من بنى إسرائيل ، " المسلمين " من أهل الكتاب ، الذين يتلو معهم " قرآن " الكتاب ( القلم 37 – 38 ، المزمل 1 – 5 ) .
نصل الى سورة (الاعراف) ،التاسعة والثلاثين . وهى سورة متبعضة أى فيها آى مكى وآى مدنى (حديث النبى الأمى )،من أزمنة مختلفة . و(الاعراف ) مع (الانعام) هما صورة الجدال الأكبر فى الدعوة والمعجزة التى يطلبون لتأييدها .يصرح :"ولقد جئناهم

بكتاب فصلناه على علم ،هدى ورحمة لقوم يؤمنون " (52): فالقرآن العربى إنما هو "تفصيل الكتاب " (يونس 37 ) ، على طريقة "أولى العلم "، "الصالحين "،كناية عن "النصارى " من بنى إسرائيل :" ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق و به يعدلون "(159). فعلى مثالهم يدعو " النبى الأمى الذى يؤمن بالله و كلمته " ( 1 ) ( 158 ) أى بالله و المسيح . فالدعوة القرآنية دعوة " نصرانية " : " إن ولى الله الذى نزل الكتاب ، و هو يتولى الصالحين " ( 196 ) . و هؤلاء الصالحون " هم " ممن خلقنا أمة يهدون بالحق و به يعدلون " ( 181 قابل 159 ) ، أى " النصارى " من بنى اسرائيل . فهو يدعو فى القرآن بدعوة هؤلاء " النصارى " الصالحين . و شهادتهم له هى كل برهانه على صحة دعوته . يتحدونه بمعجزة فيجيب : "و اذا لم تأتهم بآية قالوا : لولا اجتبيتها " ! ( 203 ) أى " لولا أنشأتها من قبل نفسك " ( الجلالان ) . و يتحدونه بنبوءة غيبية فيجيب : " قل : لا أملك لنفسى نفعا و لا ضرا ، إلا ما شاء الله ! و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير و ما مسنى السوء ! إن أنا إلا نذير و بشير لقوم يؤمنون " ( 188 ) . فليس فى القرآن العربى نبوءة غيبية ، و لا معجزة حسية ، إنما هو قرآن الكتاب على العرب : " واذا قرىء القرآن فاستمعوا له و انصتوا لعلكم ترحمون " ( 204 ) ، فالقرآن الذى يتلوه عليهم هو غير هذا القرآن العربى الذى يقص الخبر : فالقرآن المخبر هو غير القرآن المخبر عنه ، لاحظ استعمال التعريف المطلق دائما : " القرآن " منذ مطلع الدعوة ( المزمل 4 ) و لم ينزل من القرآن العربى ، حينئذ الا ايات معدودات ، حتى الان ( الاعراف 204 ) . فالقرآن العربى هو دعوة لقرآن الكتاب ، " للقرآن " على الاطلاق ، بلا نبوءة غيبية و لا معجزة حسية ، انه " تفصيل الكتاب " للعرب . و فى هذا " التفصيل " نبوءة محمد كلها ، و دعامة صحتها .
فى الحادية و الاربعين ( يس ) يقسم : " و القرآن الحكيم ، انك لمن المرسلين ، على صراط مستقيم ، و تنزيل العزيز الرحيم ، لتنذر قوم ما انذر ابائهم فهم غافلون " ( 1 – 6 ) . ليس المقسم به " القرآن الحكيم " و المقسم عليه القرآن العربى واحدا ؟ و ما نزل من القرآن العربى لم تكن له هذه الحرمة عند المشركين حتى يصح القسم به ، و ليس هو بالمعروف المشهور المطلق حتى يسميه " القرآن الحكيم " : فهذا " القرآن الحكيم " الذى يدعو إليه القرآن العربى هو
الكتاب المقدس . فقرآن الكتاب هو " تنزيل العزيز الرحيم " ، و محمد " من المرسلين ، على صراط مستقيم " بالدعوة له و هذا " الصراط المستقيم " هو " طريق الانبياء من قبلك " ( الجلالان ) . اسم الدعوة يدل عليها : " إن هو الا ذكر و قرآن مبين " ( 69 ) . فدعوة محمد قراءة عربية للكتاب الامام ، و ذكرمنه . و مع ذلك فمشركو مكة يعرضون عنه لأنه لا يأتيهم بمعجزة كالأنبياء الاولين : " و ما تأتيهم من آية ( خطابية ) من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين " ( 46 ) . يطلبون معجزات حسية فيقدم لهم آيات خطابية ، فيردونها إلى الشعر أو إلى السحر ( 69 ) .
فى الثانية و الأربعين ( الفرقان ) يشتد الخصام ، لعجز محمد عن معجزة تفحمهم : " و قال الذين كفروا : إن هذا الا افك افتراه ، و اعانه عليه قوم اخرون ! – فقد جاؤوا ظلما و زورا " ( 4 ) . إنه يرد التهمة بكلمة ساحقة . لكن الرد يقع على الافتراء ، لا على معونة قوم اخرين ينتسب محمد اليهم فى دعوته : " و قالوا : اساطير الاولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة و اصيلا ! – قل : أنزله الذى يعلم السر فى السموات و الارض " ! ( 5 – 6 ) . تراجعوا عن قولهم : " أفك افتراه " ، و سموه : " اساطير الاولين " أى اساطير اهل الكتاب . فرد عليهم : ليس ما يدعوهم اليه " اساطير " بل تنزيل الله فى الكتاب . فلا يرد مباشرة على تهمتهم : " اكتتبها فهى تملى عليه بكرة و اصيلا " . و بما أن النبى يدعى إن دعوته تنزيل ، فهم يطلبون منه معجزة ( 7 – 8 ) فيتهرب . يعاودون الكرة ( 21 ) فيتهرب أيضا . حينئذ يتحدونه بأتيان بالقرآن جملة : " و قال الذين كفرا : لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ( 32 ) – كالتوراة و الانجيل و الزبور ( الجلالان ) – فيجيب : " كذلك ، لنثبت به فؤادك ! و رتلناه ترتيلا ( 32 ) : القرآن عليه كان لتثبيت محمد نفسه قبل دعوة غيره . و الدعوة القرآنية ليست افتراء و لا أساطير ، إنما هى قرآن الكتاب كما عند " الأولين " ، كما يتضح من القول المتواتر " أساطير الأولين " كما نعتوها ( 8 : 31 ، 23 : 83 ، 25 : 5 ، 27 : 68 ، 68 : 15 ، 83 : 13 )
فى الثالثة و الأربعين ( فاطر ) يظهر تضامنه فى دعوته مع طائفة " أولى العلم " من أهل الكتاب : " إن الذين يتلون كتاب الله ، و اقاموا الصلاة و انفقوا مما رزقناهم سرا و علانية يرجون تجارة لن تبور " ( 29 ) . فهو يشهد بأن " كتاب الله موجود قبل القرآن العربى ، و ان ما يتلوه اهل الكتاب فى زمان محمد لم يزل " كتاب الله " ، و يشهد أيضا بأن تلك الطائفة
الصالحة تؤازر الدعوة القرآنية و تنفق فى سبيلها سرا و علانية ، و هم " أولو العلم " من أهل الكتاب ، فيجيبهم بقوله : " إنما يخشى الله من عباده العلماء " ( 28 ) . ليس هذا تعبيرا لغويا كما يفهمونه ، انما هو اصطلاح قرآنى ، كناية عن " أولو العلم " من اهل الكتاب أى " النصارى " من بنى اسرائيل . فيتعنت المشركون ، فيستعلى عليهم " بكتاب الله " الذى يتلوه مع " العلماء " من أهل الكتاب : " ام اتيناهم كتابا فهم على بينة منه " ؟ ( 40 ) إن محمدا عنده " كتاب الله " و هو على بينة منه ، و يدعوهم إليه حسب رغبتهم و قسمهم : " و اقسموا بالله جهد إيمانهم : لئن جاءهم نذير ، ليكونن أهدى من احدى الامم " ( 42 ) – أى اليهود . إن محمدا ، بتضامن مع " أولى العلم " من أهل الكتاب ، حقق للعرب أمانيهم ، " فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا و استكبارا فى الأرض ، و مكر السىء " ( 42 – 43 ) . و سبب ذلك عجزه عن معجزة ، هى سنة الأنبياء الاولين ، كما ينتظرونها منه : " فهل ينظرون الا سنة الاولين ؟ – فلن تجد لسنة الله تبديلا ! و لن تجد لسنة الله تحويلا " ( 43 ) . لقد منعت المعجزات عن محمد ، و لا أمل فى تبديل و تحويل سنة الله ( قابل الاسراء 59 ) .
و هكذا انتهى العهد الاول بمكة ، بالهجرة الجماعية إلى الحبشة المسيحية . لقد احتمى المسلمون المضطهدون عند بنى دينهم . جاء فى ( الاتقان 1 : 19 ) : " ينبغى أن يمثل لما حمل إلى الحبشة بسورة مريم . فقد صح أن جعفر بن ابى طالب قرأها على النجاشى . أخرجه محمد فى مسنده " . و سورة مريم ، الرابعة و الاربعون ، إعلان إيمان الدعوة القرآنية بالمسيح و أمه . فالقرآن دعوة انجيلية على طريقة " النصرانية " . هذا ما نراه أيضا فى العهد الثانى بمكة .
رجع النبى العربى إلى دعوته ، و رجع مشركو مكة إلى تعجيزه بمعجزة كالانبياء الاولين . هذا نراه فى سورة ( طه ) ، الخامسة و الاربعين : " و قالوا : لولا يأتينا بآية من ربه ! – أو لم تأتهم بينة ما فى الصحف الاولى " ( 133 ) . لا معجزة عند محمد مثل سائر الانبياء ، معجزته أن القرآن العربى " بينة ما فى الصحف الاولى " ، و هذا البيان شهادة له على صحة دعوته .
و فى ( الشعراء ) ، السابعة و الاربعين ، يأتى التصريح الكامل فى معنى دعوته و نبوته . يستفتح بذكر اعراضهم المتواصل ( 1 – 9 ) لأن المعجزة المطلوبة لم تأت ( 4 ) . و يرد على كفرهم بدعوته بهذا التصريح :

" و أنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين
على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربى مبين
" و أنه لفى زبر الاولين أو لم يكن لهم أن يعلمه علماء بنى اسرائيل
و لو نزلناه على بعض الاعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين "
( 192 – 199 )
أجل إن القرآن العربى هو أيضا " تنزيل رب العالمين " ( 192 ) ، لكنه " فى زبر الاولين " ( 196 ) أى " كتبهم كالتوراة و الانجيل " ( الجلالان ) و هذه هى البينة الاولى على صحته . فهو تعريب التنزيل " بلسان عربى مبين " ، كما أمره به ملاك الله فى رؤيا غار حراء ، " نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين " . و الشهادة على مطابقة القرآن العربى لكتاب الله فى زبر الاولين ، هى شهادة " علماء بنى اسرائيل " أى " اولى العلم " من بنى اسرائيل ، بحسب الاصطلاح القرآنى المتواتر ( 1 ) ، و هم " النصارى " من بنى اسرائيل ، فشهادتهم لمطابقة الدعوة القرآنية لكتاب الله الامام هى البينة الثانية على صحتها . لا معجزة عنده سوى ذلك ، فالتضامن فى الدعوة و الشهادة لها كامل بين محمد و " علماء بنى اسرائيل " أى " النصارى " ، لذلك فالقرآن العربى دعوة " نصرانية " .
و فى ( النمل ) ، الثامنة و الاربعين يعلن أن أولئك " النصارى " من بنى اسرائيل هم " المسلمون " الحقيقيون الذين ينتمى محمد إليهم ، و يتلو معهم قرآن الكتاب بقراءتهم . قابل فاتحة السورة : " تلك ايات القرآن و كتاب مبين ، هدى و بشرى للمؤمنين ... و انك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم " ( 1 – 6 ) ، مع خاتمتها : " و أمرت أن أكون من المسلمين و أن أتلو القرآن " ( 91 – 92 ) . " فالمسلمون " موجودون قبل محمد ، و هم " من قوم موسى أمة يهدون بالحق و به يعدلون " ( الاعراف 159 ) ، و يعرفون " القرآن " قبل محمد : " أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بنى اسرائيل " ( الشعراء 197 ) ، بل " هو ايات بينات فى صدور
الذين أوتوا العلم " ( العنكبوت 49 ) . ان " علماء بنى اسرائيل " ليسوا اليهود ، " أول كافريه " ، بل النصارى من بنى اسرائيل ، الذين فرضوا " نصرانيتهم " على الجزيرة باسم الاسلام الذى اسهموا فى نشأته و ذابوا فيه ( الصف 14 ) . و " القرآن " ، " القرآن العظيم " موجود معهم " ايات " من الكتاب المبين ، و محمد مأمور بأن ينضم اليهم ، و يتلو معهم هذا " القرآن " لاحظ الاستفتاح : " تلك " و هى اشارة الى ما يسبق السورة القرآنية العربية من تلاوة " آيات القرآن " من الكتاب المبين ، و ما السورة التى تستفتحها الاية سوى تعليق على تلك التلاوة . هذا الواقع القرآنى شاهد عدل على أن محمدا انضم إلى النصارى " المسلمين " قبله ، و تلا الكتاب المبين على العرب " بقرآنهم " أى قراءتهم العربية له ، بإشراف " حكيم عليم " منهم .
و فى هذه السورة التصريح بغاية الدعوة القرآنية : " إن هذا لاقرآن يقص على بنى اسرائيل أكثر الذى هم فيه يختلفون " ( النمل 76 ) . بنو اسرائيل اختلفوا فى المسيح الى يهود و نصارى ، و الدعوة القرآنية قامت – مع هداية مشركى العرب الى التوحيد الكتابى – للفصل فى الخلاف على المسيح بين اليهود و النصارى من بنى اسرائيل . و سيقول القرآن المدنى بأن غايته تأييد هذه النصرانية الاسرائيلية على اليهودية حتى الظهور عليها ( الصف 14 ) . فوقف القرآن كله حتى آخر عهده ، و مجادلة وفد نجران المسيحى اليعقوبى ، موقف الحياد من المسيحية كلها . و موقف الحياد هذا لا يمنع بيان الاختلاف فى العقيدة معها من حين لاخر ، بيان " نصرانية " العقيدة القرآنية .
ثم يقول " و أمرت أن اعبد رب هذه البلدة ... و أمرت أن أكون من المسلمين " ( 91 ) . إن مكة لم تطهر بعد من الشرك ، فمن هو " رب هذه البلدة " ؟ و كيف يؤالف بين هده العبادة ، و بين دعوة " المسلمين " الذين انضم اليهم ؟ إما هو اله الشرك ، و إما هو اله كفر ! إن " رب هذه البلدة " هو الله ، اله المسيحية السائدة فى مكة ، و الذى يعبده أيضا " المسلمون " من قبل محمد ، " النصارى " الذين أمر بأن ينضم غليهم ، و يعبد الله بعبادتهم ، و يدعو بدعوتهم ، فى منافسة المسيحية ، و محاربة الشرك ، و هذه شهادة قرآنية ثالثة على سيادة التوحيد المسيحى بمكة و الكعبة . فلا يقبلون دعوته لأنها بدون معجزة كالانبياء الاولين . أما محمد فيأمل أن تأتى المعجزة : " و قل : الحمد لله ، سيريكم آياته فتعرفونها " ( 93 ) .
و فى ( القصص ) ، التاسعة و الاربعين ، يقص عليهم سيرة موسى ، " فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا : لولا أوتى مثل ما أوتى موسى ! – أو لم يكفروا بما أوتى موسى من قبل ؟ قالوا : سحران ( ساحران ) تظاهرا ! و قالوا : إنا بكل كافرون ! – قل : فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه ، إن كنتم صادقين " ( 48 – 49 ) . هذا مطلع التحدى بالقرآن ، و فى آية ( القصص 49 ) معنى تحدى العرب بإعجاز القرآن : إنه تحدى بالهدى ، لا بالنظم و البيان ، كما يتوهمون و يوهمون . لكن " الكتاب " فى هذا " الهدى " هو القرآن سواء : " أهدى منهما " . فالتحدى موجه للمشركين ، لا للكتابين . فعلى ضوء هذا الاستفتاح بالتحدى بالقرآن ، يجب فهم قصة اعجاز القرآن العربى كلها . و سنرى أن القرآن فى " الهدى " تابع للكتاب إماما له : " و من قبله كتاب موسى إماما و رحمة ، و هذا كتاب مصدق لسانا عربيا " ( الاحقاف 12 ، قابل هود 17 ) : فليس اعجاز القرآن معجزة له . و السورة تشهد باسلام " النصارى " قبل القرآن العربى ، و باسهامهم فى الدعوة القرآنية : " الذين اتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ، و اذا يتلى عليهم قالوا : آمنا به ، انه الحق من ربنا ، إنا كنا من قبله مسلمين ! أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ، و يدرأون بالحسنة السيئة ، و مما رزقناهم ينفقون ، و اذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه و قالوا : لنا أعمالنا و لكم أعمالكم ، سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين " (52 – 55 ) . قال الجلالان : " نزلت فى جماعة اسلموا من اليهود كعبد الله بن سلام ، و غيره من النصارى قدموا من الحبشة و من الشام " . تفسير متناقض من صريح الآية " إنا كنا من قبله مسلمين " . و اسلام نفر من اليهود أو من المسيحين لا يأخذ هذا التعبير الشامل ، و لا يمكن أن يقولوا : " إنا كنا من قبله مسلمين " و لا اليهود ، و لا المسيحيون أسهموا فى نشر الدعوة القرآنية بإعلان الايمان بها و الشهادة لها ، و احتمال " اللغو " أى " الشتم و الاذى من الكفار " لذلك ، و الانفاق فى سبيلها ، إنهم وحدهم النصارى من بنى اسرائيل ( الاعراف 157 ، الصف 14 ) الذين اسهموا بتلك الاعمال فى غنشاء الاسلام و ذابوا فيه . و ذوبانهم فى الاسلام اضاع معالمهم على المفسرين فخبطوا فيهم خبط عشواء . و اعلانهم " إنا كنا قبله مسلمين " شهادة بأن الاسلام اسلامهم ، و الدعوة القرآنية " نصرانية " . " أولئك يؤتون أجرهم مرتين " ، " لايمانهم بالكتابين " ( الجلالان ) . كانت آية ( النمل 91 ) إعلانا بانضمام محمد إلى " المسلمين " النصارى ، و جاءت آية ( القصص 53 ) إعلانا لانضمام النصارى إلى الدعوة القرآنية . على
ضوء هذا الواقع نفهم قوله المتواتر : " فلا تكونن ظهيرا للكافرين ، و لا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت اليك ، و ادع الى ربك و لا تكونن من المشركين ، و لا تدع مع الله إلها آخر " ( 86 – 88 ) . يقصد " الكافرين " بدعوته من أهل الكتاب اليهود و المسيحيين ، و " المشركين " من العرب ، فقوله : " لا تدع مع الله إلها آخر " قد يعنى الشرك ، و هذا بعيد عن محمد ، و قد يعنى عبادة المسيح عند المسيحيين ، و هذا أقرب الى السياق . و النهى دليل على صراع المسيحية و النصرانية لاكتساب محمد و اله . على كل حال فآية محمد هى شهادة " النصارى " له ، لا المعجزة .
و فى ( الاسراء ) ، السورة الخمسين ، يأتى التحدى الأول و الأكبر بالقرآن : " قل : لئن اجتمعت الانس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، لا يأتون بمثله ، و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا " ( 88 ) . ان التحدى بالقرآن صريح شامل . لكن ما معناه ؟ تصاريح السورة عينها تدل عليه . فهو واقع بين تصريحين يحددان معناه . التصريح الاول يفيد ان المعجزات منعت عن محمد منعا مبدئيا مطلقا : " و ما منعنا أن نرسل بالآيات ، إلا أن كذب بها الأولون " ( 59 ) ، فمهما كان السبب ، فمبدأامتناع المعجزة على محمد قائم ، بنص القرآن القاطع . و بعد التحدى ( 88 ) يأتى الواقع المشهود ، فهم يعددون له أنواع المعجزات التى يطلبونها منه لأنها " سنة الأولين " و قالوا لن نؤمن لك حتى ... قل : سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا " ! ( 90 – 93 ) . انه الاقرار الواقعى المشهود بعجز محمد عن كل معجزة . و العلة التى يقدمها لتبرير عجزه ، كانت ايضا فى الانبياء السابقين ، فقد كان كل نبى أتى بمعجزة " بشرا رسولا " ، و أتى بالمعجزة دليل النبوة . هكذا يجمع القرآن الواقع المرير إلى المبدإ الخطير : عجز محمد عن معجزة ، و الامتناع المبدئى فيه لكل معجزة . و هذان المبدأ و الواقع يمنعان من اعتبار اعجاز القرآن معجزة . و لا يصح تفسير التحدى بالقرآن إلا أنه تحد " بالهدى " كما استفتح به ( القصص 49 ) و بما انه فى " الهدى " مع الكتاب سواء ، فهو تحد بالمشركين وحدهم ، بالاعجاز فى الهدى ، لا بالاعجاز فى البيان . لذلك ليست آيته المعجزة على اطلاقها ، بل شهادة " اولى العلم " النصارى له : " قل : امنوا به او لا تؤمنوا ! ان الذين اوتوا العلم من قبله ، اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا " ( 107 ) . فالقرآن هو اسلام " أولى العلم " ، فهو دعوة " نصرانية " ، حتى سجود المسلمين فى الصلاة هو عادة " نصرانية " : " يخرون للاذقان سجدا " . و من " العلم " النصرانى لا يبلغ القرآن الا القليل :
" و يسألونك عن الروح ؟ قل : الروح من امر ربى ، و ما اوتيتم من العلم ، الا قليلا " ( 85 ) ، فهذه شهادة ناطقة على أن " العلم " المنزل فى القرآن أقل مما فى كتاب الامام الذى مع " أولى العلم " . و تلك الحدود و القيود للتحدى باعجاز القرآن تفسر ايضا معنى " الاسراء " فى الآية الوحيدة التى تستفتح السورة : " سبحان الذى اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى " ( 1 ) . فليس المذكور معجزة على الاطلاق ، لان السورة عينها تعلن ان المعجزة منعت عن محمد منعا مبدئيا مطلقا ( 59 ) . و التكرار فى اخبار القرآن و اوصافه متواتر مشهود ، فلو كان فى اية الاسراء اليتيمة ادنى معنى للاعجاز لتوارد فى القرآن . و الآية نفسها تنص على أنه تم " ليلا " فلم يكن مشهودا ، فليس فيه معنى التحدى ليصح معجزة . أنه أيضا " رؤيا " ليل ، قصها محمد للفتنة " بنص القرآن القاطع ( 60 ) فليس فيه معنى الاعجاز . و القرآن نفسه يقطع الطريق على كل من يرى فيه اعجازا أو معجزة ، بنقله تحدى المشركين له باسراء كالذى تضعه الاية ، " أو ترقى فى السماء ! و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه ! – قل : سبحان ربى هل كنت الا بشرا رسولا " ( 93 ) ، لذلك فهو لم يرق فى السماء ، و لم ينزل عليهم كتابا من السماء ، و القرآن يصرح بعجز النبى عن مثل ذلك .
و السورة الحادية و الخمسون ( يونس ) تصرح بان القرآن " تفصيل الكتاب " الذى قبله . يتحدونه بمعجزة ، " و يقولون : لولا انزل عليه اية من ربه ! – فقل : انما الغيب لله ! فانتظروا انى معكم من المنتظرين " ( 20 ) . لم تأت المعجزة بعد . لذلك فالتحدى بالقرآن من قبل و من بعد ليس فيه معنى المعجزة على الاطلاق . و بدون معجزة ينسبون اليه افتراء القرآن ، فيجيب : " و ما كان هذا القرآن ان يفترى من دون الله ، و لكن تصديق الذى بين يديه ، و تفصيل الكتاب ، لا ريب فيه ، من رب العالمين " ( 37 ) . يرد تهمة الافتراء بأن القرآن " تفصيل الكتاب " و " تصديق " له ، " بامر " من رب العالمين ( الدخان 1 – 5 ) . و هو اذا ما سمى " التفصيل " القرآنى " تنزيلا " ، فلأنه تفصيل التنزيل الكتابى : " و هو الذى انزل اليكم الكتاب مفصلا ، و الذين اتيناهم الكتاب يعلمون انه منزل من ربك بالحق ، فلا تكونن من الممترين " ( الانعام 114 ) . فاهل الكتاب لا يستطيعون ان يعملوا و ان يشهدوا لتنزيل و تفصيل من السماء ، بل لتفصيل التنزيل الموجود معهم و يتم على الارض بامر الله . و بعد رد الافتراء ببيان حقيقة القرآن أنه " تفصيل الكتاب " ، يتحداهم " بسورة مثله " : " ام يقولون : افتراه ! – قل : فاتوا بسورة مثله ، و ادعوا من استطعتم من دون الله ، ان كنتم صادقين " ( 38 ) . ان التحدى للمشركين ، فهو نسبى محدود ، و بما انه " تفصيل الكتاب "

فالتحدى بالهدى ، لا باعجاز الخطاب و البيان
الصفحة
  • عدد الزيارات: 11792