Skip to main content

فحص مشتملات القرآن

الصفحة 1 من 7

الفصل الرابع

هل إذا فحصنا مشتملات القرآن تفيدنا أنها من عند الله أوحى بها إلى محمد؟


من أهم طرق الفحص التي بواسطتها نطلع على حقيقة القرآن أن نقرأ محتوياته بتأمل وإمعان نظر لأن مجرد استظهاره بدون تعقل معانية لا يكفي ولا يغاير محفوظات الببغاء الذي يكرر ألفاظاً ولا يدري ما يقول. أن الذين يؤمنون أن القرآن كلام الله وأنه نور وهدى للناس أقل ما يجب عليهم أن يتفقهوا معناه ويقفوا على حقيقته لإنارة قلوبهم وأذهانهم واعلم أن النور لا يليق به أن يوضع من وراء ستار من الباطل ولا تحت مكيال الخرافات والجهل بل يوضع على منارة التعقل والتروي ليضيئ من استضاء به ويهدي من اهتدى به فقراءة القرآن بتأمل وعناية وبفهم معناه مما يجب على كل مسلم ومهما يكن للقرآن من علو المنزلة فلا يظفر أحد بطائل من ورائه ما لم يفهم أقواله ويلزم الطاعة لأوامره ونواهيه ولكنا بعكس ذلك نجد جمهور المسلمين من قراء وسامعين قد اكتفى هؤلاء بتلاوته وتجويده بلحن مطرب واكتفى أولئك بالسمع ونشوة الطرب وأغرب من ذلك أنهم يتوقعون ثواب من الله من تلاوة واستماع بهذه الكيفية فتأمل. ومن العجب العجاب أن لا يتلى إلا بالعربية مهما يكن لسان الذي يتلوه وألسنة الذين يسمعونه وهذا ما لا يجوز أن يقابل به كتاب يقولون أنه منزل من عند الله فإنهم بهذه المعاملة لقرآنهم يشبهون ابن سبيل يسير في الدجى مخفياً مصباحه تحت طي ثيابه وكان ينبغي له ان يظهره ويرفعه أمام بصره ليتبين له الطريق.

وحيث أن إخواننا المسلمين يدعون للقرآن دعاوي عالية أن من أهم الأمور أن لا ينبغي أن يرفض الإنسان وحياً إلهياً فلذلك نرغب أن المفكرين من المسيحيين يدرسون القرآن درساً دقيقاً ليتعلموا ما يعلمهم إياه لئلا يرفضون النور والهدى والخلاص برفضهم له. وإذا درس المسلمون والمسيحيون الكتاب باعتناء فيكونون قادرين أكثر على معاونة أحدهم الآخر لمعرفة طريق الحق والسير في الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.

واعلم أن أهم في القرآن ما جاء فيه عن ذات الله وأوصافه وتوحيده مثل كونه الإله الأزلي الأبدي القادر الحكيم العليم وأنه هو السميع البصير المتكلم فاطر السموات والأرض الرحيم العدل الكريم الصبور القدوس المحيي المميت الموصوف بجميع أوصاف الكمال المنزه عن النقائص والعيوب متعال عن الضعف والجهل والظلم والتغير.

ثم أنه يدعو الناس إلى الإيمان بتوحيده وينهي عن الشرك وعبادة الأصنام وينذر بالنشر والثواب والعقاب على الأعمال التي يعملها العبد في هذه الحياة الدنيا ويعد الصالحين بجنات تجري من تحتها الأنهار والأشرار بعذاب النار. وإن من أوفى محتوياته مقالاً وأوسعها مجالاً ما شهد به للتوراة والزبور والإنجيل أي أسفار العهد القديم والجديد الذي يجمعها الكتاب المقدس كما ذكرنا ذلك في المقدمة آمراً بالإيمان به وبالأنبياء والرسل الذين جاءوا به والذين لم يأتوا بكتب وعدم التفريق بينهم. ويحرم الرياء وأنه يحرم بعض الأشياء ويحل البعض الآخر. وينهي عن القتل والسرقة والزنا والحنث ويأمر بإنصاف اليتيم وبالإحسان إلى المسكين.

أما من حيث هذه التعاليم فالكل يسلمون بصوابها سواء كانوا مسلمين أو نصارى لأنها صالحة وكل صالح مصدره الأول الله بصرف النظر عما إذا كان جاء به نبي في كتاب موحى به أو ضمير أو بأي حالة أخرى وعليه فقبل أن نقبل دعوى محمد كنبي أو رسول يجب أن نبحث أولاً في هذه النقط (1) هل كان محمد أول من علم بوحدانية الله وبالحلال والحرام وبشر الخطية وثواب الآخرة وعقابها (2) أو هل تعليمه من هذه الحيثية أو غيرها كان أوسع وأرقى مما جاء به الأنبياء الأولون؟ إذ كان نتيجة وحي جديد يحتاج الحال إلى إرسال رسول آخر بكتاب غير الكتب السابقة ليقرر هذه الحقائق من جديد.

الحقائق التي ذكرها القرآن أخيراً جاءت من قبل في الكتاب المقدس
الصفحة
  • عدد الزيارات: 16447