Skip to main content

فحص مشتملات القرآن - البراهين التي يقدمونها على كون القرآن موحى به من الله ما يدعونه من اشتماله على أخبار الأمم البائدة

الصفحة 3 من 7: البراهين التي يقدمونها على كون القرآن موحى به من الله ما يدعونه من اشتماله على أخبار الأمم البائدة

ومن البراهين التي يقدمونها على كون القرآن موحى به من الله ما يدعونه من اشتماله على أخبار الأمم البائدة منذ قرون كثيرة. أما هذه الدعوى فلو صحت لكانت ذات أهمية عظمى في إثبات ما أرادوا أن يثبتوه فعلينا أن نعرضها على بساط البحث والتنقيب كتاجر حريص ينقد الدراهم التي يتعامل بها خشية من أن تكون مزيفة فيندم حيث لا ينفع الندم أما الذهب النقي فيدفع به صاحبه إلى يد الناقد غير هياب ولا وجل لأنه كيفما يمتحن يتزكى ويحمد حتى إذا طرح في نار حامية فهل يا ترى تحتمل أخبار القرآن التاريخية نار الامتحان كذهب خالص أو تحرق من قليل الشرر كهشيم العشب.

ولنبدأ بحكاية عاد وثمود قبيلتين من العرب ذكرهما القرآن فنقول أننا نعلم بوجودهما من كاتبين من قدماء اليونان وهما بطليموس وديودورس سيسلوس وزاد القرآن عما ذكراه شيئاً يسيراً في قصة تينك القبيلتين. وأن كثيرين من المكتشفين المحققين الذين نبغوا في العصر الحاضر أثبتوا باكتشافاتهم ما وراه الكتاب المقدس عن قدماء المصريين وبابل وأشور أما عاد وثمود فلم يثبت أحد ما حكاه القرآن عنهما حتى ظن كثير من العلماء الباحثين أن محمداً نقل خبرهما من كتب الصابئين (1) (انظر ملاحظة الكندي عن عاد وثمود في رسالته من طبعة لندن) التي دعاها في قرآنه صحف إبرهيم (سورة الأعلى 87: 19) ويظهر أنه فيما بعد قد علم أن هذه الصحف مزورة فلم يعد يذكرها مدة أربع سنين بعد ادعائه الرسالة أما من جهة هود وصالح وشعيب فمن المحتمل أن يكونوا مبشرين مسيحيين جاءوا بلاد العرب يكرزون لها بالإنجيل ومن المحتمل أن يكونوا غير ذلك حيث أنه لم يذكرهم أحد من المؤرخين ولا غيرهم سوى القرآن أما تاريخ الزمن الذي وجدوا فيه إن كانوا وجدوا حقيقة فغير معلوم. وقال بعض العلماء إذا كان القرآن لم يصب كبد الحقيقية في ما رواه عن الأشخاص المعلوم وجودهم من التاريخ قبل الإسلام يقرون فلنا حق أن نزعم أيضاً بأن ما رواه عن عاد وثمود وطسم وجديس وهود وصالح وشعيب الخ ليس بصحيح إلا إذا كان يُقام عليه الدليل. ومن أمثلة ما اخطأ القرآن في سرد أخباره إبرهيم فإنه يروى عنه كثيراً مما لا يوافق ما جاءت به التوراة التي يشهد لها أنها نزلت من عند الله مثل حكاية طرحه في النار وخروجه منها سالماً التي إنما هي خرافة يهودية أخذها عنهم بغير تثبت من أصلها. قال صاحب مصادر الإسلام ما معناه منشأ هذه القصة اشتباه بعض المفسرين الجهلة بين لفظة أور بلغة البابليين القديمة التي معناها مدينة الواردة في قوله تعالى خطاباً لإبراهيم أَنَا الرَّبُّ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أُورِ الْكِلْدَانِيِّينَ (تك 15: 7) وبين كلمة أور التي معناها نار في اللغة الكلدانية فظن ذلك المفسر أن الرب أخرج إبراهيم من نار الكلدانيين لا من مدينتهم فاضطر حينئذ إلى تمهيد الخبر بتلك القصة السخيفة ووردت كلمة أور بمعنى مدينة في قوله أورشليم أي مدينة شليم وأخطأ القرآن في تسمية أبي إبراهيم آزر (سورة الأنعام 6: 74) وهو تارح (تك 11: 26) ثم قال في سورة الأعراف ما معناه أن الله أرسل الطوفان على المصريين في عصر موسى وذكر الطوفان محلى بال التعريب في هذا الموضع يحملنا على الظن بأنه عنى طوفان نوح الذي ذكر في السورة عينها (انظر آية 132 و63) ومن خطإه الفاضح أن التبست عليه مريم ابنة عمران (سورة آل عمران 3: 33-44) وأخت هارون (سورة مريم 19: 29 مع خر 15: 20 وعد 26: 59) بمريم أم المسيح (انظر سورة التحريم 66: 12) وبين الأولى والثانية زهاء ألف وأربعمائة سنة قال الإمام مسلم في صحيحه ما معناه أن نصارى نجران انتقدوا على القرآن هذه الغلطة التاريخية أمام المغيرة فتشاور مع محمد بهذا الصدد ولكنه لم يقف منه على جواب شاف ومن وقتها إلى الآن انقضت ألف وثلثمائة سنة على القرآن وهو يدرس ويشرح إلا أنه لم يتوفق لأحد من العلماء أن يزكيه بإزاء هذا الشطط التاريخي الصريح.

وجاء في سورة الكهف 18: 64-99 سيرة ذي القرنين قال البيضاوي وابن هشام أنه اسكندر الكبير المكدوني وهذه عبارة البيضاوي حرفياً وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ (يعني اسكندر الرومي ملك فارس والروم وقيل المشرق والمغرب ولذلك سمي ذا القرنين أو لأنه طاف قرني الدنيا شرقيها وغربها وقيل لأنه انقرض في أيامه قرنان من الناس وقيل كان له قرنان أي ضفيرتين وقيل كان لتاجه قرنان ويحتمل أنه لقب بذلك لشجاعته كما يقال الكبش للشجاع كأنه ينطح أقرانه واختلف في نبوته مع الاتفاق على إيمانه وصلاحه).

إن اسكندر عمر جيلين كما زعم البيضاوي فما كان أقصر أعمار أهل زمانه إذ أنه توفي ابن ثلاث وثلاثين سنة على أثر ارتكابه فسقاً بسكر في مدينة بابل سنة 323 ميلادية ولم يكن نبياً كما زعم القرآن ولا مؤمناً من عامة المؤمنين إنماكان من عباد الأصنام وادعى أنه ابن إله المصريين أمون. وأما حكاية أنه بلغ مغرب الشمس ووجدها تغرب في عين حمئة أو حامية حسب قراءة بعضهم فمن مختلق الحديث (سورة الكهف 18: 87) لأن الشمس لا تدور حول الأرض بل الأرض تدور حولها كما هو معلوم وكذلك لا صحة لما رواه القرآن عن السد الذي بناه من زبر الحديد والقطر (النحاس) بين جبلين مأهول أحدهما بأمة صالحة والآخر بأمة متوحشة (سورة الكهف 18: 95) ومع ذلك فيجزم البيضاوي مع رفقائه المفسرين إن ذا القرنين ما هو إلا اسكندر المكدوني المعروف ولعل الذي حملهم على ذلك التأكيد ما ورد في نبوة دانيال 8: 3 و4 من سيرة الكبش ذي القرنين الذي كان ينطح غرباً وشمالاً وجنوباً ولم يقف أمامه أحد فظنوا أنه رمز إلى اسكندر وسموه ذا القرنين والحقيقة بخلاف ذلك لأن الأصحاح نفسه يبين أن ذلك الكبش يرمز به لا إلى اسنكدر بل إلى اتحاد مملكتي مادي وفارس وعلى ذلك قوله أَمَّا الْكَبْشُ الَّذِي رَأَيْتَهُ ذَا الْقَرْنَيْنِ فَهُوَ مُلُوكُ مَادِي وَفَارِسَ (دا 8: 20). وأما اسكندر فمرموز إليه في الأصحاح عينه بتيس ذي قرن واحد بين عينيه وصرح بأنه غلب الكبش أي مملكة مادي وفارس وعلى ذلك قوله: رَأَيْتُ الْكَبْشَ يَنْطَحُ غَرْباً وَشِمَالاً وَجَنُوباً فَلَمْ يَقِفْ حَيَوَانٌ قُدَّامَهُ وَلَا مُنْقِذٌ مِنْ يَدِهِ؟ وَفَعَلَ كَمَرْضَاتِهِ وَعَظُمَ. وَبَيْنَمَا كُنْتُ مُتَأَمِّلاً إِذَا بِتَيْسٍ مِنَ الْمَعْزِ جَاءَ مِنَ الْمَغْرِبِ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الْأَرْضِ وَلَمْ يَمَسَّ الْأَرْضَ؟ وَلِلتَّيْسِ قَرْنٌ مُعْتَبَرٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. وَجَاءَ إِلَى الْكَبْشِ صَاحِبِ الْقَرْنَيْنِ الَّذِي رَأَيْتُهُ وَاقِفاً عِنْدَ النَّهْرِ وَرَكَضَ إِلَيْهِ بِشِدَّةِ قُّوَتِهِ. وَرَأَيْتُهُ قَدْ وَصَلَ إِلَى جَانِبِ الْكَبْشِ؟ فَا سْتَشَاطَ عَلَيْهِ وَضَرَبَ الْكَبْشَ وَكَسَرَ قَرْنَيْهِ. وَا لتَّيْسُ الْعَافِي مَلِكُ الْيُونَانِ؟ وَا لْقَرْنُ الْعَظِيمُ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ هُوَ الْمَلِكُ الْأَّوَلُ (دا 8: 4-7 و21). ومما مهد الأسباب لعلماء المسلمين أن يعبتروا ذلك الكبش رمزاً إلى اسكندر هو أن كلمة الكبش تطلق في العربية على سيد القوم والحاصل أن كل ما قاله القرآن عن ذي القرنين الذي يعني به اسنكدر المكدوني لا أثر له في تاريخ الملك العظيم الذي دونه كثير من مشاهير المؤرخين وهذا ما حدا بالعلماء أن لا يثقوا بالأخبار التارخية المنقولة عن القرآن.

ومن خطإه في التاريخ أنه أخبر بأن المرأة التي تبنت موسى هي امرأة فرعون (سورة القصص 28: 9) بينما موسى نفسه وهو أعلم بمن ربته من محمد قال انها ابنة فرعون لا امرأته (انطر خر 2: 5-10) وجاء ذكر هامان مقترناً بفرعون في مواضع جمة من القرآن كخادمه ووزيره والحقيقة لم يكن لأحدهما أقل علاقة بالآخر فإننا نعلم من سفر أستير أن هامان كان حبيباً وخليلاً لأحشويرش ملك فارس الذي يدعوه اليونان زركسيس وعاش في بلاد فارس لا في مصر بعد فرعون موسى بمئات من السنين. ومن غلطاته أنه قال أن فرعون أمر هامان أن يبني له صرحاً يمس السموات كما في سورة غافر وهذا خطأ وصوابه أن هذا البرج أو الصرح لم يبن في مصر بل في بابل من قبل فرعون بقرون كثيرة (انظر تك 11: 1-9).

وجاء في سورة (طه 20: 78 و96) أن العجل الذي عبده بنو إسرائيل في البرية في وقت موسى قد علمه لهم السامري وهذا خطأ فاضح لأن مدينة السامرة المنسوب إليها هذا الرجل لم تكن بعد في الوجود وقد بنيت بعد موسى بمئات من السنين (انظر 1 مل 16: 24) ولعله التبس على كاتب هذه السورة العجل الذي عبده بنو إسرائيل في البرية بالعجلين الآخرين اللذين عبدوهما بعد زمن داود وسليمان (1 مل 12: 28) حتى أن هذين العجلين كانا قبل أن تبنى مدينة السامرة ولما بنيت السامرة كانت عاصمة للمملكة السامرة وهذه الحقيقة هي التي بنيت عليها هذه القصة.

وجاء في سورة البقرة 2: 25-252 حكاية داود مع جليات الجبار مشوشة بحكاية فرقة جدعون التي امتحنها بالشرب من النهر عندما حارب المديانيين وبين الحكايتين زمن مديد وفي سورة الكهف 18: 8-26 وردت قصة أهل الكهف وهي حكاية مكذوبة صنفها أصحاب البدع من طوائف النصارى وخلاصتها أن سبعة شبان مسيحيين هربوا من اضطهاد أحد قياصرة الروم المدعو دقيانوس واختبأوا في مغارة فرقدوا نحو 300 سنة ولما استيقظوا وجدوا كل شيء قد تغير وكان الأمبراطور حينئذ ثيودوسيوس وهو رجل مسيحي فاندهشوا غاية الاندهاش إذ بين ليلةوضحاها انقلبت الأحوال رأساً على عقب وقد وردت هذه القصة في كتاب لاتيني اسمه مجد الشهداء تأليف غريغوريوس. كما أثبت ذلك صاحب كتاب مصادر الإسلام وظن بعضهم أن كاتب هذه القصة لم يكتبها كواقعة حال بل تخيلها كرواية ليعظ بها قومه ويريهم قدرة الله عل كل شيء. وأما اليوم فلا يصدقها أحد من النصارى وتستعمل في أوروبا لتسلية الأولاد الصغار.

وأظن لا حاجة بنا إلى المزيد من سرد الغلطات التاريخية الواردة في القرآن اكتفاء بما سردناه ولعل في هذا القدر كفاية لصرف إخواننا المسلمين عن الاحتجاج بمضامين القرآن التاريخية على صحة نسبته إلى الله وصدق رسالة محمد.

البراهين الدالة على كون القرآن كتاب الله خلوه كما يترائى لهم من التناقض الاختلاف
الصفحة
  • عدد الزيارات: 16767