فحص مشتملات القرآن - البراهين الدالة على كون القرآن كتاب الله خلوه كما يترائى لهم من التناقض الاختلاف
وزعم بعضهم أن من البراهين الدالة على كون القرآن كتاب الله خلوه كما يترائى لهم من التناقض الاختلاف كأنهم يقولون أن كتاباً كبير الحجم كهذا لم يكن من عند الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً وهذه أيضاً دعوى باطلة لاننا نرى فيه اختلافاً كثيراً بعضه قليل الأهمية وبعضه جوهري فالأول كالاختلاف الواقع بين عددي 13 ونقله الزمخشري من الحديث التسوية الاختلاف المذكور لم يكن قولاً سديداً ولكننا لم نسلم أن هذا شيء زهيد بجانب ما سنذكره لك من المسائل الخطيرة.
جاء في سورة النساء 4: 47 أن الله لا يغفر خطية الشرك ويغفر ما دون ذلك والشرك هو اتخاذ آلهة مع الله أو دونه إلا أنه ورد في سورة الأنعام 6: 76-78 أن إبراهيم اتخذ الشمس والقمر والنجوم آلهة دون الله وهذا شرك بين في حين أن إخواننا المسلمين يعتبرونه نبياً عظيماً من أولي العزم ويعتبرون أن جماعة الأنبياء معصومون.
ويحرم القرآن النفاق في جملة مواضع منها (سورة البقرة 2: 76 والسناء 4: 138 والتوبة 9: 65-69 والمجادلة 58: 14) ويجعل مثواهم في الدرك الأسفل من النار (سورة النساء 4: 144) ومما لا ينكره أحد من ذوي العقول السليمة أنه إذا أسلم أحد مكرهاً بقوة السيف لا يكون إسلامه من قلبه بل من شفتيه ومتى خالف ظاهر الإنسان باطنه كان منافقاً ولا يخفى ما فرضه القرآن على المسلمين من نشر دينهم بقوة السيف إلى أن يدين بالإسلام كل العالم ولا تكون في الأرض فتنة ويكون الدين كله لله ففي مثل هذه الظروف يتخير الرجل الملزم بالإسلام كرهاً خصلة من خصلتين أما الموت الزؤام أو كلمة يقولها وينجو بحياته فيقولها نفاقاً ورياء وهذا من أردأ أنواع الاختلاف يحرم الشيء لقبحه فإذا كان فيه مغنم حلله وحص عليه نعم قد اضاف القرآن خصلة ثالثة لأهل الكتاب وهي دفع الجزية وهم صاغرون إن لم يرغبوا في الإسلام ولا في القتال (سورة التوبة 9: 30 وسورة المائدة 5: 44 وسورة الصف 61: 11 وسرة الحج 22: 78) إلا أن دفع الجزية ضرب من الإكراه وقد أسلم من أهل الكتاب خلق كثير تخلصاً من الجزية وما بلغت إليه من المغارم الفادحة في عهد الحكام الظالمين رافعين شكواهم إلى رب العالمين.
يحرم القرآن إلى حد معلوم خطيئة الهوى وعلى ذلك قول وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (سورة النازعات 79: 40 و41) فنقض ذلكب إباحة تعدد الزوجات بالإضافة إلى ما كان مملوكاً من السراري (سورة النساء 4: 23) وأباح لمحمد من هذه الحيثية أكثر من سائر المسلمين بل أباح له ما هو محظور عليهم فمن ذلك قوله وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَا تَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَا للَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَّوَجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهُ مَفْعُولاً مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً وقوله يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكِ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَا مْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكْتَ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ ولاَ يَحْزَنَّ (سورة الأحزاب 33: 37 و38 و50 و51).ونعلم من الحديث الصحيح أن محمداً منح له أن يتمتع بالنساء أكثر من سائر المسلمين لرجحانه عليهم في الهوى والصبابة إليهن وزد على ذلك أن الجنة التي وعد بها في دار البقاء والخلود هي تلذذ غير محدود بحور عين حتى وإن كان أحد غير مستعبد للهوى فما دام مسلماً لا مناص له من هذه الجنة (سورة الرحمن 55: 46-78 وسورة الواقعة 56: 11-39 وانظر كتاب مشكاة المصابيح في صفة الجنة) فالقرآن من هذه الحيثية أردأ من أن يخالف بعضه بعضاً على أنه من الاختلاف أيضاً غير معصوم فكيف يكون هوى النفس محرماً في الدنيا وهو في الجنة مباح؟!
والخمر محرم على المسلم هنا على الأرض كما جاء في سورة المائدة 5: 90 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَا لْمَيْسِرُ وَا لْأَنْصَابُ وَا لْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَا جْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (قابل أيضاً سورة البقرة 2: 216) ولكن في الجنة للمؤمنين أنهار من خمر كما ورد في سورة محمد 47: 15 مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (قابل سورة الإنسان 76: 5 وسورة المتطففين 83: 25).
وأقوال القرآن عن المسيح يسوع لا يخلو من التناقض.فبعض الآيات تتكلم عنه كمجرد إنسان ونبي كسائر الأنبياء وتنكر لاهوته بتاتاً كما ورد في سورة المائدة 5: 17 لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وراجع آية 113 و114 من السورة وكذلك آل عمران 3: 49 وقيل أيضاً في سورة الزخرف 43: 59 إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ثم توجد بعض الآيات الأخرى التي تعطي له أعظم الألقاب التي لم تعط فيه لغيره البتة منها كلمة الله سورة النساء 4: 169) وهذا اللقب لا يصح أن يُسمى به أي مخلوق كان. ويذكر له وحده معجزة الولادة من العذراء (سورة الأنبياء 21: 91) وإنه وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَا لْآخِرَةِ (سورة آل عمران 3: 45) ويقول البيضاوي الوجاهة في الدنيا النبوة وفي الآخرة الشفاعة. وفي سورة آل عمران 3: 36 قيل وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. وجاء في الحديث تفسيراً لهذه الآية كما أخرجه مسلم والبخاري والغزالي وغيرهم كل ابن آدم عند ولادته ينخسه الشيطان بإصبعيه في جنبيه إلا عيسى بن مريم ذهي ليطعن فطعن في الحجاب (راجع مشكاة المصابيح الكتاب الأول الباب الثالث) ويشهد القرآن لمعجزات المسيح (سورة البقرة 2: 254) وأنه خلق طيراً من الطين مع أن قوة الخلق هي من صفات الله وحده وهو الفريد من بين الأنبياء أولي العزم الذي لا يذكر له القرآن خطية. ولا نجد فيه عن أي نبي آخر أن ولادته كانت بقوة الروح القدس وَا لَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَا بْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (سورة الأنباء 21: 91) وأنهآية للعالمين (كما مر) وأنه روح من الله (سورة النساء 4: 169) وكل الأنبياء أموات ما عدا يسوع كما يقول القرآن إن الله رفعه إليه (سورة النساء 4: 169). وهو حي في السماء. ويوافق المسلمون المسيحيين في الاعتقاد أن المسيح سيرجع في انتهاء العالم لم يكن يلزم للمسيح أن يشرح صدره ويوضع عنه وزره كما قيل عن محمد في سورة الشرح والقول بمغفرة خطاياه يناقض ما جاء في سورة محمد 47: 91 وَا سْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَا لْمُؤْمِنَاتِ ولا تصل عليه امته ولا تسلم كما أمر محمد (مشكاة المصابيح وجه 86) من المعلوم أن لا نبي يحتاج لشفاعة أمته وصلواتها إلا هو.
ففي كل هذه النقط يتفق المسلمون مع المسيحيين على الفرق الموجود بين المسيح وأي نبي أو إنسان آخر. والقرآن لا يعطي محمداً المقام الذي يعطيه ليسوع ولا شك أن غرض القرآن هو استبدال المسيح بمحمد كرأس الجنس البشري. وهذا الامر عجيب جداً ومتناقض حيث أن القرآن لا ينسد لمحمد ولادة بمعجزة ولا يقول بعصمته ولا ينسب له القدرة على المعجزات ولا حتى صفات حميدة شريفة كما سنظهره في آخر هذا الفصل وما يليه.
- عدد الزيارات: 16766