فحص مشتملات القرآن - القرآن لا يعلم أن طهارة القلب ضرورية قبل الاقتراب من الله
لا ننكر أن القرآن يخبرنا شيئاً كثيراً عن العالم الآتي وخصوصاً عن عذاب الجحيم وملذات النعيم وليس لنا أن نبحث في الأول منها هنا فقط نذكر إخواننا المسلمين بشيئين عن الجحيم الأول في سورة مريم 19: 71 قوله وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً وقد سمى المفسرون جهدهم في تأويل هذه الآية الأمر الثاني هو الحديث القائل أن أمة واحدة من الطوائف الإسلامية هي التي ستخلص فمن هذين الدليلين نرى إذا كنا مسلمين أن الخوف من الموت ومن يوم الدينونة يظلل حياتنا كلها. فالمسيحي الحقيقي ينتظر بفرح يوم القيامة والمسلم يخاف منه.
ولا يجمل بنا أن نمر على أمر الملذات الموعود بها المؤمن في الجنة بدون أن نقدم بعض ملاحظاتنا. فنجد لها وصفاً كاملاً في (سورة البقرة 2: 23 وسورة النساء 4: 60 وسورة الرعد 13: 35 وسورة يس 36: 55: 58 وسورة الصافات 37: 39-47 وسورة محمد 47: 16 و17 وسورة الرحمن55: 46-78 وسورة الواقعة 56: 11-37 وسورة الإنسان 76: 5 و11-22 وسورة المرسلات 77: 31-36 وسورة المطففين 83: 22-28) وحباً في الاختصار أوردنا هنا بعضها:
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ (سورة محمد 47: 15).
وَا لسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَّوَلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِريِنَ عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمَ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لاَ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنْزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً (سورة الواقعة 56: 10-37).
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدّرُوهَا تَقْدِيراً وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً (سورة الإنسان 76: 12-21).
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَاِن تَجْرِيَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ ربِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَا لْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلاَّ الْإِحْسَانُ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُدْهَامَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا فَاِكهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّباَنِ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَا لْإِكْرَامِ (سورة الرحمن 55: 46-78).
وفي الحديث كثير جداً من ذلك في البخاري ومشكاة المصابيح وعين الحياة بعنوان وصف الجنة وأهلها ولكنا نكتفي بإيراد جزء قليل مما جاء في أحياء العلوم للغزالي.
سئل رسول الله عن قوله ومساكن طيبة في جنات عدن قال قصور من لؤلؤ في كل قصر سبعون داراً من ياقوت أحمر في كل دار سبعون بيتاً من زمرد أخضر في كل بيت سرير على كلسرير سبعون فراشاً من كل لون على كل فراش زوجة من الحور العين في كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لوناً من الطعام في كل بيت سبعون وصيفة ويعطى المؤمن في كل غداة يعني من القوة على جميع ذلك ثم قال أن الرجل من أهل الجنة ليتزوج خمسمائة حوراء وأربعة ألاف بكر وثمانية آلاف ثيب الخ الخ (الأحياء).
وعندما تدرس كل ذلك ترى أنه بحسب القرآن والحديث سعادة المسلم الآتية هي لبس الحرير والاتكاء على أرائك من استبرق والأكل من كل فاكهة زوجان وارتشاف خمر لذة للشاربين والتلذذ بحور العين وقاصرات الطرف. فمثل تلك الجنة مأدبة ملأى بكل ما تريده نفس الإنسان الشهوانية ولامحل فيها للقدسين والطاهرين من الرجال والنساء يهرب منها الطاهرون كما هربوا على الأرض من النهم والخمور والفجور. مثل هذه الجنة لا يصح أن الله القدوس الذي تبغض ذاته كل خطية وإثم يعدها للمؤمنين. كيف أن الروح البشرية التي خلقت لمعرفة وخدمة الله التي تطلب سعادة روحية في محبة خالقها والقرب منه تفرح وتسر بمثل هاتيك الأمور الدنيوية. وحتى هنا على الأرض يرى المتهتكون أن هذه الملذات الشهوانية تنتج شقاء لا سعادة. فوصف الجنة في القرآن يدل على أنه لا يمكن أن يكون من الله. إن للمفسر محيي الدين لما رأى ذلك سعى أن يؤوله إلى معنى روحي فقال تفسيراً لسورة الواقعة 56: 18 أكواب وأباريق - من خمور الإرادة والمعرفة والمحبة والعشق والذوق ومياه الحلم والعلوم الخ ولكن معظم المسلمين إن لم يكون كلهم اعتبروه هرطوقياً وقالوا بحق أن القرآن والحديث معناهما حرفي.
وفي بحثنا في محتويات القرآن يجب أن لا نغفل عن إلفات نظر القارئ إلى أنه لا يسد عوز واشتياق البشر روحياً الذي هو من أهم أمور الوحي للإنسان فإن الله وضع في قلب الإنسان ذلك الاشتياق حتى لا يجد راحة إلا مع الله. يقول بعض كتبة المسلمين أن القرآن يخيف الناس ويجعلهم يبكون كما جاء في حديث النجاشي ملك الحبشة (مع العلم أنه يجهل العربية) أنه بكى عند سماعه بعض القرآن. وبفرض صحة ذلك لا يمكنهم البتة القول بأن القرآن يمنح سلاماً للقلب كما منح المسيح المؤمنين به في كل الأجيال ولا يزال يمنح (يو 14: 27) بل بالعكس توجد فيه آيات مثل قوله وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً مع الاعتقاد بالقدر تجعل كل مسلم عاقل يقضي حياته في فزع دائم من الموت. ولايعلن القرآن الله تعالى للإنسان كي يعرفه. وهذا واضح من كتابة المسلمين بعدم إمكانية معرفة الله حتى في الكتب المقصود بها التعليم والإرشاد فواضح أنه حيث لم يرشد القرآن إلى معرفة تامة عن الله وأن محمداً نفسه صرح بأن معرفته عن الله ليست كما يجب فالإسلام في هذا الأمر المهم جداً لا يسد احتياج الإنسان.
والقرآن لا يعلم أن طهارة القلب ضرورية قبل الاقتراب من الله. بل بالعكس كما رأينا يحتوي القرآن على عبارات مضادة لإمكانية طهارة قلب الإنسان ويظهر منها أن الله لا يعمل بحسب قداسته وعدله ورحمته ومحبته. ولا يظهر القرآن كيف ينال الإنسان مغفرة خطاياه ويحسب باراً أمام الله. صحيح أنه توجد فيه فروض لها جزاء ولكن لا مفر من القدر في القرآن والقدر هو الحكم في مستقبل الإنسان هناء أو شقاء. ولا توجد كفارة فيه ولا يعين كيف يكسر الإنسان قيود الخطية وهو عبدها.
يقول بعض المسلمين أن محمداً سيشفع لشعبه في يوم الدين ويقول آخرون أنه الآن وهو ميت له نفوذ عند الله. ولكن كل ذلك مخالف تماماً للكتاب المقدس الذي يدعي القرآن بتصديقه. فمن (يو 14: 6 وأع 4: 12 و1 تي 2: 5 و6) يتضح أنه لا يوجد شفيع أو وسيط غير يسوع. بل ولا يوجد في القرآن نفسه عبارة تثبت وساطة محمد بين الله والإنسان. لا حاجة لنا للحديث في هذا الموضوع فإن المأمور في القرآن بالاستغفار لذنوبه لا يمكنه أن يكون وسيطاً لدى الله. نعم إن الإنسان الذي أخطأ وتاب يمكنه الصلاة لله لمغفرة ذنوب الآخرين كما لذنوب نفسه ولكن هذا أمر آخر. القرآن والحديث يصرحان أن نبي العرب يستغفر لذنوبه وذنوب أمته ففي سورة غافر 40: 55 فَا صْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَا سْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِا لْعَشِيِّ وَا لْإِبْكَارِ. وفي سورة النساء 4: 106 وَا سْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً. وهاتان الآيتان تشابهان الآيات الواردة في القرآن أن الله وعده أن يغفر ذنوبه كما في سورة الفتح 48: 1 و2 إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. ويقول ابن عباس ما معناه ذنوبه قبل النبوة وذنوبه إلى يوم موته وقال الزمخشري في كشافه يريد جميع ما فرط منك ما تقدم في الجاهلية وما بعدها وقيل ما تقدم من حديث مارية وما تأخر من امرأة زيد. وعلى الفرض أن القرآن قد نزل من الله تعالى نرى هنا أمراً مهماً عن محمد فإن كلمة ذنب المستعملة لمحمد في القرآن ليست أقل من خطية ففي سورة الرحمن 55: 39 كلمة ذنب مستعملة للأنس والجان وفي سورة القصص 28: 78 نرى كلمة ذنب مساوية لكلمة جرم ونرى كلمة ذنب مستعملة أيضاً للكذب والافتراء والشهوة وعدم الإيمان ولأمور أخرى كثيرة من أكبر الخطيئات كما في سورة يوسف 12: 29 وسورة الملك 67: 11 وسورة الشمس 91: 14 وغير ذلك وفي سورة محمد 47: 19 نراه يخاطب محمداً قائلاً وَا سْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَا لْمُؤْمِنَاتِ. فهنا نرى كلمة ذنب خاصة به دون تابعيه من المؤمنين والمؤمنات كما فسرها بعضهم اعتسافاً. وفي سورة الشرح 94: 1-3 أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ. فهل يمكن أن يخطئ جميع هذه الآيات الواضحة؟ حقاً إن الكمال لله وحده.
والحديث يوافق القرآن في هذا الأمر سواء كان في كتب السنة أو الشيعة ولنأخذ قليلاً من الأمثال المؤيدة ذلك. روى أحمد والترمذي وابن ماجة كما في مشكاة المصابيح عن فاطمة أن محمداً كان يقول عند دخوله المسجد رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وعند خروجه رب اغفر لي ذنبي وافتح لي أبواب نعمتك وعن عائشة اللهم اغفر لي وارحمني والحقني بالرفيق الأعلى الجامع الصغير وعنها اللهم إني اعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا احصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وعن أبي موسى اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني. اللهم اغفر لي خطأي وعمدي وهزلي وجدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت عل كل شيء قدير وروى البيهقي عن عائشة في كتاب الدعوة الكبرى إنها سألت النبي قائلة ألا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله فقال لا يدخلها أحد إلا برحمته تعالى وقالت ولا أنت قال ولا أنا إلا إن تغمدني الله برحمته وكرر ذلك ثلاثا. وروى الإمام جعفر أن محمداً بات ليلة عند أم سلمة وبينما كان يصلي بكى وقال اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا تنزع مني صالح ما أعطيتني قالت أم سلمة لقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فلماذا تقول هذا فقال لها يا أم سلمة كيف أكون آمناً من نفسي وقد ترك الله يونس لنفسه طرفة عين ففعل ما فعل وقال محمد الباقر أن محمداً بات ليلة عند عائشة وصرف وقتاً طويلاً في الصلاة فقالت له لماذا تتعب نفسك وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال يا عائشة ألا أكون عبداً شكوراً وروى أنه في نهاية خطابه يوماً لتابعيه قال اللهم اغفر لي ولأمتي وخاطبهم إني أسأل الله المغفرة لنفسي ولكم ويوجد غير ما تقدم أحاديث كثيرة سنية وشيعية ولكن ما ذكر فيه الكفاية.
وهذه الأحاديث تبين لنا في بحثنا عن محمد وتؤكد أنه كان كبقية أبناء البشر يشعر بضرورة ورحمة الله ومغفرته والقرآن يشير إلى خطايا أنبياء العهد القديم فلآدم (البقرة 2: 33 و34 وطه 20: 119) ولنوح (نوح 71: 19) ولإبراهيم (الأنعام والبقرة) وموسى (الأعراف والشعراء والقصص) وهارون ويوسف (يوسف) ويونس (يونس) ولا شك أنهم تابوا كما يذكر الكتاب المقدس. فنرى في المزمور الحادي والخمسين صلاة داود التي قدمها في توبته. وكل خاطئ يحتاج للتوبة ويطلب المغفرة من الله وطلب المغفرة إقرار بالذنب. كل إنسان بشري يمكنه استعمال الصلوات التي قدمها محمد وذكرها آنفاً. وعليه فلا يمكن لمن يحتاج إلىالتوبة أو لمن احتاجها ولو مرة واحدة أن يكفر عن خطايا غيره. والقرآن يقول أنه لا ينفع إنسان آخر في يوم القيامة ورد في سورة البقرة 2: 48 وَا تَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ومكررة في آية 123. وأيضاً في سورة الانفطار82: 19 يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَا لْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ. وحيث تبرهن أن محمداً لا يمكنه تخليص أمته فلذلك هم يحتاجون لمخلص. والقرآن لا يعلن مخلصاً ولا شفاعة فلذلك هو لا يسد احتياجات الإنسان. فالقرآن لا يتمم الشروط التي رأيناها في المقدمة لصحة الوحي الحقيقي. فهو في ذلك على عكس الإنجيل تماماً كما بينا في القسم الثاني من هذا الكتاب. المسيح حي ومحمد ميت (1) (كل المسلمين يعرفون أن محل قبر المسيح المزعوم خال وقبر محمد فيه جثته) والمسيح ليس إنساناً كاملاً بدون خطية فقط بل كلمة الله يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضاً إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللّ هِ؟ إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ (عب 7: 25).
ولا تنس أن الغرض هنا ليس المباحثة بل طلب الحق. ولا ينفعنا التعصب فلننبذه بنعمة الله وقد أجهد المؤلف نفسه في كلامه عن محتويات القرآن أن لا يحيد عن قانون الأدب والأمانة واللطف وسوف يسير على مبدئه هذا في ما يلي من الفصول أيضاً.
- عدد الزيارات: 16762