Skip to main content

وهل طُبِّقت الشريعة من قبل؟ - سياسياً واقتصادياً

الصفحة 2 من 3: سياسياً واقتصادياً

أولاً - سياسياً واقتصادياً

اتَّسم تاريخ الحكم المصري الإسلامي بسِمَتين هما:

أ - غياب العدالة الاجتماعية.

ب - الحكم الديكتاتوري، مقطوعُ الصلةِ بمبدأ الشورى الإسلامي!

فالبرغم من تأكيد الشريعة في نصوصها على مبدأ توزيع الثروة "حَتيْ لاَ يَكُونَ (المال) دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمُ" (الحشر 59: 7). إلا أن نظام الحكم الإسلامي في صعُب عليه تنفيذ هذا النص، فجاءت الأحكام مؤكدة بأن مثل هذه النصوص جاءت للحفظ لا للتطبيق!

يروي محمد بن إياس الحنفي في المختار من بدائع الزهور في وقائع الدهور : لما تُوفي أحمد بن طولون خلّف من الذهب عشرة آلاف دينار، ومن المماليك سبعة آلاف مملوك، ومن العبيد السود أربعة وعشرين ألف عبد، ومن الخيول سبعة آلاف فرس، ومن البغال والحمير ستة آلاف رأس. ومن الجمال عشرة آلاف جمل، ومن اللؤلؤ والجواهر واليواقيت مائة صندوق، ومن التحف ما لا يُحصى عدده. وهذا غير الضِّياع والأملاك والبساتين. أما ابنه خمارويه فقد كان مثلاً فريداً في البذخ والإسراف، فلقد زوّج ابنته قطر الندى للخليفة المعتضد، وجهزها بجهاز أسطوري، قلَّ أن تجد له في التاريخ نظيراً، حتى قيل إنه لم يُبق تحفةً من كل لون إلا جمَّلها بها. وبلغت نفقات الجهاز مليون دينار. ولم يكتفِ بذلك بل أعطاها مائة ألف دينار لتشتري بها من العراق ما قد تحتاج إليه مما يتعذَّر وجوده في مصر. وبنى لها بين مصر وبغداد قصراً على رأس كل مرحلة تنزل بها، أمدَّه بكل وسائل الراحة والرفاهية كأنها في قصر أبيها. ومن الطبيعي أن يظهر لهذا السُّفْهُ أثرَهُ على بيت المال !

وتؤكد الدكتورة سيدة إسماعيل الكاشف في كتابها مصر في عهد الإخشيديين : "خلَّف كافور في خزانته بعد وفاته ما قيمته نحو مليون دينار من الجواهر والثياب والسلاح والأمتعة".

أما الفاطميون فقد رُويت عنهم رويات ليبلغ مبلغها الأساطير في العبث بالأموال العامة. وكُتُب التاريخ القديمة والحديثة زاخرة بوصف قصورهم ومواكبهم، وحيازتهم للثروات الطائلة وحرمان الشعب منها.

فقد كتب د. حسن إبراهيم حسن في بحثه "تاريخ الدولة الفاطمية": "كان للمعزّ أختٌ تسمى سيدة الملك قيل إنها تُوفّيت في خلافة أخيها المعزّ فوُجد عندها من الذهب ثلاثمائة صندوق، ومن فصوص الياقوت الملوّن واللؤلؤ خمس وبيات ووجد لها مدهن من الياقوت الأحمر وزنه سبعة وعشرون مثقالاً".

هذا مع ما كان يعانيه سواد الشعب المصري من المجاعات الرهيبة والطواعين والقحط واختفاء المواد الغذائية. ويكفي أن نشير إلى المجاعة التي حدثت في عهد الخليفة المنتصر بالله الفاطمي الذي ظل جاثماً على صدر البلاد أكثر من ستين عاماً، حدثت فيها من البلايا والمصائب والفظائع ما تشيب له الولدان. ويكفي أن نعرف أن الناس اضطرت إلى أكل الكلاب والقطط ثم إلى أكل جثث من يموت من البشر. واصطلح المؤرخون على تسمية هذه الفترة بالشدّة العظمى .

وقد فصَّل صاحب كتاب المختار من بدائع الزهور في وقائع الدهور أحداث هذه المجاعة، ننقل منها ما يلي: كان طائفة من الناس يجلسون على السقائف ومعهم حِبال تنتهي بكلاليب. فإذا مرَّ بهم أحدٌ من الناس ألقوا عليه تلك الحبال ونشلوه بتلك الكلاليب في أسرع وقت. فإذا صار عندهم ذبحوه في الحال وأكلوه بعظامه! وكان بمدينة الفسطاط حارة تسمى (حارة الطبق) فيها نحو عشرين داراً، كل دار تساوي في الثمن ألف دينار. فبيعت بيوت هذه الحارة كلها بطبق من الخبز، كل دار برغيف، فسُمِّيت يومئذ حارة الطبق .

وبالطبع فإن ما عاناه المصريون من جراء هذه المجاعة كان يمكن أن يكون أقل لولا عبث الحكام المسلمين بأموال البلاد، والإسراف الذي ليس له مثيل الذي مارسه أسلاف المستنصر بالله دون وازعٍ من ضمير. ومن المضحك المبكي أن من جاء بعده من الخلفاء لم يتعظ من "الشدة العظمى" وما حدث فيها من بلاء، فإذا بالخليفة الظافر بالله بعد أن تولى الخلافة (بالتعيين لا بالبيعة) انكبَّ على اللهو والطرب وشرب الخمور. والأنكد من ذلك والأدهى أنه كان يهوى ابن وزيره عباس وينزل إليه ويبيت عنده في غالب الأوقات. ثم أهداه صينية من ذهب فيها ألف حبة لؤلؤ. ولو كان لحكم الشريعة الإسلامية سلطة وقدرة على الحكم (كما يدَّعي الإسلاميون) لكان جزاء الظافر بالله هو الحرق بالنار! فلقد أورد ابن القيم الجوزية في كتابه السياسة الشرعية أن أبا بكر أحرق اللواطية وأذاقهم حرّ النار في الدنيا قبل الآخرة!! ويؤكد د. سعيد عبد الفتاح عاشور في كتابه المجتمع المصري في عهد المماليك : "ظل اللواط منتشراً في سلاطين المماليك وأمرائهم". حتى إن الذي كان يولع بالجواري ويكتفي بهن يُعتبَر شاذاً مثل السلطان حسن الذي قيل عنه: "لم يكن له مَيْل للصبيان كعادة الملوك من قبله"!

وما قيل عن غياب العدالة الاجتماعية، يقال أكثر منه عن غياب الديمقراطية في نظام الحكم الإسلامي في مصر، فلقد كان كل ملك يورِّث حكم مصر المحروسة للذي يليه كما يورِّثه قصوره وأملاكه. وليس لعلمائها ولا لفقائها ولا لذوي الرأي ولا للعامة أي وزن وكما قال الشاعر: "ولا يُستأذنون وهم شهود".

اجتماعياً
الصفحة
  • أنشأ بتاريخ .
  • عدد الزيارات: 7393