وهل طُبِّقت الشريعة من قبل؟ - اجتماعياً
ثانياً - اجتماعياً
أوردت الدكتورة سيدة إسماعيل الكاشف وصفاً دقيقاً للحالة الاجتماعية في المجتمع المصري في عصر الإخشيديين. قالت: "ولم تجد العامة ملاذاً إلا في الاعتقاد بالخرافات وكرامات الأولياء. وظهر دجالون أشاع بعضهم عن نفسه أنه رأى النبي وجبريل وعلي بن أبي طالب. وآخر رأى عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي وهو يستغيث مما ينزل عليه من العذاب، فافتتن بهم الناس. ولقد أغرقوا العامة في شرب الخمور والطرب في المجالس العامة والخاصة، ولم يكن ذلك وقفاً على الشباب بل كان الشيوخ لا يتورّعونه. حتى أهل الورع من الفقهاء ولم يتحرّج العلماء من سماع المغنّين والمغنيات، وانتشرت المواخير ودور القمار واللواط".
ولم يكن الانحلال الخلقي والفساد الاجتماعي وقفاً على سلاطين وملوك الدولة الإخشيدية، فإن التركيب الطَّبقي في عهد الدولة الفاطمية لم يتغير، واستمرت الأمراض الاجتماعية كما هي، بل لم يتورع الفاطميون عن فرض الرسوم على بيوت الدعارة. ويرى المؤرخون أنه في غروب الدولة الفاطمية تولى الأمر خلفاءٌ ضعاف، وأصبح الزمام بيد الوزراء، وحدثت مذابح وفِتن عديدة وحوادث شنيعة كان آخرها حريق مدينة الفسطاط في عهد آخر الخلفاء الفاطميين العاضد بالله بمشورة خَرْقاء من وزيره. واستمر الحريق واحداً وخمسين يوماً، حتى صار الدخان يُرى من مسيرة ثلاثة أيام، كما ذكر ذلك المؤرخ الشهير ابن عبد الحكم .
أما الدولة الأيوبية (إذا استثنينا فترة حكم الناصر صلاح الدين) فإن الحياة الاجتماعية في مصر على عهدهم كانت سيئة، فقد كان الشعب يعاني من الضرائب التي كان صلاح الدين قد أبطلها، فإذا بابنه العزيز بالله قد أعادها وزاد في شناعتها. وانتشرت الخمور، بل حُملت أوانيها جهاراً من غير إنكار. وكانت الدولة تحمي بيوت الدعارة وأماكن الحشيش، وفُرضت عليها الضرائب الثقيلة، ولم يقدر أحد على معارضة أماكن الفسوق، وصارت طاحون الحشيش عمالة وعملاً يُكتسب منه، واضطربت الأحوال لقِلَّة العدل وكثرة المعاصي والفسوق (من كتاب بدائع الزهور).
ومن أهم مظاهر الانحلال الخلقي في عصر الدولة الأيوبية تفشّي الرشوة بين الحكام والمحكومين، حتى أن المقريزي يذكر أن أصل الفساد في عصره هو تحكّم الرشوة في ولاية الخطط السلطانية والمناصب الدينية، كالوزارة والقضاء وولاية الأقاليم وولاية الحسبة وسائر الأعمال، بحيث لا يمكن التوصُّل إلى شيء منها إلا بالمال الجزيل !!
هذا هو المجتمع المصري الذي حكمته شريعة الإسلام على مدى قرون طويلة، فهل كان لأمراضه دواء؟ وهل أنقذت الشريعة الشعب المسكين من مظالم حكمه؟ لقد كانت سوطاً وسيفاً في أيديهم يضربون به عنق الخارج عليهم بوصفه خارجاً على الطاعة المفروضة عليهم باسم الشريعة!
لو تتبعنا التاريخ الفعلي لتطبيق الشريعة، باحثين عن مجتمع الحرية والأُخوَّة والمساواة، لظللنا نتراجع ونتراجع دون أن نهتدي إليه، إلى أن نتوقف عند عصر محمد، وإن أكدت بعض الدراسات الإسلامية أنه لم يُخْلُ من الأطماع والشهوات التي تقدح في نزاهة هذا المجتمع.
- أنشأ بتاريخ .
- عدد الزيارات: 7635