Skip to main content

اشتراك الحاج البَصْري

الفصل الخامس
اشتراك الحاج البَصْري

أ - التمهيد: تقديم الضيف وعرْض وضْع الحوار

ثم جاء رجل من البصرة وبيت المقدس حاجّاً. فلقيه المنظور في المسجد وسلم عليه وتآنسا وتعارفا. فقال له المنظور: ألا إني أحدثك بأعجوبة! إن الأمير قد لجّ في البحث عن دين النصارى ليبلغ فيه غايته. وعنده راهب ونحن نجادله منذ جمعة، وليس ينهزم. قال له البصري: مِن أين هو؟. قال له المنظور: من أهل الشام. ولكن منشأه في العراق. وهو قوي الحجة من الكتب. فلا تناظره في شيء منها، فإني لست أناظره في شيء من الكتب. قال له البصري: اجمعني وإياه حتى أكلمه. قال المنظور: لا تقبل من كلام كتبه شيئاً. فقد قال لنا نصارى قد أسلموا عندنا إنّا لا نقوى عليه. فقال له البصري: لا نقبل من كلام كتبه شيئاً لأن الروم حرَّفوها بقدرتهم وسلطانهم، وهؤلاء قبلوها منهم.

فأدخله إلى الأمير، وسلَّم عليه، وأجلسه الأمير عنده.

ب - مناظرة مطولة حول لاهوت المسيح

فقال البصري للراهب: يا راهب، ألا تزعم أن المسيح إله وأن اليهود عبيد؟.

قال الراهب: حق يقين إنه إله الخلائق كلها.

1) لماذا دفع المسيح الجزية؟

قال البصري: كيف أدى الجزية التي فرضها اليهود على الناس درهمين درهمين؟.

قال الراهب: نعم، أدّاها عنه وعن تلميذه سمعان.

فضحك البصري ومن حضر. ثم قال: ويحك يا راهب، كيف يكون إلهاً وقد ذل وخضع وأدّى فريضة فرضها عليه عبيده؟.

أ - عرض قصة الإنجيل

قال الراهب: ما ذل ولا خضع. إلا أنه بفضله وحلمه وحسن تدبيره. وأُخبرك كيف أداها. لأنه كان يُظهر هذه العجائب والآيات في كل موقف.

سأل الذين يأخذون الجزية تلميذه سمعان: أما يوفي معلمكم الدرهمين؟ فأجاب سمعان: بلى. فلما عاد سمعان للبيت ابتدره المسيح بالسؤال: ممَّن يأخذ ملوك الأرض الجزية؟ أمِن بنيهم أم من الأجانب؟ فأجاب: من الأجانب. فقال المسيح: إذاً البنون أحرار. ثم ليُظهر تواضعه وصبره ومحبته أمر سمعان أن يذهب الى البحر ليلقي صنّارته. وقال له: السمكة التي تطلع أولاً خذها. ومتى فتحت فاها تجد إستاراً. خذه وأعطهم عني وعنك؟.

ب - تحليل معناها

ثم قال الراهب: فانطلق سمعان وأدّاها. ورجع إلى نفسه قائلاً: إن كان سيدنا يفعل ما يشاء بكلمته، وقد رضي أن يؤدي لهؤلاء المنافقين فريضة، فنحن أحق بالرضى وبأن ندعو الناس إلى اللين والتواضع والاحتمال والصبر على الخوف. وهكذا ترى أيها البَصْري أننا لا نعبد إلهاً ذلّ وخضع، بل إلهاً عزيزاً قادراً قاهراً، يعلم الخفايا، ويخلق الفضة، ويضرب الدراهم في جوف السمك وهو حي في البحر، بكلمته.

ج - أُسس التحليل

قال البَصْري: كيف تعرف أن تلك الدراهم التي أدّاها كانت من هذا الوجه؟.

قال الراهب: بيان هذا إنجيل الله الطاهر، وشهادات الحواريين أنصار الله الذين لا يُتَّهمون بكذب، وإقرار الجماعة أن المسيح كلمة الله وروحه، وأنه قد أظهر الآيات والعجائب، وأحيا الأموات، وقهر الشياطين، وشفى الأمراض المختلفة، وأشبع ألوفاً من طعام يسير، وخلق خليقة وغيّر خليقة. وذلك أنه مسخ من اليهود قردة وخنازيراً، وخلق من الطين كهيئة الطير فنفخ فيها، وقال له طِرْ فطار. ومن يفعل هذا، لا يُنكَر له شيء.


2) ما القول لو عرض لمريم عارض ومات المحمول منها؟

أ - الافتراض

قال البَصْري: يا راهب، ألستم تزعمون أنه منذ أن قال جبرائيل لمريم: السلام عليك يا مملوءة نعمة، الرب معك، صار ذلك المحمول من مريم إله الخليقة ومدبرها؟

قال الراهب: حق يقين، أيها المسلم، وكذلك قبلناه من الحواريين.

قال البصري: فلو كان عَرَض لمريم عارض، فماتت هي والمحمول منها، فمن كان يدبر الخليقة؟

ب - الشرح بتشبيه من القرآن

قال الراهب: ألا يقول قرآنك: إن الله بالأفق الأعلى، ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، ما كذَبَ الفؤاد ما رأى؟ هو إله الخلائق أم لا؟.

قال البَصْري: نعم، هو الخالق لسائر الخلائق كلها وإلهها.

قال الراهب: فلو كان أفلت من الأفق الأعلى فوقع وتكسر، (تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً) فمن كان يكون إله الخلق؟.

قال البَصْري: هذا إله (تبارك وتعالى) لا يُوصف ولا يُحد. وذلك محدود في بطن أمه.

قال الراهب: إن هذه الصفة التي تصفه بها هي صفة محدودة، كقولك: وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى. إن الذي بالأفق الأعلى لا بد من أن يُحيل أو يُحال. والذي بالدنو لا بد له من أن يتنحّى. والذي يتدلى، لا بد أن يرتفع أو يقع. فما تعني بقولك: وهو بالأفق الأعلى ثم دنا وتدلى؟ أتقول إنه (تبارك وتعالى!) متمسك بالأفق الأعلى ثم دلى رأسه ويديه؟ هذه صفةُ محدودٍ.

ج - الملاحظات الختامية

ثم قال الراهب: فأنت قلت: لو كان عرض لمريم عارض. وأنا قلت لك: لو كان أفلت من الأفق الأعلى. والأمران لا يمكن أن يحدثا. وإنما المسائل ثلاث: مسألة العالِم والمتعلم والمتعنّت. وأما مسألة العالِم والمتعلم فلها جواب حاضر. وأما مسألة المتعنّت فليس لها جواب إلا مسألة مثلها. وأنت وقفت مني موقف المتعنّتين.


3) ما معنى صلاة المسيح، أليست علامة عبودية؟

أ - شهادة الإنجيل بصلاة المسيح

قال البَصْري: أخبرني يا راهب، هل صلى المسيح؟ فإن الإنجيل يشهد أنه صلى وطلب إلى الله، والإله لا يصلي.

قال الراهب: حقاً إن إلإله لا يُصلي، وإنما الصلاة لله واجبة على العبد المخلوق.

قال له البَصْري: فأنت الآن قد كذَّبت نفسك والإنجيل.

قال الراهب: تسألني عن أشياء تقيم نفسك فيها مقام المدّعي والقاضي. معاذ الله أن أكذّب الإنجيل! لأن الإنجيل لا يُكذبه أحد، إلا اليهود وأهل اللعنة والنفاق ومن لا يؤمن بالله. بل، أيها المسلم، قد صلى المسيح (له المجد!)، بجوهر ناسوته لله أبيه.

ب - معنى صلاة المسيح

قال البصري: فلماذا تُبرئه من العبودية وتجعله إلهاً يُعبد؟ وإذا قيل لكم إنكم مشركون نفرتم. وإشراككم ظاهر لأنه لا يعبده إلا المشركون.

1) لا إشراك: النصارى غير مشركين وإنما مشتركون في المسيح

قال الراهب: ما نحن مشركون ولكنا مشتركون بنعمة الله، بهذا البشري المصطفى من جوهرنا، الذي به عرفنا الله ثلاثة أقانيم، والخير والشر، والقيامة والبعث.

لأن النصارى لم يبتدعوا أن يقولوا إن المسيح ابن الله الحي. لكن الله هو الذي قال: هذا ابني الحبيب الذي به سُررت، له اسمعوا. فقلنا: يا ابن الله، سمعنا وأجبنا. فقال لنا: أنا والآب واحد. بشر بهذا الملائكة المقربون، وتنبأ به الأنبياء المرسَلون، وأخبر به الحواريون المنذرون، واجمع عليه الآباء المكرمون. ونحن لسنا مشركين ولكنا مشتركون بنعمة الله.

وأما قولك إذ قلت إن الله لم يُصلِّ ولا يُصلي، فأنت الصادق.

قال البَصْري: كذبت، ما أشرَك اللهُ معه أحداً، ولا يرضى عمَّن أشرك به. ولقد قلت الحق: إن الله لم يُصل ولا يصلي.

2) لا عبودية بل رحمة ومغفرة

قال الراهب: ما أوضح الحق وأقوى الحجة في أمر المسيح، لمن صان نفسه عن المعصية والاستكبار! فأخبِرْني لمن يصلي العبادُ المؤمنون؟.

قال له البَصْري: لله الواحد رب العالمين.

قال الراهب: ولمن يصلي الملائكة المقرَّبون؟.

قال البَصْري: لله الواحد رب العالمين.

قال الراهب: ولمن يصلي اللهُ الواحدُ ربُّ العالمين؟.

قال البصري: سبحان الله وتعالى عما تشركون! ما صلى الله ولا يصلي أبداً. بل له الصلوات من الملائكة والناس.

قال الراهب: إذن، قد أقررت أن الله لم يُصلِّ ولا يصلي أبداً، وأنت وكتابك تشهدان عليه أنه قد صلى، بقولك: إن الله وملائكته يصلون على النبي. يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلِّموا تسليماً. فأنت تقول إن الله وملائكته وعباده يصلون على محمد صلاة واحدة. فإن كان الأمر حقاً، فلا بد من أن يكون إلهٌ آخر، يصلي الله وملائكته وعباده له، ويطلبون إليه في أمر محمد. فمن أقرَّ بهذا فقد شقي في الدارين. وإن قلت خلاف هذا فقد كذَّبت نفسك وقرآنك.

قال البَصْري: إن صلوات الله ليست كصلوات الملائكة والعباد. وإنما صلاة الله رحمة ومغفرة منه على الأنبياء والمرسلين.

قال الراهب: ما فضلت الله ولا شرفته في القول: على الملائكة والأنبياء. بل أجريت الثلاثة في القول مجرى واحداً بقولك إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلِّموا تسليماً. فهذا مجرى واحد. لكني سأرجع معك إلى قولك أن تكون صلوات الله رحمة ومغفرة، كذلك هي صلوات المسيح. إنما هي رحمة على من آمن به واتّبعه. وكما صلى الله ورحم الأنبياء المرسَلين، كذلك صلى المسيح ورحم الحواريين والمتعَبين.


4) المسيح مخلوق أم غير مخلوق؟

أ - خلاف حول وحي القرآن و نبوّة محمد

قال الراهب: وهذا في قرآنك أن المسيح خالقٌ غيرُ مخلوق.

قال البَصْري: أراك تجادلني بقرآني. أَفَتُقرُّ أن هذا القرآن وحي من الله أنزله على نبيه محمد؟.

قال الراهب: لا أقر شيئاً من هذا، ولا أقر أن نبيك نبي. ما هو إلا ملك ارتضاه الله، وتمَّ به وعده لإبراهيم في إسماعيل. لأنه من يوحنا بن زكريا انتهت النبوّة والوحي. يشهد بذلك دانيال النبي والمسيح.

قال البَصْري: كذبت. وما في القرآن أن المسيح خالق، بل مخلوق ابن مخلوقة.

ب - شهادات القرآن والإنجيل: لا تناقض بين ميلاد المسيح ولاهوته

قال الراهب: لا قوة إلا بالله! ألا يقول القرآن: وإذ قالت الملائكة: يا مريم إن الله اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين؟.

قال البصري: هذا قول الله تبارك وتعالى!.

قال الراهب: فقد اصطفاها، وجبل عيسى منها بقوة الروح القدس. وولدته كما تلد النساء في التسعة أشهر، إذ لم يتغير ذلك الخاتم الطاهر المكنون، ولم يفسد. ونادت الملائكة المبشرون: السلام عليك يا مملوّة نعمة. الرب معك. وقال الله للملائكة والناس: هذا ابني الحبيب الذي به سررت، فله اسمعوا. فشككتم أنتم أنه ابن الله، وعاديتم المؤمنين به.


5 - هل المسيح عبد ونبي مثل باقي الأنبياء والرسل؟

أ - المقارنة الموضوعية في منزلة كل منهم

قال البَصْري: كذبت. ما المسيح إلا عبد من عبيد الله ونبي من المرسلين. إن مثله عند الله كمثل آدم، خلقه من تراب. ثم قال له: كن فيكون. أكرمه الله ورفعه إليه. وقد قال في القرآن: لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقرَّبون.

قال الراهب: إن من أكرمه الله وأنزله المنزلة التي لم يُنزلها سواه، ينبغي أن يُتّبع فوراً. ولكن، أين آدم وذريته؟ وأين نوح وقومه؟ واين إبراهيم وموسى والأنبياء والمرسَلون؟ وأين الشهداء والأخيار والأبرار؟.

قال البَصْري: هم على الأرض وتحت الثرى.

قال الراهب: وأين محمد وأمته التي تزعمون أن الله لم يخلق خلقاً أكرم عليه منه، وأن محمداً أكرمُ على الله من المسيح ومن آدم؟.

قال البَصْري: هو كما قلت، لا محالة.

قال الراهب: فأين هم؟.

قال البَصْري: على الأرض وتحت الثرى.

قالا لراهب: وأين المسيح؟.

قال البَصْري: في السماء رفعه الله وأكرمه.

قال الراهب: إذاً لو كان مثل المسيح كمثل آدم لكان مع آدم وذريته، أو مثل نوح لكان مع نوح وقومه، أو مثل إبراهيم وموسى والأنبياء والمرسَلين لكان معهم. ولو كان مثل محمد لكان معه. ولو كان محمد أكرم على الله من المسيح، لكان محمد مكان المسيح وكان المسيح مكان محمد.

ب - الشهادات الكتابية حول ربوبية المسيح و رفعه

ثم قال الراهب: وكيف صار هذا الذي تشهد عليه بالعبودية، رفعه الله إليه بالفضل والكرامة، وأجلسه على كرسي العز وألبسه المجد، وحجبه بالنور، وألهم الملائكة والعباد معرفته والإقرار له بالربوبية واللاهوت، وتمم له جميع ما قيل فيه على ألسنة أنبيائه، إنه ملك الملوك وليس لملكه انقضاء؟.

وشهد له بذلك جبرائيل الملاك قبل أن يُحبل به، إذ قال لوالدته الطاهرة: إن الله مبشرك بكلمته. ولم يقل لها: إن معك عبداً من عبيد الله، بل روح الله معك، وقوة العلي تظللك، والقدوس المولود منك يُدعى ابن الله.

وبعد هذا، انطلقت مريم لزيارة أليصابات، أم يوحنا بن زكريا. فلما سمعت أم يوحنا كلام مريم، اضطرب يوحنا في بطنها وسجد. فقامت أمه تتنبأ بفرح عظيم وقالت: من أين لي هذا الشرف العظيم أن تأتي إليّ أم ربي؟ السلام لك، يا مباركة في النساء. منذ وقع كلامك في أذنيَّ، اضطرب الطفل في بطني وسجد. وهذا في كتابك، إذ يقول: وإذ قالت الملائكة لزكريا: إن الله يبشرك بيحيى مصدِّقاً بكلمة من الله نبياً من الصالحين (منذ كان في بطن أمه).

وفي يوم ولادة المسيح، نزلت الملائكة من السماء يُسبحون ويقولون: المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة. وبشر الملاك الرعاة وقال: هوذا أبشركم بفرح عظيم، يكون لكم ولجميع الأمم. قد وُلد مخلص هو المسيح الرب. وتحرك المجوس، وأهدوا إليه القرابين الزكية بالخضوع والسجود، وكوكب النور دليلهم. ويوم دخل المسيح إلى أورشليم، هلل الأطفال مع الكهول والشبان بالتسابيح لله ولابن داود.

والكتب كلها تشهد له مؤيِّدةً ما جاء في الإنجيل، ولكنكم لا تقبلون. فكيف يستقيم أن يُسمَّى المسيح إنساناً أو يُدعى عبداً؟

د - مناظرة حول الصليب

1) استغراب الأمير من عبادة خشبة لا تنفع ولا تضر

قال الأمير: دع عنك الآن هذا كله، وأخبرني: ما بالكم تعبدون الصليب وتؤمنون به، وهو خشبة لا تنفع ولا تضر؟.

قال الراهب: أيها الأمير، هل رأيك أنت وهؤلاء، مشترك فيما قلت إنا نعبد الصليب ونسجد له؟.

قال الأمير: نعم.

قال الراهب: يا سيدي هؤلاء لا يُلامون لأنهم يَدْعون إلى ما دُعُوا إليه، لا علم لهم إن أصابوا ولا إن أخطأوا. وأما أنت، فقد وهبك الله الحسب والنسب، والشرف والمُلْك، والسلطنة وحُسْن الأدب. وقد سبق فيك قول محمد، إذ قال: قدِّموا قريشاً ولا تتقدَّموها، وتعلَّموا من قريش ولا تُعلِّموها. فإن رأْيَ القريشي رأْيُ عشرة رجال. فمن كانت هذه حالته، فكيف يقبل أن يقول إن النصارى يعبدون الصليب؟

2) حب النصارى للصليب لما له من معنى وقدرة

ثم قال الراهب: لا، نعبده. ولو كنا نعبده ما كنا نفعل به ما نفعل من إظهاره على رأس كل جبل وفي كل مكان. لا ينبغي لأحد أن يلوم النصارى على حبهم للصليب، لأنه قد ظهر لهم منه أمور لا تعد ولا تحصى. وذلك أنه عَلَمُ الفداء، ورايةُ النصر والخلاص من الضلالة. وفي ذلك يقول رسول المسيحية بولس: حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي به قد صُلب العالم لي، وأنا للعالم.

ه - مناظرة ختامية حول القيامة والبعث

قال البصري: ويحك، يا راهب، ما أعظم كفرك! إنكم لا تؤمنون بالقيامة ولا البعث ؟

قال الراهب: نحن من أمر القيامة والبعث على الحق واليقين، لأننا قد رأينا القيامة والبعث عياناً. وأما أنتم واليهود، فمن القيامة والبعث على الرجاء.

قال البصري: وكيف ذلك؟.

قال الراهب: قال موسى لبني إسرائيل: إن القيامة ستقوم وإن الله سيبعث مَنْ في القبور. فمات موسى ولم يقم.

وجاءكم محمد وقال: يا معشر المسلمين، إن القيامة ستقوم وإن الله سيبعث مَن في القبور. فمات محمد ولم يقم.

وجاءنا المسيح وقال: يا معشر الناس، إن القيامة بي تقوم، وإن الله يبعث مَن في القبور. فمات وقُبر، وقام وانبعث حياً، وطلع إلى السماء ويأتي ثانية. فنحن من المسيح على التحقيق، وأنتم من صاحبكم على الرجاء.

و - حبس الراهب ثم إطلاق سبيله

فغضب الأمير وأمر بحبس الراهب. فقال الراهب للأمير: ما كان هذا الرجاء منك ولا العهد والميثاق.

فقال الأمير: ما عليك بأس! فمضوا به إلى الحبس.

فلما جُنَّ الليل، دعا الأمير الراهب وقال له: أتحب أن تسكن بلدنا فأُنعم عليك وأُقطِعك وأقوم بشأنك، أم تحب أن أخلي سبيلك؟.

أجاب الراهب: أطلق سبيلي.

فأجازه وأحسن إليه وصرفه بسلام.

  • عدد الزيارات: 10508