Skip to main content

أسماء الله الحسنى

أسماء الله الحسنى

مدخل:ـ جاء في قرآن المسلمين، وفي أحاديث نبي الإسلام، أسماءٌ وصفاتٌ كثيرة لله. ويحرص الإنسان المسلم أن يعرف ويحفظ أسماء وصفات الله، لأنها تساعده على فهم الله الذي يؤمن به. أي أن أسماء وصفات الله في القرآن والسنة هي المصدر الأساسي والرئيسي الذي يستخدمه المسلم في بناء عقيدته وتكوين فكرة عن حقيقة شخص الله. فعندما يفكر المسلم في شخص الله، فإنه يفكر به من خلال أسمائه بشكل رئيسي، وكذلك من خلال صفاته، وبعد ذلك قد يفكر بالله من خلال أعماله.

صحيح أنه ورد في القرآن أقوال عن أعمال الله، كما نقرأ في سورة العنكبوت 20:29 ** قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم اللهُ ينشئ النشأَة الآخرة إن الله على كل شيءٍ قدير ** . وفي سورة الجاثية 3:45-6، وخصوصاً الآية الثالثة: ** إنَّ في السماوات والأرضٍ لآياتٍ للمؤمنين ** . ومع أن هذه النصوص لا تدعو مباشرةً إلى التفكير بأعمال الله، إلا أنها تحث على أخذ العبرة من الخليقة. وبذلك تبقى أسماء الله الحسنى هي المصدر الرئيسي لمعرفة الله عند المسلمين.


أسماء الله في القرآن:ـ عندما نطالع قرآن المسلمين، نجدْه يعلن أن لله اسماً، وأن على الإنسان المسلم أن يذكر هذا الاسم في صلاته وعبادته، وعليه أن يسبح هذا الاسم، وأن لا يأكل شيئاً إلا بعد ذكر اسم الله. ففي 24 آية صريحة يشير القرآن إلى اسم الله، ويستخدم كلمة اسم بصيغة المفرد، ويُفهم من هذه النصوص إن لله اسما واحداً، ومن الأمثلة على ذلك:ـ

الأنعام 121:6 ** ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه **

الرحمان 78:55 ** تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام **

الإنسان 25:76 ** وأذكر اسم ربك بكرة وأصيلاً **

الأعلى 1:87 ** سبح اسم ربك الأعلى **

ونلاحظ في هذه الآيات عدم التصريح باسم الله الذي على المسلم ذكره وتسبيحه وتناول الطعام بعد نَطْقِهِ.

إلى جانب هذه الآيات، نقرأ في أربعة آيات في القرآن أن الله له الأسماء الحسنى، أي أن له أكثر من اسم واحد، ونلاحظ في ثلاثٍ من هذه الآيات عدم ذكر أي اسم من هذه الأسماء، أمّا الآية الرابعة فيسبقها عدد من أسماء الله، وهذه الآيات هي:ـ

سورة الأعراف 180:7 ** ولله الأسماءُ الحسنى فأدعوهُ بها **

سورة الإسراء 110:17 ** قُل ادعوا الله أو أدعو الرحمان أياً ما تدعو فله الأسماء الحُسنى **

سورة طه 8:20 ** الله لا إله إلاّ هو له الأسماءُ الحسنى **

سورة الحشر 22:59-24 ** هو الله الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشّهادةِ هو الرحمان الرحيم. هو الله الذي لا إله إلاّ هو الملك القدوس السلامُ المؤمنُ المهيمنُ العزيزُ الجبارُ المتكبرُ سبحان الله عما يشركون. هو الله الخالقُ البارئ المصوّر له الأسماءُ الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيزُ الحكيم ** .

بعد قراءة هذه الآيات القرآنية التي تتحدث عن وجود أسماء الله الحُسنى، يجدر بنا الانتباه إلى ثلاثة حقائق بارزه:ـ

يطلب القرآن من المسلمين أن يدعوا الله بالأسماء الحسنى، ولكنه لا يقدم للقارئ أية قائمة واضحة ومحددة أو كاملة بهذه الأسماء.

لا يذكر القرآن عدد هذه الأسماء أبداً، وبهذا يحتاج الباحث إلى اللجوء إلى أقوال نبي الإسلام وآراء المفسرين ليعرف عدد هذه الأسماء بالضبط.

إن أسماء الله المذكورة في سورة الحشر هي في الواقع صفات ونعوت وأسماء أفعال أكثر مما هي أسماء علم، فكلمة ** خالق ** على سبيل المثال هي على وزن فاعل، فهي اسم فاعل تخبرنا أن الله هو الخالق، أي أنها ليست اسم علم. ويؤكد الشيخ محمود جوده على هذه الحقيقة حيث كتب قائلاً: ** أسماء الله تبارك وتعالى عبارة عن أعلام له، أي أن كل اسم منها يدلُّ على الذات الإلهية …وهي في نفس الوقت صفات لله عز وجل، فهو متصف بها دائماً ** .

ويتحدث سيد قطب في كتابه ** في ظلال القرآن ** عن أسماء الله الحسنى باعتبارها صفات الله، بل أنه عندما يفسر بعض هذه الأسماء لا يذكر كلمة اسم، بل صفة، كما ورد في تفسيره لكلمات المهيمن والعزيز والجبار والمتكبر.


 

أسماء الله في الحديث:ـ لم ترد عبارة ** الأسماء الحسنى ** في أحاديث نبي الإسلام نهائياً، ولكن يوجد في كتب الأحاديث المعتمدة لدى المسلمين السّنُة سبعة عشر حديثاً لنبي الإسلام يتحدث فيها عن أسماء الله. علماً بأن هذه الأحاديث ما هي في الحقيقة إلاّ حديث أو اثنين مكررة مع اختلاف الرواة. كذلك يوجد بينها حديث ورد في سنن الترمذي عن أبي هريرة يذكر فيه تسعاً وتسعين اسماً لله، ولكننا نقرأ في نهاية هذه الأسماء تعقيباً يوضّح إن هذا حديث غريب، وبأن أسماء الله وردت في حديث آخر، وأن هذا الحديث الآخر بدون إسناد صحيح. وفي سنن ابن ماجه نقرأ حديثاً مسنداً إلى أبي هريرة يذكر فيه مائة من أسماء الله ، وعلى الأغلب فأن هذا هو الحديث الذي قيل أنه لا يوجد إسناد صحيح له.

عند دراسة أحاديث نبي الإسلام عن أسماء الله، نجد أن جميع هذه الأحاديث، وبدون استثناء، تؤكد على أن عدد هذه الأسماء هو ** تسعة وتسعين اسماً ** أي ** مائةً إلا واحد ** . ومن جملة هذه الأحاديث نقرأ:ـ

** َحدّثنا أبو التيمان أخبرنا شُعيبٌ حَدَّثنا أبو الزِّنادِ عن الأعرج عن أبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه أن رسولَ الِله صلى الله عليه وسلم قال إنَّ لِلهِ تِسعةًً وتسعين اسماً مائةً إلاّ واحداً مَن أحصاها دَ خَلَ الجنَّةَ ** .

** حَدَّثا يزيدُ أخبرنا محمّدٌ عن أبي الزّنادِ عن الأعرج عن أبي هريرةَ قالَ، قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ للهِ تسعةًً وتسعين اسماً مائةً غير واحدٍ من أحصاها دخل الجنَّةََ إنَّهُ وترٌ يحبُ الوِترَ ** .

3. ** حَدَّثنا عَمْرو النّاقِدُ وزهيرُ بنُ حربٍ وابن أبي عُمَرَ جميعاً عن سفيانَ واللَّفظُ لِعَمْرو وحَدَثنا سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن أبي الزنّادِ عن الأعرج عن أبي هريرةَ عن النبّيِّ صلى الله عليه وسلم قال لله تسعةٌ وتسعون اسماً من حَفِظَها دخل الجنَّةَ وإنَّ اللهَ وترٌ يحبُّ الوترَ وفي روايَة ابنِ أبي عُمَر من أحصاها **

إذا سَلَّمنا أن هذه الأحاديث المنسوبة إلى نبي الإسلام صحيحة، فإننا يجب أن نلاحظ مدى تشديد النبي على حفظِ أو إحصاء أسماء الله التسعة والتسعين. ولكن الأمر الغريب، بل والعجيب أيضاً، أنه لا يوجد لدينا حتى ولو قائمة واحدة صحيحة ومعتمدة لدى جميع المسلمين بهذه الأسماء، وهذا يعني أن عملية جمع وإحصاء أسماء الله في الإسلام هي مسألة اجتهاديّة يختلف فيها المفسرون وعلماء الإسلام. ولكن إن كان لله تسعة وتسعون اسماً حسناً بالضبط، كما يؤكد نبي الإسلام، فإن على الإنسان المسلم أن يحفظ أو يحصي هذه الأسماء بالضبَّط، بدون زيادة أو نقصان أو تبديل أو تغيير، وهذا يعني أيضاً أن يحفظ جميع المسلمين أسماء الله الحسنى هذه، على أن توجد قائمة واحدة معتمدة ومشتركة لدى جميع المسلمين، أي أن ما يحفظه أي مسلم، يجب أن يكون بالضبط مثل ما يحفظه أخوه المسلم. ولذلك يبقى لدينا سؤالٌ مُلحُ : أين هي قائمة أسماء الله الحسنى المتَّفَق عليها بين المسلمين ؟

من خلال دراستي للعديد من كتب الأحاديث والتفّاسير والمراجع الإسلامية، حصلت حتى اليوم على ستة قوائم لأسماء الله الحُسنى في الإسلام، ولاحظت عدم انطباق أية قائمة مع غيرها من القوائم، علماً بأنها جميعاً تشترك بعددٍ كبير من الأسماء فيما بينها، وخصوصاً أول عشرين اسماً من كل قائمة، بعد ذلك تبدأ الاختلافات في الظهور، لدرجة أن إحدى هذه القوائم تحتوي على عشرين اسماً من أسماء الله الحسنى لم يرد لها ذكرٌ في أية قائمة أُخرى.

ويعترف الشيخ محمود جوده في كتابه ** هذه عقيدتنا ** بمشكلة تحديد وإحصاء أسماء الله الحسنى في الإسلام، حيث كتب قائلاً: ** وأما عن تعيين هذه الأسماء فلم يصح حديث في تعيين الأسماء الحسنى كلها، وأن الأحاديث التي أوردت التعيَّين لا تخلو من كلامٍ يقدح في صحتها، وأن التعيين الوارد فيها لم يُجْزم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أراد معرفة ذلك تفصيلاً فعليه الاطلاع على فتح الباري شرح صحيح البخاري ومجموع الفتاوى للأمام ابن تيميه ** . وأضاف قائلاً: ** إن مسألة إحصائها مسألة اجتهادية تركها الله لعباده

ولكن إن كانت عملية حفظ وإحصاء أسماء الله الحسنى هي من العمليات الأساسية والرئيسية من أجل دخول الجنة، كما يؤكد نبي الإسلام محمد، فكيف ترك الله في القرآن، وكذلك كيف ترك النبي محمد، مسألة إحصاء الأسماء اجتهاداً للعباد ؟ فالعباد قاصرين وخطاءون ومن الصعب أن يتَّفقوا فيما بينهم، كما يتضح ذلك من تعدد القوائم التي تحتوي على أسماء الله الحسنى، وإذا كان من الصعب على العلماء والباحثين الاتفاق فيما بينهم على عدد الأسماء الموجودة في القرآن والأسماء الموجودة في أحاديث نبي الإسلام، فكيف ستكون حالة عامة المسلمين ؟ كذلك يحق لنا طرح الأسئلة التالية حول أسماء الله في الإسلام :ـ

هل سيدخل الجنة كل من يحفظ أو يحصي أسماء الله الحُسنى ؟ وما هو جزاء الشخص الذي يخطأ في عملية الحفظ أو الإحصاء ؟ خصوصاً إن كان خَطَأَهُ في عدد قليل من الأسماء أو حتى في اسم واحد ؟

إذا حفظ شخص مسلم تسعة وتسعين اسماً لله، وحفظ مسلم آخر تسعة وتسعين اسماً، ولكنها لا تنطبق مع الأسماء التي حفظها المسلم الأول، فهل سيدخل الاثنان الجنة ؟

وهل سيدخل الجنة الذي يحفظ بالضبط 99 اسماً حسناً لله ؟ وماذا سيحصل مع الذي يحفظ قائمة الأسماء التي وردت في سنن الترمذي حيث يوجد مائة اسم حسن لله ؟ وكذلك الذي يحفظ قائمة الأسماء التي وردت في موسوعة صخر للقرآن حيث ورد لله ست وثمانين اسماً فقط ؟ .


مشكلة تعيين أسماء الله الحسنى :ـ طالما أنَّهُ لا توجد قائمة واضحة ومتكاملة بأسماء الله الحسنى في القرآن أو في أحاديث نبي الإسلام، فإن علماء المسلمين يتبعون المنهج الاستقرائي في البحث عن هذه الأسماء في القرآن والسنَّة النبوية ** الصحيحة ** . وتواجه الباحثين عن أسماء الله الحسنى عدة أسئلة صعبة تذكر منها :ـ

هل تعتبر الأسماء التوقيفية من الأسماء الحسنى، وبالتالي هل يمكن إطلاق اسم على الله لم يرد في القرآن والسنة؟ مثل أسماء الشّارع أو المشّرع والمنزِّل والموحي والمُرسل؟!

هل يمكن اشتقاق أسماء الله من أفعاله المعروفة، كأسماءالمعز والمذل والقابض والباسط؟

هل يمكن إعطاء اسم لله بشكل مطلق، مع أن هذا الاسم مضافُ أو مضافٌ إليه أو مقيد في القرآن، مثل اسم الفاضل من ذو الفضل، والرفيع من رفيع الدرجات، والطويل من ذو الطول، والجليل من ذو الجلال، والمالك من مالك الملك؟.

وهل الأسماء المطلقة في القرآن هي فقط أسماء الله الحُسنى، ولا يجوز بالتالي اشتقاق أو استشفاف أي اسم آخر له من خلال معرفة إرادة الله في القرآن، أو من خلال أعماله وأقواله وأوامره ووصاياه وتعاليمه وشرائعه، مثل أسماء الفادي والعادل والمحب والمخلِّص والعجيب؟

يحتاج دارس أسماء الله الحسنى في الإسلام إلى العودة إلى القوائم المختلفة المتوفرة لدينا، وذلك من أجل الحصول على إجابات واضحة لهذه الأسئلة، وبالرجوع إلى هذه القوائم نُلاحظ ما يلي :ـ

أن خمسة من قوائم أسماء الله تحتوي على أسماءٍ مشتقة من أفعاله، أو من صفاتٍ مقيّدة بكلمات أخرى، في حين حرص الشيخ محمود جودة وحده على استخدام أسماء مطلقه لله في القرآن والحديث، وحصل بالتالي على سبعة عشر اسماً لله لم يستخدمها غيره من علماء المسلمين .

يوجد في قائمة ابن ماجه ستة عشر اسماً لم يستخدمها أحد سواه، وسبب ذلك وجود أسماء كثيرة عنده مشتقة من أفعال وأوامر وشرائع لِله، كذلك فإن بعضها أسماء وقفيه يصعب معرفة مصدر اشتقاقها .

بالرغم من كثرة الأسماء المشقة من أفعال الله وأوامره وشرائعه، فإنه يمكننا إضافة أسماء أخرى لله لم يعمل علماء المسلمين على اشتقاقها أو وقفها لله، مثل أسماء الشارع أو المشرِّع، والموحي، والمرسل، والمنزِّل، والفادي، والمخلِّص، والعجيب، والعادل، والمحب. والحقيقة أن غياب هذه الأسماء المجيدة لشخص الله القدوس تدفعنا إلى التساؤل المشروع : هل تحاشى علماء المسلمون وضع هذه بين أسماء الله الحسنى مِنْ أجل العمل على عدم إظهار أي اتفاق مع العقيدة المسيحية فيما يختص بالله؟.

لا يقدم لنا العلماء المسلمون أية قاعدة أو مبدأ محدد يمكن استخدامه في البحث عن أسماء الله الحسنى في القرآن أو السنة النبوية، وبالتالي كيف لنا أن نحكم إن كان أحد أسماء الله هو من الأسماء الحسنى أو ليس منها؟

هل سيتوصل المسلمون في أحد الأيام إلى الاجتماع والاتفاق على قائمة موحدة ومشتركة لأسماء الله الحسنى، وبالتالي يستطيع الجميع حفظها وإحصائها ودخول الجنة ؟!


دراسة أسماء الله الحسنى :ـ يوجد لدينا مائة وسبع وخمسون (157) اسماً حسناً لله موزعة على القوائم الستة، وبما أن نبي الإسلام في أحاديثه أكد على أن عدد الأسماء الحسنى هو تسعة وتسعين (99) اسماً. لذلك فإن دراسة أسماء الله الحسنى تتطلب منا دراسة الأسماء المشتركة والمكررة أكثر في القوائم المختلفة، ونلاحظ في قوائم الأسماء أن قائمتي الغزالي والترمذي هما أكثر قائمتين متشابهتين. ومن المعروف أن قائمة الغزالي هي أكثر القوائم تداولاً بين المسلمين، لذلك فإن دراسة الأسماء الحسنى فيها هي في الواقع الدّراسة التي ستساعدنا في الوصول إلى أفضل فهم ممكن لشخص الله في العقيدة الإسلاميّة.

نلاحظ عند النّظر إلى أسماء الله التّسعة والتّسعين، أنّه في كثير منها يوجد تقارب كبير وتشابه في المعنى لدرجة التطابق، وفي نفس الوقت، نجد أنّ بعض هذه الأسماء تتعارض مع غيرها من الأسماء لدرجة التّناقض، وذلك على الأقل في ظاهر معانيها. ويؤّكد على هذه الظّاهرة كافّة علماء التّفسير المسلمين، حيث يشيرون إلى ارتباط الصّفات والأسماء ببعضها البعض، وبأنّ الفروق بينها لطيفة وهامشيّة، مع عدم إنكارهم لحقيقة وجود المتناقضات.

ومن أجل تسهيل دراسة أسماء الله الحسنى، يمكننا تقسيمها إلى عدة مجموعات، بحيث تحتوي كل مجموعة على الأسماء المشتركة في الدلالة والقريبة في المعنى، علماً بأن هذه المجموعات ليست نهائية، إذ يمكن تغييرها وتوزيع الأسماء بشكل مختلف. ومما يُصَعِّب في عملية تقسيم الأسماء إلى مجموعات ثابتة هو الاختلاف الكبير بين علماء التفسير في توضيح وتحديد معاني عدد كبير من هذه الأسماء، بالإضافة إلى تقارب المعاني في الكثير منها. ومع ذلك فأن وضع الأسماء في مجموعات تبقى وسيلة عملية جداً لدراستها :ـ

المجموعة الأولى:ـ أسماء الله الدالة على وجوده وأزليته:ـ (مكرره 22 مرة ونسبتها 75،1% ) لحق 12؛ الحي 5؛ القيوم3 ؛ الأول 1؛ الآخر1؛ الباقي ـ.

المجموعة الثانية:ـ أسماء الله الدالة على وحدانيته:ـ ( مكرره 22 مرة ونسبتها 75،1% ) الواحد 21؛ الأحد 1.

المجموعة الثالثة:ـ أسماء الله الدالة على قدرته وقوته:ـ (مكرره 274 مرة ونسبتها 83،21% ) الحكيم 93؛ العزيز 90؛ القوي 9؛ المتين 1؛ الوالي 32؛ المقتدر4؛ القادر (القدير) 45.

المجموعة الرابعة:ـ الأسماء التي تدل على مجد الله وكمالِهِ:ـ (مكرره 49 مرة ونسبتها 9،3 %) المتكبر 1؛ الظاهر 1؛ العظيم 8؛ العلي 8؛ الكبير 6؛ الجليل 2؛ المجيد 2؛ الحميد 17؛ الماجد ـ؛ الوالي 1؛ المتعالي 1؛ ذو الجلال والإكرام 2 .

المجموعة الخامسة:ـ الأسماء التي تدل على علم الله ومعرفته وبصيرته:ـ ( مكرره 322 مره ونسبيها 66،25%) العليم 158 ؛ الخبير 45؛ الرقيب 3؛ الواسع

9؛ الشهيد 19؛ المهيمن1؛ المحصي ـ؛ السميع 45؛ البصير42. المجموعة السادسة:ـ أسماء الله الدالة على إرادته المطلقة في عمل ما يشاء:ـ (مكرره

135مره ونسبتها 04،1% ) المقدم ـ؛ المؤخر ـ؛ النافع ـ؛ الضار ـ؛ المانع ـ؛ الهادي 10؛ الباسط ـ؛الرافع ـ؛ الوهاب 3؛ المعطي ـ؛ المعز ـ؛ المذل ـ.

المجموعة السابعة:ـ أسماء الله التي تعلن أنه خالق الوجود:ـ (مكرره 14 مره ونسبتها 12،1 % ) الخالق 8؛ البارئ 3؛ المصور 1؛ المبدىء ـ؛ الواجد ـ؛ البديع 2؛ المعيد ـ.

المجموعة الثامنة:ـ أسماء الله التي تدل على انه مالك كل شئ ومصدر كل شئ:ـ (مكرره 27مره ونسبتها 15،2% ) الملك 6؛ الباعث ـ؛ الصمد 1؛ مالك الملك 2؛ الغني 18؛ المغني ـ؛ الوارث ـ.

المجموعة التاسعة:ـ الأسماء الدالة على عناية الله واهتمامه بالخلق:ـ (مكرره 24 مره ونسبتها 9،1% ) الكريم 3؛ الوكيل 13؛ الباطن 1؛ الرزاق 1؛ الشكور 4؛ الحفيظ 1؛ المُقيت 1 .

10.المجموعة العاشرة:ـ أسماء الله الدالة على لطفه وحلمه:ـ (مكرره 34 مره ونسبتها 71،2% ) المؤمن 1؛ اللطيف 7؛ الحليم 12؛ المجيب 1؛ الودود 2؛ الرؤوف 11؛ الصبورـ.

11.المجموعة الحادية عشرة:ـ أسماء الله الدالة على رحمته وغفرانه:ـ (مكرره 430 مره ونسبتها 26،34% ) الرحمان 169؛ الرحيم 146؛ الغفار 5؛ الغفور 91؛ المحيي 2؛ البر 1؛ التواب 11؛ العفو 5 .

12. المجموعة الثانية عشرة:ـ أسماء الله الدالة على عقابه ودينونته:ـ (مكرره 15 مره ونسبتها 2،1% ) المميت ـ؛ الجبار 1؛ القهار 6؛ الفتاح 1؛ القابض ـ؛ الخافض ـ؛ الحكم ـ؛ العدل ـ؛ الحسيب 4؛ المنتقم ـ؛ الجامع

2؛ الرشيد 1؛ المقسط ـ. 13. المجموعة الثالثة عشرة:ـ أسماء تدل على امتياز الله وفرادته:ـ (مكرره 8 مرات ونسبتها 64، % ) السلام 1؛ القدوس 2؛ النور 5 .

يحفظ عدد كبير من المسلمين أسماء الله الحسنى عن ظهر قلب، بل أن هذه الأسماء قد دخلت في الأناشيد الدينية الإسلامية، ويلاحظ أن نسبه جيده ممن يحفظون هذه الأسماء لا يأخذون الوقت اللازم لتحليلها وفهم مدلولاتها ومعانيها، علماً بأن هذه الأسماء هي التي تشكل العقل الباطن للإنسان المسلم في نظرته إلى الله، وإلى علاقته شخصياً مع الله ومع الآخرين. لذلك فإن النظرة الفاحصة إلى المجموعات المختلفة التي وزعنا عليها أسماء الله الحسنى تساعدنا على فهم الله في العقيدة الإسلامية، كما وتساعدنا في معرفة كيف ينظر المسلم إلى الله، ومدى تأثير هذه النظرة على الحياة اليومية في المجتمعات الإسلامية .

ورد في القرآن ثلاثة وسبعون اسماً من الأسماء التسعة والتسعون. أي أن ستة وعشرون اسماً لم تأت مطلقه أو صريحة في القرآن، بل تم استنتاجها أو نحتها من آيات قرآنيّة تتحدّث عن أعمال الله، وكذلك بالرجوع إلى أحاديث نبي الإسلام .


نلاحظ أنّ الاسم الأكثر تكراراً في القرآن هو ** الرّحمان ** فالله هو الرحمان الرحيم . وتبدأ كل سورة في القرآن بالبسملة، حيث يقرأ المسلم وبكل خشوع هذه الآية التي تملأ كيانه بالإحساس بالرهبة والإيمان : ** باسم الله الرحمن الرحيم ** . ونجد أن اسم الرحمان موجود في المجموعة الحادية عشرة التي تحتوي على ثمانية أسماء مكررة أربعمائة وثلاثين مرة وبنسبة 26،34% من مجمل أسماء الله الحسنى. وهكذا فإن أجمل وارق صوره في ذهن المسلم عن الله هي أن الله رحيم غفور. ولذلك يطمع المسلم في رحمة الله، بل يعمل جاهداً لينال هذه الرحمة من الله، ومع أن الله رحيم، إلا أن رحمته ليست عطية مجانية، بل هي ثمرة لجهاد الإنسان المسلم في العبادات والأعمال الصالحة وتطبيق شريعة الله في حياته. أي أن الله يرحم من يصلي ويصوم ويحج إلى مكة ويزكي عن أمواله ويجاهد في سبيل الله، وغير ذلك من الأعمال الحسنه. وهكذا فإن رحمة الله مشروطة بطاعة الإنسان المسلم لِرَبِّه. كذلك فإن رحمة الله ليست أكيدة، فالمسلم يجتهد في الحصول على رحمة الله ولكنه لا يتيقّنُ أبداً من حصوله عليها .

يأتي اسم ** العليم ** بعد اسم ** الرحمان ** مباشرةً في عدد مرات ذكره في القرآن. وهذا الاسم يدل على معرفة الله الواسعة والشاملة لكل صغيرةٍ وكبيرةٍ في هذا الكون الشاسع. ولكن الأهم من هذا بالنسبة للإنسان المسلم هو أن الله العليم يراقب حركات ونبضات الإنسان في دخوله وخروجه وكل أعماله. فعينُ الله المُراقِبة تلاحق الإنسان أينما كان. فالله ** العليم ** هو في نفس الوقت ** الرقيب ** الذي يعرف سلوك الإنسان، وهو ** المحصي ** لحركاته ** والسميع ** لأقواله وصلواته، ** والبصير ** بأعماله ** والخبير ** حتى في ما يفكر فيه، لأن الله هو ** الشهيد ** أي الخبير بأحوال خلقه. وهكذا فإن المجموعة الخامسة من أسماء الله الحسنى في الإسلام تُذكِّر الإنسان المسلم دوماً بأنه غير مستقل عن الله، بل أن العين مفتوحة عليه،

وبأنّه مراقب نهاراً وليلاً، فلذلك فهو يخاف من العين، ويخاف من الله، وهذا الخوف يرافقه كلّ أيام حياته. ونلاحظ أنّ عدد تكرارات أسماء الله الدّالة على علمه ومعرفته هو ثلاثمائة واثنان وعشرون اسماً، أي بنسبة 66،25% من مجمل أسماء الله، وهذا يعني أن ربع أسماء الله الحسنى تتعلق بعلم الله الشامل بأحوال خليقته، وخصوصاً أحوال الإنسان .

بعد رحمة الله وعلمه، نلاحظ أن اسم ** الحكيم ** هو من الأسماء الكثيرة التكرار في القرآن. ومع أن المعنى الذي يتبادر مباشرة إلى ذهن الإنسان بالنسبة لهذا الاسم هو أنّ الله كلي الحكمة، أي لديه المقدرة على فهم الأشياء وتقديرها، وعلى كيفية تدبيرها وإدارتها بعلمه الفائق، إلا أننا عندما نأتي إلى التفسير الإسلامي لكلمة الحكيم ، فإننا نحتار أين نضعها في مجموعات أسماء الله، وسبب ذلك هو اختلاف مفسري القرآن في تحديد معناها، ومما قالوه:-

هو الذي يحكم بالحق في الدنيا والآخرة.

الحكيم أي ذو الحكمة، أي معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم .

الحكيم هو الحاكم، كما أن العليم هو العالم .

الحكيم أي أن الله حكم بجعل آدم خليفة الأرض .

الحكيم أي الذي كمل في حكمه .

الحكيم أي الذي يحكم الأشياء ويتقنها .

الحكيم أي العليم أو العالم الذي لا يجهل .

نلاحظ هنا أن أربعة من معاني كلمة الحكيم التي وردت في كتب تفسير القرآن تتعلق بحكم الله على العالم، فالله هو الحاكم الذي يدير ويسيطر على شئون العالم، وله الكلمة النهائية في الحكم عليه، وهذا يعني أن الله يجب أن يكون قوياً ومتيناً وقديراً حتى يكون الولي الذي له ولاية شئون العالم، وهذا يضع كلمة الحكيم في المجموعة الثالثة، وبذلك يصبح عدد مرات تكرار أسماء هذه المجموعة يعادل مائتان وأربعة وسبعون مَرةً، أي بنسبة 83، 21% من جملة أسماء الله .

وهكذا نجد أن ثلاثة مجموعات أساسية من أسماء الله الحسنى تعادل في عدد مرات تكرارها في القرآن نسبة 75،81% من مجمل أسماء الله، وبذلك فإن المجموعات العشرة الباقية تعادل فقط 25، 18% من أسماء الله، وهذا يعني أن قيمة وتأثير هذه الأسماء ثانوي جداً بالمقارنة مع الأسماء الموجودة في المجموعات الثالثة والخامسة والحادية عشرة.

تتحدث المجموعة الأولى من الأسماء الحسنى عن وجود الله، ونلاحظ أن نسبة تكرارها هي فقط 75،1%، وهي نسبة قليلة بالنسبة لبقية الأسماء، وهذا يفسر لنا سبب عدم وجود فلسفة إسلامية ناضجة تعالج قضايا فكرية وتجريدية ووجودية. فالفكر الإسلامي ينصب في قضايا التشريع وتطبيقاته، مع العمل على إيجاد فتاوى وإجابات لقضايا الحياة باستخدام القرآن والسنة النبوية. وفي الكتابات النادرة التي تبحث قضايا لاهوتية وفلسفية، فإننا نلاحظ تأثير الفكر المسيحي بشكل كبير.

تتناول المجموعة الثانية في الأسماء الحسنى موضوع وحدانية الله، ونسبة تكرار هذه الأسماء قليلة وتعادل 75،1%من مجمل أسماء الله، في حين يتوقع الدّارس أن تكون نسبة هذه الأسماء مرتفعة جداً بسبب كثرة تشديد المسلمين، خاصة في أيامنا، على موضوع وحدانية الله. ولكن عند البحث الدقيق على سبب تشديد المسلمين على وحدانية الله، فإننا نجد أنها عملية رد فعل على مفهوم الوحدانية المسيحية.نجد في المسيحية فكر لاهوتي ناضج وعميق حول عقيدة وحدانية الله في الثالوث القدوس، ويرفض المسلمون عقيدة الثالوث بعصبية واضحة، لذلك نجد الكُتاب المسلمين يشددون على وحدانية الله بتكرار المقطع الأول من الشهادة الإسلامية: ** أشهد أن لا إله إلا الله ** ، وكذلك باقتباس ما جاء في سورة الإخلاص 1:112-4 ** قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد ** . وفي هذه السورة نجد كلمة ** أحد ** ، ولا نجد لهذه الكلمة أي وجود في أي مكان آخر في القرآن، ومع أن صيغة هذه الكلمة هي نكره، إلا أن كثرة التشديد على أحادية أو وحدانية الله، أعطى لهذا الاسم في الإسلام مكانة كبيرة بين أسماء الله الحسنى.

ولكن السؤال الذي نجد له جواباً في جميع الكتابات الإسلامية هو تحديد مفهوم الوحدانية في الإسلام، أي ماذا يقصد المسلمون والقرآن في القول بأن الله واحد؟

يوجد اثنا عشر اسماً في القرآن تتحدث عن مجد الله وكماله، ويتوقع الإنسان أن تكون هذه المجموعة من أسماء الله الحسنى من المجموعات البارزة في القرآن، ولكننا نصاب بخيبة أمل عندما نكتشف أن نسبة تكرارها هي فقط 9،3%، ونفهم السرِّ من وراء ذلك عندما نعرف أن الإنسان المسلم المتدين يعمل جاهداً على طاعة الله في عمل المعروف والنهي عن المنكر من اجل الحصول على رحمة الله ونوال غفرانه، وليس من أجل تمجيد اسم الله. إن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية عن نار جهنم تملأ قلب المسلم بالخوف والرعب، لذلك فهو يخاف من الله ويعمل جاهداً لمرضاته ونيل الغفران، والحق يقال أننا لا نقرأ ولا نسمع أبداً أن مسلماً أتى بعملٍ صالح من أجل مجد الله.

لا يوجد في القرآن اسم لله يدل مباشرة على إرادة الله، فليس لدينا اسم المريد أو المُشيء ولكن لدينا مجموعة من الأسماء التي تتحدث عن أعمالٍ لله يعملها بحسب إرادته وكيفما يشاء، ففي الفكر القرآني نجد أن الله يعز من يشاء ويذل من يشاء، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء، وينفع ويقدم ويرفع من يشاء، ويضر ويؤخر من يشاء، لذلك أفردنا لهذه المجموعة من الأسماء قائمة خاصة بها، مع ملاحظة أن نسبة تكرار هذه الأسماء هي قليلة وتعادل 04،1% فقط من أسماء الله. ومما يلفت النظر وبشكل واضح في أسماء الإرادة هذه هو افتقارنا إلى اسم إرادة يتعلق بخير البشرية جمعاء، أي أننا لا نجد اسماً يقول بأن الله يريد الخير للجميع أو يريد هداية الجميع.

لا يوجد في قرآن المسلمين رواية واحدة متكاملة ومنسجمة تماماً عن كيفية الخلق أو عدد أيام الخلق، ولكن هذا لا ينفي حقيقة إيمان المسلمين بأن الله هو الخالق الذي أوجد الكون من العدم بكلمة الأمر ** كن ** ، وفي المجموعة السابعة لدينا سبعة أسماء حسنى لله تعلن هذه العقيدة، بالرغم من أن نسبة تكرارها هي 12،1%، أي أن اسم الخالق ثانوياً إذا ما قورن مع اسم الرحمان أو العليم.

أورد ابن كثير في كتابه الشهير ** تفسير القرآن العظيم ** معانٍ كثيرة جداً لكلمة الصمد ، ومن جملة هذه المعاني نذكر:-

الذي يَصمُدُ إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم

هو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والعليم والشريف والعظيم والحليم والحكيم،

وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد.

السيد

هو الباقي بعد خلقه

الحي القيوم الذي لا زوال له

الذي لم يخرج منه شيء ولا يطعم

هو الذي لم يلد ولم يولد كأنه جعل ما بعده تفسيراً له

هو الذي لا جوف له

هو الذي لا يأكل الطعام، ولا يشرب الشراب

نور يتلألأ

وفي الرجوع إلى أمهات كتب التفسير الأخرى للقرآن، نجد أن أكثر المفسرين يشددون على المعنى الأول للصمدية، أي أن الله هو ** الذي يَصْمُدُ إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم ** لذلك وضعنا اسم ** الصمد ** في مجموعة الأسماء التي تدل على أن الله هو مالك كل شيء، ولذلك يلجأ إليه الخلق في احتياجاتهم، ونسبة تكرار هذه المجموعة قليل وهو 15،2% على الرغم من اعتراف المسلمون بعجزهم وحاجتهم الدائمة إلى الله الغني ومالك الملك.

توحي كلمة ** الباطن ** بأن الشخص أو الشيء ** الباطن ** هو المستور أو المخفي أو غير المرئي، ولكن لا يرد هذا المعنى في كتب التفسير الإسلامية، ويقول ابن كثير في تفسيره لما ورد في سورة الحديد 3:57 ** هو الأول والآخرُ والظّاهرُ والباطن وهو بكل شيءٍ عليم ** أنه قد اختلفت عبارات المفَسّرين في هذه الآية وأقوالهم على نحوٍ من بضعةِ عشر قولاً. ثم يستشهد بحديث للنبي محمد يبين فيه أن معنى الباطن هو الذي ليس دونه شيء، أي هو قريب إلى كل شيء من الشيء ذاته. فإذا أخذنا معنى اسم الله ** الباطن ** أنه القريب، فإن ذلك يعني أنه يهتم بخلقِهِ، وبالتالي يمكن وضع هذا الاسم ضمن مجموعة أسماء الله الحسنى الدالة علي عناية الله واهتمامه بخلقه. ويتوقع دارس أسماء الله في الإسلام أن تكون نسبة تكرار هذا الاسم كبيرة، ولكنه يكتشف أنها تعادل فقط 9،1%، وكأن الله لا يعتني كثيراً بخليقته ولا يهُّمهُ أمرها كثيراً.

وردي كلمة ** الودود ** مرتين في القرآن، في سورة هود 90:11 وفي سورة البروج 14:85، وهذا الاسم الجميل لله بين جملة أسماء الله الحسنى له رونق خاص، لذلك يتوقع دارس القرآن وتفاسيره أن يجد إطناباً وتوسعاً في شرح معاني هذا الاسم، ولكن الواقع يختلف تماماً، فمثلاً نجد أن ابن كثير لا يذكر تفسيراً لكلمة ** ودود ** في الآية الواردة في سورة هود 90:11، ولكنه يفسرها في سورة البروج 14:85 حيث كتب يقول: ** والودود قال ابن عباس وغيره : هو الحبيب ** . أما الإمام الأشعري فخر الدين الرّازي فيقول أن ** الودود في أسماء الله تعالى المحب لعباده ** ويضيف قائلاً : ** قال الأزهري في كتاب شرح أسماء الله تعالى ويجوز أن يكون ودود فعولاً بمعنى مفعول كركوب وحلوب، ومعناه أن عباده الصالحين يودونه ويحبونه لكثرة إفضاله وإحسانه على الخلق ** . وكتب المفكر سيد قطب أن الوُدَّ هو ** الإيناس اللطيف الحلو الكريم ** ويفسر الشيخ محمود جوده اسم الودود بقوله: ** الودود من الود وهوالحُب. يقال وددت الرجل أوده وداً إذا أحببته، وبذلك نقول بأن الودود والله أعلم بمراده هو المحب لأوليائه وأحبابه عباده الصالحين ** .

نستنتج من جملة ما قاله هؤلاء المفسرون، أن كلمة الود تعني الحُب، ولكنه حُب الله للمؤمنين، أو حب المؤمنين لله، وبهذا فإن الله ** الودود ** في الإسلام لا يحب العالم أجمع، بل أن حبه، أو إيناسه اللطيف، على حد تعبير سيد قطب، محصور في عباده الصالحين. كذلك لا نجد في القرآن كيف أعلن الله هذا الود لعباده، ولا يوجد أي تفسير لهذا الود، وبذلك لا يعرف المسلمون صفات هذا الود من حيث عمقه أو شموليته أو مطالبه.

إن اسم الله ** الودود ** هو من جملة أسمائه الدالة على لطفه وحلمه، لذلك جاء معه أسماءٌ مثل اللطيف والحليم والرؤوف. كذلك جاء في هذه القائمة اسم ** المؤمن ** لأن تفسير هذا السم في الفكر الإسلامي هو الذي ** أمن خلقه من أن يظلمهم ** أو ** صدق عباده المؤمنين في إيمانهم ** ، وهذا من لطف الله على عباده. كذلك جاء اسم الله ** الصبور ** ضمن هذه القائمة لأن هذا الاسم يعني أن الله يصبر على عباده المؤمنين.

يمكننا القول أن هذه المجموعة من أسماء الله الحسنى هي أكثر المجموعات التي تحمل المعاني الرقيقة في علاقة الله مع عباده المؤمنين في الإسلام، ومع ذلك فإننا نجد أن نسبة تكرار هذه الأسماء هي فقط 71،2% وهي نسبة قليلة، وبالتالي فهي تمثل مكانة ثانوية في فكر الإنسان المسلم عن الله.

يمتلأ قرآن المسلمين وسنة نبي الإسلام بالحديث عن عذاب النار في جهنم، ويخاف المسلمون من نار الجحيم، وكثيرون منهم يُصَلّون إلى الله كل يوم حتّى ينجيّهم من النّار، بل أننا نجد أن الخوف من العذاب هو السبب في تديُّن غالبية المسلمين، فالمسلم يصلي ويصوم ويحج طمعاً في النجاة من النار. كذلك فإن المرأة المسلمة تقبل بدورها الثانوي جداً في المجتمع الإسلامي وتلبس الحجاب حتى لا تعلَّقُ من شعرها في جهنم، وما أكثر الخطب ** النارية ** لشيوخ المسلمين اليوم الذين يخاطبون المرأة بلغة الوعيد: ** الحجاب أو النار ** . وهكذا نجد أن فكرة العذاب والدينونة تحتل حَيِّزاً كبيراً في إيمان المسلم الذي يقرأ بخوفٍ ما جاء في سورة مريم 71:19-72 ** وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضيّاً. ثم نُنَجيّ الذّينَ اتُّقوا ونذُرُ الظّالمين فيها جثيّا ** . وقد ورد في قائمة أسماء الله الحسنى ثلاثة عشر اسماً تبين أن الله هو الجبار والقهار والحكم والمنتقم الذي يدين الناس ويعاقب الكافرين، ومع أن نسبة تكرار هذه الأسماء في القرآن هي قليلة جداً وتعادل 2،1% فقط من أسماء الله، فإنَّ هذه النسبة لا تمثل نهائياً ما جاء في القرآن من آيات كثيرة جداً عن العقاب بنار جهنم.

تحتوي المجموعة الأخيرة من أسماء الله الحسنى على ثلاثة أسماء فريدة جداً لله في العقيدة الإسلامية، وهي أسماء السلام والقدوس والنور، وهذه الأسماء في ظاهرها تماثل أسماء وصفات الله الواردة في الكتاب المقدس، ولكن عندما نرجع إلى الكتب الإسلامية لمعرفة التفسير الإسلامي لهذه الكلمات، فإننا نجد فروقاً شاسعة جداً بين الفهم المسيحي والإسلامي لها.

السلام: فسر علماء التفسير المسلمين هذه الكلمة كما يلي

الطبري: ** السلام الذي يسلم خلقه من ظلمه **

الرازي: ** وقوله ** السلام ** فيه وجهان: الأول: أنَّهُ بمعنى السَّلامة ومنه دار السَّلام... والثاني: أَنَّهُ سلام بمعنى كونه موجباً للسّلامة **

ابن كثير: ** السلام أي من جميع العيوب والنّقائص لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله **

سيد قطب: ** وهو اسم كذلك يشيع السلام والأمن والطمأنينة في جنبات الوجود، وفي قلب المؤمن تجاه ربِّهِ ** .

محمود جوده: طاهر نقي سالم من العيوب أو صفات النقص لا يفنى ولا يبيد ** .

القدوس: قال علماء تفسير القرآن هذه المعاني لاسم الله القدوس

الطبري: ** القدوس هو المبارك ** .

الرازي: ** البالغ في النزاهة في الذات والصفات والأفعال والأحكام والأسماء … وأضاف قائلاً: ** إشارة إلى براءته من جميع العيوب في الماضي والحاضر ** .

ابن كثير: ** القدوس أي الطاهر ** .

سيد قطب: ** هو اسم يشع القداسة المطلقة والطهارة المطلقة ** . ولم يفسر سيد قطب هذه الكلمة بشكل مباشر، ويفهم من كلامه أن القدوس هو الطاهر.

محمود جوده: ** القدوس الطاهر ** .

النور : نقرأ المعاني التالية لاسم النور:-

الطبري: ** هادي، أي هادي أهل السماوات والأرض ** ، وقال أيضاً مدبِّر السماوات والأرض ** ، وكذلك ** ضياء السماوات والأرض **

الرازي: ذكر الرازي أربعة تفاسير لكلمة نور التي جاءت في سورة النور 35:24

النور هو الهداية ولا تحصل إلا لأهل السماوات. والحاصل أن المراد الله هادي أهل السماوات والأرض وهو قول ابن عباس والأكثرين.

المراد أنه مدبر السماوات والأرض بحكمة بالغة وحجة نيّرة.

المراد ناظم السماوات والأرض على الترتيب الأحسن فإنه قد يعبر بالنور على النظام.

منوّر السماوات والأرض. منور السماء بالملائكة والشمس والقمر والكواكب والأرض بالأنبياء والعلماء **

ابن كثير: ** هادي أهل السماوات والأرض ** وأيضاً ** يدبر الأمر فيهما ** ، أي في السماوات والأرض .

سيد قطب: قدم تأملات وعظة دون أن يفسر كلمة النور .

من جملة هذه التفاسير لأسماء السلام والقدوس والنور، نجد أن المعنى الغالب لأسم ** السلام ** في الفكر الإسلامي يتعلق بذات الله وخلوه من العيوب والنواقص، ومع أن سيد قطب حاول إعطاء معاني وجودية لهذا الاسم، إلا أنه في كتابه ** معالم في الطريق ** يشدد على دعوة القتال والجهاد ورفض السلام لغير المسلمين.

أما ** القدوس ** فإن المعنى الإسلامي لهذا الاسم كما رأينا هو ** الطاهر ** ولم يقم أي مفسرٍ للقرآن بربط قداسة الله مع عدالته أو مع انفصاله عن الخطية ودينونته لها. كذلك اسم ** النور ** أعطاهُ معظم المفسرين معنى الهادي، ومع جمال هذا المعنى إلا إنه لا يفي الكلمة حقها. أخيراً لا بد من الإشارة إلى أنه بالرغم من جمال هذه الأسماء التي يتميز بها الله عن سواه، إلا أنها لا تذكر في القرآن إلا ثمانية مرات أي بنسبة هامشية جداً تبلغ 64،0%، أي أقل من 1% من أسماء الله الحسنى في الإسلام.

خلاصة: تحتل ثلاثة أسماء لله عند المسلمين نسبة 75،81% من أسماء الله الحسنى، وهي أسماء الرحمان والعليم والحكيم، وبذلك تشكل هذه الأسماء خلاصة العقيدة الإسلامية حول شخص الله . والرحمة هي إحسان أو شفقة قد ينعم بها الله على المسلمين. والعلم يذكر المسلم بأن الله يعرف كل شيء عنه، وبالتالي فهو مراقب ولا مجال له من الهروب أو التملص من شريعة الله، والحكيم يبين سلطة الله على الكون وعلى حياة المسلم بالتحديد، وهكذا يعيش المسلم ضمن هذا المثلث الإلهي أملا في رحمة الله الذي يعلم حتى ما يفكر به هذا المسلم، ومدركاً أن الله الحكيم هو سيد ورب ومدير شئون حياته، وهكذا فلا رجاء له إلا بالتسليم لهذا الإله الكلي العلم والحكمة، والذي منه يرجو الرحمة والنجاة.

أحد خدام الرب

  • عدد الزيارات: 35334