Skip to main content

بحث في كيفية انتشار الإسلام

الفصل السابع

بحث في كيفية انتشار الإسلام

أولاً في بلاد العرب ثم في البلاد المجاورة


من ابن هشام وسير نبي العرب الأخرى نعلم أنه لما ادعى النبوة في مكة في الأربعين من عمره استعمل أولاً الوسائل الودية لانتشار دينه الذي دعاه دين إبراهيم وثبت تعاليمه بتعاليم زيد الحنيف واستعمل نفوذه الشخصي وشدد وحاج العرب ليرجعوا عن عبادة الأصنام إلى عبادة الله تعالى. وكانت امرأته خديجة أول تابعة له ثم تبعها سبعة وهم عبده يزيد بن حارثة (ففك عبوديته) وأبو بكر وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة. ويذكر ابن هشام أسماء آخرين اعتنقوا الإسلام أولاً منهم الفتاة عائشة وهؤلاء اعتنقوا الإسلام سراً في السنوات الثلاث الأول لنبوة محمد ثم بدأ يذيع تعليمه جهراً تحت حماية عمه أبي طالب الذي لم يكن قد أسلم بعد. ولا نعلم إن كان قد اعتنق الإسلام بعد ذلك أم لا. وقد ذكر ابن هشام في الجزء الأول باب الهجرة الأولى إلى الحبشة أن ستة عشر مسلماً فقط هم الذين هاجروا في السنة الخامسة ولكن لحقهم من وقت لآخر آخرون إلى بلاد النجاشي حتى بلغ عددهم ثلاثة وثمانين رجلاً عدا بعض النساء والأولاد ولا دليل على قول بعضهم أن النجاشي أسلم إذ أن بلاد الحبشة لا تزال إلى اليوم تدين بالديانة المسيحية. وبعد ذلك بقليل أسلم قريب من أربعين من رجال ونساء بمكة ويقول أيضاً أن عشرين من نصارى نجران سمعوا القرآن وآمنوا. ولكن غالباً ليس بصحيح فإنه أولاً لا يمكن للمسيحيين أن يدخلوا مكة التي كانت وقتئذ ملأى بالأصنام وثانياً لأنهم بالطبع لم يجدوا في كتابهم عنه شيئاً كما قال ابن هشام وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره.

وقد اجتمع أشراف قريش فأراد محمد ربحهم إلى جانبه بأن أكد لهم أنهم يملكون العرب وتدين لهم العجم لو عبدوا الله وتركوا عبادة الأصنام (ابن هشام).

وبعد هجرة كثيرين من أتباعه إلى الحبشة سعى نفس هذا المسعى لربح قريش بقوله أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترتجى ففرح به المشركون حتى شايعوه بالسجود لما سجد في آخرها (راجع سورة الحج 22: 52) وتفسيرها فانتشرت الأخبار إلىالحبشة بأن أهل مكة قد أسملوا فرجع أكثرهم فوجدوا ما كانوا يخبرون به من إسلام أهل مكة باطلاً لأن محمداً غير الجزء الأخير من الآية حالاً كما تراها الآن في سورة النجم 53: 21-23).

وقد زار بعض رجال الأوس والخزرج الساكنين بيثرب أو المدينة مكة وهناك سمعوا محمداً فأسلم أحدهم ولكنه مات حالاً بعد وصوله لبيته وانتشر الإسلام رويداً ثم جاءه ستة نفر واعتنقوا الإسلام فلم تبق دار من دور الأنصار إلا فيها ذكر رسول الله. وفي بيعة العقبة الأولى جاءه اثنا عشر رجلاً وأرادوا مساعدته قال ابن هشام فاشترط علينا أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا ولا أرجلنا ولا نعصيه في معروف فإن وفينا نلنا الجنة. وسميت هذه البيعة بيعة النساء لأنها لم يفترض عليهم فيها حرباً. وقد بعث النبي مصعب بن عمير إلى المدينة ليعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين.

ثم ربح آخرين منهم رئيسين قويين هما سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وفي السنة التالية رجع مصعب إلى مكة مع ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين من المدينة مسلمين. وفي بيعة العقبة الثانية أرادوا أن يساعدوه بسيوفهم كي ينصروا الإسلام على الشرك فقال لهم لم نؤمر بذلك ولكنه بعد مدة وجيزة صرح لهم أن الله أذن له بالحرب حتى يكون الدين كله لله. ووعد المؤمنين بالجنة. وبعد الهجرة ذهب كل مسلمي مكة تقريباً إلى المدينة وبقي في مكة محمد وأبو بكر وعلي مدة ثم هربوا من الخطر. ولا نعلم عدد المسلمين الذين تركوا وطنهم لأجل دينهم. وبعد سنة ونصف من الزمان خرج معه في غزوة بدر (الأولى) نحو ثلاثة وثمانين مهاجراً فنستنتج من هذا ان عدد الذين أسلموا في الثلاث عشرة سنة الأولى بواسطة تعليمه أكثر من المائة بقليل. ولنلاحظ أنه قد مات منهم نفر قليل. أما الذين اعتنقوا الإسلام في المدينة فكانوا يقلون عن مسلمي مكة بقليل وهؤلاء ربحهم بترغيبه لهم في الملذات الجسدية.

وقد ذكر أبو بكر في خطبته في جامع المدينة بعد موت محمد بقليل كيف أن مساعي محمد الودية لم تفلح في مكة فقال ما معناه مكث محمد أكثر من عشر سنوات بين قومه يدعوهم إلى الإسلام فلم يؤمن منهم إلا القليل وأخيراً بمشيئة الله تعالى بعث إليكم نور محياه واتخذ مدينتكم مأوى هجرته (عن روضة الصفا).

وقد مكث محمد ثلاث عشرة سنة يعمل بالوسائط الودية لنشر دينه وهذه هي الطريقة التي يجب على كل نبي حقيقي أن يتبعها ولكنه غالباً عرف كما صرح أبو بكر أن هذه المساعي لم تفلح إذ طرد من مكة مع أتباعه وسكنوا بين قبائل معادية لقريش. وقد أبقى في ديانته كثيراً من العوائد الوثنية كالطواف والحج واستلام الحجر الأسود فكان يستحيل عليه وعلى أتباعه أن يتمموا هذه الفرائض إلا إذا حاربوا أهل مكة (سورة الحج 22: 41 و42 وسورة البقرة 2: 216) ولم يرجع الأنصار عن رغبتهم في الحرب بل أخبرهم أن الله أمر بالجهاد لأجل الدين فصار نبي السيف وصار السيف حجة الإسلام الوحيدة من ذلك اليوم.


وإذا حكمنا على أخلاق محمد وتابعيه في ذلك الحين فيظهر أنهم ظنوا عدم لزوم اتباع القوانين الأدبية التي تعهدوا بها في بيعة العقبة إنما الأمر الوحيد المطلوب منهم هو الجهاد في سبيل الله بالسيف والحربة والقوس والسهم والخنجر الخ. وكانت هذه الأسلحة الواسطة في ارتكاب محيصة وأبي نائلة جريمة القتل كما ذكرناه قبلاً.

وإننا لا نود أن نشير إلى حالة محمد في العفة بل نشير إلى صاحبه عبد الرحمن الذي ولد له من ستة عشر امرأة عدا السراري. ولما هاجر عبد الرحمن إلى المدينة خيره سعد في أن يطلق له ما يختاره من نسائه ليزوجه بها فتزوج عبد الرحمن إحداهن. ولم يعارض محمد بذلك مع أن هذا زنى بحسب شريعة الله (مت 5: 32 و19: 9 ومر 10: 11 ولو 16: 18) ونرى خالد بن الوليد في فتوحه للشام أن سيرته كانت غير محمودة ومع ذلك لم يسقط اسمه وصيته بين المسلمين حتى أن القرآن أباح للمسلمين تعدد الزوجات واتخاذ السراري كما أن محمداً تزوج بقدر ما شاء وكذلك وعد المؤمنين بلذات شهوانية وخصوصاً للذين جاهدوا في سبيل الله. والذين ماتوا في غزواتهم فإنه شهداء عند ربهم وسترحب بهم الحور العين في الجنة حتى ولو قتلوا في غزوة لنهب الآخرين وللحصول على ما لهم بالقوة.

وما أعلن محمد الإذن بالحرب والجهاد والغزو حتى كثر انضمام العرب إليه وبعد وصوله للمدينة بقليل لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها مسلم كما ذكر ابن هشام. ثم عاهد وآخى بين المهاجرين والأنصار وأمر ببناء جامع.

وقد رأينا الذين أسلموا في غضون الثلاث عشرة سنة الأولى قبل الهجرة أما الآن فكانوا يكثرون جداً حتى أنه لما هاجم مكة بعد ثماني سنوات كان معه عشرة آلاف مسلم وفي السنة التاسعة للهجرة في غزوة تبوك كان معه نحو ثلاثين ألفاً من الرجال وبعد حين لما أرسلهم أبو بكر لفتح الشام قال الواقدي فنظر إليهم وقد ملأوا الأرض ولا شك أن أغلب هؤلاء التابعين قد انتموا إليه حباً في ما كانوا ينالونه من الغزوات وليس رغبة في ملذات الجنة وكان هذا فكر الخليفة المأمون. والبعض اعتنقه جبراً خوفاً على حياته. فكثيرون من اليهود الساكنين في المدينة أو بقربها اعتنقوا الإسلام قال ابن هشام فتظاهروا بالإسلام واتخذوه جنة من القتل ونافقوا في الشر ويذكر أسماء كثيرين من الذين أسملوا ولهم عذر واضح في ذلك وهو ما جرى لإخوانهم بني النضير وبين قينقاع وبني قريظة.

ولكن ليس اليهود فقط الذين خيروا بين الإسلام أو الموت الشنيع بل كانت تلك المعاملة عامة حتى أنها عوملت بها قريش فبعد فتح مكة سنة 8 ه قالت قريش فتلنا فأسلمنا.

ويذكر ابن هشام حكاية إسلام أبي سفيان الذي لما جيء به من السجن إلى النبي قال ويحكيا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله. والله لقد ظننت أنه لو كان مع الله إله غيره لكان قد أغني عني شيئاً بعد قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله قال أما هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً فقال له العباس ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قبل أن تضرب عنقك قال فشهد شهادة الحق إذ اقتنع بقوة تلك الحجة الدامغة وبهذه الحجة نفسها أسلم رفيقاه في سوء الحظ حكيم بن حزام وبديل بن ورقة.

ويخبرنا ابن الأثير ما معناه أن رجلاً يدعى بجير هجا محمداً في كلامه ثم رجع إليه واعتنق الإسلام وأن أخاه المدعو كعب لما سمع بذلك كتب شعراً يعيب محمداً فغضب النبي وأمر بقتله فكتب بجير إلى أخيه وطلب إليه أن يسرع باعتناق الإسلام قبل أن ينفذ فيه الأمر بقتله فانتصح كعب بنصح أخيه وبذلك أنقذ حياته.

وقد رغّب محمد تابعيه بوسائل أدنى من ذلك منها ترغيبه لهم الجهاد حباً في النساء فأمر الناس بالتهيوء لغزو الروم في غزوة تبوك وأخبرهم أنه يريد الروم بخلاف عادته فإنه قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها وأخبر انه يريد غيرها إلا ما كان من هذه الغزوة فقال ذات يوم وهو في جهازه لذلك للجد بن قيس يا جد هل لك العالم في جلاد نبي الأصفر فقال يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشد عجباً بالنساء مني وإني اخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر فاعرض عنه وقال قد أذنت لك ففي جد بن قيس نزلت هذه الآية ومنهم من يقول أئذن لي ولا تفتني إلافي الفتنة سقطوا وأن جهنم لمحيطة بالكافرين أي أنه كان إنما خشي الفتنة من نساء بني الأصفر وليس ذلك به فما سقط فيه من الفتنة أكبر بتخلفه عن رسول الله والرغبة بنفسه عن نفسه (انتهى ملخصاً من سيرة ابن هشام غزوة تبوك) ومما يدل على أخلاقه ما قاله عبد الله الهاشمي لعبد المسيح الكندي في ترغيبه له باعتناق الإسلام ما معناه الترغيب في الملذات الجسدية في الدنيا والآخرة كقوله بسماح الدين الإسلامي له بأن يجمع بين أربع نسوة عدا السراري وختم قوله له وأقبل داخلاً في الدين القيم السهل.


ومن البواعث الأخرى التي كان يحرضهم بها محمد للجهاد هو النهب والسلب وهذا واضح لكننا سنقدم قليلاً من ذلك منها إن عبد الرحمن ابن عوف الذي ذكرناه من المهاجرين جاء إلى المدينة فقيراً ولما مات ترك كومة من الذهب كانت تكال بالفؤوس حتى أدمت أيدي الناس في تفريقها وعدا ذلك ترك ألف جمل وكثيراً من قطعان الغنم والبهائم. ثم بعد غزوة نهاوند كانت الغنيمة فائقة الوصف حتى أنه بعد رفع الأخماس قسم ما بقي من الغنائم فكان سهم الفارس ستة آلاف درهم وكان سهم الراجل ألفين (راجع غزوة نهاوند في روضة الصفا).

وقد صرف محمد وقتاً طويلاً بين الهجرة وموته في وضع طرق الغزوات لإغناء تابعيه قال الواقدي أن محمداً حضر تسع عشرة غزوة من ست أو سبع وعشرين غزوة ويقول ابن الأثير أن الغزوات كانت خمساً وثلاثين ولكن ابن هشام يقول وكان جميع ما غزا رسول الله بنفسه سبعاً وعشرين غزوة.. قاتل منها في تسع غزوات هذا عدا السرايا والبعوث والنهاب الليلية الخ وإننا لا نعلق على أخلاق محمد هذه بل نكتفي بأن نشير إلى ما ذكره الكندي في رسالته عن ذلك فراجعه.

ولكي تطهر البواعث التي سببت انتشار الإسلام في بدء ظهوره وبعده نكتفي باقتباس قول الخليفة المأمون (1) (انظر رسالة الكندي طبعة سنة 1921 وجه 73-75 (من طبعتنا)) والله إني لا أعلم أن فلاناً وفلاناً وفلاناً حتى عدد جملة من خواص أصحابه ليظهرون الإسلام وهم أبرياء منه وبراء مني واعلم أن باطنهم ليخالف ما يظهرونه وذلك أنهم قوم دخلوا في الإسلام لا رغبة في ديانتنا هذه بل أرادوا القرب منا والتعزز بسلطان دولتنا لا بصيرة لهم ولا رعبة في صحة ما دخلوا فيه وإني أعلم أن قصتهم كقصة ما يضرب من مثل العامة أن اليهودي إنما تصح يهوديته ويحفظ شرائع توراته إذا أظهر الإسلام وما قصة هؤلاء في مجوسيتهم إلا كقصة اليهودي وإني لا أعلم إن فلاناً وفلاناً (حتى عدد جماعة من أصحابه) كانوا نصارى فأسلموا كرهاً فما هم بمسلمين ولا نصارى ولكنهم مخاتلون فما حيلتي وكيف أصنع فعليهم جميعاً لعنة الله... ولكن لي قدوة برسول الله وأسوة به لقد كان أكثر أصحابه وأخصهم به وأقربهم إليه نسباً يظهرون أنهم أتباعه وأنصاره وكان يعلم أنهم منافقون وعلى خلاف ما كانوا يظهرون له وصح ذلك عنده وأنهم لم يزالوا يبتغون له الغوائل ويريدون به السوء ويتطلبون له العثرات ويعينون المشركين عليه... ثم ارتدوا جميعاً بعد موته فلم يبق منهم أحد كان يظن به رشداً إلا وعلانية وسراً إلى أن أيده الله وجمع تفرقهم وألقى في قلوب بعضهم شهوة الخلافة ومحبة الدنيا الخ.

وليس الارتداد عبارة عن الامتناع عن دفع الزكاة فقط وإن يكن مخالفاً للقرآن بل أن عموم العرب قد ارتدت عن الإسلام. حقيقة قال ابن الأثير ما معناه ارتدت العرب شرفاء ووضعاء من كل قبيلة وأعلن الشقاق ورفض اليهود والنصارى الخضوع وبقي المسلمون كالغنم في الليلة الماطرة لفقد نبيهم ولقلتهم وكثرة أعدائهم وكانت الظروف حرجة جداً حتى أنهم طلبوا من أبي بكر بشدة أن يبقى الجيش النازل قرب المدينة تحت أمرة أسامة بن زيد الذين أعده محمد قبل وفاته لغزو الشام ولكنه رفض أن يعصي أمر محمد الآخر فأخضع أبو بكر القبائل وردها للإسلام بالوعد والوعيدة بقوة السيف وهذا قد صرح به السيوطي وغيره في قوله لما ارتدت العرب جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردهم إلى الإسلام.

وهنا ابتدأ انتشار الإسلام خارج حدود بلاد العرب. فيجب أن نبحث أولاً كيف تم ذلك بأمر من وما هي الطرق التي استعملت في إقناع الناس بأن محمداً رسول الله وخاتم الأنبياء وبأي روح تم ذلك العمل وبأية حجة قبل أهل الشام ومصر وفارس اعتناق الإسلام.

لما سير أبو بكر الجيوش للشام بعد موت محمد قال ما معناه اعلموا أن رسول الله كان عزم على غزو سورية فأخذه الله إليه... وإني والله عازم على توجيه أبطال المسلمين إلى الشام وقد قال لي رسول الله قبل وفاته: وأعطيت مشارق الأرض ومغاربها وما أعطي لي فهو لأمتي (الواقدي فتوح الشام) ثم كتب أبو بكر كتباً للمسلمين ولمكة يأمرهم بالجهاد والجهاد اسم أطلقه كتبة المسلمين على الحرب وقد أوصى أبو بكر يزيد بن أبي سفيان حين خروجه مع الجيش إلى الشام بما ذكرناه في الفصل الثالث من الباب الثاني من هذا الكتاب ومحمد نفسه أوصى زيد بن حارثة ابنه بالتبني بمثل ذلك اقتلوا أعدائكم وأعداء الله الذين في الشام. وهناك تجدون أناساً في صوامع فلا تزعجوهم ولا تقتلوا امراة أو وليداً ولا تقطعوا نخلاً ولا تخربوا بيتاً (1) (قابل رؤيا يوحنا 9: 4) ولكن ذلك لا يدل على رحمة للنساء فإنهم كانوا يبقين لشيء أردأ هو التسرّي بهنّ. مع ما رأينا من محمد وقتله نساء في المدينة ومكة لسبب هجوه ولم يكن المسلمون أرحم منه على النساء بعد موته. أخبرنا السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء عن امرأتين أولاهما ذمت محمداً والثانية عابت الإسلام فإنهم قطعوا يداً من كل منهما وكسروا أسنانهما الأمامية. ولما سمع أبو بكر بذلك كتب قائلاً لو استشاروا في ذلك لكان أن تقتل الأولى. أما الروح التي بها اعتنقت الأمم المجاورة الإسلام فتظهر في شعر علي بن أبي طالب:

السيف والخنجر ريحاننا

أف على النرجس والآس

شرابنا دم أعدائنا

كأسنا جمجمة الرأس

وذلك بحسب تعليم القرآن فإن في سورة المائدة 5: 33 إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ثم في سورة التوبة أمرهم بعد الأربعة أشهر الحرم بالبراءة من المعاهدة مع المشركين فقال: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَا قْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَا حْصُرُوهُمْ وَا قْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ (سورة التوبة 9: 5). ولا يخلو سبيلهم إلا على شرط إيتاء الزكاة وإقامة الصلاة والتوبة أو بلفظ آخر اعتناق الإسلام. ونجد الحكم على أهل الكتاب في نفس السورة آية 29 قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِا للَّهِ وَلاَ بِا لْيَوْمِ الْآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.


ولا يزال هذا الأمر محتماً على المسلم الذي يجب عليه أن يلزم اليهود والنصارى أن يعتنقوا الإسلام أو تكون حالتهم أذل من حالة العبيد وكما سنرى قام المسلمون بهذا الواجب وبهذا غلبوا الشام وفلسطين ومصر وفارس. لا شك أن الدافع القوي لكثير منهم إلى الرغبة في الحرب هو حب النهب واتخاذ السراري. ولكن لا يفوتنا أن الدين شجعهم على ذلك. فكانوا يصرحون بأن سبب كل حروبهم هو لانتشار الإسلام أو بعبارة أخرى الجهاد وقد رأينا أن أبا بكر دعا غزوة الشام بهذا الاسم. وأن الخليفة عمر في كتابه لعياض بن غانم في فتح ديار بكر وبقية فارس يدعوها الجهاد. والمؤرخون من المسلمين يدعون كل الحروب بهذا الاسم. وكان يقدم لأهالي تلك الأمم القاعدة الموضوعة في سورة التوبة التي قام بحفظها المسلمون خير قيام وسنقدم بعض أمثلة من ذلك كتب أبو عبيدة لأهالي مدينة القدس لما حاصرها المسلمون إذا قبلتم ديننا أو رضيتم بدفع الجزية لا نتداخل في أمركم وإلا فأرسل لكم أقواماً الموت لأجل دينهم أحب إليهم من حبكم في أكل الخنزير وشرب الخمور وكذلك يزيد أرسل بمثل هذه الرسالة إلى مدينة القدس أيضاً. ماذا تجيبون عن دعوتكم الإسلام والحق والشهادة التي هي لا إله إلا الله ومحمد رسول الله حتى يغفر لكم الله ذنوبكم الماضية وبذلك تمنعون سفك دمائكم وإذا رفضتم فاعملوا معنا معاهدات مثل ما عمل من هم أعظم منكم وأقوى وإذا رفضتم هذين الشرطين فالويل والهلاك لكم. وقد ضمن كل ذلك المترجم في قوله إن الرئيسيخيركم بين الإسلام أو الجزية أو السيف فأجابه المسيحيون إننا لا نرتد عن دين المجد وإذا قتلنا فذاك أسهل لنا. وفي بدئ فتح أرمينيا كتب إلى يوستيوس حاكم بلدز يقول أرسلنا لكم كي تشهدوا أن لا إله إلا الله لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله أو تدخلوا في ما دخل فيه الناس أو تدفعوا الجزية صاغرين.

لما أرسل سعد بن أبي وقاص المغيرة بن شيبة إلى يزدجرد في مديان كانت معه رسالة من الخليفة هذا معناها ندعوك إلى قبول الشريعة السمحة فإذا قبلتها لا تدخل قدم في ملكك بدون أذنك ولا يطلب منك سوى الزكاة والخمس وإذا لم تقبلها تلزم بدفع الجزية وإلا فاستعد للحرب. وقال الكاتب أيضاً إذا رفضتم الإسلام ودفع الزكاة والخمس فادفعوا الجزية وأنتم من الصاغرين فسأله يزدجرد عن معنى كلمة صاغر فقال معناها أن تدفع الجزية وأنت واقف على قدميك والسوط يعمل فوق رأسك ويقول الواقدي أن أبا موسى أرسله سعد بن أبي وقاص إلى القائد رستم قبل معركة المقدسية يقول جئنا لنطلب منكم أن تقبلوا الشهادة والإسلام وإلا فالسيف خير شاهد بيننا فيتضح أن المسيحيين والمجوس كانوا مجبورين على دخول الإسلام أو مخيرين بين إحدى ثلاث (1) أما الإسلام رغماً عن إرادتهم (2) أو دفع الجزية وهم من الصاغرين (3) أو الموت. وكله ناتج من قوانين القرآن الواردة في سورة التوبة كما أوردناها قبلاً ولا ننكر أن معاملة المجوس والمشركين كانت أشد من معاملة المسيحيين كما في آية 6 من نفس السورة فإن لقب أهل الكتاب هو لليهود والنصارى فقط.

وعليه فالذين أجبروا على اعتناق الإسلام خوفاً من السيف رفضوه لما رأوا في أنفسهم قوة على ذلك ففي سنة 30 ه أرسل الخليفة عثمان بن أبي العاص أو كما يقال سعد أخاه ضد يزدجرد الذي كان يساعد أهل استخر الذين كانوا خضعوا للإسلام ثم ارتدوا عن الصراط المستقيم ولكن التصريح بأن الإسلام ليس من الله فهو خطر أعظم جداً. إذ أن شريعة القرآن في ذلك القتل فقد جاء في سورة البقرة 2: 217 وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ.

وفي ابن هشام في باب فتح مكة يذكر أن محمداً قتل رجلاً لارتداده عن الإسلام.

وإذا اعتنق الإنسان الإسلام ظاهراً ولم يؤمن به باطناً فهو منافق ومصيره بحسب القرآن أنه في الدرك الأسفل من النار. ومع ذلك فكان الواجب الأول على المسلمين في أيام الإسلام الأولى أن يلزموا الناس باعتناق الإسلام أو بعبارة أخرى يلزموهم بالنفاق وكذلك الشهوات والتجارب العالمية كانوا يقدمونها لمن يقبل الإسلام ولو ظاهراً وبهاتين الطريقتين انتشر الإسلام. وكانوا يتخذون الجهل في تلك الأيام وسيلة لحفظ الناس في هذا الإيمان وذلك واضح من امر الخليفة عمر في المكاتب التي كانت توجد في البلاد التي يفتحونها.

فقد كتب أبو الفرج عن مكتبة الاسكندرية ما معناه.

إن عمرو بن العاص لما فتح مصر سنة 640 م سأل عمر ماذا يعمل بالمكتبة فأجاب إذا وافقت الكتب القرآن فلا لزوم لبقائها وإذا لم توافقه فيجب إتلافها. وفي كشف الظنون سأل سعد بن أبي وقاص لما فتح الفرس عما يعمل بمكاتبها. فكان جوابه ما معناه اطرجها في الأنهار فإن كان فيها هدى فنحن عندنا أحسن هدى في كتاب الله وإذ كان فيها ضلال فليقينا الله شرها وقد أطاعوا أمره في مصر وفارس. إلا أنه في عصر المعتزلة سادت الحرية نوعاً ما في البلاد الإسلامية في البحث والاستقصاء.

والاضطهادات التي وقعت على المجوس الذين رفضوا اعتناق الإسلام جعلت كثيرين منهم يهربون إلى الهند حيث سلالتهم الآن وفي بومباي في وسط الهنود الوثنيين من أن يعيشوا في بلادهم تحت ذل واضطهاد المسلمين. وكل من عاش أو سافر إلى البلاد الإسلامية يعرف مقدار الذل الواقع على الذميين سواء نصارى أو يهود أو مجوس فلا تقبل لهم شهادة في المحاكم ولا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم من الشر والحيف بل هم معرضون في كل آن للمذابح الإسلامية. كما حصل في أطنة وأرمينيا وفي بلغاريا منذ سنوات قليلة. ولمدة أجيال كانت تؤخذ أبناء المسيحيين خطفاً ويلزموا باعتناق الإسلام قسراً ويخدموا كيسقجية وهم جماعة الانكشارية التي أفناها أحد السلاطين قريباً.

ولماكان مصحح هذا الكتاب في فارس بقرب أصفهان كان يعرف شخصاً مسلماً ساكناً بقرية قريبة منه فقال له هذا المسلم منذ خمسين سنة لما كنت ولداً صغيراً كنت أنا ووالدي وكل أهلي من المجوس فأصدر المجتهد (العالم) يوماً ما أمراً بأن يعتنق جميعنا الإسلام. فذهبنا إلى الوالي وترحمنا منه ورفضنا أن نغير ديننا وقدمنا رشوة للعلماء وأشراف المسلمين. فأخذوا مالنا ولم يساعدونا. وصرح المجتهد أنه يقدم لنا فرصة حتى ينتصف يوم الجمعة المقبل فإن لم نعتنق الإسلام في تلك المدة فنقتل كلنا. وفي ذلك الصباح تجمهر حول قريتنا رعاع المسلمين وبأيديهم أسحلة مميتة منتظرين الميعاد المضروب ليبتدأ بالنهب والقتل وانتظرنا عبثاً أن يلين قلب عدونا حتى انتصف النهار ولكن عند الظهرتماماً التزمنا أن نعتنق الإسلام وبذلك أنقذنا حياتنا.

وفي تلك المدينة إلى عهد قريب كان يوجد قانون مؤداه إذا اعتنق فرد من عائلة مسيحية الإسلام ولو كان أصغرهم فكل ممتلكات العائلة تسلم إليه ويطردوا أباه وأمه وإخوته وأخواته من بيتهم ويتركوا في ذل. وإذا تأملنا في التوحش والاضطهاد الذي حل بالذميين في مدة 1300 سنة الماضية في كل البلاد الإسلامية نتعجب كيف أمكن لبعضهم أن يقاوم الاضطهادات التي حلت بهم كي يكونوا منافقين.

وها قد انتهينا من بحثنا في دعوى الإسلام أنه آخر وحي من الله. وإذا تأملنا في المقياس الذي وضعناه في المقدمة وتأملنا في مقدار ما يوافق الإسلام هذا المقياس نجد الجواب سهلاً. وإننا نرى أن الإسلام ليس فيه إلا البند الرابع الذي يتفق مع المقياس ولكن من الوجه الآخر نرى في المسيحية جميع هذه الشروط.

  • عدد الزيارات: 16916