الطلاق
الفصل الرابع عشر
الطلاق
الطلاق في اصطلاح الفقهاء رفع قيد النكاح(1). والرجل وحده هو المؤهَّل لتنفيذه. كان الطلاق معروفاً في شبه الجزيرة العربية قبل محمد، ويفيد فسخ عقد النكاح فوراً ونهائياً. وقد أتى القرآن بقواعد جديدة لم تكن معروفة لدى معاصريه (2).
يمكن أن نلخص الأحكام الواردة في المصادر الفقهية بشأن الطلاق كما يلي: الرجل يملك وحده حق التطليق، ولا يجب عليه أن يذكر سبباً (3). غير أنه يُعتبر مكروهاً، وعند الأحناف حراماً. أما القاعدة القرآنية للطلاق فهي الآيتان: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان (البقرة 2:922) وريا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهنذ (الطلاق 56:1). وأما دليل جوازه في السُنة فما روي عن ابن عمر: أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله. فقال رسول الله: مُره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض. ثم تطهر. ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء (4).
يقول الفقهاء من المذهب الحنفي إن الطلاق يكون أحد الثلاث: الأفضل والحسن والمكروه (النافذ). الطلاق الأفضل أن يطلقها طلقة واحدة رجعية في طهر لَمْ يجامعها فيه، وكذا لم يجامعها في حالة الحيض الذي قبله. والطلاق الحسن أن يطلقها ثلاث تطليقات في كل من الحيضة الأولى والثانية والثالثة أثناء طهرها دون أن يجامعها. وأما الطلاق المكروه أو البدعي فهو طلاقها طلقتين أو ثلاث طلقات في حيضتها بلفظ واحد (5). طلاق الحرة ثلاثاً، وطلاق الأمة طلقتان، ويجوز طلاق المكرهة أيضاً (6).
لا يستلزم الطلاق لجوازه وجود النية المطلوبة مثلاً لصحة الصلاة المفروضة، ويتم بأن يقول الرجل لزوجته: رأنت طالقة أو طلقتك. فإذا قال الرجل لزوجته: أنت مطلقة من هنا إلى الشام فهذا طلاق واحد له الرجعة. فإن قال: أنت مطلقة في مكة أو بمكة فينفذ طلاقها في سائر البلدان. وإن قال: أنت مطلقة غداً فيتم طلاقها بالسَّحر. وإن قال: أنت مطلقة قبل زواجي منك فهذا ليس بطلاق. ولكن إن قال: أنت مطلقة ما لم أطلقك أو إلى أن طلقتك أو حين لم أطلقك، وهي سكتت، فالطلاق نافذ .. ولكن إن قال لها: أنت مطلقة إن لم أطلقك أو إن لم أكن طلقتك، فلا تكون مطلقة إلى أن تُتوفى (7).
لقد أجمع الفقهاء على أن الطلاق لا يتم بصريح القول فحسب، بل يكون عن طريق الإشارة والكتابة أيضاً (8). من هذا القبيل قوله لها: اعتدّي أو استبرئي رحمك! أو أنت واحدة!. وفي هذا الموضوع تفصيل أفرط فيه الفقهاء (9). إذا طلق الرجل امرأته تطليقة واحدة فله أن يرجع إليها أثناء عدتها، ولا يلزمه إذنها، بل يكفي أن يقول لها: قد رجعت إليك أو مسكتك أو أمسكتك (10). يبدو أن حق الرجل في الرجعة استغل به في عهد محمد، حيث كان الرجل يطلق امرأته ثم يرجع إليها قبل عدتها لكي يطلقها من جديد، ليجبرها على دفع المهر إياه، أو عتقها من الرجل، مما أدى بمحمد إلى إصلاح هذا الوضع فجاء في القرآن: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف، ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا. من يفعل ذلك فقد ظلم نفسه، ولا تتخذوا آيات الله هزواً .. واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم (البقرة 2:132-232). فإن طلقها (أي ثلاثاً) فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره (البقرة 2:03) وورد في السنة تأكيداً لهذا الحكم: أن امرأة رفاعة القرظي جاءت إلى رسول الله (ص) فقالت: يا رسول الله، إن رفاعة طلقني فبتَّ طلاقي، وإني نكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي، وإنما معه مثل الهدبة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا! حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته.
حدثني محمد بن بشار: حدثنا يحيى، عن عبيد الله قال: حدثني القاسم بن محمد، عن عائشة: أن رجلاً طلق امرأته ثلاثاً، فتزوجت فطلق، فسُئل النبي (ص): أتحل للأول؟ قال: رلا، حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول (11).
يزعم المستشرق الهولندي Juynboll أن قول القرآن: حتى تنكح زوجاً غيره (2:032) قصد محمد من ورائه منح النساء حلاً وسطاً (12).
لقد ذهب الفقهاء من مختلف المذاهب إلى أن الرجل لا يلزمه ذكر سبب إذا طلق زوجته (13). بيد أن بعض الكتاب والعلماء المعاصرين يدعون عكس ذلك، فيقول الصابوني: فإذا لم تُجْد جميع وسائل الإصلاح للتوفيق بين الزوجين، كان الطلاق ضرورة لا مندوحة عنه. ومن الضرورات التي تبيح الطلاق أن يرتاب الرجل في سلوك زوجته، وأن يطلع منها على الخيانة الزوجية باقتراف (فاحشة الزنى) فهل يتركها تفسد عليه نسبه، وتكدر عليه حياته أم يطلقها؟ وهناك أسباب أخرى كالعقم، والمرض الذي يحول دون الالتقاء الجسدي، أو المرض المعدي الذي يخشى انتقاله إلى الآخر إلى غير ما هنالك من الأسباب الكثيرة. وقد جعل الله جل ثناؤه الطلاق في تشريعه الحكيم مرتين متفرقتين في طهرين - كما دلت على ذلك السنة المطهرة - فإن شاء أمسك، وإن شاء طلق وأمضى الطلاق، فيكون الزوج على بينة مما يأتي وما يذر، ولن يتفرق بالطلاق بعد هذه الروية وهذه الأناة إلا زوجان من الخير ألا يجتمعا لصالح الأسرة وصالحهما بالذات (14).
كثيراً ما يتحدث الكتاب المسلمون عن إباحة الطلاق في الإسلام وأحكامه كمفخرة من مفاخر الإسلام تجاه المسيحية والقوانين الوضعية والتي حرمت النكاح إلا في حالة الزنى (كما هو الحال في المسيحية) أو قيدته بشروط تجعله شبه المستحيل، الأمر الذي يتناقض والفطرة (15).
ونختم هذا الفصل بقول العقاد: رشريعة القرآن الكريم في مسألة الطلاق شريعة دين ودنيا، وكل ما اشتملت عليه من حرمة الدين تابع لما شرع له الزواج أن يتجرد الزواج من مصلحته النوعية الاجتماعية، تغليباً للصبغة العبادية على مشيئة الأزواج.
- عدد الزيارات: 8591