Skip to main content

الشريعة الإسلامية - بنية الشريعة ومحتواها

الصفحة 3 من 5: بنية الشريعة ومحتواها

 

2- بنية الشريعة ومحتواها

بالرغم من وجود عناصر دخيلة من مختلف أنظمة الحقوق, بإمكاننا أن نصف الشريعة كنظام حقوق إسلامي. إن ما يميز الفقه الإسلامي من الحقوق الرومانية والفكرة الأوربية للحقوق هو أن يحتوي الفقه الإسلامي وصايا دينية مفصلة مثل تعيين أوقات الصلاة وطريقة الوضوء وعواقب التقصير في تلك الواجبات, مما لا يمكن تصوُّره في الحقوق الرومانية. ولكن هنا نرى القرابة الوثيقة بين الشريعة والدستور اليهودي التقليدي. إن الشريعة تلزم المسلم بواجبات فقهية وعبادية وأخلاقية في نفس الوقت.

يتناول أبو حنيفة (767-699) قضايا الفقه في ثلاثة أصناف: الفقه العقائدي والفقه العملي (فقه المعاملات) والفقه المعنوي. هذا أول رسم لبناء الفقه الذي بناه الفقهاء فيما بعد أمثال الشافعي والإمام مالك إلى أن أخذ شكله النهائي. فهو يتكون حسب طوره الأخير من خمسة أقسام:

1- الاعتقادات

2- الأخلاق

3- العبادات

4- المعاملات

5- العقوبات

إن القسم الأول والثاني أي الاعتقادات والأخلاق صارا مع الوقت فرعين مستقلين. فنرى الاعتقادات ضمن الكلام, والأخلاق فرعاً للفلسفة الإسلامية. غير أنه من الصعب جداً تحديد حدود واضحة تفصل هذه الأقسام بعضها عن بعض. خلافاً لما نراه في المصادر الأولى. توصف الشريعة في القرون الثلاثة الأخيرة كقانون مكوَّن من ثلاثة أقسام: العبادات والمعاملات والعقوبات. أما العبادات فتتشكل مما يسمى بأعمدة الإسلام الخمسة: الصلاة والزكاة والصوم والحج والشهادة. عدد كبير من أهل السنة يعدون الجهاد أيضاً ضمن هذه الأعمدة .

أما القسم الثاني أي المعاملات فيحوي كتاب العقود وكتاب النكاح وكتاب الفرائض وكتاب الوصايا وكتاب السير وكتاب البيوع. وكتاب العبيد أيضاً كان موضوع الفقه الإسلامي سابقاً.

أما الحقل الأخير (العقوبات) فيتناول في كتاب الحدود وتقرير الأحكام المتعلقة بالجنايات والجرائم. إن القياس حد السرقة والزنا والقذف وأحكام المرتد هي أهم المواضيع التي تهم كتاب العقوبات.

الواجبات العبادية: نريد أن ندرس هذا القسم بشكل مفصَّل, لأن قبول الإسلام يتوقف عليه:

1- الشهادة: يتم الإقرار بالإسلام بتكرار الشهادة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله .

2- الصلاة: هي الصلاة المفروضة التي تؤدَّى في أوقاتها الخمسة.

3- الزكاة: هي تبرع المسلم من ربحه السنوي الصافي وتشكل اثنين ونصف بالمائة يقول الفقهاء إن الزكاة تزيد ثروة المرء وتزكيه.

4- الصوم: هو إمساك المسلم طوال شهر رمضان (الشهر التاسع للعام الهلالي الإسلامي) من الشرب والطعام والعلاقة الجنسية وقت النهار (ما دامت الشمس تشرق).

5- الحج: كل مسلم مكلَّف بحج البيت مرة في حياته إذا مكّنه وضعُه الاقتصادي من ذلك. على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً (آل عمران 97).

إن مسلماً تخلى عن أداء الواجبات الأساسية الوارد ذكرها أعلاه يبقى مسلماً, ما لم ينكر ما أقر به في شهادته. فهو في هذه الحالة ليس بمؤمن. أما الذي ينكر وجود تلك الواجبات أو يستخف بها فيعتبر تارك الإسلام

 

الزواج في الإسلام

لكي نتبين من ملامح الشريعة أكثر, أريد أن أنقل إليكم ما يكتب الإمام عبد الله الموصلى في مؤلفه الاختيار لتعليل المختار . إن المثال الأول من كتاب النكاح, والثاني من كتاب الديات , والأخير من كتاب الجهاد . هنا نص المختار عن كتاب النكاح:

النكاح حالة الاعتدال سنة مؤكدة مرغوبة, وحالة التوَّقان واجب, وحالة الخوف من الجور مكروه, وركنه الإيجاب والقبول. وينعقد بلفظين ماضيين أو بلفظ أحدهما ماضٍ والآخر مستقبل. كقوله: زوّجني, فيقول:زوَّجتك . وينعقد بلفظ النكاح والتزويج والهبة والصدقة والتمليك والبيع والشراء, ولا ينعقد نكاح المسلمين إلا بحضور رجلين أو رجل وامرأتين, ولا بد في الشهود من صفة الحرية والإسلام, ولا تُشترط العدالة. وينعقد بشهادة العميان, وإذا تزوج مسلم ذمية بشهادة ذميين جاز, ولا يظهر عند جحوده. ومن جمع امرأتين إحداهما لا يحل له نكاحها صح نكاح الأخرى, ويجوز أن يتزوج المحرم حالة الإحرام, ونكاح المتعة والنكاح المؤقت باطل.

ولا إجبار على البكر البالغة في النكاح, والسنَّة للولي أن يستأمر البكر قبل النكاح, ويذكر لها الزوج فيقول: إن فلاناً يخطبك أو يذكرك, فإذا سكتت فقد رضيت. ولو ضحكت فهو إذن, ولو بكت إن كان بغير صوت فهو رضاً. ولو استأذنها غير الولي فلا بد من القول, وإذْن الثَّيِّب بالقول, وينبغي أن يُذكر لها الزوج بما تعرفه, ويجوز للولي إنكاح الصغير والصغيرة والمجنونة, ثم إن كان المُزوِّج أباً أو جداً فلا خيار لهما بعد البلوغ, وإن زوَّجهما غيرهما فلهما الخيار. والكفاءة تعتبر في النكاح وتعتبر في النسب. وفي الدين والتقوى, وفي الصنائع, وفي الحرية, وفي المال, ومن له أب في الإسلام أو الحرية لا يُكافئ من له أبوان, والأبوان والأكثر سواء. وإذا تزوجت غير كفءٍ فللولي أن يفرق بينهما, فإن قبض الولي المهر أو جهَّز به أو طالب بالنفقة فقد رضي, وإن سكت لا يكون رضاً, وإن رضي أحد الأولياء فليس لغيره ممن هو في درجته أو أسفل منه الاعتراض, وإن كان أقرب منه فله ذلك. والإذن في العزل لمولى الأمة, وإذا تزوج عبد أو أَمَة بغير إذن المولى ثم أُعتقا نفذ النكاح, ولا خيار للأَمَة.

تزوَّج ذميٌّ ذميةً على أن لا مهر لها أو على ميتة وذلك عندهم جائز - جاز ولا مهر لها. وإن تزوجها بغير شهود أو في عدة كافر آخر جاز إن دانوه, ولو أسلما أُقرّا عليه, ولو تزوجها على خمر أو خنزير ثم أسلما أو أحدهما فلها ذلك إن كانا عينين, وإلا فقيمة الخمر ومهر المثل في الخنزير. وإذا أسلم المجوسي فُرِّق بينه وبين من تزوج من محارمه, ولا يجوز نكاح المرتد والمرتدة, والولد يتبع خير الأبوين ديناً, والكتابي خير من المجوسي, وإذا أسلمت امرأة الكافر عُرض عليه الإسلام: فإن أسلم فهي امرأته, وإلا فُرّق بينهما, وتكون الفرقة طلاقاً. وإن أسلم زوج المجوسية: فإن أسلمت, وإلا فُرّق بينهما بغير طلاق, وإن كان الإسلام في دار الحرب تتوقف البينونة في المسألتين على ثلاث حيض قبل إسلام الآخر, وإذا خرج أحد الزوجين إلينا مسلماً وقعت البينونة بينهما, وكذا إن سُبي أحدهما ولو سُبيا معاً لم تقع, وإذا خرجت المرأة إلينا مهاجرة لا عدة عليها, وإذا ارتد أحد الزوجين وقعت الفُرقة بغير طلاق, ثم إن كان المرتد الزوجة بعد الدخول فلها المهر, وقبله لا شيء لها ولا نفقة, وإن كان الزوج فالكل بعده, والنصف قبله, وإن ارتدا معاً ثم أسلما معاً فهما على نكاحهما.

أما عن عقوبة الزنا فيقول الإمام: إن كان الزاني مُحْصَناً يرجم حتى الموت. ويساق إلى ساحة عرصاء. يبدأ بالرجم الشهود, ثم الإمام, ثم الناس. إن ثبت الزنا بالإقرار بشهادة الشهود بدأ الإمامُ الفاجرَ لا يرجم بل يجلد الفاجر الحر مائة جلدة والعبد خمسين, لا يجلد الرأس ولا الوجه ولا العورات ولا يُركز على موضع دون أخر ولا تُجلد المقاتل من البدن.

يساق الزاني إلى عرصاء ويُجلد أولاً. ينزع من الرجل قميصه والمرأة ثيابها الغليظة كيلا تخفف عنها الوجع. يُجلد الرجل قائماً والمرأة في القعود. لا يُجلد المتزوجون. يجوز أن يُحفر لها إلى البطن كيلا تنكشف عوراتها وهي تهم بالفرار. تنفى الفاجرة من الموضع.

 

كتاب الطلاق

الطلاق ثلاث: الأفضل والحسن والقبيح. إذا طلق الرجل امرأته وهو لم يطأها فهو الأفضل. والحسن أن يمتنع عنها مدة ثلاثة حيض متتالية. من طلقها زوجها أثناء الحيض, يتزوجها على أن يطلقها بعد نهايتها. إذا قال الرجل لامرأته التي وطأها: طلقتك ثلاثاً فكأنها طُلقت ثلاثاً لكل حيض. يكفي أن يقول للأَمَة مرتين. والطلاق نوعان: الأول أن يقول لها: أنت مطلقة, أو طلقتك. والثاني طلقتك حقاً, أو أنت مطلقة البتة. له الرجعة في الأولى ولا رجعة في الثاني. إن قال لها: أنت مطلقة من هنا إلى دمشق فله الرجعة. لا رجعة له إذا قال أنت مطلقة في مكة. له أن يجامعها بعد العِدة الأولى والثانية دون موافقتها.

 

كتاب الديات:

وفي النفس الدية, وكذلك في الأنف والذكر والحَشفَة والعقل والشم والذوق السمع والبصر واللسان وبعضه إذا مُنع الكلام والصُّلب إذا مُنع الجِماع أو انقطع ماؤه أو أحدودب, وكذا إذا أفضاها فلم تستمسك البول, ومن قطع يد رجل خطأ ثم قتله قبل البُرء خطأ, ففيه ديّة واحدة. وما في البدن اثنان ففيهما الدية, وفي أحدهما نصف الدية, وما فيه أربعة ففي أحدها ربع الدية, وفي كل أصبع عُشر الدية وتقسم على مفاصلها, والكف تبع للأصابع, وفي كل سنٍّ نصف عُشر الدية, فإن قلعها فنبتت أخرى مكانها سقط الأَرْش. وفي شعر الرأس إذا حلق فلم ينبت الدية, وكذلك اللحية والحاجبان والأهداب, وفي اليد إذا شُلّت والعين إذا ذهب ضوؤها الدية, وفي الشارب ولحية الكوْسَج وثدي الرجل, وذَكَر الخصِيّ والعينين, ولسان الأخرس واليد الشلاّء, والعين العوراء, والرجل العرجاء, والسنّ السوداء, والأصبع الزائدة, وعين الصبي ولسانه وذَكَره إذا لم تُعلَم صحّته حكومةُ عَدْل, وإذا قُطع اليد من نصف الساعد ففي الكف نصف الدية, وفي الزائد حكومة عدل, ومن قطع أصبعاً فشلّت أخرى, أو قَطَعَ يدَه اليمنى فشَلَّت اليسرى فلا قصاص.

 

من كتاب السير:

الجهاد فرض عين عند الضرورة وفرض كفاية في السلم. قتال الكافرين فرض على كل رجل حر وبالغ وعاقل. إذا اعتدى العدو فهو فرض عين, لا العبد يحتاج إلى إذن سيده ولا المرأة رخصة رجلها. إن كان بجيش المسلمين ضعف, يجوز الجُعْل. وإذا حوصر موضع للكافرين من المسلمين يُدعَوْن إلى الإسلام. إذا أسلموا يُوقف قتالهم. وإذا أبوا فدَفْع الجزية لأهل الكتاب, وإن كانوا ممن أشركوا بالله فإما الإسلام أو القتل. لا يجوز للمسلمين التمثيل بالأعداء ولا قتل المجانين والنساء والأطفال والعمي والشيوخ ولا المقطوعة اليد اليمنى وإن حاربوا يُقتَلون! لا تجوز مصالحة الكافرين إن كان المسلمون قادرين على قتالهم. إن لم يكن لهم القدرة على قتال الأعداء فلهم عقد الموادعة.

تقييم الأوامر والنواهي
الصفحة
  • عدد الزيارات: 26125