Skip to main content

البرهان على ألوهية المسيح

في البرهان على ألوهية الرب يسوع

في البرهان على ألوهية المسيح مما جاء في أقواله

إذا كان يسوع المسيح له الحق في هذا اللقب لقب "إله"، فلابد أن نجده يطالب به حتى لا يبقى للناس شك في أنه اعترف نفسه بألوهيته ومن الوجهة الأخرى أنه إذا كان حقيقة أدعى هذا اللقب فلا يمكننا أن ننكر صدق دعواه هذه وهذا ما حصل فعلاً لأننا لما ندرس في البشائر الأربع وفي سفر الرؤيا يتضح لنا أن يسوع المسيح لم يفصح عن ذاته ويعترف بلاهوته للرسل (الحواريين) فقط ولكنه صرح بذلك أيضاً أمام اليهود وشيوخهم أعدائه الألداء حتى أنهم بسبب دعواه هذه أرادوا رجمه وقتله كما هو مدون في الإنجيل.
وفي بحثنا في هذا الموضوع سنورد أولاً بمعونة الله الآيات التي أدعى فيها المسيح لنفسه الصفات الإلهية أو استعمل لنفسه كلمة "إله" أو سمح لغيره باستعمالها له. ثانياً نذكر الآيات التي يؤكد فيها بنوته لله. وثالثاً نأتي بالآيات التي تكلم بها ملاك أو صوت من السماء يدعونه فيها ابناً لله. ولكن منعاً للتطويل يحسن بنا أن نذكر آيات النوعين الأول والثاني معاً لأنه كثيراً ما تتكلم الآية الواحدة عن ألوهيته وبنوته وسنوضح بعدئذ معنى "ابن الله" منعاً لسوء التفاهم. ولكن يجب أولاً أن نبين أن هذا اللقب قد أُعطي في العهد الجديد للسيد يسوع ولكي نوضح ما تعلمه لنا آيات العهد الجديد يجب أن نبحث في مجموعة العهد الجديد كله وندرسه بإمعان واحترام وبصلاة حارة متواضعين طالبين من إلهنا الرحيم أن يساعدنا على فهم ما أعلنه لنا. ونحن هنا نذكر بعض آيات من البشائر التي قالها المسيح عن نفسه وعن ذاته وعن علاقته بالله وعن صفاته الإلهية وعند ذلك يمكن للقارئ الذي يصغي إلى الحق أن يتأكد أن المسيح ربنا كلمة الله أدعى لنفسه بتكرار ومهابة هذا المقام الأسمى الذي لا يستحقه غيره.
(أولاً) – (1) إن من الصفات الإلهية التي إدعّاها وعمل بها هي مغفرة الخطايا (اقرأ متى 9: 1-8 ومرقس 2: 1-12 ولوقا 5: 17-26) عن شفاء المفلوج في كفرناحوم. لما احضر الشعب ذلك المريض إلى يسوع المسيح فعوضاً عن أن يشفيه في الحال قال له يا بني مغفورة لك خطاياك. ولكن كان الكتبة والفريسيون الحاضرون "يفكرون في أنفسهم قائلين لماذا يتكلم هذا هكذا بتجاديف من يقدر أن يغفر خطايا إلا الله وحده" فواضح من هذا أنهم علموا أن الرب يسوع أدعى عمل ما لا يمكن أن يعمله أحد إلا الله وحده وحيث أنهم لم يؤمنوا به نسبوه للتجديف ولكن أثبت لهم المسيح أن له سلطاناً ليغفر الخطايا وأثبت حقيقة ألوهيته بسبب معجزة شفاء المفلوج الذي هو مرض يعجز عن شفائه الطب والعلم إلى يومنا هذا. وقد شفي المسيح هذا المفلوج بكلمة واحدة من فيه شفاءً تاماً مظهراً أن له قوة تفوق قوة البشر. قد قال "ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا قال للمفلوج لك أقول قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك فقام للوقت وحمل السرير وخرج قدام الكل حتى بهت الجميع ومجدوا الله قائلين ما رأينا مثل هذا قط" (مرقس 2: 10-12). بهذا أظهر المسيح بقدرته الإلهية على الشفاء أنه لم يجدف بل أدعى حقيقة ناصعة هي مغفرة الخطايا إحدى صفات الله.
وعلاوة على ذلك أن المسيح بتسميته نفسه "ابن الإنسان" أدعى لنفسه مقاماً سامياً يفوق جميع الأنبياء والرسل وهذا مأخوذ من كلام النبي دانيال عن تأسيس مملكة الله على الأرض حيث يقول
"كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض." (دانيال 7: 13و14).
(2) في بشارة يوحنا خصوصاً أقوال قالها المسيح عن دعواه منها قوله "أنا هو الطريق والحق والحياة ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي" (يوحنا 14: 6). نعم أن المسيح بين أنه يوجد فرق على نوع ما بينه وبين الآب ولكنه يؤكد أنه لا يمكن معرفة الله إلا بواسطته هو لا سواه وهذا يوافق كل الموافقة ما قاله المسيح عن نفسه في (متى 11: 27 ويوحنا 3: 35و36و 17: 2). وما ذكره عنه الرسل في (روميه 5: 1و2 وفيلبي 2: 9 وعبرانيين 10: 19-22). فحقاً هو الطريق.
وكذلك هو الحق ذلك اللقب الذي يعتبره إخواننا المسلمون أنه أحد الألقاب الإلهية وأيضاً يدعي أنه الحياة وأظهر ذلك إذ قال بعد أن أقام اليعازر من الأموات "أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا وكل من كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد." (يوحنا 11: 25و26).
(اقرأ يوحنا 1: 4 و3: 36 و5: 26و40 و6: 33و35و38) وهو الحق لأنه يقول في (مرقس 13: 31) "السماء والأرض تزولان لكن كلامي لا يزول" ويوافق على هذا القول أشعياء في نبوته (40: 8) "يبس العشب ذبل الزهر أما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد" (قابل يوحنا 7: 48).
(3) إن من الأمور الواضحة المفصلة في العهدين القديم والجديد أن الله هو الإله الواحد المعبود لا سواه يستجيب الدعاء وهذه هي إحدى الصفات الإلهية الخصوصية. وقد وعد يسوع المسيح أن يستجيب الدعاء بلاهوته ولذا قال لتلاميذه في (يوحنا 14: 13و14) "ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجد الآب بالابن. إن سألتم شيئاً باسمي فإني أفعله."


(4) والحياة هي عطية الله فهو الإله الحي وهو وحده يعطي الحياة للآخرين. قال يسوع عن نفسه "أنا هو الأول والآخر والحي" (رؤيا 1: 17و18) هنا تلقب المسيح بثلاثة ألقاب إلهية كما يتضح من هذه الآية الكتابية نتكلم على الأخير منها. فكونه الحي يجعلنا نفهم أنه المصدر الذي تستمد منه المخلوقات حياتها وعليه يعلمنا أن الإيمان به ضروري للحياة الروحية في قوله "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يوحنا 17: 3). وقال عن نفسه أيضاً أنه خبز الحياة ففي (يوحنا 6: 35) قال "أنا هو خبز الحياة من يقبل إلي فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً." وخوفاً من سوء فهم هذا الكلام وضحه يسوع بأنه يقصد المعنى الروحي كما جاء في (يوحنا 6: 63) "الروح هو الذي يحي أما الجسد فلا يفيد شيئاً. الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة." فبالإيمان به إيماناً صادقاً نجد فيه الحياة لأنه يقول "الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية" (يوحنا 6: 47). ولكي يوضح لنا ذلك علمنا أن الإيمان الصادق يجعل المؤمن ومخلصه واحداً بمعنى روحي ويشعر المؤمن إذ ذاك أن يسوع طعامه الروحي كما هو مكتوب "أنا هو خبز الحياة. هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد والخبز الذي أنا أعطيه هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم" (يوحنا 6: 48-51).
ولما ازدرى اليهود بهذه الأقوال كرر عليهم القول قائلاً "هذا هو الخبز الذي نزل من السماء. ليس كما أكل آباؤكم المن وماتوا. من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد" (يوحنا 6: 58).
وإني لا أظن بعد ذلك أن أحداً من القراء يشك في أن يسوع أدعى لنفسه بعض الصفات الإلهية التي تفرد بها وأكثر من ذلك نجده وهو يعلم تلاميذه يقول لهم أنه سيقدم حياته الثمينة ويموت باختياره لأجل العالم ليعطيه الحياة وقد مات المسيح كفارة عن الخطية ليعطي الحياة الأبدية لكل من يؤمن به (راجع عبرانيين 10: 1-10).
(5) إن إخواننا المسلمين يؤمنون كما يمؤمن المسيحيون بقيامة الموتى وهذا واضح تمام الوضوح في كتابنا المقدس ولنعلم كل العلم أن هذه الصفة لا تكون أبداً إلا في الخالق جل وعلا ولذا فلما نجد يسوع مراراً يعلم تلاميذه أنه سيقيم الموتى في اليوم الأخير يجب علينا أن نتأكد أنه يقصد بذلك إعلان ذاته الإلهية خصوصاً بعد أن قال أنه نفسه سيدين العالم ونأتي هنا ببعض الآيات فيتضح لنا ما قد خفي علينا ففي (بشارة يوحنا 5: 21و22و24-29) يقول
"لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحي كذلك الابن أيضاً يحيي من يشاء لأن الآب لا يدين أحداً بل قد أعطى كل الدينونة للابن… الحق الحق أقول لكم أن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة، الحق الحق أقول لكم أنه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون، لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضاً أن تكون له حياة في ذاته وأعطاه سلطاناً أن يدين أيضاً لأنه ابن الإنسان. لا تتعجبوا من هذا، فإنه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة."
وقال في (إنجيل يوحنا 6: 39و40) "وهذه مشيئة الآب الذي أرسلني أن كل ما أعطاني لا أتلف منه شيئاً بل أقيمه في اليوم الأخير. لأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير."
هنا يمكنا أن نرى توفيق الإرادة العلوية ووحدة العمل الذي بين الآب والابن في اتحاد اللاهوت ويعلمنا أيضاً يسوع أنه معطي الحياة كما ذكرنا قبلاً في (يوحنا 11: 25) إذ يقول "أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا." "يسوع المسيح أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل" (2تيموثاوس 1: 10) وما يسميه الناس موتاً ويخافون منه يسميه المسيحيون رقاداً. اقرأ عن استفانوس (أعمال 7: 60) أن الموت ما هو إلا دخول الروح إلى الفردوس لتكون مع المسيح. فالمسيحي الحقيقي إذاً أنقذ من الموت وهو يقول مع القائل "ابتلع الموت إلى غلبة أين شوكتك يا موت، أين غلبتك يا هاوية ولكن شكراً لله الذي يعطينا الغلبة بيسوع المسيح" (1كورنثوس 15: 57).


(6) يقول المسيح أيضاً عن نفسه بمعنى روحي أنه نور للنفوس ولذلك قال في (يوحنا 8: 12) "أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة." ويقول أيضاً في (يوحنا 12: 46) "أنا قد جئت نوراً إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة" ولكي نفهم ذلك جيداً لنرجع إلى شهادة يوحنا نفسه التي ألهمه إياها الروح القدس إذ قال في (يوحنا 1: 4و9) "وفيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس … كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتياً إلى العالم" وقد قال أشعياء النبي موافقاً على هذا الكلام "الرب يكون لك نوراً أبدياً" (أشعياء 6: 20). هذه الكلمات قالها وكتبها النبي أشعياء قبل مجيء المسيح بأجيال عديدة وقد عرفها أتقياء اليهود المعاصرون لهذا الزمن –فما ذكرناه من أقوال المسيح عن نفسه أنه نور العالم يظهر لنا حقيقة مقامه الأسمى وذاته العلية.
(7) أظهر المسيح ذلك أيضاً بطريقة غامضة نوعاً ما إذ قال لليهود في (يوحنا 8: 23) "أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم." ولكي لا نشك في هذا الكلام قال في (يوحنا 8: 42) "لأني خرجت من قبل الله وأتيت." وقال لتلاميذه في يوحنا 16: 27و28) "لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني وآمنتم أني من عند الله خرجت –خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم وأيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب."
وقد عرف يوحنا المعمدان هذه الحقيقة وكان يعّلم قائلاً "الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع والذي من الأرض هو أرضي ومن الأرض يتكلم الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع وما رآه وسمعه به يشهد" (يوحنا 3: 31و32). ومع أن هذه الكلمات وحدها لا تثبت ألوهية يسوع المسيح إلا أنها تبرهن أنه جاء من السماء ومن عند الله وأنه ليس كغيره من الأنبياء كموسى وداود وإيليا ويوحنا المعمدان- هذه العبارة مقتطفة من تعاليم كثيرة حولها لإثبات لاهوت المسيح ولا يمكنا فهمها إلا إذا كنا نفهم التعاليم الأخرى الخاصة بذلك وعندئذ يتضح لنا تماماً معنى قوله "أن المسيح جاء من عند الله" أو كما يقول المسلمون أنه روح.
(8) يعلمنا يسوع المسيح أن محبتنا له عنوان الولادة الروحية الجديدة وهي ضرورية لدخول الملكوت بدليل قوله في (يوحنا 3:3) "إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" ولما قال له اليهود "لنا آب واحد وهو الله" قال لهم المسيح "لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني" (يوحنا 8: 42). بذلك أظهر المسيح أن بغضهم له دليل على أنهم أولاد إبليس وليسوا بأولاد الله كما أعلن لتلاميذه أنه بسبب إيمانهم به ومحبتهم له أصبحوا مقبولين لدى الله ومحبوبين في عينيه وقد قال المسيح في (يوحنا 15: 23) "الذي يبغضني يبغض أبي أيضاً" وكل هذه الآيات إنما تظهر الصلة التي تربطه بالله ويجدر بنا هنا أن نلاحظ أنه يثبت بنوته بقوله أن الله آب له.
(9) ويوضح المسيح أكثر مما مضى أنه لم يكن كائناً سابقاً فقط بل أنه كان قبل خلق العالم مع الله أبيه وهو يستعمل لنفسه اصطلاحاً لا يصح لغيره البتة. ولفهم تلك الحقيقة التي بيّنها نذكر بعض الآيات من الإنجيل. قال لليهود "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح" (يوحنا 8: 56) فاندهش اليهود في ذلك الوقت ولم يفهموا أنه هو المسيا الذي وعد الله به إبراهيم خليله وقد رآه بعين الإيمان فقال له اليهود هازئين "ليس لك خمسون سنة بعد أفرأيت إبراهيم (يوحنا 8: 57) فقال لهم المسيح "الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" ومعنى الفعل "يكون إبراهيم" أي قبل تكوينه في الوجود ومعنى "كائن" هنا أن المسيح يبين أزليته وأنه غير متغير وهذا واضح من قوله "أنا كائن" ولم يقل أنا كنت أو جئت إلى الوجود وقال ميخا النبي في ذلك "أما أنت يا بيت لحم أفراته وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (ميخا 5: 2) وقد اختار الله لذاته هذا اللقب في التوراة لما ظهر لموسى في وسط العليقة المشتعلة بلهيب النار وأمره أن يذهب إلى مصر إلى فرعون ويخرج شعب إسرائيل ولما سأله موسى عن اسمه كان جواب الله لموسى "اهيه الذي اهيه وقال هكذا تقول لبني إسرائيل اهيه أرسلني إليكم" (خروج 3: 14). إن الكائنات بأكملها تنقسم إلى ثلاثة أقسام من حيث زمانها ماض وحاضر ومستقبل وجميعها عرضة للتغير والتبديل وأما الواحد الأبدي فليس له ماض ولا مستقبل بل حاضر أبدي- ولما قال يسوع المسيح عن نفسه "أنا كائن" أثبت ألوهيته بكل صراحة وهذا واضح ليس فقط من معنى كلماته ولكن من الرموز الكثيرة التي وردت في الكتاب المقدس وقد فهم اليهود ذلك ولم يؤمنوا بكلامه وحسبوه مجدفاً "فرفعوا حجارة ليرجموه" (يوحنا 8: 59). إنه من الأهمية بمكان أن نفهم ذلك لأنه يدلنا على مقدار فهم اليهود لكلامه أيامئذ ولسنا بمخطئين إذا قلنا أن أقواله كانت برهاناً قاطعاً على صحة ألوهيته ولقد اجتهد بعض المسلمين أن يشرحوا قوله هذا بأن أرواح البشر كلها كانت موجودة من وقت الخليقة قبل مجيئها لهذا العالم ولو سلمنا جدلاً بصحة هذه الآراء مع عدم وجود الأدلة المثبتة لذلك فالصعوبة واقفة لنا بالمرصاد فأنه لو سلمنا أن جميع الأرواح خُلقت معاً فلا يكون أحدها متقدماً عن الآخر وبالتالي إذا كانت هذه الأرواح قد وُجدت قبل أن تتجسد وتولد بأمد قصير واعتبرنا يسوع المسيح إنساناً كسائر البشر، فكيف يكون المسيح كائناً قبل إبراهيم وهو من نسله بحسب الجسد فهو القائل "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن"؟ ذلك مما يجعلنا نعتقد أن المسيح ليس كسائر البشر وهذا برهان ساطع على صحة طبيعته الإلهية ومما يزيد البرهان صراحة قوله وهو يصلي قبل صلبه "والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يوحنا 17: 5). إذ لا يمكن لبشر أن يقول قولاً كهذا لأنه لم يكن أحد ما كائناً قبل كون العالم لأن خلق الإنسان حصل بعد تكّون العالم فلا يتجاسر أكبر الرسل ولا أعظم الأنبياء أن يقول عن نفسه أنه كائن قبل الخليقة وله نصيب في مجد الله الذي كان قبل كون العالم. اقرأ (تكوين 1و2) ولكن في الإنجيل أظهر المسيح حقاً أنه كائن قبل العالم وفي هذا دليل كاف على إثبات لاهوته الذي ادعاه لنفسه.


(10) وقد أثبت المسيح ألوهيته أيضاً لما له من السلطة على السماء والأرض إذ لما أمر تلاميذه ليذهبوا وينشروا كلمة الإنجيل في جميع أنحاء المسكونة قال لهم "دُفع لي كل سلطان في السماء وعلى الأرض" وفي صلاته الشفاعية في الليلة السابقة لصلبه "رفع يسوع عينيه إلى السماء وقال أيها الآب قد أتت الساعة مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضاً إذ أعطيته سلطاناً على كل جسد ليعطي حياة أبدية لكل من أعطيته" (يوحنا 17: 1و2) وهذا مطابق لما جاء في إنجيل (متى 11: 27) "كل شيء قد دُفع إليّ من أبي."
(وفي يوحنا 3: 35) "الآب يحب الابن وقد دفع كل شيء في يده." إنه ظاهر من هذه الآيات ومن غيرها أن المسيح كلمة الله وابن الآب كما يدعو نفسه ليس ينبوع الألوهية ولكن ذلك واضح من لقبيه "كلمة" و "ابن" ولكنه في الوقت نفسه يصرح بسلطته المطلقة على جميع المخلوقات حتى على الأنبياء والرسل والملائكة ورؤساء الملائكة وهذه السلطة لا تكون لأحد إلا لله تعالى ولا تناسب إلا الطبيعة اللاهوتية.
(11) أخيراً نجده يقبل أن يُلقب إلهاً ورباً لأنه مكتوب في الإنجيل أنه بعد أن قام المسيح من الأموات ظهر لتلاميذه وقال لتوما "هات إصبعك إلى هنا وابصر يديّ وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً. أجاب توما وقال ربي وإلهي وقال له يسوع لأنك رأيتني يا توما آمنت، طوبى للذين آمنوا ولم يروا" (يوحنا 20: 27-29). فما قاله توما إما أن يكون حقاً أو تجديفاً فلو كان تجديفاً لكان يسوع لامه على هذه الكلمات أشد اللوم ولكنه صادق على إقراره هذا وهذا دليل على أن هذه الألقاب هي للمسيح حقاً وفعلاً. ويتضح صدق هذا الكلام عندما نتكلم عن الثالوث المقدس والوحدة الإلهية.
(ثانياً)- نأتي هنا بالآيات التي تكلم بها المسيح عن بنوته لله وقد ذكرنا بعض الآيات التي يدعو نفسه فيها "ابناً" ويدعو الله "أباً" مثلاً (متى 11: 27) ومواضع أخرى ولكن توجد آيات أخرى يُسمي نفسه فيها "ابن الله" أو يصادق عليها عندما يذكرها البعض.
(1) ففي إنجيل متى نقرأ أن يسوع المسيح مشي على مياه بحر الجليل ليذهب إلى السفينة التي كان فيها تلاميذه وقد كادت أن تغرق من شدة الزوابع ولما دخل السفينة سكنت الريح "والذين في السفينة جاءوا وسجدوا له قائلين بالحقيقة أنت ابن الله" (متى 14: 33). وفي إصحاح آخر أراد يسوع أن يتأكد إذا كانوا قد عرفوا مقامه الحقيقي. "سأل تلاميذه قائلاً من يقول الناس أني أنا ابن الإنسان؟ فقالوا: قوم يوحنا المعمدان وآخرون إيليا وآخرون ارميا أو واحد من الأنبياء. قال لهم وأنتم من تقولون أني أنا. فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح بن الله الحي فأجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان ابن يونا إن لحماً ودماً لم يُعلن لك لكن أبي الذي في السموات وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متى 16: 13-18). في هذه الآيات صادق يسوع على حقيقة ما قاله تلاميذه عن تسميته "ابن الله" ولم يصادق فقط أن هذا اللقب له ولكنه أضاف إلى ذلك أن هذه الحقيقة أعلنها الله إلى بطرس وأظهر أيضاً أن بنوته هي الأساس التي تبنى عليه كنيسته وأيضاً أساس الإيمان المسيحي الذي لا يمكن أن يتزعزع أبداً. من هنا يرى إخواننا المسلمون أن هذه التعاليم ليست بهرطقة تسربت للكنيسة بعد مدة من الزمن ولكنها أساسية محضة ولا توجد وسيلة أخرى أعظم من هذه كان في إمكان المسيح أن يعلمنا بها بنوته الإلهية. وفي إنجيل يوحنا قبل المسيح هذا اللقب وصادق عليه فعند إجابته على سؤال نثنائيل بينما كان يصلي تحت التينة وكان المسيح قد بين له ما بقلبه "أجاب نثنائيل وقال له يا معلم أنت ابن الله أنت ملك إسرائيل أجاب يسوع وقال له هل آمنت لأني قلت لك أني رأيتك تحت التينة؟ سوف ترى أعظم من هذا." هنا أيضاً قبل المسيح إيمان نثنائيل وصادق عليه. وقبل أن يقيم لعازر من الأموات قال لمرثا أخته "أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا وكل من كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد" فسألها يسوع "هل تؤمنين بهذا؟ قالت له نعم يا سيد أنا قد آمنت أنك المسيح ابن الله الآتي إلى العالم" ومصادقة المسيح على إيمانها واضح ليس فقط لأنه لم ينتهرها لأجل كلامها بل أقام أخاها من الأموات جزاء إيمانها.
(2) وقد ظهرت بنوة المسيح في أمر هام جداً حينما امسكوه ومضوا به إلى قيافا رئيس الكهنة فلم يكن لشاهدي الزور أن يأتيا بأي دليل ضد المسيح وأخيراً حلف رئيس الكهنة أيماناً عظيمة قائلاً "استحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله؟" (متى 26: 63) ولا شك أن الجواب على هذا السؤال تحت تلك الظروف لابد وأن يكون صحيحاً وكل من يؤمن أن المسيح هو نبي فقط لا يسعه إلا أن يعترف أن جوابه هذا كان حقاً بكل معنى الكلمة. ويعتقد إخواننا المسلمون أن المسيح يقول الحق وهو يدعو نفسه الحق في الإنجيل وأي رجل مهما كانت حالته لا يستطيع أن يكذب تحت هذه الأيمان والأقسام. فضلاً عن ذلك، فقد تأكد القوم الذين كانوا هناك عند محاكمة المسيح أن أقل كلمة تخرج من فيه يمكن تأويلها ولابد وأن تقوده إلى الموت فكان الأجدر بالمسيح في ذلك الوقت أن يعطي جواباً ملتبساً غامضاً ولأن ادعاءه لهذه المرتبة السامية بلا حق كان مما يوجب الحكم عليه. ولكن من المؤكد أن جوابه كان عن روية وإمعان وعلى علم تام بأهميته وخطورته لنفسه ولتلاميذه ولليهود بل ولجميع الناس قاطبة الذين لأجلهم أتي المسيح ليخلصهم لا ليضلهم ويغويهم. وعلى ذلك كان جواب المسيح لرئيس الكهنة "قال له يسوع أنت قلت وأيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء". فكانت دعواه واضحة كالشمس في رابعة النهار وكانت الكلمتان "أنت قلت" كافيتين للدلالة على صحة ما قاله ولكن زاد المسيح عليها لكي يمحو كل الشكوك ولكي يؤمن كل من سمعه أنه هو المسيا ابن الله المُنتظر وبناء على هذا الكلام يقول الإنجيل "فمزق رئيس الكهنة حينئذ ثيابه قائلاً قد جدف ما حاجتنا بعد إلى شهود ها قد سمعتم تجديفه ماذا ترون فأجابوا وقالوا أنه مستوجب الموت" (متى 26: 65و66). إن عقاب التجديف في التوراة حسب ناموس موسى هو الموت وكان في الإمكان أن يعتبروا كلام المسيح تجديفاً إن لم تكن دعواه صحيحة وواضحة وصادقة.


(3) وصرح المسيح أيضاً أنه مُظهر الله وأنه يعلنه تعالى للمؤمنين حتى يروا الله في ذاته ويعرفوه المعرفة التامة لذلك قال المسيح لتلاميذه "لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه" (يوحنا 14: 7) فلم يفهم كلامه فيلبس وقال يا سيد أرنا الآب وكفانا ولما كانت رغبة المسيح أن لا يشك أحد في تعليمه الحقيقي أجاب "أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس؟ الذي رآني فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب. ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب فيّ؟ الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي لأن الآب الحال فيّ هو يعمل الأعمال صدقوني أني في الآب والآب فيّ وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها" (يوحنا 14: 9-11). وقد قال المسيح هذه الأقوال في أوقات مختلفة وظروف متنوعة. قال يسوع "الذي يراني يرى الذي أرسلني" (يوحنا 12 عدد 45) وقال لليهود "إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي ولكن إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فيّ وأنا فيه" (يوحنا 10 عدد 37و38). وهنا فهم اليهود ما كان يقصده المسيح فطلبوا أن يمسكوه ليحكموا عليه بالموت ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك وكانت حجة المسيح أنه لو كان مُجدفاً كما يزعم أعداؤه، لما أتى هذه المعجزات العجيبة العظيمة التي هي عمل القوة الإلهية ولا يمكن أن تعطى القوة الإلهية لشخص يدعي زوراً أنه ابن الله. هنا توقف اليهود عن الجواب لأنهم لا يمكنهم أن ينكروا معجزاته ولكنهم في الوقت عينه لم يقبلوا دعواه ولذا أرادوا أن يقتلوه (اقرأ يوحنا 8 عدد 37-47) فبذلك قد دانوا أنفسهم.
(4) أن يسوع المسيح جعل الإيمان بالله والإيمان بنفسه واحداً وهذا يُظهر تماماً ألوهيته وقد قال لتلاميذه قبل أن يصلب بقليل "لا تضطرب قلوبكم أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي" (يوحنا 14 عدد 1). ثم استمر بعد ذلك يكلمهم عن وعوده وكيف أن له السلطان على السماء والأرض قال "في بيت أبي منازل كثيرة وإلا فأني كنت قد قلت لكم أنا أمضي لأعد لكم مكاناً وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكم إلى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً" ثم قال أيضاً "أنا هو الطريق والحق والحياة ليس أحد يأتي إلى الآب إلى بي" (يوحنا 14 عدد 2-3و6).
(5) أن يسوع المسيح جمع بينه وبين الله بطريقة لا يمكنا بها أن نفهم كلامه ما لم نتذكر ألوهيته. قال المسيح لتلاميذه في يوحنا 14: 23 "إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً"
(6) لم يقل المسيح فقط أنه ابن الله ولكنه يعلمنا أن الإيمان به كابن الله ضروري جداً للخلاص فهو يقول في يوحنا 3 عدد 16-18 "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد" ويقول أيضاً في يوحنا 6: 40 "لأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير." ومكتوب أيضاً أن المسيح فتح عيني الأعمى فنبذ اليهود هذا الرجل لأنه آمن بالمسيح (اقرأ يوحنا 9 عدد 1-11و34). ولكن المسيح لقي الرجل بعد ذلك وسأله قائلاً "أتؤمن بابن الله أجاب ذاك وقال له من هو يا سيد لأؤمن به فقال له يسوع قد رأيته والذي يتكلم معك هو هو فقال أؤمن يا سيد وسجد له."
(7) توجد آيات أخرى كثيرة صرح فيها المسيح بأنه ابن الله ونكتفي هنا بذكر آيتين بعدما ذكرنا كثيراً منها في ما سبق. ذكر إنجيل يوحنا (5: 2-18) أن المسيح شفى إنساناً به مرض منذ ثمان وثلاثين سنة فلما اعترض عليه اليهود لعمل هذا في يوم سبت وصاروا يضطهدونه قال المسيح مدافعاً عن نفسه "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يوحنا 5: 17) هنا أشار المسيح إلى الآية المذكورة في التكوين التي تقول "أن الله استراح في اليوم السابع عن جميع عمله الذي عمل" (تكوين 2:2) ويعني المسيح بذلك أنه وإن كان الله قد استراح من يوم خلق الإنسان على الأرض ولكنه ما زال يعمل في يوم السبت كسائر الأيام وهو يعتني بشعبه ويقوتهم فيه لذلك أنا أيضاً أعمل أعمال الرحمة والشفاء في يوم السبت ولا يخفى أنه في هذه الآية كان يطالب ببنوته لله واليهود فهموا جيداً "ومن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضاً أن الله أبوه معادلاً نفسه بالله" (يوحنا 5: 18).
(8) نجد يسوع يعلم ويصر على هذه التعاليم التي هي جوهر الديانة المسيحية وفي (يوحنا 10: 30) يقول "أنا والآب واحد" وبسبب هذا التصريح كان اليهود يلحون على بيلاطس ليحكم عليه بالموت فقال لهم بيلاطس "إني لا أجد فيه علة" (يوحنا 19: 6) "أجابه اليهود لنا ناموس وحسب ناموسنا يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الله" لو كان المسيح لم يصرح بذلك بل جعل كلامه تلميحاً لا تصريحاً ربما كان قد خلص حياته ولكنه لم يفعل ذلك لأنه هو الحق وكلامه حق. هذا هو سبب من الأسباب الكثيرة التي جعلتنا نحن المسيحيين ندعو المسيح ابن الله وعلى هذه الصخرة نبني إيماننا.


(ثالثاً) - سمعنا الآن ما قاله المسيح عن نفسه وقبل أن نسمع شهادة رسله وشهادة بعض تلاميذه التي أعلنت لهم بواسطة الروح القدس مؤيدة هذه النبوة الإلهية، نأتي هنا بذكر بعض ما قالته الملائكة عن ذلك وبعدئذ نرى أن العناية الإلهية قد أظهرت هذه الحقيقة بكل إيضاح مراراً وتكراراً.
(1) لما أرسل الله الملاك جبريل إلى مدينة الناصرة ليبشر مريم العذراء أنها ستكون أماً لمسيا المنتظر قال لها "لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع هذا يكون عظيماً وابن العلي يُدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية" (لوقا 1: 30-33). فلما قالت مريم كيف يكون هذا أجاب الملاك وقال لها "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يُدعى ابن الله."
(2) وفي الليلة التي وُلد فيها يسوع المسيح في بيت لحم في أورشليم ظهر ملاك الرب للرعاة الذين كانوا يحرسون حراسات الليل وقال لهم "لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. أنه وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب… وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لوقا 2: 10-11 و13-14).
والمهم هنا ليس فقط إرسال الملاك ليبشر بولادة المسيح ولا فرح الجند السماوي بمجيئه لكن أيضاً قول الملاك أن ذلك المولود يكون "المسيح الرب" فالكلمتان "الرب والله" واحد ففي (فيلبي 2: 9) يقول بولس الرسول "ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب" وكان يكتفي في رسالته للعبرانيين بذكر كلمة رب دائماً.
(3) ولما اعتمد المسيح وكان له ثلاثون سنة أتت شهادة علوية هي أعظم من شهادة الملائكة مؤيدة ألوهية المسيح "ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضاً وإذ كان يصلي انفتحت السماء ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة وكان صوت من السماء قائلاً أنت ابني الحبيب بك سرت" (لوقا 3: 21-22 ومتى 3: 13-17 ومرقس 1: 9-11 ويوحنا 1: 32-34).
(4) ومرة أخذ المسيح بطرس ويوحنا ويعقوب وصعد إلى جبل ليصلي "وفيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيرة ولباسه مبيضاً لامعاً وإذا رجلان يتكلمان معه وهما موسى وايليا اللذان ظهرا بمجد وتكلما عن خروجه الذي كان عتيداً أن يكمله في أورشليم وأما بطرس واللذان معه فكانوا قد تثقلوا بالنوم فلما استيقظوا رأوا مجده والرجلين الواقفين معه وفيما هما يفارقانه قال بطرس ليسوع يا معلم جيد أن نكون ههنا فلنصنع ثلاث مظال لك واحدة ولموسى واحدة ولإيليا واحدة وهو لا يعلم ما يقول وفيما هو يقول ذلك كانت سحابة فظللتهم فخافوا عندما دخلوا في السحابة وصار صوت من السحابة قائلاً هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا ولما كان الصوت وُجد يسوع وحده" (لوقا 9: 29-36) (اقرأ متى 17: 1-18 ومرقس 9: 2-8 وبطرس الثانية 1: 17). وفي هذه الآية ليس المهم فقط ذلك الصوت الإلهي ولكن يوجد أمران مهمان جداً. أولهما هذه الكلمات "له اسمعوا" وهي تشير إلى الوعد المذكور في التوراة أن نبياً كموسى يرسل ثم مع هذا الوعد الأمر القائل "له تسمعون" (تثنية 18: 5) ولذا فيكون يسوع المسيح هو ذلك النبي المذكور في ذلك الوعد – أما الأمر الثاني فهو السحابة إذ هي السحابة بعينها التي رافقت بين إسرائيل في البحر الأحمر وفي البرية وهي علامة سكنى الله أو كما يقولون "سكينة الله" ومعناها حضور الله ووجوده. وأي برهان أعظم من هذا على صحة قولنا بأن الرب يسوع المسيح هو ابن الله.
(5) ولكن توجد أيضاً آية أخرى وفيها صوت من السماء يبرهن على صحة دعوى المسيح أن الله آب له. قبل صلبه قال "الآن نفسي قد اضطربت وماذا أقول أيها الآب نجني من هذه الساعة ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة. أيها الآب مجد اسمك" فجاء صوت من السماء مجدت وأمجد أيضاً" (يوحنا 12: 27و28).
ربما يقول البعض عندما يذكر المسيح بالتجلي والإكرام ربما يكون القصد من ذلك إكرامه من حيث أنه نبي عظيم وحتى عند قوله "أنا والآب واحد" ربما يشير بذلك إلى المحبة والوفاق بينه وبين الله كمؤمن حقيقي.
ولكن من تصفح الإنجيل بإمعان وروية رأى أن أقوالا كهذه غير مطابقة أصلاً للآيات التي أوردناها من الإنجيل وقد تكلم يسوع المسيح عن نفسه أن له صفات إلهية تفرد بها كما بينا ذلك قبلاً فمما لا يحتاج إلى برهان أن الوحدة بين المسيح وأبيه السماوي ليست مجرد الوفاق والمحبة ولكنها اتحاد الذات والجوهر- فلو كانت ذات المسيح تختلف عن الذات الإلهية بأي وجه من الوجوه لما أمكنه أن يقول عن نفسه أنه تفرد بالصفات الإلهية حقاً وله المقدرة أن يعطي حياة أبدية وأن يغفر الخطايا وأن يقيم الموتى وأن يعمل أعمالاً أخرى لا يقدر أحد أن يعملها إلا الله وحده جل وعلا. قال في (يوحنا 5: 22و23) "أن الآب قد أعطى كل الدينونة للابن لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله" فهذا الإكرام الذي يطلبه المسيح من شعبه هو إكرام حقيقي لا كالإكرام الذي يُقدم إلى أحد عظماء الناس أو الأنبياء بل يطلب الإكرام اللائق لمقام الله الحي الأبدي – لما دعا توما المسيح إلهاً ورباً قبل المسيح هذين اللقبين ولم يكونا على سبيل الإكرام فقط لأن المسيح تفرد حقاً بالذات والصفات الإلهية.
ولو كان الأمر غير ذلك لما صادق المسيح على هذه الأقوال بل عدها تجديفاً ولكنه استحسنها بدليل قوله "لأنك رأيتني يا توما آمنت، طوبى للذين آمنوا ولم يروا" وبالاختصار يتضح جلياً مما ذكرناه من الآيات أن المسيح ادعى الألوهية لنفسه بكل صراحة وحق- ولذا فكل من يفتش عن الحق برغبة وبقلب خلو من جميع الأغراض والتعصب ويريد أن يقبل ما يعلمنا به المسيح في كتابه المقدس فلا يعتريه أدنى شك فيما بعد ولا يقف أمامه مانع ما في قبول التعاليم الخاصة بألوهية يسوع المسيح كلمة الله.
ولكن ربما يقول البعض أن آخرين غير المسيح زعموا في أنفسهم الألوهية كمنصور الحلاج مثلاً الذي قال عن نفسه (أنا الحق) وربما يقولون أيضاً أنه قام كثيرون في عصرنا هذا بمثل هذه الادعاءات كبهاء الله في العجم وكثيرون من الصوفيين والدجالين المعتوهين فيسألون لم يكون المسيح محقاً في دعواه أكثر من هؤلاء ؟ إن اعتراضات كهذه لا تخرج من لسان مسلم حقيقي ولو سألها أحد الكافرين رغبة في الوقوف على الحق فللرد عليها نقول – إن بعض هؤلاء الناس هم باطنيون وربما عنوا بألوهيتهم أنهم جعلوا إرادتهم وسلوكهم وإرشاداتهم خاضعة منقادة لله فطبقاً لإرادته المقدسة فإن كانوا قد عنوا ذلك فقط فمن الجهل والخطأ أن يدعى إنسان هذا قصده بأنه هو الله لأن ذلك ما هو إلى تجديفاً.


قد فهمنا تماماً الغرض من ادعاءات المسيح ونؤمن بألوهيته حقاً ونرفض بتاتاً ادعاءات الكذبة لأن ألوهية المسيح مثبتة ومؤيدة ببراهين واضحة لا تقبل التأويل ولا يوجد لدينا أدنى دليل أنه يحق لأحد من الناس بأي وجه من الوجوه أن يدعي أنه الله أو ابن الله أو مظهرا الله أو أي صفة أخرى من هذا القبيل. فمن من الناس شهدت له الملائكة إثباتاً لدعواه أو نزل له صوت من السماء أو تنبأت الأنبياء في العهد القديم إعلاناً لمجيئه أو له قوة فائقة لعمل المعجزات أو حدث له التجلي أو قام من بين الأموات أو له السلطان على إعطاء الحياة الروحية للمؤمنين وغفران خطاياهم كي يعيشوا في ما بعد بأمانة حتى الموت أو به تمت النبوات وفوق كل شيء من من البشر له تلك الصفات الجميلة والحياة الطاهرة الكاملة التي كانت للمسيح ذلك النبي المعصوم؟- ولو تركنا كل شيء يختص بحياة المسيح على الأرض إلا أخلاقه وصفاته المعصومة التي بلا نقص ولا عيب تلك الصفات التي أظهرت للملأ أنه إله جدير بالمحبة والوقار لكانت هي الكافية لتثبت أن المسيح كان يتكلم الحق وكل ما قاله عن نفسه هو حق- وقد أجاد جلال الدين الرومي في قوله في المثنوي أن أقوى دليل على الشمس هو وجودها فإن استدللت بها عليها فلا تحول وجهك عنها- إن من يطالع الإنجيل بإمعان يدرك أنه توجد آيات كثيرة غير تلك الآيات التي تثبت ألوهية المسيح مظهرة ناسوته الكامل وهذا ما نقصده عند التكلم في تجسد كلمة الله وهذا التعليم لا يقل إيضاحاً في الإنجيل عن تعليم لاهوت المسيح. فمثلاً نقرأ في بشارة (يوحنا 1: 1-4و14) "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند ا لله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس … والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً" ونقرأ عن المسيح أيضاً في (فيلبي 2: 6-8) "الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب." فالإنجيل ثبت أن تجسد المسيح ليس ظاهرياً فقط بل حقيقياً ولد المسيح ونمى في الحكمة والمعرفة، أكل وشرب ونام وقام وجاع وتعب واحتمل الآلام والأحزان. ثم مات على الصليب ودُفن وأخيراً قام من بين الأموات. كل ذلك ويقول عن نفسه أن الله أرسله وأعطاه كل سلطان في السماء وعلى الأرض وقد قال أنه لا يعرف اليوم ولا الساعة التي يكون فيها انتهاء العالم وقال أن أباه أعظم من نفسه وكإنسان تقي صلى إلى الله وسأله لكي تعبر عنه الكأس إذا سمحت مشيئته بذلك وأخيراً وهو يشرب غضض الموت على الصليب كرر ما قاله صاحب المزامير "إلهي إلهي لماذا تركتني؟" كل هذا يثبت أن المسيح مع كونه كلمة الله الذي كان معه منذ الأزل اتخذ لنفسه هيئة إنسان وطبيعته ولكن كان بلا دنس ولا عيب (وذلك لأن الخطية لم تكن أصلية في طبيعة الإنسان).
إن آيات الكتاب المقدس التي تثبت ناسوت ربنا يسوع المسيح لا تناقض تلك الآيات التي تعلمنا عن ألوهيته ولكن كلها تثبت صريحاً أن المسيح هو إنسان كامل كما أنه إله كامل وهذا مما يجعلنا نؤمن بكفارته- فلو كان إنساناً فقط لما كان موته كفارة من أجلنا ولا يكون عندئذ قد أظهر الله محبته للبشر- إن الكتاب المقدس بيّن أن ألوهية المسيح أظهرت صفاته الإلهية كما أن ناسوته أظهر صفاته البشرية ولم تكن هاتان الطبيعتان الممتازتان مركبتين أو (مخلوطتين) بل كانتا في اتحاد معاً في يسوع المسيح الواحد- ابن الإنسان وكلمة الله.
إن المسيح إذ جاء إلى هذا العالم في هيئة إنسان صار دون الله ولأنه كان منذ الأزل قبل خلق العالم مع الله أبيه فهو معادل له. وكل هذا واضح تمام الوضوح فيما سبق ذكره من آيات الكتاب المقدس أما تجسده فلم يغير ذاته الإلهية لأن الذات الإلهية بعيدة عن كل تغيير وتبديل فالمطلق لم يصر بعد مقيداً أو الضروري والواجب الوجود اتفاقا والقديم لم يعد حادثاً أو الباقي فانياً أو الغير محدود محدوداً. إذن فأولئك الذين يعترضون على تجسد المسيح ويقولون أنه مغاير لحقيقة عدم تغير الله كان يجب عليهم بالأحرى أن يعترضوا على حلول ( ) الروح في الجسد- أن الروح لا تتركب مع الجسد بأن يصير الاثنان واحداً ولا تفقد الروح صفاتها الطبيعية وقت وجودها في الجسد- كذلك الحال في التجسد إذ أن الذات الإلهية لكلمة الله لم تفقد ولم تبق مركبة مع الذات البشرية عندما تجسد المسيح مع أنه ليس لهذا الاتحاد منتهى- نعم أن الفرق بين الماديات والروحيات عظيم جداً ولكننا نعرف أنه يمكن أن يتحد الواحد مع الآخر كما هي الحالة مع كل منا- أن الروح تتحد مع الجسد ولكنا نجهل كل الجهل معنى هذا الاتحاد وعلى هذا النمط الصعب جداً للعقل البشري المحدود أن يدرك الطريقة التي اتحدت بها الذات الإلهية والذات البشرية في المسيح يسوع- الحق غير محدود في دائرة إدراكنا ومقدرتنا نحن غير أن البراهين المثبتة لتجسد كلمة الله واضحة تمام الوضوح في الكتاب المقدس فلنكتف بها ولا حاجة بنا إلى سواها.
سأل بعض الناس لِم لم يوضح المسيح ألوهيته ويظهرها جيداً حتى لا يلتبس الأمر على أحد ولا يشك أحد بعد؟ ورداً على هذا نذكر لهم الآيات التي أوردناها على هذا الموضوع وقد أثبت المسيح ألوهيته ليس فقط في آية واحدة ولكن في آيات كثيرة ومن يطالع الإنجيل بعيداً عن الغرض والتعصب مصلياً لله بغيرة طالباً إرشاده فلا يبقى في مخيلته شك ما في هذا الموضوع.
ولله در جلال الدين الرومي إذ قال في كتابه المسمى بالمثنوي ما معناه "التعصب غشاء يطمس الفهم وحجاب يعمي الأبصار"
لو كان المسيح أوضح أقواله أكثر بمائة مرة لما أمكنه أبداً أن يقنع أولئك الذين لا يرغبون في الإيمان خوفاً من أن يصيروا تلاميذ له يحتملون اضطهادات العالم من أجله بل ربما كان هؤلاء يكرهون المسيح أكثر من غيرهم ولكن كلما كثرت المعرفة كلما عظم القصاص على أولئك الذين يتعامون عن معرفة كلام الله كما يقول الإنجيل (يوحنا 3: 19-21) "وهذه هي الدينونة أن النور قد جاء إلى العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة. لأن كل من يعمل السيئات يبغض النور ولا يأتي إلى النور لئلا تُوبخ أعماله وأما من يفعل الحق فيقبل إلى النور لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة."
إن التعاليم المختصة بحقيقة ذات يسوع المسيح الذي هو نور العالم كانت كافية أن تجعل الرسل (الحواريين) وغيرهم يعترفون أن المسيح هو المسيا المنتظر ابن الله مخلص العالم، لهؤلاء كان النور كافياً، فلماذا لم ير الآخرون هذا النور؟ ذلك لأن التعصب وحبهم للعالم وحبهم لمصلحة أنفسهم وعدم تقواهم وما فيهم من النقائص والرذائل وإهمالهم وعدم إيمانهم كل هذه أعمت بصائرهم فلم يعودوا يرون النور بل عاشوا في الظلمة وظلال الموت.
إن تعاليم المسيح واضحة جداً في أيامنا هذه حتى أنه يمكن لربوات اليهود والوثنيين أن يرجعوا إلى الله فيصيروا مسيحيين حقيقيين. ولتعلم أيها القارئ الكريم أن أولئك القوم الذين آمنوا بالمسيح ليسوا بأحذق منك. إن تعاليم ألوهية المسيح كانت مفهومة مدركة حتى أن اليهود حاولوا مرات كثيرة أن يرجموه بسبب تصريحه هذا لهم بألوهيته- إن المسيح لم يوضح في أول الأمر هذه الحقيقة لأن تلاميذه لم يكونوا قد تقدموا في المعرفة كثيراً فكان يعلمهم إياها شيئاً فشيئاً حتى اعترف بطرس بها أخيراً كما رأينا- بل كان يوجد فيهم من لم يعرفها إلا بعد قيامته وربما بعد صعوده لأن هذه الحقيقة كان يصعُب فهمها لما رأوه من فقر وتواضع المسيح وهو على الأرض معهم وذلك هو أحد الأسباب التي قال من أجلها "أنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي ولكن إن ذهبت أرسله إليكم… إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأما متى جاء ذلك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق" (يوحنا 16: 7و12و13) إن روح الحق الذي يتكلم عنه هنا هو الاقنوم الثالث للثالوث الأقدس وقد وعد المسيح تلاميذه أن يعطي لهم بواسطة إلهام الروح القس معرفة أكثر بنفسه وبذاته الإلهية ولذا قال في (يوحنا 16: 14) "ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" وقال أيضاً في (14: 26) "فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" وقد تم وعد المسيح فعلاً ونزل الروح القدس المعزي بعد صعود المسيح بعشرة أيام على تلاميذه. إن ذاك الروح القدس الذي سنتكلم عنه بمشيئة الله بإيضاح أوفى وأتم قد أضاء عقولهم وأرواحهم بنور من السماء فأظهر لهم ما قد خفي عنهم من الحقائق العظيمة التي كانوا يسمعونها ويتعلمونها من المسيح وبقوة ذلك الروح ونعمته عملوا عجائب عظيمة كشفاء المرضى لأن الحواريين كانوا في مقام الأنبياء وغيرهم من الرسل الإلهيين كما أوضحنا ذلك في كتاب "ميزان الحق" ( ) فكان لهم السلطان أن يعلموا بكل ما علمهم إياه المسيح بقوة الروح القدس وقد جُمع كل ما كتبوه في كتاب العهد الجديد وفيه بينوا أن تعليم ألوهية المسيح هو أساس كل شيء وجوهر المسيحية وسنرى ذلك بأكثر وضوح في الفصل الثاني بنعمة الله.

  • عدد الزيارات: 42341