Skip to main content

تأثيرات عرب الجاهلية - مصدر الديانة الإسلامية الأول

الصفحة 4 من 4: مصدر الديانة الإسلامية الأول

واضحٌ أن مصدر الديانة الإسلامية الأول كان تلك الفروض الدينية والعادات والاعتقادات التي كانت متداولة وسائدة في أيام محمد بين قبائل العرب، ولا سيما قريش .

ولم أعرف جواباً يرد به المسلمون على أقوال المعترضين هذه، إلا قولهم إن هذه الفروض والعادات أنزلها الله أولاً على إبراهيم، ثم أمر محمداً أن يبلغها للناس ثانية ليتمسكوا بها تمسكاً راسخاً. ولكن واضحٌ من خمسة أسفار موسى أن الاعتقاد بوحدانية الله، وفرض الختان كان من أركان ديانة إبراهيم، إلا أنه لم يرد في التوراة والإنجيل ذكر لمكة ولا للكعبة ولا للطواف ولا للحجر الأسود ولا للإحرام. ولا شك أن العادات المرتبطة والمتعلقة بهذه الأشياء هي اختراعات عبدة الأصنام، وليس لها أدنى ارتباط ولا علاقة بدين إبراهيم.

وقال المعترضون إن بعض آيات القرآن مقتبسة من القصائد التي كانت منتشرة ومتداولة بين قريش قبل بعثة محمد. وأوردوا بعض قصائد منسوبة إلى امرئ القيس مطبوعة في الكتب باسمه تأييداً لقولهم. ولا شك أنه ورد في هذه القصائد بعض أبيات تشبه آيات القرآن، بل هي عينها، أو تختلف عنها في كلمة أو كلمتين، ولكنها لا تختلف معها في المعنى مطلقاً. وهاك الأبيات التي يوردها المعترضون، وقد أظهرنا العبارات التي اقتبسها القرآن بخط أوضح:

دنت الساعةُ وانشقَّ القمر عن غزالٍ صاد قلبي ونفر
أحور قد حرتُ في أوصافه ناعس الطرف بعينيه حَوَر
مرَّ يوم العيــد في زيــنتـــه فرماني فتعاطى فعقر
بسهامٍ من لــِحاظٍ فاتــكِ فتَرَكْني كهشيمِ المُحتظِر
وإذا ما غــاب عني ساعةً كانت الساعةُ أدهى وأمرّ
كُتب الحسنُ على وجنته بسَحيق المِسْك سطراً مُختصَر
عادةُ الأقمارِ تسري في الدجى فرأيتُ الليلَ يسري بالقمر
بالضحى والليلِ من طُرَّته فَرْقه ذا النور كم شيء زَهَر
قلتُ إذ شقَّ العِذارُ خدَّه دنت الساعةُ وانشقَّ القمر
وله أيضاً:
أقبل والعشاقُ من خلفه كأنهم من كل حدبٍ يَنْسلون
وجاء يوم العيد في زينته لمثل ذا فليعملِ العاملون

وقال المؤرخون إنه جرت العادة سابقاً بين العرب أنه إذا نبغ بينهم رجل فصيح بليغ، وألف قصيدة بديعة غراء علَّقها على الكعبة، وأن هذا هو سبب تسمية «المعلقات السبع» بهذا الاسم، لأنها عُلِّقت على الكعبة. غير أن بعض المحققين الثقاة أنكروا أن هذا هو سبب التسمية. إلا أن هذا قليل الأهمية. وقال المفسر الشهير أبو جعفر أحمد بن إسماعيل النحاس (توفي سنة 338 هـ) في هذا الصدد: «اختلفوا في جامع هذه القصائد السبع، وقيل إن أكثر العرب كانوا يجتمعون بعكاظ ويتناشدون الشعر، فإذا استحسن الملك قصيدة قال: علقوها واثبتوها في خزانتي. فأما قول من قال عُلِّقت على الكعبة، فلا يعرفه أحد من الرواة. وأصح ما قيل في هذا إن حماداً الرّاوية، لما رأى زُهد الناس في الشعر، جمع هذه السبع وحضَّهم عليها، وقال لهم: هذه هي المشهورات. فسُمِّيت «القصائد المشهورة» لهذا السبب. وقال السيوطي بالفكرة نفسها، وأضاف إليها أن الأشعار كانت تُعلَّق على الكعبة (كتاب مذكر ج 2 ص 240).

ومن الحكايات المتداولة في عصرنا الحاضر أنه لما كانت فاطمة بنت محمد تتلو آية «اقتربت الساعة وانشق القمر» (سورة القمر 54:1) سمعتها بنت امرئ القيس وقالت لها: هذه قطعة من قصائد أبي، أخذها أبوك وادعى أن الله أنزلها عليه. ومع أنه يمكن أن تكون هذه الرواية كاذبة، لأن امرء القيس توفي سنة 540م، ولم يولد محمد إلا في سنة الفيل (أي سنة 570 م) إلا أنه لا ينكر أن الأبيات المذكورة واردة في سورة القمر 54:1 و27 و29؛ وفي سورة الضحى 93:1 و2؛ وفي سورة الأنبياء 21:96؛ وفي سورة الصافات 37:61، مع اختلاف طفيف في اللفظ وليس في المعنى. مثلاً ورد في القرآن «اقتربت» بينما وردت في القصيدة «دنت». فمن الواضح وجود مشابهة بين هذه الأبيات وبين آيات القرآن. فإذا ثبت أن هذه الأبيات هي لامرئ القيس حقيقةً، فحينئذ يصعب على المسلم توضيح كيفية ورودها في القرآن، لأنه يتعذر على الإنسان أن يصدق أن أبيات وثني كانت مسطورة في اللوح المحفوظ قبل إنشاء العالم.

ولستُ أرى مخرجاً لعلماء الإسلام من هذا الإشكال إلا أن يقيموا الدليل على أن امرء القيس هو الذي اقتبس هذه الآيات من القرآن، أو أنها ليست من نظم إمرئ القيس الذي توفي قبل مولد محمد بثلاثين سنة. ولو أنه سيصعب علينا أن نصدق أن ناظم هذه القصائد بلغ إلى هذا الحد من التهتك والاستخفاف والجراءة، بعد تأسيس مملكة الإسلام حتى يقتبس آياتٍ من القرآن ويستعملها بالكيفية المستعملة في هذه القصائد!

الصفحة
  • عدد الزيارات: 13752